|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 31-03-2013 الساعة : 10:59 AM
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 53
وعن هذه المسألة في شقّها المرتبط بأهل السنّة، يقول الشيخ محمّد رشيد رضا صاحب (المنار) :
«إنّ للعلماء من الاحترام والنفوذ الروحي في بلاد الأعاجم ما ليس لهم في البلاد العربيّة، وإنّ احترامهم في بلاد الفرس أشدّ منه في سائر بلاد العجم؛ فإنّ الحكّام ليس لهم عليهم من السلطة هناك مثل ما لغيرهم من حكّام المسلمين، وما أزال الملوك والأمراء احترام العلماء ومحو نفوذهم- حاشا ما كان منه مؤيّداً لهم ومعيناً لاستبدادهم- إلّا بما اخترعوه لهم من الرتب العلميّة وكساوي الشرف الوهميّة، وبما جعلوا من موارد أرزاقهم في تصرّفهم، فصار رزق العالم وجاهه الدنيوي بيد الأمير أو السلطان، وهما الرسنان اللذان يقودون بهما طالب المال والجاه من العلماء إلى حيث شاءوا، فإذا أمكن لطلّاب الإصلاح الإسلامي أن يبطلوا هذه الرتب العلميّة وما لها من الشارات، ويخرجوا أرزاق علماء الدين من أيدي الحكّام فإنّهم يحرّرون العلماء من رقٍّ يكون مقدّمةً لإصلاح الأمّة كلّها» «1».
المثال الثاني:
وربّما أوردنا في الكتاب ما يُستفاد منه تحفّظ العلماء على إبداء ما يتوصّلون إليه من فتاوى مراعاةً للناس، وهو ممّا يثير حفيظة الكثيرين. ولكنّه على أيّة حال ليس ممّا يتفرّد به الكتاب:
1- فها هو الشيخ محمّد جواد مغنيّة مثلًا يقول لدى حديثه عن طهارة أهل الكتاب:
«وما زلتُ أذكر أنّ الأستاذ قال في الدرس ما نصّه: (إنّ أهل الكتاب طاهرون علميّاً- أي نظريّاً- نجسون عمليّاً)، وأنّي أجبته بالحرف أيضاً: (هذا اعترافٌ صريحٌ بأنّ الحكم بالنجاسة عملٌ بلا علم)، فضحك الأستاذ ورفاق الصف، وانتهى كلّ شيء. وقد عاصرتُ ثلاثة مراجع كبار من أهل الفتيا والتقليد، الأوّل كان في النجف الأشرف، وهو الشيخ محمّد رضا آل ياسين؛ والثاني في قم، وهو السيّد صدر الدين الصدر؛ والثالث في لبنان، وهو السيّد محسن الأمين، وقد أفتوا جميعاً بالطهارة، وأسرّوا بذلك إلى من يثقون به، ولم يعلنوا خوفاً من المهوّشين، على أنّ آل ياسين كان أجرأ الجميع. وأنا على يقينٍ بأنّ كثيراً من فقهاء اليوم والأمس يقولون بالطهارة، ولكنّهم يخشون أهل الجهل، والله أحقّ أن يخشوه» «2»، حتّى لو لم يكن اعتقادنا بالمسألة بالمستوى الذي صوّره (ره).
2- وقد قدّمنا في ما سبق رسالة السيّد الصدر (ره) التي يسجّل فيها موقفه من انعكاسات إفتائه بطهارة أهل الكتاب، وفيها إشارة إلى ما نحن فيه.
3- كما أنّ للشهيد مطهّري (ره) كلاماً متعلّقاً بدواعي كتمان الفتاوى عن الناس تحت عنوان (كتمان يا اظهار؟) «3».
المثال الثالث:
قد يجد القارئ في هذا الكتاب بعض الأحداث التي توحي- أو تصرّح- بأنّ لأبناء العلماء دوراً- يختلف خفّةً وشدّةً- في التأثير على سياسات آبائهم، وهو أمرٌ يلمسه أهل
__________________________________________________
(1) نامه ها واسناد سياسى- تاريخى از سيد جمال الدين الحسينى اسدآبادى (فارسي) : 198
(2) فقه الإمام جعفر الصادق1: 43
(3) مسأله حجاب (فارسي)، مجموعه آثار19 : 560
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 54
الداخل، وهو في قسمٍ منه أمرٌ طبيعي، ولكنّه أحياناً زائدٌ بمدّه عن حدّه. وفي هذا الصدد كلامٌ للشيخ محمّد جواد مغنيّة (ره)، ونحن وإن خالفناه في مستوى الشدّة وفي تصوير المسألة، إلّا أنّ كلامه ليس نابعاً من فراغ على أيّة حال، وربّما كان ناظراً في هذا النص إلى بعض المصاديق الخارجيّة التي عايشها (ره). يقول (ره) :
«وبهذه المناسبة نذكر أوجه الشبه بين بعض أولاد العلماء بالدين وأولاد إسرائيل، وهو الاسم الثاني ليعقوب:
قال أولاد بني إسرائيل إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ «1»، وبهذا الوصف ينعت بعض أولاد العلماء آباءهم إذا قالوا كلمة أو تصرّفوا تصرّفاً لا يعجبهم ولا يتّفق مع أهوائهم، حتّى ولو كان وحياً منزلًا.
وقال أولاد إسرائيل: اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ «2». وهكذا يفعل بعض أولاد العلماء، يتآمرون على الناصح الأمين، ويدسّون عليه الدسائس والمفتريات ليخلو لهم وجه أبيهم وللشياطين من أمثالهم، ثمّ يوحون إليه بما استوحوه من وسطاء الشر وعملاء الشيطان، ويقبضون الأجر بالعملة الصعبة والنقد النادر، وكلّما كان التأثير بالغاً تضاعف الأجر.
وجاء أولاد إسرائيل على قميص يوسف بِدَمٍ كَذِبٍ «3». وفي كل يومٍ يحمل بعض أولاد العلماء لأبائهم أحاديث وروايات ابتدعوها ظلماً وزوراً ينالون بها من مقام المخلص الأمين، ويرفعون من شأن الخائن العميل عند الوالد الكريم، ليأخذ منه ومنهم دون مراقبٍ ومعاتب «4».
وجاء أولاد إسرائيل أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ «5»، يسترون فعلتهم الشنعاء بالنفاق ودموع التماسيح. وتظاهر أولاد العلماء أمام أبيهم المقدّس بالتقى والقداسة كذباً ورياءً؛ لينخدع بدسائسهم ومؤامراتهم» «6».
المثال الرابع:
وإذا أوردنا من الروايات ما يُستفاد منه وجود خلافات بين العلماء، علت صيحات الاتّهام بالوضع والتزوير والتحامل ... باعتبار أنّ لدى الناس مصادرات أوليّة قبليّة حول الموضوع مفادها أنّ «العلماء لا يختلفون»، فكلّما ورد خبر يفيد اختلافهم، حملوه على هذه الكبرى الأوليّة التي لا مجال لمسّها بحسب الفرض، باعتبارها أوليّة، فيتمّ طرح الخبر. وهذا شبيهٌ ببحث المصادرات الذي وقع في فخّه المنطق الأرسطي، الذي حسب أنّ التواتر يفيد اليقين لاعتماده على كبرى عقليّة أوليّة مفادها «استحالة الاتفاق الدائمي»، إلى أن أتى دور السيّد الصدر (ره) الذي أرشد هذا المنطق إلى أنّ هذه الكبرى هي بنفسها وليدة حساب الاحتمال، وأنّها بَعديّة لا قبليّة، وأنّ حياتها تعتمد على مدى جود أو بخل الاحتمالات تبعاً للدرجة الذي يوصل إليها تراكمها.
وما نحن فيه من هذا القبيل؛ فإنّ إيماننا بقضيّة عدم اختلاف العلماء منوط بما يمنحه لنا
__________________________________________________
(1) يوسف: 8
(2) يوسف: 9
(3) يوسف: 18
(4) انظر إلى هنا: التفسير الكاشف 4: 293 - 294؛ صفحات لوقت الفراغ: 177
(5) يوسف: 16
(6) التفسير الكاشف 2: 294.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 55
الاستقراء، لا أنّنا نفترضها مصادرةً من عنديّاتنا ثمّ نحاكم على ضوئها أعداداً هائلة من الاحتمالات المتراكمة التي تنازعها. ومن هنا، فإنّ جولة تاريخيّة ستوصلنا إلى ما يكاد يبلغ حدّ التواتر الإجمالي بوجود خلافات من هذا القبيل، علماً بأنّ ما ينعكس في الكتب لا يعبّر بطبيعة الحال سوى عن جزءٍ يسير ممّا كان يجري، خاصّةً إذا لم يكن هناك قوّة إعلاميّة قائمة.
والخلافات التي نتحدّث عنها ليست ناشئة فقط من الاختلاف في وجهات النظر المتعلّقة بكبريات العمل السياسي والاجتماعي مثلًا، لأنّنا نلمس توتّر الأجواء حتّى في مقام البحث العلمي، حتّى أنّك تجد الشيخ صاحب (الجواهر) (ره) مثلًا يطيل البحث كثيراً في بحث الوجوب العيني لصلاة الجمعة، وممّا يقوله:
«ومن مضحكات المقام دعوى بعض المحدثين تواتر النصوص بالوجوب العيني»، وكذلك قوله: «ولقد وقفت على جملة من الرسائل المصنّفة في المسألة نسجوا فيها على منوال هذه الرسالة، وقد أكثروا فيها من السب والشتم، خصوصاً رسالة الكاشاني التي سمّاها بـ (الشهاب الثاقب ورجوم الشياطين)، ولولا أنّه آية في كتاب الله لقابلناه بمثله، لكن لا يبعد أن تكون هذه الرسالة وما شابهها من كتب الضلال التي يجب إتلافها، اللهمّ إلّا أن يرجّح بقاءها أنّها أشنع شيء على مصنّفيها لما فيها من مخالفة الواقع في النقل وغيره، بل فيها ما يدلّ على أنّهم ليسوا من أهل العلم كي يعتدّ بكلامهم ويعتنى بشأنهم ... ولقد قيل: إنّ بعضهم كان يبالغ في حرمتها حال قصور يده ولمّا ظهرت له كلمة بالغ في وجوبها» «1».ومن هنا- وبعيداً عن المثال المتقدّم- يقول الشيخ مرتضى الأنصاري (ره) : «وقد وقع من بعض الأعلام بالنسبة إلى بعضهم ما لا بدّ له من الحملٍ والتوجيه، أعوذ بالله من الغرور وإعجاب المرء بنفسه، وحسده على غيره، والاستيكال بالعلم» «2». ويقول في موضع آخر: «وأمّا ما وقع من بعض الأعلام بالنسبة إلى من تقدّم عليه منهم من الجهر بالسوء من القول، فلم يعرف له وجهٌ، مع شيوعه بينهم من قديم الأيّام!» «3»، وليس المقام مقام إحصاء كلماتهم الكاشفة عن ذلك ولو بعضاً.
ونحن سنقوم بعرض بعض النماذج التي تؤكّد على وجود خلافات تتفاوت عمقاً وسعةً، ولكنّنا نؤكّد على أنّنا لسنا في مقام بيان حقيقة العلاقة بين علمائنا لتكون هذه النماذج معبّرة عنها، فإنّ هذا سيعني- حينها- تشويهاً للحقيقة؛ لأنّ لدينا مئات الشواهد والحاكايا التاريخيّة التي تكشف عن طهارة وعظمة العلاقات التي قامت بين الكثيرين منهم، وسيأتيك بعضها في هذا الكتاب. إذن نحن في مقام بيان أصل وجود خلاف بينهم فحسب، ولا ندّعي أنّ هذه النماذج تتكفّل بييان طبيعة علاقاتهم بشقّيها الإيجابي والسلبي:
1- الخلاف الواقع بين المحقّق الكركي (ره) وبين الشيخ إبراهيم القطيفي (ره) الذي عارضه بشدّة
__________________________________________________
(1) جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام 11: 174، 178
(2) كتاب المكاسب 1: 331
(3) كتاب المكاسب 1: 357.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 56
حول دخوله في سلطان الدولة الصفويّة، وهي علاقة وصفها السيّد الأمين (ره) بحالة (العداء) «1»، وقال في موضع آخر: «عاب عليه معاصره ومنافسه الشيخ إبراهيم القطيفي قبوله جوائز السلاطين ... ونرجو أن لا يكون الباعث للقطيفي على ذلك الحسد، وهو ليس من رجال الكركي وأقرانه مع زيادة علمه وفضله. وبالجملة كانت بينهما منازعات وردود ونقوض صنعها القطيفي وأجابه الكركي، ذكرت ترجمتها ... ألّف معاصره الشيخ إبراهيم القطيفي رسالة في الرضاع ردّ بها على المحقّق الكركي، أساء فيها الأدب، وتكلّم بما لا يليق بالعلماء، مع عدم إصابته في أكثر ما ردّ به. ولو فرض جدلًا أنّه مصيب في ردّه لكان مخطئاً كلّ الخطأ وخارجاً عن طريقة أهل العلم في بذاءته» «2». وكان الشيخ القطيفي (ره) قد ردّ على الرسالة الرضاعيّة للمحقّق الكركي (ره) بما يوحي بطبيعة الموقف بينهما، حيث قال: «أشهد بالله أنّ جهاد مثل هذا الرجل على الغلط والأغلاط في المسائل أفضل من الجهاد بالضرب بالسيف في سبيل الله»، وكان يصفه بـ «المعاصر القاصر» «3».
2- أضف إلى ذلك الخلاف الأصولي الأخباري الحاد الذي تجاوز ميادين الصناعة العلميّة، حتّى أنّ الشيخ عبد الله المامقاني (ره) يقول- نقلًا عن ثقات مشايخه بحسب ظاهر عبارته- : «ومن غريب ما نقلوا ممّا يكشف عن قوّة ديانة صاحب الحدائق أنّ مسجد الوحيد (ره) كان محاذياً لمسجد صاحب الحدائق، وكان الوحيد يحكم ببطلان الصلاة خلف صاحب الحدائق، وكان صاحب الحدائق يحكم بصحّة الصلاة خلف الوحيد (ره)، وكانوا يخبرون صاحب الحدائق بما يقوله الوحيد (ره)، فكان يجيب بأنّ: (تكليفه الشرعي ذاك، وتكليفي الشرعي هذا، فكلٌّ منّا يعمل بما كلّفه الله تعالى به)، وكان صاحب الحدائق يتحمّل ذلك لأجل رواج مذهب الأصوليّة ..» «4». وفي الوقت الذي يكشف فيه هذا النص عن ديانة صاحب الحدائق (ره)، فإنّه يكشف عن أمور أخرى نحن بصدد الإلماح إليها.
وقد أودى الخلاف الأصولي الأخباري- في بعض تجلّياته العليا- بحياة الميرزا محمّد الأخباري (ره) الذي يُعرف بالـ (المقتول) «5»؛ فبعد أن حاول الميرزا المذكور إقناع فتح علي شاه القاجاري بتبنّي مذهبه الأخباري، سعى علماء النجف لقطع الطريق عليه، فألّف الشيخ جعفر كاشف
__________________________________________________
(1) انظر: أعيان الشيعة (ط. ق) 10: 225، تحت عنوان (الأمير نعمة الله الحلي، السيّد الصدر الكبير)
(2) انظر: أعيان الشيعة (ط. ق) 10 : 209 - 211، تحت عنوان (الشيخ نور الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن عبد العالي العاملي الكركي)
(3) رسائل الكركي 1: 18؛ أعيان الشيعة (ط. ق) 8: 211؛ وانظر حول الموضوع: تاريخ المؤسّسة الدينيّة الشيعيّة: 289
(4) انظر بهذا الصدد: تنقيح المقال في علم الرجال (ط. حجريّة) 2: 85، حرف الميم، ترجمة (محمّد بن أكمل البهبهاني) تحت رقم (10429)؛ مع علماء النجف الأشرف: 74، نقلًا عنه دون تعيين التفاصيل؛ البراهين القاطعة في شرح تجريد العقائد الساطعة 1: 25 (مقدّمة التحقيق)
(5) انظر التعبير عنه بـ (المقتول) في: الذريعة 2: 223، 318، 349، 408؛ 3: 92؛ 6: 190، 266؛ 9 : 986؛ 12: 209؛ 14: 197، 221؛ 15 : 3، 22، 104، 129، 193؛ 16 : 60 ؛ 18: 129؛ 19: 373؛ 21: 161، 207؛ 21: 317؛ 24: 33.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 57
الغطاء (ره) رسالة في الرد عليه أهداها- ضمن من أهداها إليهم- إلي فتح علي شاه القاجاري سنة 1222 هـ، وممّا جاء فيها مخاطباً الميرزا الأخباري: «اعلم والله أنّك نقصت اعتبارك، وأذهبت وقارك، وتحمّلت عارك، وأجّجت نارك، وعرفت بصفات خمس هي أخس الصفات، وبها نالتك الفضيحة في الحياة، وتناولتك بعد الممات: أوّلها نقص العقل، ثانيها نقص الدين، ثالثها عدم الوفاء، رابعها عدم الحياء، خامسها الحسد المتجاوز للحد؛ وعلى كل واحد منها شواهد ودلائل لا تخفى عن العالم بل ولا الجاهل ..» «1».
ويبدو من التفاصيل والحكايا التي ينقلها الشيخ محمّد حسين كاشف الغطاء (ره) أنّ الموقف تجاه الميرزا الأخباري (ره) كان متوتّراً إلى أبعد الحدود. وبعد استقراره في العراق، عقد درساً يباحث فيه في الردّ على الوحيد البهبهاني (ره) أستاذ الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ره)، فاستاء الأخير لذلك، وإلى جانبه السيّد علي الطباطبائي (ره) صاحب (رياض المسائل) [وهو صهر الوحيد البهبهاني (ره)] «2»، وكذلك الآغا محمّد علي ابن الوحيد، فعزموا على إخراجه من العراق، فاستفتوا الشيخ كاشف الغطاء (ره) : «ما يقول شيخنا في مبتدعٍ بالدين يسعى بإتلاف شريعة سيّد المرسلين؟ وما جزاء من سعى في الأرض الفساد وحارب أولياء الله الأمجاد؟»، فجاء في جواب الشيخ: «إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنْ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ «3»»، ولمّا بعثوا بحكم الشيخ إلى حاكم البلد، نفي الميرزا خارج العراق «4».
وبعد رجوع الميرزا مجدّداً إلى الكاظميّة بعد وفاة الشيخ جعفر كاشف الغطاء (ره)، خطّط السيّد محمّد الطباطبائي المجاهد (ره) «5»- نجل السيّد علي صاحب (الرياض)- لقتله، فوجّه إلى الشيخ موسى كاشف الغطاء (ره) نجل الشيخ جعفر السؤال التالي: «ما رأي حجّة الله على خلقه وأمينه في أرضه في رجلٍ يؤلّب على العلماء الصالحين، ويسعى في قتلهم إطفاءً لنور الدين؟»، فوقّع الشيخ موسى (ره) : «يجب على كلّ محبٍّ وموالٍ أن يبذل في قتله النفس والمال، وإلّا فلا صلاة ولا صيام له، وليتبوّأ في جهنّم منزله»، ثمّ حكم السيّد عبد الله شبّر (ره)- إمام الكاظميّة آنذاك- بوجوب اتّباع حكم الشيخ موسى، وأيّده علماء آخرون، من قبيل السيّد محسن [الأعرجي]- صاحب المحصول- والشيخ أسد الله. وبعد نشر الفتوى في الكاظميّة، هجم الناس على الميرزا في بيته وقتلوه «6» مع ولده الكبير السيّد أحمد وأحد تلامذته «7»، وذلك يوم الأحد 28 / ربيع الأوّل / 1232 هـ «8». وقد أرجع آغا بزرگ الطهراني (ره) السبب
__________________________________________________
(1) انظر: أعيان الشيعة (ط. ق) 4: 101، تحت عنوان (الشيخ جعفر ابن الشيخ خضر ... الجناجي النجفي)
(2) ما بين [ ] من: تنقيح المقال في علم الرجال (ط. حجريّة) 2: 85، ترجمة رقم (10429)
(3) المائدة: 33
(4) العبقات العنبريّة في الطبقات الجعفريّة: 86- 103
(5) انظر حول هذا التصريح: روضات الجنّات 7: 129
(6) العبقات العنبريّة في الطبقات الجعفريّة: 183- 187
(7) انظر: أعيان الشيعة (ط. ق) 9: 173؛ موسوعة طبقات الفقهاء13 : 481؛ وانظر: فهرس التراث 2: 112
(8) الوارد في (الذريعة 8: 273) أنّ ذلك كان يوم الأحد سنة 1233 هـ، ووردت هذه السنة في: (مستدرك أعيان الشيعة 7: 94)، بينما جاء في: (الذريعة 8: 227، 10: 241 ...) و (أعيان الشيعة، ط. ق 7: 331) أنّه كان سنة 1232 هـ، وقد أفاد محقّق (العبقات العنبريّة) الدكتور جودت القزويني- استناداً إلى مخطوطات أسرة الأخباري- أنّ ذلك كان يوم الأحد 28 / ر 1 / 1232 هـ.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 58
في ذلك إلى كتابه (السلّم المرونق في من تكفّر وتزندق) «1». وكان الميرزا قد كتب أيضاً (معاول العقول لقطع أساس الأصول)، ردّاً على كتاب (أساس الأصول) للسيّد دلدار علي بن محمّد معين النصير آبادي، فردّ عليه تلامذة الأخير بكتاب (مطارق الحق واليقين لكسر معاول الشياطين) «2».
3- الحالة المضطربة التي ذُكرت بين الشيخ صاحب (الجواهر) وبين الشيخ محسن بن خنفر العفكي (ره)، الذي يقول السيّد الأمين (ره) في ترجمته:
«... قال تلميذه السيّد محمد الهندي في (نظم اللآل في علم الرجال) : (... وكان لغزارة علمه وإحاطته وتفرّده بذلك ربّما أنكر فضيلة بعض الأساطين، وكان خشناً في الله لا يداهن ولا يبالي، أقبل الناس عليه أم أعرضوا) ... وبعض الأساطين المشار إليه في كلام السيّد الهندي هو صاحب (الجواهر) : فيحكى عنه أنّه كان يقول له: (أعطِ جواهرك هذه لبائعي الفلفل والكمّون يصرّون بها «3»)، ولذلك نسب إلى اعوجاج السليقة. ويقال: إنّ صاحب (الجواهر) كان يرميه بذلك، والله أعلم. ولا يبعد أن يكون رميه من علماء عصره باعوجاج السليقة لما كان يبديه من التحقيق ودقّه النظر في المسائل. ويدلّ على ذلك ما يقال: إنّ الشيخ مرتضى الأنصاري كان يُرمى من بعضهم بمثل ذلك. ويحكى أنّه حجّ عن طريق نجد، فزاره صاحب (الجواهر)، وقال لبعض الحاضرين: (سلوه عن هواء نجد الذي أجمع الناس كافّة على حسنه، حتّى ذكرته الشعراء في أشعارها، لتعلموا حال سليقته)، فسألوه فذمّ هواء نجد. وسأله صاحب (الجواهر) مرّة من باب [المطايبة]: (هل للمجتهد جميع ما للإمام؟! وكان يقول بذلك، وصاحب (الجواهر) لا يقول به، فقال: (نعم)، فقال صاحب (الجواهر) : (اشهدوا أنّي طلّقت زوجة الشيخ)، فقال الشيخ محسن: (ثبّت العرش ثمّ انقش). ومثل هذا قد يقع بين المتعاصرين كثيراً، ولا يقدح في جلالة شأنهم، تغمّدنا الله وإيّاهم بعفوه ورحمته» «4».
4- ومثالٌ رابع: الشيخ هادي الطهراني (ره) الذي كاد أن لا يباري الآخوند الخراساني (ره) في زمانه إلّا هو والميرزا حبيب الله الرشتي (ره) «5»، حتّى سمع الشيخ صدر الإسلام محمّد أمين الإمامي الخوئي (ره) بنفسه من بعض من كان ينتسب إلى الشيخ الطهراني (ره) وقرأ على بعض فضلاء تلاميذه اعتقاده بأنّ أكابر أعلام الشيعة مثل المفيد والطوسي والحلّي والطوسي والعلّامة والشهيدين (ره) ومن في طبقتهم لو كانوا حاضرين في عصر الشيخ كانوا يتبادرون إلى حضور درسه والاستفادة من حضرته، وكلّهم يعترفون بأعلميّته وتقدّمه عليهم .. «6».
__________________________________________________
(1) انظر الذريعة 12: 221
(2) انظر الذريعة 21: 207
(3) يقصد: يلفّون بها
(4) أعيان الشيعة (ط. ق) 9: 47 - 48
(5) انظر: أعيان الشيعة (ط. ق) 9: 6، تحت عنوان (الآخوند الشيخ ملّا كاظم)
(6) مرآة الشرق 2: 1381.
|
|
|
|
|