|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77449
|
الإنتساب : Feb 2013
|
المشاركات : 320
|
بمعدل : 0.07 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الرحيق المختوم
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
شرح خطبة المتقين 3
بتاريخ : 23-06-2013 الساعة : 01:50 PM
لابدّ من قراءة خطبة المتقين في جلسة واحدة، إذ ليس في تقطيعها وتقسيطها تلك الفائدة الرئيسة المترتبة على قراءة الخطبة كاملة. اخلوا إليها وأنسوا بها ساعة واسمحوا لها أن تترك أثرها العميق في نفوسكم. هذه في الواقع هي وصفة استعمال هذا الدواء. فلا يكفي فهم هذه الخطبة بل لابدّ من تذوّقها، بعد إدراك معانيها. فأرجوا أن تكون هذه الأبحاث مقدمة لهذا الأمر إن شاء الله.
منهجنا في شرح الخطبة
1ـ تجنب الشرح التبليغي الخطابي
نسعى في هذه الأبحاث أن نأخذ منحى الشرح والتبيين لا التبليغ. فلا نريد أن نرتقي منبرا أو نلقي محاضرة، كما لسنا بصدد استخدام أساليب الجذب حين طرح الأبحاث. نحن نسعى أن نواجه عبارات هذه الخطبة بكل موضوعية، فنتناول النقاط والمضامين الكامنة بين أحشاء عبارات الخطبة.
2ـ تجنب الشرح الاستطرادي
النقطة الثانية هي أننا نحاول أن نبتعد عن منهج الشرح الاستطرادي. فقد شرح بعض الشارحين هذه الخطبة بهذا الأسلوب. فلما قال أمير المؤمنين(ع): «منطقهم الصواب»، استعرض جميع إيجابيات وسلبيات اللسان فابتعد تماما عن سياق الخطبة وروحها. طبعا إن هذا الأسلوب لا يخلو من النفع والفائدة، ولكنه ليس شرح خطبة المتقين، بل هو طرح مجموعة كبيرة من المفاهيم الأخلاقية بحِجّة خطبة المتقين. منهجنا هو الاختصار على ما يمتّ بهدف الخطبة بصلة، وعليه فسوف نجتاز كثيرا من العبارات بشرح مختصر بلا أن نشير إلى بعض المفاهيم المشهورة.
3ـ الالتفات إلى تركيب العبارات مع بعض
النقطة الأخرى التي لابدّ أن نهتمّ بها في مقام شرح الخطبة هي أنه يقتضي المقام نوعين من التأمل والإمعان، تأمل في تجزئة الكلام، وتأمل في التركيب. نحن سوف نقف عند مفردات الخطبة بشكل موجز، ولكن الأمر الذي بودّي أن لا نغفل عنه هو التأمل في تركيب هذه الفضائل مع بعض. فلابدّ أن نرى كيف نظم الإمام هذه المنظومة لفضائل المتقين، فبأي فضيلة بدأها وبأيهم ختمها ومتى جعل كل واحدة منها. وكذلك لوقوف الإمام وابتدائه أثناء إلقاء الخطبة شرح وكلام لابدّ من الوقوف عنده ولعلنا نتطرق إلى بعض زواياه، إذ قد خفيت معان كثيرة في هذه الرؤية إلى خطبة المتقين.
4ـ التطرق إلى طرق الوصول إلى كلّ من الفضائل
النقطة الأخرى التي نسعى للتطرق إليها باختصار، هو طريق الحصول على كل فضيلة يشير إليها أمير المؤمنين(ع)، كما سوف لا نترك منهج الإيجاز في ذكر الطرق أيضا. وبهذا المنهج سوف يتجهّز القارئ الكريم بأمهات الطرق والأصول الرئيسة التي يحتاجها الإنسان في تكامله المعنوي.
5ـ نظرة إلى الرذائل الأخلاقية
وهناك أمر لم يقم به الإمام أمير المؤمنين(ع) في خطبته، ولكن لا مناص لنا من إهماله، وهو نظرة خفيفة إلى الرذائل الأخلاقية المضادّة لما طرحه الإمام من فضائل. لقد أشار أمير المؤمنين(ع) إلى الفضائل، ولكن في سبيل بيان هذه الفضائل وفهمها لابدّ لنا من الإشارة إلى الرذائل كي نزداد كرها لها ونفرّ منها إلى الفضائل.
السؤال والسائل
بقدر ما يكون السؤال جيدا، قد يكون سيئا. وبقدر كون السؤال الجيد علامة الشوق، إنه علامة النفرة. إن السؤال بقدر ما يدفع الإنسان إلى الأمام، يرجعه إلى الوراء. وبقدر ما ينتج السؤال علما، ينتج جهلا.
ولعلّ من هذا المنطلق قال رسول الله(ص): «حُسْنُ السُّؤَالِ نِصْفُ الْعِلْم».[1] ليس السؤال بجيد في كل مقام. ولكن السؤال الجيد أفضل من السكوت بكثير. السؤال الجيد عينٌ تفور منها المعارف. وحري بالذكر هنا أن السؤال الجيد يلقي الحكمة في قلب من خوطب بالسؤال فضلا عن السائل.
قيموا أسئلتكم
ينبغي لنا أن نطرح أسئلتنا على إنسان واع فاهم ليقوم بنقدها وتقييمها. فلنعرض عليه أسئلتنا ونقول له: لدينا أمثال هذه الأسئلة، فكم هي علامة لنقصاننا؟ وكم هي علامة لكمالنا؟ وكم هي تدل على اعتدالنا الفكري والروحي؟ وهكذا...
إن السؤال باب واسع وفيه كلام كثير. إن سؤال همّام قد فتح علينا هذه الآفاق المباركة. إنه كلام أمير المؤمنين(ع)، ولكن كل من وقف عند هذه الخطبة وانتفع ببركاتها وعلومها وآثارها فقد أشرك همّام في ثوابه، إذ هو الذي سأل أمير المؤمنين(ع) هذا السؤال الخالد. نحن لم نسمع باسم همّام ضمن باقي أصحاب أمير المؤمنين(ع) في مواطن أخرى ولكن هذا السؤال العظيم قد خلّده في صفحات التأريخ.
يحكي السؤال عن ضمير السائل
تنطلق بعض الأسئلة من مصدر روحي، بينما تنطلق بعضها الأخرى من منشأ فكري. فما هي الأسئلة الناشئة من مصدر روحي؟ وأنا أعتقد أن الله يقيّمنا وينعم علينا على أساس ما يختلج في نفوسنا من أسئلة ومطالبات. فهناك بون شاسع بين من يسأل الله أن يرزقه بيتا مَهْما كانت مواصفاته، وبين من يسأله بيتا جيّدا. ففي بعض الأحيان طلب القليل لا يحكي عن قناعتنا بل يحكي عن دناءتنا. فقد يدل على عدم الإيمان بسخاء الله، فنخفف عليه السؤال كي يعطينا المراد.
وكذا الحال في الأسئلة العلمية، فإنها تحكي عن ضميرنا. فما هي أسئلتنا وأي مجهول يؤلمنا. فمن جملة ما كان يريد أمير المؤمنين(ع) معرفته، هو أنه هل قد رضي الله عنه أم لا؟ أو لماذا خلقه الله، هل خلقه للجنة أم خلقه للنار؟ أطيلوا الوقوف عند السؤال وأسأل الله أن يفتح عليكم أبواب السؤال التي هي بمثابة عيون الحكمة في القلوب.
وقد قال شراح نهج البلاغة: أحد أسباب تثاقل أمير المؤمنين(ع) عن جواب همام هو أن يبلغ الذّروة في عطشه. فقد أجابه أمير المؤمنين(ع) بجواب مختصر ليذهب عنه، ولكنه بقي ملحّا ونال بإلحاحه كل شيء.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يفتح علينا أبواب السؤال التي هي أبواب رحمته، وأن يثير في قلوبنا تلك الأسئلة المؤدية إلى أحسن الأجوبة في العالم وأهنئها لقلوبنا الضمآنة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1]. كنز الفوائد، ج 2، ص 189.
|
|
|
|
|