عرض مشاركة واحدة

د. حامد العطية
عضو برونزي
رقم العضوية : 50367
الإنتساب : May 2010
المشاركات : 299
بمعدل : 0.06 يوميا

د. حامد العطية غير متصل

 عرض البوم صور د. حامد العطية

  مشاركة رقم : 24  
كاتب الموضوع : د. حامد العطية المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي
قديم بتاريخ : 01-08-2013 الساعة : 04:43 AM


الأخ العزيز الفاضل الرجل الحر وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أطيب التحيات لك وأجزل الثناء على ما تفضلت به من رأي حصيف حول الموضوع وسأبدأ من حيث انتهيت إلى نتيجة بأن المطلوب كشرط أساسي "تغيير العقلية التي لا تبصر أخطاءها" وإلا فالعراق مرشح لكي يكون صنو الصومال وكل المتبقي من ثرواته النفطية لن يكفي لتغطية مصروفاته الاعتيادية، وهو استناج صائب وواقعي، وتحذير ينبغي أخذه على محمل الجد.
لقد بينت في تعليقك جوانب من الشخصية العراقية غير السوية، الكامنة وراء هذه النزعة الإنكارية للأخطاء والفشل والواقع المر، وهي عادة ما تكون مترافقة مع إلقاء التهم على الغير وتحميلهم المسؤولية عن القصور الذاتي.
إن تضخم الأنا أو صورة الذات ظاهرة لا ينفرد بها العراقيون، بل تجدها في الكثير من المجتمعات العربية، وخاصة تلك قريبة العهد بالقبلية والبداوة، كما أنها تمتد في التاريخ إلى أعماق العصر الجاهلي، حيث تجد جذور الفخر والتفاخر، على غرار إذا بلغ الفطام لنا صبي تخر له الجبابر ساجديناً، والتفاخر بالذات والعائلة والقبيلة كان واحداً من أدوات الفرد والجماعة التنافسية في مجتمع تميز بالصراع المستمر حول وسائل العيش، ولم يتخلى عنها المسلمون فاستمروا في التفاخر على بعضهم البعضهم والسخرية من بعضهم البعض، فالسخرية هي الحط من صفات ومكانة الغير مقابل الأنا، وفي كتابي الموسوم الانحرافات الأربعة تعرضت لنزعة تنزيه الذات والأمة والسلف واعتبرتها واحدة من هذه الانحرافات التي أدت بالمسلمين والعرب إلى ما هم عليه اليوم من تخلف وتناحر، وفيما يلي رابط الكتاب:
في العام الماضي أدعى أكاديمي وباحث عراقي تحقيق نتائج تدحض أو تعدل جذرياً نظريات أينشتاين، و أشادت به وزارة التعليم العالي وبعض الجامعات العراقية في حينها، ومع أني لست مختصاً بالموضوع لكني ارتبت في الأمر ونشرت مقالاً حول ذلك، أثرت فيه بعض الشكوك حول ادعاء هذا الأكاديمي، واتضح لي نتيجة الاستطلاع الذي أجريته أن عدداً لا يستهان به من الأكاديميين العراقيين مثله ينشرون نتاجهم العلمي، الذي يحصلون بفضله على الترقية العلمية، في دوريات هي تجارية أكثر منها علمية، ولا تخضع البحوث المنشورة فيها لقواعد التقييم والتحكيم العلمية الرصينة، وحذرت من مغبة ذلك على مستقبل جامعاتنا والبحث العلمي في العراق، لكن لا حياة لمن تنادي.
العراقيون مثل كل شعوب العالم، الابداع موجود لديهم، وأغلبه كامن وغير ظاهر في وقتنا الحاضر، ووفقاً لمنحنى التوزيع الطبيعي فإن غالبية العراقيين لديهم مستوى من الذكاء والإبداع حول المعدل أو المتوسط، فيما قلة منهم هم من المبدعين أو القادرين على الإبداع، وفي الطرف الآخر من المنحنى هنالك قلة دون المعدل، وهذا هو حال كل شعوب العالم، ولكن التحدي الذي يواجهنا هو تهيئة الظروف المناسبة لظهور هذا الابداع وتنميته وتشجيعه في مؤسساتنا التربوية ومن خلال سياسات حكومية هادفة وأساليب تربوية عائلية أفضل.
قبل سنوات قرأت في صحيفة كندية مقالاً عن اكتشاف الصينيين للتطعيم ضد الجدري، قبل وصوله إلى الغرب، حيث كانوا يعمدون إلى تجفيف دمامل الجدري لدى المرضى المتماثلين للشفاء، وتحويلها إلى مسحوق، يذر أو ينفخ في أنوف الأصحاء، فيكتسبون بذلك مناعة ضد المرض، ولقد ذكرني المقال بما روته لي جدتي العلوية رحمها الله، التي ولدت في أواخر القرن التاسع عشر عن الطريقة المبتكرة التي كان أهل جنوب العراق يتبعونها في التطعيم ضد الجدري، فقالت بأنهم كانوا يختارون المرضى الذين تغلبوا على المرض وقاربوا الشفاء، ويأتون بشوكة نخل (السلة) يغرسونها في دملة من دمامل هؤلاء المرضى المتعافين، ثم يخزون الشوكة في أجسام الأصحاء منهم لاكسابهم المناعة، والملاحظ أن الطريقة المتبعة في جنوب العراق هي الأقرب للوسيلة العلمية الحديثة في التطعيم ضد الجدري والتي أجريت علينا في الصغر، والمعروف أن سيدة بريطانية زارت الدولة العثمانية (1720م) ونقلت الفكرة إلى الغرب، وسواء كان العراقيون هم من ابتدع هذه الطريقة أم غيرهم فقد كان لهم السبق على الغرب، ويفترض أن العراقيين الجنوبيين هم اليوم أكثر استعداداً للإبداع والقبول به من أجدادهم الأميين.
وللإنصاف لا بد من الإشارة إلى أن الطبيب العراقي المختص بجراحة العيون نبيل ممو قد يكون ضحية لممارسات كندية جائرة، فهم لا يعترفون بشهادات الدنيا في الطب، ويفرضون على الراغب بممارسة المهنة في بلادهم النجاح في امتحانات الكفاءة، التي لا يجتازها سوى قلة قليلة، لأنهم لا يريدون للأطباء المهاجرين منافستهم، وهي سياسة تعرضت لانتقادات من مصادر مختلفة داخل كندا.
وعودة إلى موضوعنا وبالتحديد مطلب تعريف الهوية العراقية مقابل تعدد الهويات، فالمؤسف بأنه وعلى الرغم من مرور حوالي قرن من الزمن على تكوين العراق الحديث فلم تتبلور بعد هوية وطنية للعراق، والمشكلة ليست في اصرار الكردي على ممارسة حقوقه السياسية والثقافية أو حرية الشيعي في تطبيق شعائره المذهبية، فهي أمور بديهية، بل المشكلة في الحكومات العراقية المتعاقبة وسياساتها الاقصائية والمجحفة في التعامل مع هذه المكونات وحقوقها الأساسية، ونلاحظ أن المطالبات الكردية بالحقوق القومية تجمدت طيلة فترة ابتعاد الملا مصطفى البرزاني عن العراق لكن ما أن سمح له عبد الكريم قاسم بالعودة للعراق حتى بدأ حركة مسلحة من جديد، وهي في الواقع طموحات شخصية ذات واجهات إثنية، ولو كانت الحكومات العراقية المتعاقبة ناجحة في تحقيق العدالة والمساواة والتنمية لذابت الفوارق الإثنية والطائفية أو لأصبحت من الأمور الثانوية، لكن ظلم الحكومات وتحيزها الطائفي والإثني غذى الهويات والنزعات الانفصالية.
هل من علاج فوري للمحنة العراقية؟ لو ظهر بين العراقيين صنو الإمام موسى الصدر في كازميته وانفتاح عقله وفكره لقاد الشيعة وقبل به غير الشيعة، وقد نجح الإمام الصدر في انتشال الشيعة في لبنان من هوة النسيان وسيطرة الإقطاع السياسي ليصبحوا طائفة ذات قوة ومكانة واعتبار، وأكمل حزب الله المهمة، ولا يخلو المجتمع العراقي من رجل بمواصفاته أو ببعض منها على الأقل، لكن أين هو ؟ وكيف نتعرف عليه؟ ليس لدي أجوبة حاضرة، ولكن غياب القائد لا يعفى الناس من المسؤولية، ولا ننسى بأن القادة لا يجترحون المعجزات، وكل المطلوب منهم توجيه الناس بالاتجاه الصحيح وبالاعتماد على الكفوئين والمخلصين، لأننا لو رجعنا للإسلام لوجدنا بأننا كلنا راع وكلنا مسؤول عن رعيته.
في مقال سابق بعنوان "كلنا خلفاء في الإرض: رؤية جديدة في الإسلام" دعوت إلى تجاوز الخلافات بين المسلمين من خلال الالتزام بالثوابت العظمى للخلق، والتي بينها لنا القرآن الكريم في الحوار الدائر بين الخالق عز وجل والملائكة عندما أنبأهم بخلق آدم، وهي الإحياء والإصلاح والتعلم، وهي ثوابت كونية سبقت نزول الرسالة، ويمكن الاتفاق عليها، على الأقل بين المسلمين المعتدلين من كل المذاهب، لتكون منطلقاً لحقبة إسلامية جديدة، توضع الخلافات المذهبية والفقهية فيها جانباً، ويقبل المسلمون على تحقيق غايات الخلق العظمى، وليس من قبيل الصدفة أن نجد بأن أي جهد تنموي شامل ومستدام سواء في بلد مسلم مثل العراق أو غير مسلم يراد له النجاح والديمومة لا بد أن يستند إلى هذه الأركان الكونية الثلاثة (الإحياء- الاصلاح- التعلم).
ولو قيل بأنها دعوة طوباوية، غير قابلة للتحقيق، فهل ينكر أحد بأن في المنطقة نموذجين ناجحين، وحتى مناوئيهم يقرون لهما ببعض النجاحات، وهما إيران وحزب الله، فأين التجربة الشيعية العراقية الناجحة؟ وإذا لم تكن لدينا تجربة ناجحة فلم لا نتعلم من الإيرانيين أو حزب الله؟ وهنا نعود إلى حيث بدأنا عند ما تفضلت به من توصيف للذات العراقية المتورمة، هذه الذات التي تصر على أن للعراقيين خصائص ينفرد بها، ولا بد أن يتميز عن غيره، وغير ذلك من الفقاعات الكلامية، التي تتبخر ويتأكد خوائها مع كل عملية إرهابية ناجحة، يفشلون في منع وقوعها.
معذرة على الاسهاب والاطالة ودمتم بكل خير


من مواضيع : د. حامد العطية 0 هل تتسع طائرة المالكي المتوجهة إلى واشنطن لنصف مليون؟
0 هل السيد حسن نصر الله مندهش من شيعة العراق أيضاً؟
0 الإمام الحسين مضغة في أفواهكم
0 لماذا حضر ميكي ماوس وسانتا كلوز حفل تخرج جامعة المثنى؟
0 جريمة الأمير السعودي وتأسيس الحزب العلوي اللبناني
رد مع اقتباس