|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 31-03-2013 الساعة : 11:07 AM
- 3-
تنبيهات
1- كان على الكاتب في بعض الموارد أن يناقش من الناحية التاريخيّة ويتبنّى رأياً دون آخر، الأمر الذي سيجعل منه- شاء أم أبى- مناصراً لأحد طرفي النزاع ومعادياً للآخر، وهذا ما وددتُ هنا نفيه جملةً وتفصيلًا، فإنّ اعتقادي برأي دون آخر لا يعني البتّة مناصرتي من يتبنّاه أو معاداتي من لا
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 85
يتبنّاه.
2- لقد قابلت بهدف توثيق مطالب الكتاب مختلف الشخصيّات، ولا أحبُّ لأحدٍ أن يعتمد على ذلك ليصنّفني في اتّجاهٍ يحلو له أن يضعني فيه.
3- إذا كنتُ قد نقلتُ ما يُستفاد منه مدح بعض الأشخاص أو التيّارات أو ذمّهم، فهذا لا يبرّر توظيف ذلك سياسيّاً في هذا الظرف، فإنّ المناط هو الحاضر لا الماضي.
4- إنّ ميزان الحقّ لا يُمكن أن يتمثّل في أشخاص غير معصومين، ولذلك من الخطأ جدّاً أن يُجعل السيّد الصدر (ره) ميزاناً للحكم على الأشخاص، ونحن مأمورون بمعرفة رجال الحق من خلال معرفة الحق نفسه، ومنهيّون عن معرفة الحقّ من خلال الرجال.
ومن هنا فإنّ مدح الشهيد الصدر (ره) أو غيره شخصيّةً من الشخصيّات لا يصلح في حدّ نفسه مبرّراً لتجليلها ابتداءً أو بقاءً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى النماذج السلبيّة التي قد يتعثّر بها القارئ بين أسطر الكتاب، فإنّ المناط في الحكم دائماً هو الحقّ لا الرجال، وليس لدينا قاعدة- فيما عدا من عصم الله تعالى- مفادها أنّ الحقّ مع فلان مطلقاً.
5- إنّ ما قد يتضمّنه الكتاب لا يبرّر على الإطلاق لأيّة شريحة متفاعلةٍ مع الأحداث ترتيب آثار غير منضبطة عليه، فهو من ناحية يعبّر عن اختلاف وجهات النظر، ومن ناحية أخرى لا يعبّر إلّا عن فترات زمنيّة سابقة، ومن ناحية ثالثة يمكن أن يكون المعنيّون قد غيّروا من وجهات نظرهم.
6- لا بأس بالإشارة إلى أنّ السيّد الصدر (ره) عندما كان يبلغه شيءٌ ممّا يقال في حقّه من انتقاصات أو ما شابه، كان يحمل صاحبها- بحسب التعبير الأصولي- على الشبهة المصداقيّة لا المفهوميّة، بمعنى أنّه كان يدعو الله تعالى أن يكون صاحب الكلام مخلصاً لله تعالى ولا يريد من وراء كلامه أو فعله سوى نصرة دين الله، ولكن غاية الأمر أنّه اشتبه في تطبيق المصاديق، فظنّ أنّ في ما يقوم به هو- أي السيّد الصدر- تضعيفاً للدين وأهله.
7- وتبقى مسألة أتعمّد الإشارة إليها بإبهام، لسبب، وربّما يتّضح المراد منها إذا وقعت بعض الأمور في عالم الخارج، وهي أنّ علماء الحديث والرجال قد يعمدون إلى روايات الراوي، ليحصوها ويميّزوا بين صحيحها وسقيمها، فإن ارتفعت نسبة هذه الروايات، شكّل ذلك قدحاً واحتمالًا (قبليّاً) في تقييم ما سيرويه أو ما سيصل إلينا من رواياته لاحقاً. فلو قال قائل: سأخبرك مئة خبر، بعضها ستجده بعد وفاتي، وكان قد أخبرك في حياته ستّين خبراً مثلًا، وكانت ستّة أخبار منها فقط صحيحة، فهذا سيشكّل احتمالًا قبليّاً يتحكّم في أخباره الأربعين الباقية ويجعلك تفترض أنّ أربعة منها فقط ستكون صحيحة.
إنّ جملة من الانطباعات التي خرجتُ بها من هذه الدراسة ترجع إلى جملة من المشكلات التي
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 86
يواجهها المؤرّخ، أوجز أهمّها:
عدم استبعاد اتّجاهات تاريخيّة لوفرة ما يناظرها
وهذا ما طبّقناه في هذه المقدّمة، حيث أوردنا أربعة نماذج يُمكن أن لا يستسيغها القارئ، وأوردنا لكلّ نموذج مجموعة من الأحداث التاريخيّة التي تسير في الاتّجاه نفسه، ما من شأنه أن يحدّ من درجة حساسيّته تجاه الموضوع.
فلو قلنا مثلًا: إنّ السيّد الصدر (ره) كان مختلفاً مع عالم من العلماء، واستنكر القارئ ذلك بحجّة أنّ العلماء لا يختلفون في ما بينهم، ثمّ أوردنا له من باب المثال عشرات النماذج التاريخيّة التي تؤكّد وجود خلافات بين العلماء، فهذا من شأنه أن يهيّئ له الأرضيّة لتقبّل فرضيّة حصول اختلاف بين السيّد الصدر (ره) وغيره في حال توافرت ظروفها الموضوعيّة المناسبة. أمّا مع فقدان هذه الشواهد التاريخيّة، فقد لا يرضى بأقلّ من آية قرآنيّة تنصّ على إمكان وقوع الاختلاف بين العلماء.
تجريد الحدث عن قرائنه
من المشكلات التي يواجهها البحث التاريخي أنّ ناقل الحدث قد يجرّده عن القرائن المقاميّة المحيطة به، والتي من شأنها في كثيرٍ من الأحيان أن تغيّر وجهة البحث من أساسه. وقد مرّ بنا في بداية هذه المقدّمة ما يشير إلى مفاسد نقل الأحداث مجتزأة.
نقل الراوي حدسه لا ما يقع تحت حسّه
وهناك مشكلة أخرى تسير إلى جانب هذه المشكلة، وهي أنّ الناقل قد يعمد إلى الحدس ببواعث الأحداث، ثمّ إذا أراد أن ينقل الحدث نقل حدسه الخاص لا ما يقع تحت حسّه مباشرةً. ومن الواضح لممارسي البحث العلمي أنّ النتيجة تختلف بين الموقفين.
ملء الفراغ بمختزنات الحاضر
ومن المشكلات أيضاً أنّ الناقل قد يعمد إلى ملء الفراغ التاريخي بما يختزنه هو من معلومات حول الحدث حال النقل لا حال وقوع الحادثة.
شهادة الكلّي ونقل الجزئي
ومن المشكلات أيضاً أنّ الناقل قد يسمع أمراً كليّاً فينقل ما في ذهنه من مصاديق لهذا الأمر الكلّي، مع أنّها قد لا تكون في بعض الحالات مرادة للقائل.
التسرّع في التعميم الاستقرائي
ومن المشكلات كذلك أنّ الناقل قد يشهد حادثة معيّنة لمرّة واحدة- خلافاً لما لو كان ذلك على نحو التكرار والدوام- فيستخلص منها ديدناً، فيقع الديدن في روايته لا ما شهده.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 87
فلو شاهد الراوي- لمرّة واحدة- شخصاً ينام عند الواحدة مثلًا، لا يقول: رأيته مرّة قد نام عند الواحدة، بل يقول: كان ينام عند الواحدة، فيظنّ المستمع أنّ الراوي شاهده لعدّة مرّات ينام عند الواحدة، بينما الأمر ليس كذلك.
وهذه النماذج قد تتكرّر في الكتاب، ولكنّي لم أعلّق عليها بشيء إذ لا سبيل لذلك، واكتفيتُ بالإشارة إلى هذه المشكلة هنا.
ازدياد درجة الكشف في الأخبار الاستطراديّة
وممّا نلاحظه أنّ الخبر المنقول استطراداً ترتفع فيه درجة الكشف عن الحادثة، لتناقص احتمال الوضع والدسّ، باعتبار أنّ الوضع يحتاج إلى شيءٍ من التخطيط لكي لا يبتلى بالتهافت .. هذا في الحالات التي يحرز فيها كونه استطراديّاً، وأنّ الاستطراد لم يكن عمديّاً وبهدف تمويه عمليّة الوضع.
الانطلاق من قبليّات لا مبرّر علميّ لها
أشرنا في هذه المقدّمة إلى أنّ إحدى الخلافات المعرفيّة بين السيّد الصدر وبين مشهور العقليّين يكمن في أنّهم فسّروا القضايا المتواترة وأخواتها على أساس كبرى عقليّة أوليّة قبليّة افترضوها في هذا الباب ومفادها «استحالة الاتّفاق الدائمي» كما عبّروا عنها، بينما وقف السيّد الصدر (ره) في مقابل ذلك ليؤكّد على أنّ هذه القضيّة المذكورة ليست قبليّة، وإنّما هي بَعْديّة يحدّد تحقّقها أو عدمه حساب الاحتمالات تبعاً لنموّه متأثّراً بالعاملين الكمّي والكيفي للقرائن المتراكمة.
لسنا بصدد الحديث عن آراء السيّد الصدر (ره) الفلسفيّة، ولكنّنا أحببنا أن ننقل هذا الخلاف إلى مجال البحث التاريخي لنسلّط الضوء على خلافٍ مشابهٍ في تكوين الانطباعات التاريخيّة:
فهناك اتّجاهٌ في البحث التاريخي يفترض وجود صورة معيّنة حول واقعٍ معيّن- وهي تقابل القبليّات العقليّة التي يفترضها البحث الفلسفي الأرسطي- ويجعل هذه الصورة القبليّة معياراً لقبول أو رفض الأخبار، مع أنّه لا مبرّر لتكوين هذه الصورة سوى أنّه يحلو له أن تكون صورة الواقع على ذلك النحو. وفي المقابل هناك اتّجاه آخر يجعل الأخبار الموثوقة معياراً لتكوين القناعات والانطباعات التاريخيّة آخذاً بعين الاعتبار عامل (منطق طبائع الأشياء)، وبالتالي يجعلها معياراً لتقييم الأخبار الضعيفة سنداً أو دلالةً.
وإنّي وإن لم أظهر شيئاً من قناعاتي وانطباعاتي في الكتاب، إلّا أنّني أؤمن في مجال البحث التاريخي بصحّة الاتّجاه الثاني، إضافةً إلى بطلان التفسير الأرسطي على صعيد البحث المنطقي.
دخالة الراوي في رسم الحدث التاريخي
إنّ من النتائج المهمّة التي خرجتُ بها من هذه التجربة قناعتي التامّة بأنّ الراوي- بما يختزنه من مواقف ومشاعر- غالباً ما يكون عنصراً فاعلًا في تحديد مسار شهادته، وبالتالي في رسم الصور التاريخيّة.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 88
وشهادة الرواي تشمل بطبيعة الحال أقوال الآخرين وأفعالهم:
أمّا الأقوال، فإنّ نقلَها بشكلٍ مقبول غير مخلٍّ يتوقّف على ذاكرة الراوي وضبطه ومدى أخذه بعين الاعتبار أنّه سيروي في يومٍ من الأيّام ما يسمعه، فإنّ المؤرّخ الذي يسمع الشيء بداعي توثيقه يفوق الآخرين دقّةً في ضبط الأقوال.
نعم، إذا كان الحال كحالنا في النقل عن أشخاص ينقلون ما سمعوه، فإنّ التعويل على تسجيلنا شهاداتهم والتدقيق في تدوينها لا يحلّ إلّا جزءاً من المشكلة، فإنّها تبقى من جهتهم بلا حلّ مضمون.
أمّا الأفعال، فالمشكلة فيها تزداد صعوبةً، لأنّ للحدس دوراً مهمّاً في فهمها وتقييمها قبل حفظها ثمّ الشهادة عليها، وغالباً ما تطرأ هنا المشكلات التي تحدّثنا عنها سابقاً.
نقصان الصورة المرسومة بواسطة التاريخ الكتبي
لقد كنتُ أمتلك نظرة معيّنة عن الواقع المعاصر قبل الدخول إلى ميدان البحث التفصيلي، وكم غيّر التنقيب والبحث من قناعاتي وتصوّراتي التاريخيّة، وكدت أركن إلى مقولة سمعتها من بعض المؤرّخين، وهي «أنّ التاريخ هو التاريخ الشفهي لا الكتبي» «1»، وربّما وجدتُ أنّ الواقع لا يُمكن الوصول إليه إلّا من خلال التنقيب في صدور الرجال، ولا يُمكن الوصول إليه عبر الاكتفاء بقراءة ما يُكتب.
والحقيقة أنّني لم أجد ما يدعوني إلى الاطمئنان الكافي والركون إلى الصورة المرسومة لدينا حول كثيرٍ من لوحات الماضي بعد أن أيقنتُ ميدانيّاً أنّ التحقيق قد يغيّر انطباعات قائمة ومتداولة، كما لم أجد ما يدعوني إلى القطع بأنّ مؤرّخينا المتقدّمين مختلفون عن المعاصرين في جريهم على الاكتفاء بتعويم جانب معيّن من الواقع، دون أن ادّعي إغفالهم الجانب الآخر بشكل كامل ..
محاكاة الماضي من خلال معايشات الحاضر
خلاصة هذا الانطباع أنّني أكاد أطمئنّ إلى أنّ تكوين انطباعات تاريخيّة عن الماضي أكثر ملامسةً للواقع إنّما يتأتّى من خلال محاولة قراءة الماضي عبر نقل الحاضر إليه، وهو ما قد نعبّر عنه بلسانٍ (آخوندي) بـ «النزعة القهقرائيّة في دراسة التاريخ»، وهو ما عبّر عنه ابن خلدون حيث تحدّث في مقدّمته عن قياس «الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب» «2».
واللجوء إلى هذه الوسيلة في تكوين الانطباعات التاريخيّة أمرٌ مبرّرٌ جدّاً، وطريقة ذلك هي أن نعي حاضرنا بشكلٍ كافٍ، مع الاهتمام بشكل خاص بالعناصر والخصائص المشتركة في الطبع
__________________________________________________
(1) لا يُشكل على ذلك بأنّ الشفهي بعد تدوينه سيصبح كتبيّاً، فلا يبقى معنى لهذه المقولة؛ فإنّ المراد هو أنّ الشاهد إذا أراد بنفسه تدوين التاريخ أهمل الكثير ممّا يعرفه، وإذا تحدّث وعرف أنّ ما سيقوله لن يكتب نقل الكثير ممّا كان سيهمله، ولذلك غالباً ما يكون ما يُدوّن من التاريخ الشفاهي مستخرجاً استحياءً
(2) تاريخ ابن خلدون، القسم الأول من المقدمة: في فضل علم التاريخ وتحقيق مذاهبه ..
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 89
البشري عامّة، والتي لا يختلف فيها السلف عن الخلف، فإنّنا مهما وشّحنا السلف برداء القداسة، فإنّه في نهاية الأمر يشترك معنا في كثيرٍ من الأمور.
وعليه، فعندما نعي جو العلماء المعاصرين بشكل دقيق، ونعيش جزئيّات حياتهم، ونقف على أسلوبهم في التعامل والتفاعل والتصرّف و .. و ... وإذا علمنا أنّهم ينطلقون في ذلك ممّا يشتركون به مع سلفهم، فإنّ هذا سيمنعنا من النظر إلى علماء السلف بنظرة معيّنة، وسيسمح لنا بتكوين صور تاريخيّة أكثر وضوحاً وملامسةً للواقع.
- 5-
دعوة
لستُ أدّعي الكمال في ما كتبت، فهو يشتمل دون شك على الكثير من العثرات، ولذلك مبرّراته المتعلّقة من ناحية باستيلاء النقص على طبيعة البشر، وبالزمن وبطاقة المصنّف من ناحية أخرى، وليس هناك ما هو متعمّدٌ إن شاء الله تعالى.
ولكنّني على كلّ حال أدعو كلّ من يرغب في توجيه ملاحظة أو تصحيح معلومة أو إضافة أخرى، خاصّةً طلّاب الشهيد الصدر (ره) الذين يمكنهم إفادتي بالكثير، وكلّ من يملك وثيقةً أو صورة أو غير ذلك ويرغب في التفضّل بها .. أدعوه إلى التواصل عبر الناشر في بيروت، أو على العنوان البريدي التالي:
Sadr_assira_wal_masira*************
والحمد لله ربّ العالمين «1»
احمد عبدالله ابو زيد العاملي ***
______________
(1) أضفنا إلى المقدّمة والكتاب بعض ما استجدّ لنا عام 2006 م قبيل إرساله إلى الطبع.
|
|
|
|
|