عرض مشاركة واحدة

الرحيق المختوم
عضو برونزي
رقم العضوية : 77449
الإنتساب : Feb 2013
المشاركات : 320
بمعدل : 0.08 يوميا

الرحيق المختوم غير متصل

 عرض البوم صور الرحيق المختوم

  مشاركة رقم : 8  
كاتب الموضوع : الرحيق المختوم المنتدى : المنتدى العام
افتراضي استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام 6
قديم بتاريخ : 25-02-2014 الساعة : 04:34 PM


إن ثقافة مكة ما قبل الإسلام أرقى من ثقافة كثير من بلدان هذا العصر المدعية الثقافة والتحضّر

لا شك في أن مكة ما قبل الإسلام أقل رتبة ومستوى في ثقافتها وحضارتها وديانتها من ذاك المجتمع العظيم والراقي الذي تبلور بمكارم أخلاقه ومجده بعد الإسلام، ولكن من المتيقّن أنها أرقى من كثير من هذه البلدان المدّعية الثقافة والتحضّر.
إن الكثير من المثالب والسيئات التي تذكر لتلك الفترة لا ترتبط بالقبائل العربيّة الأصيلة في مكة، بل مرتبطة بالأعراب البدويين الذين لم يذكروا بالخير حتى بعد ظهور الإسلام؛ (الْأَعْرابُ أَشَدُّ کُفْراً وَ نِفاقاً)[التوبة/97]. وإلى جانب هؤلاء كانت عشيرة بني هاشم من العشائر الأصيلة التي كانت تمثل إحدى العشائر الأساسية في مكة، وكان لهم شأن وموقع عاليين جدا لدى الأعراب، ولابد أن نفصل حسابهم عن باقي العرب والأعراب في ذاك المقطع الزمني.
كما بعض ممارساتهم الشنيعة من قبيل دسّ بناتهم في التراب فقد رويت أخبارها على نطاق محدود، فيبدو أنها لم تكن عرفا شائعا بين الناس، وإلا لانقرض نسلهم.

كان مشركو مكة على استعداد من أن يمنحوا النبي(ص) الرئاسة من قبلهم ولكن لم يرضوا برئاسته من جانب الله

لابد أن نرى لماذا بدأ العرب بمعاداة النبي(ص) بعد مبعثه وانقلب ذاك الاحترام والإكرام إلى عداء؟
ما يجدر بالانتباه في ظاهرة مخالفة الأنبياء وتكذيبهم، هو استنكاف الكفّار عن «إطاعة» الأنبياء. فعلى سبيل المثال قبل أن يبعث الرسول(ص) بالرسالة كان معروفا بين الناس كرجل أمين وصادق، وأحيانا ما كانوا يرضون به حكما في بعض نزاعاتهم العويصة. ولكنّ كثيرا من هؤلاء الأشخاص الذين قد اعترفوا بصلاحه وصدقه، رفضوا دعوته بعد البعثة.
واللطيف هو أنهم كانوا على استعداد من أن يمنحوا النبي(ص) رئاسة مكة، ولكن لم يرضوا برئاسته من جانب الله! كانوا على استعداد من أن يحكمهم عن طريق منهج مشابه للديمقراطية حيث قد أجمع قبائل العرب على هذا الرأي، ولكنهم لم يرضوا بأن يحكمهم من قبل الله. فكان يعزّ عليهم أن يحكمهم رجل من جانب الله، ولكن لم يروا بأسا في أن يحكمهم من جانبهم!
إنه موضوع لطيف وجذاب جدا. كيف يعترف بعض الناس بفضل النبي(ص) وصدقه ويرضون برئاسته عليهم، ولكن لا أن يحظى بقدرة مطلقة من قبل الله وأن يكون متصلا بالسماء. فمن هذا المنطلق اجتمع كبراء القوم ووجهاؤهم وذهبوا إلى بيت أبي طالب(ع) وكان ابن أخيه جالسا بجانبه. ثم تحدث متحدثهم وقال: «ا يَا أَبَا طَالِبٍ إِنَّ ابْنَ أَخِيكَ قَدْ سَفَّهَ أَحْلَامَنَا- وَ سَبَّ آلِهَتَنَا وَ أَفْسَدَ شَبابَنا وَ فَرَّقَ جَمَاعَتَنَا- فَإِنْ‏ كَانَ‏ يَحْمِلُهُ‏ عَلَى‏ ذَلِكَ‏ الْعُدْمُ‏ جَمَعْنَا لَهُ مَالًا حَتّى يَكونَ أغنَى رَجُلٍ في قُرَيشٍ وَنُمَلّكُه عَلَيْنا»[تفسير القمي/ج2/ص228].

يودّ البعض أن يكون منصب الولي الفقيه منصبا تشريفيا كما هو الحال بالنسبة إلى شيخ الأزهر

قبل دعا شيخ الأزهر الناس إلى التزام الهدوء، والكل يعرف جيّدا أن لا تأثير لحديثه هذا حركة الشعب. ويودّ البعض أن يكون منصب الوليّ الفقيه منصبا تشريفيا كمنصب شيخ الأزهر؛ يعني أن يكتفي بالنصح بين الحين والآخر ويحافظ على شأنه وكرامته! إن سبب مخالفة البعض لولاية الفقيه هو أن الولي الفقيه يقف سدّا منيعا أمام بعض نشاطاتهم وتحركاتهم الفتنويّة ويفقأ عين الفتن. ولهذا يودّون لو تكون سلطته فخرية ضعيفة ويكتفي بالنصح وحسب. وتبريرا لرأيهم يقولون: بهذا الأسلوب تحفظ كرامته أكثر.

إن بعض الناس كانوا يحترمون النبي(ص) ما دام لا يتدخل في السياسة


كان مشركو مكة في صدر الإسلام بصدد حفظ احترام النبي(ص) ومنحه السلطة الفخرية بنفس هذا النمط. فيبدو أن في تلك الأيام أيضا كانت تهدد كرامة الإنسان المقدّس فيما إذا تدخّل في الشؤون السياسية! يعني كان يرى البعض أن احترام النبي(ص) وقداسته رهن عدم تدخله في السياسة وأن يستمرّ بحياة الكهنة والقديسين بلا أن ينهض لإقامة الحقّ. بينما عندما يبعث الله نبيا، يفرض طاعته على الناس ويقول: (وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِیُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ)[النساء/64]. يعني أنه ليس بنبي وحسب، بل إنه القائد العام للقوات المسلحة أيضا، ومن هذه النقطة تنطلق كل النزاعات والتمردات والخصومات.
نفس هؤلاء الذين تنازعوا قبل البعثة في قصة إعادة بناء الكعبة والتصدي لحمل الحجر الأسود ورضوا بحكمية النبي(ص) بصفته رجلا صادقا أمينا وأثنوا على رأيه وخضعوا لحكمه، نفس هؤلاء اجتمعوا بعد البعثة واختاروا من كل قبيلة وعشيرة رجلا ليغتالوا النبي(ص) وليشترك في دمّه كل القبائل وبهذا يعجز بنو هاشم عن الأخذ بثأره ومخاصمة الجميع.

لو لم يتولّ النبي(ص) على الناس، لبقي احترامه وكرامته وذريتِه

لو لم يتولّ النبي(ص) على الناس، ولم تفرض طاعته وكان قد اكتفى ببعض الوصايا الأخلاقية وبعض المسائل المرتبطة بعلاقة الناس الخاصّة بربّهم ولم يتدخل بشؤون المجتمع، لبقيت كرامته وقداسته بين المشركين الذين لقّبوه بالأمين قبل البعثة، بل لكان أولاده وذريته محترمين بين الناس. ولكن لم يجر التاريخ على هذا المنوال بل قد وصل به الأمر إلى أن قتل ابن بنت رسول الله(ص) أبو عبد الله الحسين(ع) على يد من دخلوا في دين جدّه...


من مواضيع : الرحيق المختوم 0 الأستاذ بناهيان: نحن نأمل أن تتحقق مقدمات الظهور بانهيار إسرائيل
0 الأستاذ بناهيان: الدنيا ساحة سباق والشهداء هم الفائزون
0 علائم المتقي في هذا الزمان
0 فطائر ومعجنات فكرية
0 استعراض تحليلي لتاريخ الإسلام/الأستاذ بناهيان
رد مع اقتباس