عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية عبدالله الجزائري
عبدالله الجزائري
عضو برونزي
رقم العضوية : 50999
الإنتساب : May 2010
المشاركات : 514
بمعدل : 0.09 يوميا

عبدالله الجزائري غير متصل

 عرض البوم صور عبدالله الجزائري

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : عبدالله الجزائري المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي
قديم بتاريخ : 12-07-2013 الساعة : 03:41 PM


المحور الثالث: الموقف من قانون إدارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية:

إن [قانون إدارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية] هو بمثابة دستور مؤقت للعراق، وقد أناط اتفاق 15/11/2003، مهمة إعداده لمجلس الحكم الانتقالي بالاتفاق مع مجلس الحكم، وقد عارضت المرجعية هذا الأمر بوضوح، وقالت في تحفظها على هذه الخطة:

«إنها تبتني على إعداد قانون الدولة العراقية للفترة الانتقالية من قبل مجلس الحكم بالاتفاق مع سلطة الاحتلال، وهذا لا يضفي عليه صفة الشرعية، بل لا بد لهذا الغرض من عرضه على ممثلي الشعب العراقي لإقراره...»(18).

كما أجابت المرجعية على استفتاء لجمع من المؤمنين يتساءلون عن الموقف من قانون إدارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية، فقالت:

«لقد سبق لسماحة السيد مدّ ظله أن أوضح في تحفظه على اتفاق 15/ تشرين الثاني إن أي قانون يعدّ للفترة الانتقالية لن يكتسب الشرعية إلاّ بعد المصادقة عليه في الجمعية الوطنية المنتخبة، ويضاف إلى ذلك أن هذا (القانون) يضع العوائق أمام الوصول إلى دستور دائم للبلد يحفظ وحدته وحقوق أبنائه من جميع الأعراق والطوائف»(19).

لقد تأسست هذه التحفظات على قاعدة أن للشعب العراقي عبر ممثليه المنتخبين فقط الحق في كتابة دستوره، ولا يمكن أن يكتسب هذا النص شرعية دون الرجوع إلى الشعب،إضافة إلى هواجس كثيرة لدى المرجعية من أن يتحول هذا الدستور المؤقت إلى دائم بحكم الأمر الواقع، ولدينا من التجارب القريبة والبعيدة ما يشير إلى ذلك.

ولكي لا تبدو المرجعية وكأنها تعرقل سير العملية السياسية في وقت تمر به البلاد في مخاض عسير آثرت الصمت والاكتفاء بالمراقبة، لعل نصّ القانون يبدد الهواجس ويرفع التحفظات، ولكنها بعد إطّلاعها على مضمون نصّ هذا القانون، رأت فيه ثغرات كبيرة عمّقت هواجسها وزادت تحفّظاتها، وقد وضحت المرجعية إشكالاتها على قانون إدارة الدولة، وذلك في رسالة وجهت من مكتب سماحة السيد السيستاني للسيد الأخضر الإبراهيمي ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، جوابًا على رسالة منه لسماحة السيد يستوضح فيها موقف المرجعية الدينية من الدور القادم للأمم المتحدة في العراق، وقد جاء في الرسالة:

1- إن المرجعية الدينية التي بذلت جهودًا مضنية في سبيل عودة الأمم المتحدة إلى العراق وإشرافها على العملية السياسية وإجراء الانتخابات العامة، كانت تتوقع أن يترك لممثلي الشعب العراقي في الجمعية الوطنية المنتخبة حرية إدارة البلد في المرحلة الانتقالية وكتابة الدستور الدائم والاستفتاء عليه وفق الآلية التي يقررها المندوبون أنفسهم.

ولكن بعد إقرار ما يسمى بـ( قانون الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية) ستكون الجمعية الوطنية القادمة مكبّلة بقيود كثيرة لا تسمح لها باتخاذ ما تراه مطابقًا لمصلحة الشعب العراقي، حيث أملى عليها مجلس غير منتخب هو مجلس الحكم الانتقالي وبالتنسيق مع سلطة الاحتلال قانونًا (غريبًا) لإدارة الدولة في المرحلة الانتقالية، كما أملى عليها -وهو الأخطر- مبادئ وأحكامًا وآليات معينة فيما يخصّ كتابة الدستور الدائم وإجراء الاستفتاء عليه.

إن هذا (القانون) الذي لا يتمتع بتأييد معظم الشعب العراقي -كما تؤكّد ذلك استطلاعات الرأي العام وملايين التوقيعات التي جمعت خلال الأيام القليلة الماضية في رفضه أو المطالبة بتعديله- يصادر حقّ ممثلي الشعب العراقي المنتخبين بصورة لا نظير لها في العالم، وبذلك تفقد الانتخابات التي طالما طالبت بها المرجعية الدينية الكثير من معناها وتصبح قليلة الجدوى.

إن هذا (القانون) الذي يعهد بمنصب الرئاسة في العراق إلى مجلس يتشكّل من ثلاثة أشخاص -سيكون أحدهم من الكرد والثاني من السنة العرب والثالث من الشيعة العرب- يكرس الطائفية والعرقية في النظام السياسي المستقبلي للبلد ويعيق اتخاذ أي قرار في مجلس الرئاسة إلا بحصول حالة التوافق بين الأعضاء الثلاثة وهي ما لا تتيسر عادة من دون وجود قوة أجنبية ضاغطة -كما وجدنا مثل ذلك في حالات مماثلة- وإلا يصل الأمر إلى طريق مسدود ويدخل البلد في وضع غير مستقر وربما يؤدي إلى التجزئة والتقسيم لا سمح الله تعالى.

2- إن المرجعية الدينية التي سبق لها أن طالبت بصدور قرار من مجلس الأمن الدولي يحدد موعد الانتخابات العامة تخشى أن تعمل سلطة الاحتلال على إدراج هذا ( القانون)في القرار الجديد في مجلس الأمن ليكتسب صفة الشرعية الدولية ويلزم به الشعب العراقي رغمًا عليه.

إننا نحذّر من أيّ خطوة من هذا القبيل لن تكون مقبولة من عامة العراقيين وستكون له نتائج خطيرة في المستقبل ونرجو إبلاغ أعضاء مجلس الأمن بهذا الأمر.

3- في ضوء ما تقدّم وبالرغم مما يتمتع به شخصكم من احترام وتقدير لدى سماحة السيد إلا أنه لا يرغب أن يكون طرفًا في أية لقاءات واستشارات تجريها البعثة الدولية في مهمتها القادمة في العراق ما لم يصدر من الأمم المتحدة موقف واضح بأن هذا (القانون) لا يلزم الجمعية الوطنية المنتخبة بشيء، ولن يذكر في أي قرار جديد لمجلس الأمن الدولي بشأن العراق)(20)
، انتهت الرسالة.

كما أن من الأمور المثيرة للقلق في القانون المذكور هو الفقرة ج من المادة 61 التي تقول:

«يكون الاستفتاء العام ناجحًا، ومسودة الدستور مصادقًا عليها، عند موافقة أكثرية الناخبين في العراق، وإذا لم يرفضها ثلثا الناخبين في ثلاث محافظات أو أكثر»(21).

وهذا يعني أن لأقلية محدودة بغض النظر عن نسبتها العددية حقّ إيقاف العمل بالدستور، وحلّ الجمعية الوطنية ليعاد انتخابها مرّة؟! لقد كان البعض يشكو من دكتاتورية الأغلبية، فوقعنا في دكتاتورية الأقلية!! إن هذا البند العجيب ثُبّت في الدستور المؤقت بناءً على إصرار الأخوة الأكراد ظنًا منهم أنه سيكون الضامن لحقوقهم في الفيدرالية وغيرها، وفي حال تجاوز هذه الحقوق فإن بإمكانهم تجميع أصوات ثلثي سكان ثلاث محافظات لترفض الدستور في الاستفتاء العام.

في حين رأت فيه المرجعية الدينية بندًا لا منطقيًا، سوف يجعل العملية السياسية تدور في فلك الفراغ الدستوري، لأن كل طائفة مذهبية أو عرقية (الأكراد، الشيعة، السنة) تستطيع إيقاف العمل بالدستور، وحلّ الجمعية الوطنية ليعاد انتخابها ثانية، وهذه المسألة تستلزم الدور.

ولم تكن معارضة المرجعية الدينية لهذه الفقرة معارضة لحقوق الشعب الكردي، التي نتفهمها بشكل كامل، فهم شركاؤنا في مسيرة العذاب والألم طيلة عقود من الزمن، ولكن اعتراضها على لا قانونية هذا البند، فضلاً عن أنه لا يحق لهيئة غير منتخبة كمجلس الحكم أن تفرض قيودًا مسبقة على جمعية منتخبة كالجمعية الوطنية القادمة، وهذا ما يجمع عليه أهل القانون.

هذا الموضوع أثار جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية العراقية والعالمية، وبلغ ذروته عندما حاول الأخوة الأكراد إدراج فقرة تشير إلى قانون إدارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية في القرار الدولي 1546 الصادر عن مجلس الأمن الدولي بالشأن العراقي، خصوصًا وأن وزير خارجية العراق هو الأستاذ هوشيار زيباري، وطرح الموضوع بقوة في أروقة الأمم المتحدة، رغم تحذيرات المرجعية الدينية الواردة في رسالتها للأخضر الإبراهيمي من ضرورة عدم إدراج أي فقرة تشير إلى هذا القانون في القرار الجديد.

رافق ذلك توجيه السيدين جلال الطالباني ومسعود البارزاني رسالة مباشرة إلى جورج بوش يؤكدان على أهمية إدراج هذه الفقرة.

وفي خضم هذه الظروف ولحساسية المسألة وجهت المرجعية الدينية رسالة شهيرة إلى رئيس مجلس الأمن الدولي، تحذره من مخاطر إدراج هذه الفقرة، وهذا نص الرسالة:

«السيد رئيس مجلس الأمن الدولي المحترم.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد: بلغنا أن هناك من يسعى إلى ذكر ما يسمّى بـ(قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية) في القرار الجديد لمجلس الأمن الدولي حول العراق بغرض إضفاء الشرعية الدولية عليه.

إن هذا (القانون) الذي وضعه مجلس غير منتخب وفي ظل الاحتلال وبتأثير مباشر منه يقيّد الجمعية الوطنية المقرّر انتخابها في بداية العام الميلادي القادم لغرض وضع الدستور الدائم للعراق.

وهذا أمر مخالف للقوانين ويرفضه معظم أبناء الشعب العراقي، ولذلك فان أيّ محاولة لإضفاء الشرعية على هذا (القانون) من خلال ذكره في القرار الدولي يعدّ عملاً مضادًا لإرادة الشعب العراقي وينذر بنتائج خطيرة.

يرجى إبلاغ موقف المرجعية الدينية بهذا الشأن إلى السادة أعضاء مجلس الأمن المحترمين، وشكرًا »(22).


إن معارضة المرجعية لإدراج فقرة تشير إلى هذا القانون، انطلقت من فهمها لمسألة (الشرعية) التي لا يمكن أن يكتسبها قانون إدارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية إلا بطريقين، وهما:

الأول: الشرعية الانتخابية، وهو فاقد لها، باعتبار انه كتب من قبل هيئة غير منتخبة، وهي مجلس الحكم الانتقالي، وبتأثير من سلطة الاحتلال.

الثاني: الشرعية الدولية، بمعنى أن يتضمن أي قرار دولي إشارة له، وبذلك يكتسب الشرعية الدولية الممنوحة من قبل مجلس الأمن الدولي، وهنا تدخلت المرجعية لإيقاف إعطاء هذه الشرعية.

وبعد نقاشات حادة استجاب مجلس الأمن الدولي لطلب المرجعية الدينية ولم يذكر قانون إدارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية في القرار الدولي الذي صدر عنه.

ورغم امتعاض الاخوة الأكراد، وشعورهم بأن المرجعية الدينية وقفت حائلاً أمام تحقيق أهدافهم وطموحاتهم، فإن الزمن سوف يثبت صوابية رؤية المرجعية، وأنها لا تستهدف حقوق الشعب الكردي الذي تحرص عليها حرصها على حقوق كافة العراقيين، فالمرجعية حالة أبويّة، ولا تفرّق بين أحد من أبنائها، وسيرون أن هذه الفقرة المثيرة للجدل التي أصرّوا عليها، سيكونون أول ضحاياها!! ماذا لو قاطعت ثلاث محافظات سنيّة نتيجة الضغط الإرهابي عليها وأسقطت الدستور بالاستفتاء العام، ماذا سيفعل الاخوة الأكراد حينها؟ وما هو مصير العملية السياسية؟ وكيف تشكل الدولة؟ كل هذا يؤكد أن إشكال المرجعية كان إشكالاً قانونيًا، وليس إشكالاً موجّهًا ضد طائفة أو عرق معين.

خاتمة:

إن حديثنا آنف الذكر كان يهدف إلى تأكيد استراتيجية رؤى المرجعية الدينية في النجف الأشرف حول مسائل غاية في الأهمية، وهي تبتني على منطلقات وأسس، ولم تأتِ وليدة ساعتها -كما يتصور البعض- ففي موضوعة الاحتلال ارتأت المرجعية أن المقاومة السلمية هي السبيل العملي والممكن لإنهائه، وعلى ذلك طرحت مشروع الانتخابات الذي يهدف إلى انتزاع السيادة من يد المحتلين وإعادتها للعراقيين، الذين لهم الحق -وحدهم- في تقرير مصيرهم، وكتابة دستورهم، وقد كتب بعض من نحترم فيما سبق [أن الانتخابات هو خيال سياسي]، واستطاعت المرجعية بإصرارها وعزيمتها ورؤيتها المنطقية والاستراتيجية أن تحوّل الخيال إلى حقيقة.

العراقيّون -فقط- هم من يعطي الشرعية لكل ما يخصهم، ومن هنا عارضت المرجعية قانون إدارة الدولة العراقيّة للفترة الانتقالية، عارضته في النجف الأشرف وأسقطت عنه الشرعية الشعبية، ولاحقته في مجلس الأمن الدولي لتسقط عنه الشرعية الدولية، ونجحت في ذلك.

لا أذكر ذلك لأرفع وتيرة التحدي، ولكنني أريد أن أقول: إن ما تقوله المرجعية الدينية ليس آراءً تنظّم للأرشيف، وإنما رؤى عملية تدخل في سياق مشروعها الرامي لتأسيس عراق جديد، حرّ مستقل، يقوم على أساس احترام القانون والمؤسسات، يتساوى فيه جميع العراقيين، فكلهم مواطنون من الدرجة الأولى، وتفاضلهم على بعضهم يستند على أساس الكفاءة والإخلاص للوطن.

هذه المحاور الثلاثة التي تحدثنا عنها لا تختزل حركة المرجعية الدينية، وتبقى محاور لا تقل أهمية، كالموقف من الوحدة الإسلامية، والاجتماع السياسي الداخلي، والعلاقة بين الدين والدولة، وغيرها، نأمل أن نوفق في الحديث عنها.

والحمد لله رب العــالميـــن

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(18) في جواب على سؤال موجه من جريدة واشنطن بوست لسماحة السيد السيستاني دام ظله بتاريخ 3 شوال 1424 هـ، أرشيف خاص.
(19) استفتاء صادر بتاريخ 16 محرم 1425هـ، أرشيف خاص.
(20) صدرت الرسالة عن مكتب سماحة السيد السيستاني في النجف الأشرف بتاريخ 19/3/2004 المصادف يوم الجمعة 27 محرم 1425هـ، أرشيف خاص.
(21) قانون إدارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية، المادة 61، الفقرة ج.
(22) صدرت الرسالة بتاريخ 6/6/2004، المصادف 17/4/1425 هـ، من مكتب سماحة السيد السيستاني دام ظله في النجف الأشرف.


من مواضيع : عبدالله الجزائري 0 بيان حول الاعتداء على طلبة العلوم الدينية في النجف
0 نداء للسياسيين : الخطأ تجربة خصبة
0 تهنئة بمناسبة الذكرى التاسعة للمنتدى
0 اسئلة سياسية
0 نقطة نظام
رد مع اقتباس