عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية عابر سبيل سني
عابر سبيل سني
شيعي حسيني
رقم العضوية : 63250
الإنتساب : Dec 2010
المشاركات : 6,772
بمعدل : 1.29 يوميا

عابر سبيل سني غير متصل

 عرض البوم صور عابر سبيل سني

  مشاركة رقم : 3  
كاتب الموضوع : عابر سبيل سني المنتدى : منتدى الجهاد الكفائي
افتراضي
قديم بتاريخ : 09-10-2013 الساعة : 09:50 PM




- الحجاز تحت الراية السعودية:

وتسارع نشاط الاعتاق بين اهالي مكة، وهناك من باع جواريه بنصف اسعارهن، حينما نزحوا الى جدة في جماعات قبيل دخول جيش الاخوان الى مكة. وهبط سعر الجاريات في دكة الرقيق في مكة من سبعين جنيهاً الى ثلاثين.

وكان المطوفون يقنعون اغنياء الجاوا باعتاق العبيد المملوكين في مكة كونها مثل الصدقة الجارية.

وتكرر هذا النمط قبيل سقوط جدة. ونلاحظ في نوفمبر 1925م في اوراق المحكمة الشرعية في جدة تسارع في نشاط اعتاق العبيد.

واعتق السيّد علي بن عثمان شطا، الذي لجأ كباقي أهل مكة الى جدة عند دخول جيوش الاخوان، في 1925م، زهرة عبدالله التي كان قد اشتراها من محامي الملك حسين في مكة الشيخ عمر، واصدر لها حجة صادرة من محكمة جدة الشرعية، لكنها آثرت البقاء معه والعودة الى مكة مع آل شطا حينما تستقر الاوضاع فيها.



وتحرر كثير من العبيد بعد سفر اهل الحجاز ذعرا الـى موانئ مصر والسودان.

واعتق الشيخ احمد بن محمد سعيد تاج (اخو جمال وعبدالغني تاج الدين، وآل تاج الدين من اثرياء مكة الذين يتاجرون مع سنغافوره وبتافيا)، جاريته زهرة عبدالله السوداني وابنتها القاصر فريدة سالم، ودجد عبدالله من بتافيا وعبدالقاهر السوداني واثنتين أخرتين، كما تفيد صكوك المحكمة الشرعية.

وكان يمكن اتلاف الصكوك الشرعية او مصادرتها بكل سهولة. وبمقابل مبلغ بسيط من الرشوة كان يمكن اتلاف اي ارشيف في المحكمة الشرعية بجدة.

ونشطت القنصلية البريطانية في ارسال المعاتيق الى بلدانهم. وفي رسالة من القنصل في 24 ديسمبر 1925م، الى السادة جلاتلي هنكي في جدة وكلاء الشركة الخديوية للملاحة، يطالبهم بتوفير تذاكر لنقل معاتيق الى سواكن: 26 شخص منهم: بخيتة ام مسعود، عبدالمولى بن سالم، عبدالله القصيمي، فرج لحياني، فرج الله، بلال، مبارك بن علي، ابراهيم تكروني وآخرون.

ورحب ابن سعود في حوار مع القنصل البريطاني بجدة بالتشدد ازاء منع دخول العبيد الى الاراضي الحجازية ولكنه في المقابل اعتقد ان المنع يجب ان يجري بالتدريج كون اي خطوة استفزاز قد تؤلب ضده قبائل الحجاز التي لا تزال تعتمد على العبيد.

وأشار القنصل البريطاني للملك برصدهم لوكلاء نجديين ينشطون في تجارة العبيد في عمان والاطراف الشمالية من الخليج العربي وتوريدهم لنجد، وأبدى الملك تفهمه وتعاونه.

وفي رسالة من السير اورفالنت من الخارجية البريطانية الى القنصل البريطاني في جدة في 22 ابريل 1926م، أملى عليه سياسة بريطانيا الجديدة مع ابن سعود. وطالبه باستصدار قرارات منه بتشديد الحدود لمنع دخول العبيد المهربين للحجاز وعسير، اضافة الى منح القنصلية حق تحرير وتسفير من يلجأ اليها .. ثم كخطوة تالية اعلانه لالغاء العبيد مستعيناً ربما بفتوى من علماء مكة، وعلى نهج ما فعلت قبرص في قراراتها لالغاء الخدم المرغمين في 1879م.

على اثر رسالة اورفالنت قام جوردان نائب القنصل ببعث خطاب الى الملك عبدالعزيز في 11 مايو 1926م، بذلك الامر.



كانت سياسة ابن سعود هي عدم حرق المراحل والحرص على معاملة العبيد معاملة انسانية.

وفي اول طلب رسمي للحكومة السعودية بالحجاز تقدم به نائب القنصل جوردان في 25 مايو 1926م، باعتاق المدعو عثمان موسى من اهل سواكن الذي اُختطف عام 1918م عبر الريّس عبدالخير بن الحسين، مالك السنبوك “خضرا” وبيع في ساحل ينبع لمازن بن عمر من اهل ينبع. وان عم عثمان: حسن عبدالفرج قد وصل ينبع لبحث سبل اعتاقه انما دون فائدة.

وجاء في جواب الملك عبدالعزيز بعد اربع ايام انه اصدر اوامره للسلطة المحلية في ينبع لتسليمه لعمه على الفور.




وتفيد احصائات القنصلية البريطانية انه خلال شهريّ سبتمبر واغسطس من عام 1926م تم تحرير 97 شخص عبر قنصلية جدة.

- معاناة مزدوجة:

وليس كل من تحررهم القنصلية في جدة وتعيدهم الى ميناء سواكن تنتهي معاناتهم عند ذلك الحد.

واُعتق سعيد أمان واطلق سراحه واُعيد للسودان في السابق لكنه عاد ادراجه الى القنصلية البريطانية في جدة بعد ستة اشهر يطلب اللجوء مجدداً!

حين وصل سعيد الى سواكن، بعد تحريره في المرة الأولى، عمِل معاوناً للناخوذة احمد مبارك الجهني على متن السنبوك “خضرا” من املاك محمد البربري من اهل سواكن. وفي رحلة تحمِل شحنة فحم متجهة الى جدة وبدلا من العودة مباشرة الى بورتسودان كما كان مجدولاً، انعطف السنبوك الى رابغ لتحميل بضائع ليجري تصريفها في جدة وبورتسودان على التوالي. ولكنه في الطريق توقف في قرية الرويس على مقربة من جدة فركب منها مصادفة مالك سعيد الذي فرّ منه في السابق، واسمه حامد بن قريب الجدعاني ومعه ثلاث عُربان هم: ضيف الله وحميد وحمدان، وكلهم من الجداعين. وحينما رأى الجدعاني عبده السابق، قام بارشاء النوخذة بـ 6 جنيهات استرليني مقابل تمكينه من مصير سعيد، رغم اعتراض ركاب السنبوك. وقام الجدعاني ببيعه بعيد ذلك في مكة الى مالك جديد اسمه حسن أبو النجا، من اهل مكة،الذي فرّ سعيد منه بدوره من جديد الى دار القنصلية البريطانية التي وضعته للمرة الثانية في غضون ستة أشهر على متن الباخرة المنصورة التابعة للشركة الخديوية في طريق حريته الى بورتسودان.

- أفارقة الحجاز:

وتوزع أفارقة مكة على جماعات اثنية منغلقة على نفسها منذ القرن الميلادي التاسع عشر، لكل جماعة منها شيوخها وشبكتها الاجتماعية الخاصة – تمركزت غالبيتها في منطقة البير المالح امام المنشيّة بحارة المسفلة او في حارة جرول. كان لكل جالية افريقية في مكة شيخها (كبيرها) الذي يفصل في خلافاتها بأحكام قضائية موازية، يعاضده نقيب مدجج بعصا، يقوم مقام السلطة التنفيذية.

ونحن نعلم ان من شيوخ البرنو في مكة في العشرينات الميلادية من القرن الماضي الشيخ محمد فونتامي (أو: فولاني) والشيخ محمد جبركاني، فيما كان شيخ الفلاتة: الشيخ سمبو.

وساهم الرقيق من افريقيا الشرقية والسودان واثيوبيا وافريقيا الغربية (التكارنة) في اغناء التنوع الثقافي والإثني لمكة والحجاز.

ومنذ عام 1885م وصف المستشرق الهولندي سنوك هوروخرونيه ملامح الحياة الاجتماعية للجاليات الافريقية/المكيّة وكشف شيئاً من مظاهر ثقافتهم الفرعية الهجينة.

فهم يقومون باحتفالات شعبية اسبوعية تبدأ من ظهيرة يوم الخميس وتمتد الى تباشير صباح الجمعة. وكان لهم في مكة ما اسماه هوروخرونيه بـ”الاوركسترا الافارقية“: فيلعب الزنوج في مكة بآلة العود “الطنبورة” المكيّة، مرفقة بآلات الطبل، فيما يرتدي الراقصون أحزمة مشغولة بحوافر الغنم تُخرِج قرقعة أثناء الرقص والاحتكاك… ثم يرقصون رقصة المزمار البلدي. وبين دورات الجوش يحتسي لاعبو العصا من شراب محلي مُسكر يسمّى البوظة. ثم يعودون ادراجهم للعمل مع ظهيرة يوم الجمعة.

ويقول هوروخرنيه: ومأكلهم متوفر ولابأس به. وهم بعد تحريرهم يسعى الفرد منهم للعمل بالأجرة كعمال بناء او سقائي مياه، الخ. فيما اغلبهم يفضلون البقاء تحت وصاية الأسر التي خدموا فيها خصوصا اذا قرروا الزواج.

ويتصدى الزنوج ذو المواهب الأكثر بروزاً للأعمال المنزلية او يعملون كأمناء متاجر ومحاسبي دكاكين تجارية.

ان اثرياء مكة يحبذون ملء منازلهم بالعبيد، وهؤلاء العبيد بدورهم يعيشون حياة مترفة مقارنة بغيرهم ويجري التعامل معهم كأفراد من العائلة. اما الكفؤين منهم فيتحولون تلقائياً الى مسيّري شئون التجارة للأسر التي يعملون فيها حتى يغدو “العبد” في كثير من الحالات مجرد لفظ خالٍ من اي مدلول.

وأغلب عبيد المنازل يجري اطلاق سراحهم حال تجاوزهم سن العشرين، نظراً لخوف ملاّكهم من استمرار اختلاطهم كبالغين مع نساء الأسرة وجواريها، ثم ان التحرير يبقي العلاقة مستمرة انما يمنح المّلاك فسحة من الثقة مع الأفراد المُحررين.

ويتنافس المعاتيق مع الرجال المكيين في كافة مجالات الحياة بنديّة متساوية.

ولم تفرّق لوثة الاسترقاق بين أي طرف، كما انها لم تقف حكراً على اجناس الأفارقة والجاوى.

وارسل عيد بن سالم احد عُربان المدينة المنورة الذين تم أسرهم في احد معارك الاخوان وتم بيعهم، برسالة “نداء” بعثها في الحادي عشر من ابريل 1926م الى الوكيل القنصلي البريطاني في لنجا (على سواحل فارس) يخبره بملابسات اختطافه.

حينما حاصر جيش السلطان بن سعود المدينة كان عيد يخدم في حامية مدائن صالح ومع سقوطها تم تسليمه لجيش ابن سعود فنُفي الى قطر وهناك تملكه محمد بن فضال لمدة شهر ثم اخذه في قارب لثلاث اشهر بين جزر اللؤلؤ، وهناك حاول بيعه في جزيرة الشيخ (وهي جزيرة فارسية) لكنه هرب قبل ان يوقف في ساحل فارس ليعود ويمكث مع مالكه في نخيلو، حتى هروبه الثاني الان الى لنجا حيث يريد حسم امر حريته واثبات هويته.

و خدم عيد بن سالم في جيش الشريف حسين النظامي منذ 1915م حين كان في سن الخامسة عشر، وأكدّ في رسالته الى انه شخصية معروفة يمكن ان يضمنها هؤلاء السادة من اعيان المدينة: الشريف شحات، والشريف ناصر، واسعد بن طاهر سنبل وعبدالمحسن بن طاهر سنبل. وان عمّه هو جمعة بن شليّه واخوه هو عايض بن سالم.

وسمّت وثائق الخارجية البريطانية، في مايو 1926م، في رسالة للكولونيل بريدو، المعتمد السياسي في الخليج، اسماء تجار نجديون وحساويون يتاجرون في تهريب العبيد من سواحل الامارات الى دواخل نجد: عجيل النجدي في دبي، ومحمد القفيدي في دبي والشارقة والبريمي، وبن عتيق في الشارقة وعجمان، وعبدالله الطويل في الشارقة، ومحمد بن عبدالله النصيبي في عجمان.

ووقّعت حكومة الحجاز، تحت الادارة السعودية الجديدة، اتفاقية الغاء الرق في جنيف في سبتمبر 1926م.. لكن لحداثتها في الحجاز الذي كان يدخل مرحلة سياسية انتقالية، لم تعطى الاتفاقية اي عناية، فاُهملت.

وفي عام 1926م استخدمت حكومة التاج البريطاني اسطولها الرابض في مالطا لمراقبة تجارة العبيد في البحر الاحمر. كانت بريطانيا لا تزال تُحكم السيطرة على البحر الاحمر، الشريان الامبريالي الاكثر اهمية لها.

ومخرت البارجة كورنفلاور (العنبر) القادمة من مالطا العباب بين عدن وجدة وبورتسودان. اما البارجة داهيلا (زهرة الأضاليا) تركت مالطا للبحر الاحمر في 1927م.. وآبت البارجة كليماتس (الياسمينة) من ميناء بورتسودان الى مالطا عبر جزر كمران اليمانية.

وكان متعهدو نقل العبيد بين ضفتي البحر الاحمر متى ما صادفوا بارجة حربية بريطانية، فانهم يوعزون في فورهم للعبيد بسرعة الاختباء، بعد ايهامهم بأن هؤلاء الرجال “البيض” انما هم من فصيل “أكلة لحوم بشر”.

ومن سخرية الأقدار ان البارجة كورنفلاور التي كانت تُستخدم للتفتيش عن العبيد المهرّبين في سنابيك البحر الاحمر، كانت هي من تولى نقل الشريف علي بن الحسين، آخر ملوك الحجاز الهاشميين الى منفاه الأخير في 25 ديسمبر 1925م.

وفي مايو 1927م اعترفت بريطانيا رسمياً بالحكم السعودي لمملكة الحجاز ونجد. وأصبح السير اندرو رايان، ممثلها في قنصلية جدة، أول مسؤل دبلوماسي رفيع بعد التحولات السياسية الأخيرة وصعود ابن سعود على عرش الحجاز.

وتم توقيع الاتفاقية البريطانية-السعودية، فيما يعرف بـ”اتفاقية جدة“. وجاء في مادتها السابعة ان “يتعهد صاحب الجلالة ملك الحجاز ونجد وملحقاتها بأن يتعاون بكل مالديه من الوسائل مع صاحب الجلالة البريطانية في القضاء على الاتجار بالرقيق”.

لكن في السابع من يوليو 1927م قام السنبوك الشراعي “سلك الهوا”، الذي يملكه حاجي محمد، ويقوده الناخوذة محمد صالح الدنقلي، بنقل 75 عبد اثيوبي من أملاك التاجر احمد عمر، الذي جلبهم من جيبوتي، بالقرب من تاجورة، مورّداً اياهم الى موانئ زيلع (الصومال)، وأوبخ (جيبوتي) ومنها الى المخا (اليمن) ومن الأخيرة الى الحجاز بالتهريب.

وقدرت الوثائق البريطانية انه في عام 1927م وحده تم تهريب ما بين ثلاثمائة الى اربعمائة عبد بين اثيوبيا وحدها الى موانئ الجزيرة العربية.

وكانت آلية تهريب العبيد الاثيوبيين تجري كالتالي:

يُخطَف العبيد الاثيوبيون وخاصة البنات الصغار من انحاء أديس أبابا الغربية: من جماعات كافا وولغا وبني شنقول (وهؤلاء مقرّهم غرب اثيوبيا وهي منطقة تتبع شيخ الخوجلي الذي كان يفرض رسوم ضريبية على تجار العبيد فيها) – وكلهم من اصول عرقية زنجية يُسَمون باللغة الأمهرية بجماعة الشنقيلة – وهم ليسوا حاميين مثل جماعات الجلاس، فالجالاس والأمهريين هم من يخطف العبيد الزنوج ويتاجر بهم – ثم يعبر العبيد المخطوفون في مسارات سريّة الى شمال اديس أبابا حيث اسواق العبيد في باتيس وداوا (مناطق تابعة للعيسى) ومنها يساقون الى تاجورة من خلال التُجار الدانقلة.

في تاجورة يجري تنظيم العبيد في جبل الغواد – ويفرض عليهم سلطان راهيتا ضرائب تجبى عبر شيوخ قبيلة العيسى الصومالية.. ثم يباع العبيد الى التجار العرب في جيبوتي مقابل 160 دولار للرأس. ثم لا يبعثون من موانئ تاجورة الرئيسية مباشرة توجساً من الرقابة البحرية، فيرحلون بدلا من ذلك الى رأس دمار حيث يفرض سلطانها المحلي ضريبة اضافية عليهم. وحينما تهب الرياح الجنوبية على البحر الأحمر بين شهري نوفمبر ومارس، تنشط السنابيك وترفد سواحل جيبوتي موانئ الجزيرة العربية بأسراب العبيد والجواري صغيرات السن.

وكان سلاطين الدناقلة في ساحل جيبوتي يتقنون صناعة النعل والسِكافة بشكل ماهر، لكنهم تورطوا الى جانب ذلك في تجارة وتسويق الجواري البغيضة. وكانت الحكومة الفرنسية في جيبوتي في فترة من الفترات تقاسم السلطان الدنقلي ارباحه من تجارة العبيد.

وتحمل السنابيك في البحر الأحمر الكثير من الحصى الصغير (الصابورة) التي تستعمل كثقل الموازنة، وكانت تستخدم لتقييد ايدي العبيد.



وفي الحجاز تكون اقرب الموانئ لهم: القنفذة والليث وراس الأسود جنوب جدة، ويرسون بأعداد أكثر في الاخير، ومنها يجري تهريبهم الى اسواق جدة. وتصل اسعارهم في جدة الى ستمائة دولار. ويباع أعداد منهم للسوق المحلي، وجزء آخر يشتريه حجّاج اسطنبول والقاهرة وينقلونهم معهم الى ديارهم. أما من يبقى يُعاد توزيعه الى المخا.

وفي هذه الفترة كانت قبيلة الزرانيق البحرية جنوب الحُديدة من اكثر القبائل استهلاكاً للعبيد في الجزيرة العربية.

ولا تقف طرق التهريب على ما سبق. ومن طرق تهريب العبيد الذين يجري شراؤهم بشكل فردي: رشوة القضاة في تاجورة بخمس او عشر دولارات مقابل ان يصك لهم ورق زواج مع الفتيات فيتم تهريبهن بأوراق رسمية.

وفي الضفة البحرية المقابلة من الجزيرة العربية كان يُخطف صغار الهنود والبلوش لاستخدامهم في العمل في قوارب صيد اللؤلؤ بالبحرين والكويت. وفي 1928م كان عبدالله بن محمد دوار، في دبي، هو أكبر وكيل لبيع العبيد المجلوبين من كراتشي.

- سنابيك البحر الأحمر - المتاجرة في كل شئ:

كانت السنابيك في البحر الاحمر تنقل بين موانئ راس المدر وعدن والحديدة والمخا وجدة وعصب وجيبوتي – كل من السكر والتبغ والكيروسين (الجاز) والقهوة والحبوب والتمور، الى جانب العبيد. وترفرف على صواريها اعلام: مملكة الحجاز او ايطاليا اوالحكومة العربية او دولة الإمام.

وفي ميناء جزيرة بريم في مدخل باب المندب كان وكلاء تجارة العبيد: شيخ سعيد وهو وكيل السنبوك “متساهل” لمالكه محمد هادي في تاجورة، ينقل الخشب والفحم. وعبيد علوي الذي اقلع لاحقاً عن تهريب العبيد وبات يعمل في صيد الاسماك بالقرب من جزر كمران. وفي جيبوتي الشيخ ابراهيم صالح ومعه عشرون رجلاً مسلّحاً.

وكان يسيطر على ساحل تاجورة: الشيخ محمد قاسم الدنقلي والشيخ عبده داود الدنقلي.

وفي عام 1928م تنقّل وكيل بريطاني سري بين مقاهي جيبوتي المرصوصة على الميناء واعطانا صورة عن الحياة الاجتماعية لنواخذة السنابيك فيها.. وذكر من كبار النواخذة في حينه:

ابوخليل، وهو مالك وناخوذة سنبوك “صاح الله” في جيبوتي وعليه علم ايطالي.. ومثله محمد شحيم، وهو دنقلي، كان ناخوذة لأحد السفن الفرنسية لكنه يملك الان سنبوكاً اسمه “زاحف” وعليه علم عربي – وهو ينقل عبيد احيانا.. وعلوي حكمي وسنبوكه اسمه “الهبوب” وعلمه عربي.. وأحمد سيموح كان وكيلاً تجارياً في الميناء، يعمل لصالح الشيخ العيسى الثاني والشيخ ابوبكر الثالث وهما رجلان مُسلحان يعملان في تجارة السلاح والعبيد، يحتكران التجارة الذاهبة لميناء الطائف اليمني التاريخي (في حدود الحديدة وهو غير مدينة الطائف الحجازية)، عند رجل محلي هناك اسمه احمد فتياني وهو شيخ الطائف.

وهناك سنبوك “المايل” للناخوذة عمر سعيد الوحيش ويعمل مع تجار تاجورة وزعماء العفر (الدناقلة).

- الثلاثينات الميلادية .. انقلاب في الوعي وتبدل قيمي:

وتشير احصائات لجوء العبيد لدار الاعتماد البريطاني في جدة الى تناقصها الحاد بعد حصار جدة وصعود الفترة السعودية في الحجاز. ومن لجوء اربعين رجلاً وامرأة في عام 1926م الى دار القنصلية، لم يلجأ سوى سبع عشر رجلاً وامرأة في عام 1931م، بقي منهم خمسة في الحجاز بعد تحريرهم. وان لم تنتفي تجارة العبيد بعد، فإنها خفتت بشكل ملحوظ.

وحملت الثلاثينات للحجاز – والتي سبقها عقدان دراميّان شهد فيهما الحجاز؛ انقلابين في دار الخلافة وثورة كبرى في مكة وحرباً عالمية وأخرى حدودية وفترتيّ حصار وجوائح وبائية وتمردات قبائلية شتّى – حملت، عكس كل ذلك، استقراراً مطلقاً، انتعش فيه الميناء، وتماسك فيه موسم الحج، فانفتح الأهليون بشكل هائل على العالم وروح العصر.

يقول بوند، السفير البريطاني في جدة في رسالة للخارجية البريطانية في السادس من مارس 1930م: “لقد تقلّصت نسبة العبيد في جدة في السنوات الأخيرة بشكل مطرد، هذا يعود الى كون كثير من التجار المعروفين انفتحوا على روح العصر وباتوا يمارسون أشكال تجارة اكثر عصرية وملائمة قانونيا وقطعوا مع الاشكال التقليدية”.

وضعف ارسال العبيد المهربين الى الحجاز عبر ميناء جدة وموانئها القريبة كما سبق.. مقابل ازدياد نشاط التهريب عن طريق البر من بلاد الشحر والمكلا في اليمن.. او من يجري اختطافه او بيعه أصالة في موسم الحج.

وسجّل شيخ الدلالّين، القيّم على دكة الرقيق بأطراف سوق سويقة، في مكة ألف عملية بيع في عام 1930م، لكنه عاد وسجّل مائة عملية بيع فقط بعد ثلاث سنوات في عام 1933م. وفي المدينة المنورة اُغلقت الدكّة، وخرجت عن الخدمة، حيث لم تسجّل سوى عشر عمليات بيع في عام 1933م.

وشهدت الثلاثينات، اقتحاماً مُفاجئاً للتقنيات الحديثة (التكنولوجيا) – ما ادى الى انقلاب في الوعي وتبدل قيّمي حاد خصوصاً في ذهنيّة وعادات البادية الحجازية.

ان احد الاسباب الجوهرية لتقلّص استهلاك العبيد بشكل كاسح في البادية الحجازية، هو إدخال النقل بالسيارات في موسم الحج والغاء نظام “الكوشان” – وهي رسوم الطريق التي كان يدفعها الجمّالة للشريف كنوع من الضريبة المحليّة (ويدفع الأهليون، مُمثلون في طبقات المطوفين ضريبة مماثلة).

لقد ضرب ذلك التحوّل، الهيكل الاقتصادي للبادية الحجازية، خصوصاً لدى قبيلتيّ الحوازم والأحامدة، في صميمه وقوّض مراكز قوته وشبكة علاقاته القديمة.

وأدى انخفاض الطلب في النقل التقليدي على الجمال والشقادف الى تقليص الطلب بين شيوخ الجمّالة والمخرّجين للعبيد الذين كانوا يستعينون بهم سابقاً في اعباء وتجهيزات قوافل الحجيج وتسييرها.





يتبع الجزء الاخير

توقيع : عابر سبيل سني


اذا الشعب يوما أراد الحياة

فلابد ان يقتدي بالحســــين
من مواضيع : عابر سبيل سني 0 الوهابية دين الفتنة والخوف من البشر
0 سؤال: لماذا ترك النبي المنافقين ولم يفضحهم
0 فتوى من ولي الطواغيت والاستكبار العالمي
0 شبهة يصلحه الله وليس يصلح الله أمره
0 لا تصلوا على آل محمد في التشهد لأنها أصبحت من شعار الشيعة