عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية alyatem
alyatem
عضو برونزي
رقم العضوية : 77639
الإنتساب : Mar 2013
المشاركات : 741
بمعدل : 0.17 يوميا

alyatem غير متصل

 عرض البوم صور alyatem

  مشاركة رقم : 9  
كاتب الموضوع : alyatem المنتدى : المنتدى الفقهي
افتراضي
قديم بتاريخ : 31-03-2013 الساعة : 10:56 AM


شموليّة العرض‏

1- لقد سعيتُ أن يكون هذا الكتاب مصدراً جامعاً حول (محمّد باقر الصدر)، ومن هنا فقد مررت على جميع ما عثرت عليه حول الموضوع، ابتداءً ممّا كتب في حياته (ره)، وصولًا إلى آخر ما صدر في الأسواق ووصلني. ومن أحدث ما صدر وأخذته بعين الاعتبار:
* كتاب (محمّد باقر الصدر .. حياة حافلة .. فكرٌ خلّاق) للسيّد محمّد الحسيني، الذي حوى الكثير ممّا لم تحوه كتابات السيّد الحسيني السابقة.
* كتاب (الصدر في ذاكرة الحكيم) للسيّد محمّد محمّد الحيدري، وهو في الحقيقة تجميعٌ لبحوث السيّد محمّد باقر الحكيم (ره) والتي كنّا قد أخذناها بعين الاعتبار في التصنيف، وقد بدأتُ بالإرجاع إلى فصوله الأولى، ولمّا ضاق الوقت أعرضت عن ذلك لوجود المعلومات مسبقاً، واكتفيتُ يإثبات ما أضافه السيّد الحيدري باسم (المحقّق).
* ثمّ صدرت الطبعة الجديدة من (مقدّمة مباحث الأصول) للسيّد كاظم الحائري، ولكنّ ضيق الوقت من ناحية وعدم اشتمالها على أيّة إضافات خلت منها الطبعة السابقة، حالا دون أخذها بعين الاعتبار.
* وبعدها صدر كتاب (وجع الصدر .. ومن وراء الصدر أم جعفر)، للكاتبة الأمل البقشي، وقد

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 34

اعتمدنا على النسخة التي تفضّلت بها أسرة السيّد الصدر (ره)، والتي عيّنت فيها الموارد التي تحفّظت على نشرها.
* ثمّ وقع تحت نظري الطبعة الجديدة من كتاب (بغية الراغبين) للسيّد عبد الحسين شرف الدين (ره) وملحقاتها لنجله السيّد عبد الله، حيث طبعت ضمن (موسوعة الإمام شرف الدين) الصادرة مؤخّراً عن دار المؤرّخ العربي، بعد أن تمّ تحقيقها في مكتب الإعلام الإسلامي في قم، ولكنّها على أيّة حال لا تشتمل على إضافات أو معلومات لم نوردها في الكتاب، ولكنّنا استفدنا من الجزء التاسع من الموسوعة لتوثيق بعض الإحالات التي كنّا قد اعتمدنا على نسخها الخطيّة قبل طباعة الموسوعة المذكورة.
* وآخر ما وجدته إلى حين كتابة هذه السطور كتيّب (الشهيد الصدر .. سموّ الذات وسموّ الموقف) للسيّد كاظم الحائري، وهو عبارة عن مقدّمته على كتاب (مباحث الأصول) طبعها مستقلّة، وهي لا تحوي بدورها أيّة معلومات إضافيّة، سوى ما جاء في هامش الصفحة (199)، والذي كنّا قد سمعناه من السيّد الحائري مباشرةً ونقلناه عنه.
* وهناك كتاب تحت الطبع في مجلّدين للسيّد حسن شبّر تحت عنوان (تاريخ العراق السياسي المعاصر .. بحث وثائقي في سيرة الدعوة .. 1957- 1980 م)، أتوقّع أن يكون فيه ما يفيدني، ولكنّني قرّرت عدم الاطلاع عليه قبل صدوره خوفاً من تأخير طبع هذا الكتاب.
2- لم أجد بأساً في ذكر مختلف الأقوال وتعدادها ومحاكمتها لاختيار ما أراه صحيحاً منها، ولم أكتفِ بالتحقيق خارج الكتاب وإثبات المختار فيه، وذلك هرباً من تهمة الاستبداد بالرأي.
3- إنّ كثيراً من مفردات النزاع الواقعة في حياة الشهيد الصدر (ره) قد تبدو غير مهمّة في كثير من الأحيان، غير أنّ طرفي النزاع كانا في بعض الأحيان يجدان ثمرةً مترتّبة على تبنّي قول دون آخر. وكان كاتب السطور مجبراً- بحكم كونه في مقام التأريخ- على التعرّض إلى موارد النزاع كافّة.
4- سيتّضح للقارئ الكريم إن شاء الله تعالى أنّ عمدة هذه المحاولة تكمن في أنّها تسعى إلى جمع أكبر عددٍ ممكنٍ من المعلومات من أجل رسمِ قصّةٍ متكاملة. ومع أنّ المصادر التي أثبتُّها للحدث الواحد قد بلغت في بعض الأحيان حدّاً قد يبدو مزعجاً، إلّا أنّني لم آخذ ذلك حاليّاً بعين الاعتبار نظراً إلى الفائدة الأهمّ التي رجوتُها، وهي توثيق الحدث والتثبّت من صحّة الصورة المرسومة، وهو أمرٌ أعتقدُ بضرورته في خطوتنا الأولى هذه. ولعلّ الفرصة تسمح لاحقاً بحذف مصادر ما يكون قد دخل في دائرة الثبوت التاريخي، أو ما نحسبه كذلك.

العرض المجرّد غير المعياري‏

إنّ البحث الموضوعي لا يعني بالضرورة المحايدة في مقام النتائج- بمعنى عدم ميل الباحث في نهاية بحثه إلى اتجاه دون آخر- بل يعني أن يكون موضوعيّاً في ميله، أو قل محايداً أثناء استعراض الأدلّة والأقوال وقبل الوصول إلى النتائج. وليس متوقّعاً لأي بحثٍ أن يحظى بصفة الموضوعيّة

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 35

التامّة، لعوامل مرتبطة بالطبع البشري. أمّا في ما يتعلّق بهذا الكتاب، فإنّ نفس اختيار محمّد باقر الصدر موضوعاً لدراسة تأريخيّة من هذا القبيل، كفيلٌ بأن ينأى بالبحث عن الموضوعيّة التي يتوقّعها القارئ المثالي، والتي لن يجدها في أيّ كتاب على الإطلاق؛ لأنّ العواطف والمتبنّيات والنشأة البيئيّة والفكريّة و ... كلّها تدخل في آليات التعامل مع الموضوعات محلّ البحث. بل حتّى عمليّة الاجتهاد الفقهي التي يمارسها الفقهاء لا يُمكن أن توصف بالموضوعيّة المطلقة، ولا يُمكن أن تسلم من الذاتيّة التي يمارسها الفقيه انطلاقاً من ظروفه الخاصّة، وهو ما يصرّح به الشهيد الصدر (ره) نفسه في (اقتصادنا)، وما ألمح إليه الشهيد مرتضى المطهّري (ره) في بعض محاضراته «1». فما ينبغي أن يكون واضحاً بادئ الأمر أنّ الحديث عن الموضوعيّة حديثٌ نسبي.
وبعد هذا أشير إلى أنّني تجنّبتُ في هذا الكتاب التعليق معياريّاً على ما جاء فيه من تأريخٍ للوقائع والأحداث، وأقصد من التعليق المعياري الحكم بالسلب والإيجاب، بمعنى أنّ هذا مصيب وذاك مخطئ، اللهمّ شذرات لا ربط لي بها ممّا نقلته عن الآخرين ضمن نصوص لم أستطع فيها عزل الجانب المعلوماتي والاكتفاء به. ولستُ أذكرُ الآن مورداً واحداً عكستُ فيه انطباعاتي الشخصيّة حول مجريات التاريخ، سوى ما قد يستشفُّ من بعض العناوين وأبيات الشعر. أمّا تحقيق الحدث تاريخيّاً وقبول شهادة وردّ أخرى، فليس من الحديث المعياري الذي نحن بصدد الإشارة إليه.
إذن، لقد اكتفيتُ بعرض الحدث دون جعله موضوعاً لدراسة معياريّة. وما قد يحسبه القارئ كذلك ممّا ورد مفصّلًا في بعض هوامش الكتاب هو في الحقيقة تحليليٌّ توصيفيٌّ غيرُ معياري، بمعنى أنّ الجهد قد انصبّ فيه على تحليل بعض الظواهر ومحاولة اكتشاف مناشئها التاريخيّة وفهم طبيعتها، وهذا في نفسه أجنبيٌّ عن الدراسات المعياريّة التي فيها حكمٌ بالسلب أو الإيجاب، أعني بالخطأ أو الصواب.
وبتعبير علمي يلامس كتابات الشهيد الصدر الأصوليّة، فإنّ التفريق بين الكتابة التحليليّة وبين الكتابة المعياريّة يشابه إلى حدٍّ كبير تفريق السيّد الصدر بين القضايا التحليليّة وبين القضايا التركيبيّة في الدليل العقلي من حلقتيه الأصوليّتين الثانية والثالثة.

التدقيق في النقل‏

لقد بذلت جهدي في نقل المعلومات من مصادرها بشكل دقيق. وقد بالغتُ في التدقيق في ما نقلته مشافهةً أيّما مبالغة- خاصّةً وأنّي كنتُ أسجّل أكثر ذلك صوتيّاً وبإذن المعنيّين- ولم أتصرّف فيه إلّا بحدود تعديل بعض الكلمات حفاظاً على سلامة العبارة نفسها، وهذا نادرٌ جدّاً ولا يطال أصل المعلومة على الإطلاق. ومن هذا المنطلق فأنا لا أحبُّ لأحدٍ نقلتُ عنه مشافهةً في الكتاب أن‏

__________________________________________________
(1) اقتصادنا (ط. المؤتمر) : 448 وما بعد؛ اصل اجتهاد در اسلام (فارسي)، مجموعه آثار 20: 181.

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 36

يشكّك في دقّة النقل، ويشيع أنّي تلاعبتُ بالمضمون. وبطريق أولى فأنا لا أحبُّ لأحدٍ أن يكذّبني في شي‏ءٍ نقلته عنه. نعم؛ لقائلٍ أن ينفي صحّة معلومةٍ نقلتها عنه من جهة أنّه نقل لي ما هو غير صحيح.
وحول الحديث عن الدقّة، تجدر الإشارة إلى أنّني ربّما أورد الرسالة المؤرّخة بتاريخ معيّن، فأعبّر بأنّها أرسلت بالتاريخ المذكور، مع أنّ غاية ما يمكن استفادته هو أنّها حرّرت بذلك التاريخ، وهذا من التسامح الذي التفتُّ له في آخر مراحل العمل، فلم أتداركه.

نقد متون الروايات ومضامينها

1- التزمت في الكتاب- حيث أمكن- بممارسة عمليّة تقويم ونقد للمتون المرويّة، واكتفيتُ بتسجيل ذلك في الهوامش. وهذا الأسلوب بات معروفاً في الأبحاث التاريخيّة، ويُمكن مشاهدته كذلك في ما كتبه المتقدّمون حول ما يعرف بـ (موضوعات الأخبار)، وهو ما أكّد عليه ابن خلدون في (مقدّمته) حيث قال:

«اعلم أنّ فن التاريخ فنٌّ عزيز المذهب، جمُّ الفوائد، شريف الغاية؛ إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتّى تتمّ فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا، فهو محتاج إلى مآخذ متعدّدة، ومعارف متنوّعة وحسن نظر وتثبّت يفضيان بصاحبهما إلى الحق وينكبان به عن المزلّات والمغالط؛ لأنّ الأخبار إذا اعتمد فيها على مجرّد النقل ولم تحكّم أصول العادة وقواعد السياسة وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني ولا قيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب فربّما لم يؤمن فيها من العثور ومزلّة القدم والحيد عن جادة الصدق. وكثيراً ما وقع للمؤرّخين والمفسّرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرّد النقل غثّاً أو سميناً، ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار، فضلّوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط، ولا سيما في إحصاء الأعداد من الأموال والعساكر إذا عرضت في الحكايات، إذ هي مظنّة الكذب ومطيّة الهذر، ولابدّ من ردّها إلى الأصول وعرضها على القواعد ..» «1».

ولا يخفى على أحد أنّه لا ملازمة بين إسناد المعلومة وبين الاعتماد عليها، ولذلك لم أتردّد في ممارسة هذه العمليّة، حيث قمت بمناقشة ومحاكمة بعض الأمور التي ظهر لي عدمُ دقّتها في نقل بعض الأخبار أو ما اكتنفها على الأقلّ، فقمتُ بتشذيبها دون أن أهمل ذكرها، إذ ربّما أفادت غيري. وإذا وقع تعارضٌ بين مجموعة من الأقوال، كنتُ أعمدُ إلى ترجيح بعضها على البعض الآخر وفق القرائن والمعطيات المتوفّرة.
وقد سهّل الخطب أنّ مجال البحث التاريخي أجنبيٌّ عن مسألة الحجيّة بمعناها المطروح في أبحاث علم الأصول، إذ لا معنى هنا للتعبّد بمؤدّى الأمارات. ولذا كانت أخبار الثقات أدوات كاشفة

__________________________________________________
(1) تاريخ ابن خلدون، القسم الأول من المقدمة: في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه ..

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 37

لا تنفرد في تحديد المتبنيّات التاريخيّة. وما أكثر القضايا التي نقلها الثقات وقطعنا بخطئها في هذه الدراسة، أو عدم دقّتها على أقلّ تقدير. بل أستطيع أن أقول: إنّ تحقيق جملة من القضايا أخرج بعض الأشخاص من ميقات الوثاقة بالمعنى المطروح في البحوث الرجاليّة، حيث ثبت لي بشكل يشارف أبواب اليقين أنّهم يلوون عنق الحقيقة مع سبق الإصرار والترصّد، إلّا أنّني لم أسجّل هذه الانطباعات لخروجها عن مهمّة الكتاب، ولكن بوسع القارئ الكريم أن يتتبّعها ليقف بنفسه على قيمة ما ينقله هؤلاء في مجالات أخرى.
أمّا الحد الذي يحصل عنده الاطمئنان إلى صحّة الخبر فيختلف من شخصٍ إلى آخر، ومن حالة إلى أخرى «1». وعادةً ما يكون الأشخاص من ذوي الخبرات الاجتماعيّة المحدودة الذين لم يخالطوا الناس في حياتهم اليوميّة ولم يخبروا ما تقوم عليه وما يلفُّ غوامضها ممّن يحصل لديهم الاطمئنان بشكل سريع؛ لأنّ الأمور لديهم أبسط بكثيرٍ ممّا هي عليه في الواقع.
وحول هذا السجال لا بأس بإثبات نصٍّ للسيّد الصدر (ره) ينشر قريباً بإذن الله تعالى، وقد جاء في محاضراته حول التأسيس للمنطق الذاتي التي ألقاها في شهر رمضان / 1384 هـ حيث قال:

«إنّ هذه المسألة واضحة من خلال حياتنا الاعتياديّة. ففي القضيّة المتواترة مثلًا، لو أنّ شخصاً سليم القلب وغير مطّلع على دواعي الكذب دخل مجتمعاً مغموراً بهذه الدواعي، ثمّ أخبره شخصٌ واثنان وثلاثة بقضيّة معيّنة، فقد يحصل لديه القطع من خلال إخبار هؤلاء. ولكنّه لو التفت بعد ذلك إلى أنّ خمسة أو ستّة أشخاص أخبروه بقضيّة وتبيّن له كذبهم، فهذا الشخص ستضيق لديه دائرة اليقين، وسيصبح العدد اللازم لحصول القطع لديه ثمانية مثلًا بعد أن كان أربعة.
ثمّ لو فرضنا أنّ هذا الشخص دخل معترك الحياة وابتلي مع الناس بكثيرٍ من القضايا، بحيث تجلّت لديه الكثير من الأمور المخفيّة، وبان له وجود استعداد لدى أناسٍ للكذب لأتفه الأسباب، وأنّهم قد يتّفقون على الكذب، وبان له أنّ اتفاق عشرة أشخاص على الكذب ليس بالأمر الغريب، فبعد هذا لن يحصل لديه القطع من خلال إخبار عشرة أشخاص، وهكذا ..» «2».

عوداً إلى ما بدأناه، فإنّنا إذا عبّرنا أحياناً بـ (التعارض) بين خبرين أو أكثر، فإنّما نعني به المعنى العرفي الذي يتلاءم مع البحث التاريخي، لا تعارض الحجّة مع الحجّة بالمعنى الأصولي للحجيّة. وعلى أيّة حال فما أثبتّه في الكتاب لا يعني أكثر من أنّي أرويه، ولا يعني على الإطلاق أنّني آخذ به وأبني عليه، إلّا حيث أنصُّ على ذلك.
وهنا عليّ الإشارة إلى قناعتي بوجود شي‏ءٍ من المبالغة التي اكتنفت بعض الأخبار، وهو ما يعتري البحث التاريخي على الدوام، وحول هذا يقول أبو علي مسكويه الرازي:
__________________________________________________
(1) راجع على سبيل المثال ما يسجّله السيّد الصدر (رحمه الله) تحت عنوان (الضابط للتواتر) من عوامل موضوعيّة وأخرى ذاتيّة في حصول التواتر (دروس في علم الأصول، ط. المؤتمر 2: 153- 154)
(2) محاضرات في التأسيس للمنطق الذاتي، القسم الثالث، ينشر بإذن الله تعالى في مجلّة المنهاج، العدد (43).

السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 38

«ووجدتُ هذا النمط من الأخبار مغموراً بالأخبار التي تجري مجرى الأسمار والخرافات التي لا فائدة فيها غير استجلاب النوم بها، والاستمتاع بأنس المستطرف منها، حتّى ضاع بينها وتبدّد في أثنائها، فبطل الانتفاع به ولم يتّصل لسامعه وقارئه اتصالًا يربط بعضه بعضاً، بل تنسى النكتة منها قبل أن تجي‏ء أختها، وتتفلّت من الذهن قبل أن تقيّدها نظيرتها، ويشتغل الفكر بسياقة خبرها دون تحصيل فائدتها» «1».

وبحسب تعبير السيّد محسن الأمين (ره) في ترجمة الشيخ حسن صاحب (المعالم) :

«.. الناس اعتادوا المبالغة في الفضائل بما يغيّر حقائقها ..» «2»
، وقد علّقنا على بعضها بما يقتضيه الحال كما سيظهر لك في ذيل بعض الأخبار:
من قبيل أنّ السيّد الصدر (ره) قرأ (قصّة الحضارة) بمجلّداتها الثلاثة والأربعين خلال أسبوع عند تأليفه (اقتصادنا)، في حين لم يكن الكتاب قد اكتمل بلغته الأم سنة تأليف السيّد الصدر (ره) (اقتصادنا)، ويفترض أن يكون قد صدر من طبعته العربيّة إلى هذه الفترة ستّة أجزاء فحسب «3».
أو أنّه ألّف (الحلقات) اعتماداً على الذاكرة وبدون الاستعانة بشي‏ء، في حين صرّح أحد مقرّري أبحاثه الأصوليّة المطبوعة أنّه استعان بتقريرات بعض زملائه؛ لأنّ تقريرات الاستصحاب كانت لا تزال عند أستاذه السيّد الصدر (ره)، حيث أخذها منه للاستعانة بها على تأليف (الحلقات) «4».
إلى غير ذلك من الموارد التي ستظهر لك في ثنايا الكتاب. وهناك بعض الأخبار التي لا يسعنا سوى التحفّظ عليها على الصعيد الشخصي أو على طريقة تصويرها، ولا نملك شيئاً موضوعيّاً يدفعنا إلى ردّها.
ومثالٌ على ما لا نميل إليه ما يتعلّق بكتاب (الأسس المنطقيّة للاستقراء) : فقد أورد بعض تلامذة السيّد الصدر (ره)- نقلًا عنه- أنّه على الرغم من عدم دراسته الرياضيّات في المدرسة، إلّا أنّه كان يجلس في الليل و (يشخبط)، فينتج مطلبٌ رياضيٌّ، وهو ما أودعه في (الأسس). بينما يقابل هذا النقل نقلٌ آخر، وهو أنّه اتّفق مع أحد أساتذة الرياضيّات في بغداد، فكان يقصده في أيّام الخميس والجمعة والعطل ليدرس لديه الرياضيّات «5».
ونحن في موارد من هذا القبيل نميل إلى التصوير الثاني لا الأوّل، بل ربّما أمكن الجمع بينهما إذا أخذنا بعين الاعتبار ما قد يصيب الخبر من تحريف لدى تناقله، فقد يكون جواب السيّد الصدر (ره) عن سؤال تلميذه الذي سأله أنّه من أين جاء بالرياضيّات في كتاب (الأسس) مع أنّه لم يدرسها في المدرسة، بأنّه كان يجلس في الليل ويعمل على حلّ تمارين الرياضيّات والتمرّس فيها، وهو ما يمكننا أن نعتبره منسجماً مع دراسته لدى أساتذة الرياضيّات في بغداد؛ لأنّه كان يدرس لديهم المبادئ فحسب، وكان عليه أن يمرّن نفسه بنفسه في البيت. ولكن لمّا أراد هذا الطالب‏

__________________________________________________
(1) تجارب الأمم 1: 2
(2) أعيان الشيعة (ط. ق) 5 : 95
(3) انظر: قصّة الحضارة 1: ك؛ وانظر: أحداث سنة 1379 هـ
(4) انظر: شهيد الأمّة وشاهدها1: 82، ثمّ: بحوث في علم الأصول6: 5، وانظر حولهما أحداث سنة 1397 هـ
(5) انظر أحداث سنة 1385 هـ.


السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج‏1، ق‏1، ص: 39

اختصار الحكاية ذكر أنّ السيّد الصدر (ره) كان يجلس في الليل و (يشخبط)، فينتج مطلب. ومن الواضح للقارئ أنّ تصويرنا يحقّق للمسألة بعدها الإنساني، بينما يضفي عليها التصوير الآخر صبغة ميتافيزيقيّة.
وهناك بعض الآراء تغالي في المدح والتبجيل بما يسي‏ء، كالاعتقاد مثلًا بأنّ على وجه المعمورة شخصين فقط بوسعهما استيعاب ما جاء في كتاب (الأسس المنطقيّة للاستقراء)!!
سعديُّ حسبُك واقصر عن مبالغةٍ *** لا تنطِقَنّ بدَعوى تورِثُ الخجَلا «1»
2- لا يخفى أنّ دائرة اليقينيّات في البحث التاريخي الذي لا تتكثّر فيه النصوص إلى حدٍّ معتدٍّ به ليست واسعة بالقدر الكافي، ولذا فاليقين الأرسطي لا يأخذ مداه في هذه المجالات، وعلى وجه الخصوص عند من لا يوافق أرسطو في تفسيره لليقينيّات من مبادئ الأقيسة وكيفيّة إفادتها اليقين. ومن هنا فإنّ الباحث كثيراً ما يركن إلى الروايات التي تكون مفاداتها أقدر على تفسير مجموعة من الظواهر، دون أن يقطع بصحّتها بضرسٍ قاطع، أو ينفي صحّة غيرها كذلك. نعم، لا شكّ في وجود يقينيّات بالمعنى الآخر غير الأرسطي، وهي ما يُعبّر عنه في البحث التاريخي بالحقائق، ولهذا جعلنا هذه الكلمة جزءاً من عنوان الكتاب.
3- ومن هنا فإنّ الموارد التي لا يقين جازم بوقوعها تكون عرضةً للتبدّل على ضوء ما يستجدُّ من معلومات، وكم وقع هذا الأمر في الكتاب. وكثيراً ما كنتُ أبذل الجهد في الحصول على القرائن، ثمّ جهداً مضاعفاً في تحليلها من أجل بلورة متبنى تاريخي، وبعد ذلك أحصل على وثيقة معيّنة تؤكّد صحّة ما توصّلتُ إليه أو تهذّب لي بعض تفاصيله أو تظهر لي خطأه.

___________________
(1) ديوان سعدي الشيرازي.


من مواضيع : alyatem 0 هل أن كنوز الطالقان في أفغانستان أم في إيران؟!!
0 زيارة قرية المنتظرين للحجة(عجل الله فرجه الشريف) في مدينة طالقان
0 حق اليقين.. في تنزيه أعراض النبيين
0 الرد التحريري على السيد حسن الكشميري
0 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء
رد مع اقتباس