|
شيعي فاطمي
|
رقم العضوية : 74854
|
الإنتساب : Oct 2012
|
المشاركات : 4,936
|
بمعدل : 1.08 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
حسين ال دخيل
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 09-03-2014 الساعة : 08:07 PM
وقد احاط بهذا الوادي جيش لجب انتشى بالنصر وتشبع بروح الهمجية .
ان مجرد تصور هذه الصورة الفجيعة تجعل اكثر الناس حلما ينهار ، ولكن زينب سلام الله عليها حمدت بقيت صامده .. ماذا فعلت ؟ لملمت الاطفال ، وهدأت النساء وصبرتهم ثم قامت لربها تصلي ولعلها كانت تدعوا الله بضراعة لكي يمنحها الصبر والاستقامة وان يتقبل من آل محمد صلى الله عليه وآله ذلك القربان ، كما كان دعاء اخيها الامام الحسين في اللحظات الاخيرة من حياته الكريمة حيث قال :
" اللهم انت متعالي المكان ، عظيم الجبروت ، شديد المحال ، غني عن الخلايق ، عريض الكبرياء ، قادر على ما تشاء ، قريب الرحمة ، صادق الوعد ، سابغ النعمة ، حسن البلاء ، قريب اذا دعيت ، محيط بما خلقت ، قابل التوبة لمن تاب اليك ، قادر على ما اردت ، و مدرك ما طلبت ، وشكور اذا شكرت وذكور اذا ذكرت . ادعوك محتاجا ، وارغب اليك فقيرا ، وافزع اليك خائفا ، وابكي اليك مكروبا واستعين بك ضعيفا واتوكل عليك كافيا احكم بيننا وبين قومنا بالحق فانهم غرونا وخدعونا وخذلونا وغرروا بنا وقتلونا ونحن عترة نبيك وولد حبيبك محمد بن عبد الله الذي اصطفيته بالرسالة وائتمنته على وحيك فاجعل لنا من امرنا فرجا ومخرجا برحمتك يا ارحم الراحمين " 8 .
ثم قال عليه السلام :
صبرا على قضائك يا رب ، لا اله سواك ، يا غياث المستغيثين " .
بلى .. هذا الايمان الخالص الذي تجلى في كلمات السبط الشهيد في تلك اللحظات الحاسمة ، وذلك الموقف الذي تجلى عند الصديقة زينب بعد الشهادة طبع المسيرة الحسينية بطابع توحيدي خالص .
ان ابرز صفات زينب كان تصديقها بما جاء في الكتاب وبينه الرسول ، وهكذا تحملت تلك المصائب العظيمة التي احتسبتها عند الله .. ثم عادت سلام الله عليها الى حيث كان المخيم فلما انتصف الليل اخذت تصلي نافلة الليل ، ورمقتها عينا سيد العابدين علي بن الحسين عليه السلام فسألها : عمة لم تصلي صلاتك عن جلوس . قالت زينب : يا بن أخي ، ان رجلاي لا تحملانني .
قبل ايام حينما نزلت قافلة السبط في أرض الطف جلس الامام الحسين أمام خيمته وأخذ يصلح سيفه وهو يتمثل بابيات كانت العرب تنشدها عندما يحس الواحد بالخطر الداهم وهو يقول :
يا دهر اف لك من خليل *** كم لك بالاشراق والاصيل
من صاحب وطالب قتيل *** والـدهر لا يقنـع بالبديل
وانما الامر الى الجليل
وهي وكل هي سالك سبيلي الحياة .
فلما سمعت اخته الصديقة زينب ذلك فصاحت واثكلاه ليت الموت اعدمني .
ثم تجمعت في ذاكرتها مصائبها فقالت : اليوم ماتت أمي فاطمة وابي علي واخي الحسن . يا خليفة الماضين وثمال الباقــين فنــظر اليها الحسين وقال لها : يا أختاه لا يذهبن بحلمك الشيطان ، وترقرقت عيناه بالدموع وقال : لو ترك القطا لنام فقالت يا ويلتاه افتغتصب نفسك اغتصابا فذلك اقرح لقلبي واشد على نفسي ، ثم لطمت وجهها وهوت الى جيبها فشقته وخرت مغشية عليها .
فقال لها الامام الحسين عليه السلام بعد ان افاقت : يا اختاه اتقي الله وتعزي بعزاء الله ، واعلمي ان أهل الارض يموتون واهل السماء لا يبقون وان كل شيء هالك الا وجه الله تعالى الذي خلق الخلق بقدرته ، ويبعث الخلق ويعودون وهو فرد وحده .
ثم قال لها : يا أختاه اني اقسمت عليك فابري قسمي لا تشقي علي جيبا ، ولا تخمشي علي وجها ، ولا تدعي علي بالويل والثبور اذا انا هلكت 9 . ومنذ تلك اللحظة حين عرفت زينب ان مسؤوليتها توجب عليها الصبر جلدت ، واحتسبت الله في صبرها .
2 ـ الصبر :
لم يشهد التاريخ امرأة اعظم صبرا من زينب سلام الله عليها .. لقد ذبح ابناءها عون ومحمد ، و قتل عبد الله 10 على مشهد منها فلم تجزع ، ثم استشهد عبر ساعات وامام عينها امامها الحسين واخوتها وابناء اخوتها فصبرت وكانت مثلا في رباطة الجأش والحكمة في تدبير الامور ، وقيادة الموقف الصعب .
انها كانت اسيرة وربما مكبلة ، وكانت قد انهكتها المصائب والمتاعب الروحية والجسدية ، ولكنها كانت تقود المعارضة من موقع الاسر ، كما تدبر شؤون الاسارى له فيا من صبر عظيم لا يمكن ان يناله بشر الا بفضل الله وحسن التوكل عليه .
في عشية عاشوراء حين احرقت بنو أمية خيام أهل البيت ـ عليهم السلام ـ وجاءت زينب الى الامام زين العابدين وكان قد اشتد به المرض فسألته باعتباره اماما مفترض الطاعة بعد الامام الحسين عليه السلام ، سألته عن واجبها فأمرها والنسوة بالفرار . فلما انتشر بقايا آل الرسول في اطراف وادي كربلاء عادت زينب الى خيمة الامام وانقذته من وسط النيران واطمأنت على سلامته ، ثم اخذت هي واختها ام كلثوم بالتفتيش عن النساء والاطفال وجمعتهم تحت خباء نصف محترق .. ان مثل هذا العمل العظيم لا يصدر من امرأة مفجوعة بعشرات المصائب العظيمة ، الا اذا كانت في قمة الصبر ، وما هذا الصبر الا بالله العظيم .
وعندما نودي بآل الرسول بالرحيل من وادي كربلاء ومروا بالاسرى على اجساد ذويهم نكاية بهم ، فألقى الامام زين العابدين نظرة وداع أليمة على جسد ابيه المقطع فاستبد به الحزن ، ورمقته الصديقة زينب واحست ان حجة الله وامام زمانها علي بن الحسين في خطر اذ يكاد الحزن يقضي عليه فادركت الموقف وتوجهت اليه قائلة :
مالي اراك تجود بنفسك يا بقية جدي وابي وأخوتي ؟
فقال الامام زين العابدين عليه السلام : وكيف لا اجزع وأهلع ، وقد ارى سيدي واخوتي وعمومتي وولد عمي واهلي مضرجين بدمائهم مرملين ، بالعراء مسلبين لا يكفنون ولا يوارون ، ولا يعرج عليهم احد ، ولا يقربهم بشر كأنهم أهل بيت من الديلم والخزر .
فقالت : لا يجزعنك ما ترى فوالله ان ذلك بعهد من رسول الله الى جدك وابيك وعمك ، وقد اخذ الله ميثاق اناس من هذه الامة لا تعرفهم فراعنة هذه الارض وهم معروفون في اهل السماوات انهم يجمعون هذه الاعضاء المتفرقة فيوارونها ، وهذه الجسوم المضرجة . وينصبون لهذا الطف علما لقبر ابيك سيد الشهداء لا يدرس اثره ، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والايام ، ويجتهدن ائمة الكفر واشياع الضلالة في محوه وتطميسه فلا يزداد اثره الا ظهورا ، وامره الا علوا 11 وهكذا بعثت السيدة زينب روح السكينة في قلب الامام سلام الله عليهما .
وعندما ادخل اسارى آل الرسول الى مجلس ابن زياد ، وهو العتل الزنيم ابن المرأة الفاجرة وابوه زياد الذي لم يعرف له اب فقيل زياد بن مرجانة او زياد بن ابيه .
هنالك دخلت زينب متنكرة حيث لبست ارثى ثيابها ، فلما توجه اليها ابن زياد قائلا من هذه المتنكرة ، قيل له انها زينب بنت علي . فأراد ابن زياد ان يتشفى منها فقال : الحمد لله الذي فضحكم وأكذب احدوثتكم .
فقالت : انما يفتضح الفاسق ، ويكذب الفاجر وهو غيرنا .
فقال ابن زياد : كيف رأيت صنع الله بأخيك واهل بيتك .
فقالت ما رأيت الا جميلا ، هولاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا الى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ ثكلتك امك يا ابن مرجانة .
فغضب ( ابن زياد ) وكأنه هم بها ، فقال له عمرو بن حريث : انها امرأة ، والمرأة لا تؤاخذ بشيء من منطقها .
فقال لها ابن زياد : لقد شفي الله قلبي من طاغيتك الحسين والعصاة المردة من اهل بيتك .
فقالت : لعمري لقد قتلت كهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت اصلي ، فان كان هذا شفاؤك فقد اشتفيت .
فقال ابن زياد : هذه سجاعة ، لعمري لقد كان ابوك سجاعا شاعرا .
فقالت : يا ابن زياد ما للمرأة والسجاعة ، واضافت : وان لي عن السجاعة لشغلا ، واني لاعجب ممن يشتفي بقتل ائمته ، ويعلم انهم منتقمون منه في اخرته 6 . انها رباطة جأش ، و صبر وعلم وحكمة ..
لقد كانت زينب تحس بأنها مسؤولة بالدرجة الاولى عن حفظ الامام علي بن الحسين عليه السلام ثم بقية الاسارى من آل بيت الرسول صلى الله عليه وآله ، وقد قامت بذلك خير قيام .
ففي مجلس يزيد الطاغية عندما طلب أحد الامراء منه فاطمة بنت علي ـ عليه السلام ـ وكانت وضيئة ، وقال : يا يزيد هب لي هذه الجارية فتعلقت باختها زينب ، فدافعت زينب سلام الله عليها عنها ، وتوجهت الى ذلك الشامي وقالت كذبت والله ولعنت ، ماذاك لك ولا له . فغضب يزيد وقال : بل كذبت والله لو شئت لفعلته .
قالت : لا والله ما جعل الله ذلك لك الا ان تخرج من ملتنا ، وتدين بغير ديننا فغضب يزيد ثم قال : اياي تستقبلين بهذا ؟ انما خرج من الدين ابوك واخوك .
فقالت : بدين الله ودين ابي واخي وجدي اهتديت انت وجدك وابوك .
قال ( يزيد ) : كذبت يا عدوة الله قالت : امير يشتم ظالما ويقهر بسلطانه فكأنه لعنه الله استحى فسكت ، فاعاد الشامي لعنه الله فقال : يا امير المؤمنين هب لي هذه الجارية فقال له : اعزب وهب الله لك حتفا قاضيا 12 . هذه صور من صبر الصديقة زينب وشجاعتها وهي صور تعكس عمق ذلك القلب المؤيد بنور الايمان ..
وحين نقرء معا خطاباتها نعرف انها لا تصدر الا عن قلب مطمئن بسكينة الايمان ، واثق بالنصر الالهي موقن باستقامة طريقة وسلامة منهجه .
3 ـ البلاغة :
علم واسع ، وحكمة بالغة ، وخطاب فصل ، وشجاعة ربانية ، وادب نافذ ، وتعبير فصيح ، كل ذلك بشكل عناصر بلاغة الصديقة زينب .
لقد كانت بنت ثلاث سنوات حين اصطحبت امها الى مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله حيث خطبت امها بذلك الخطاب الهام الذي جمعت فيه كل قيم الرسالة ومعاني الرفض ، ثم كانت زينب هي التي تروي لنا ذلك الخطاب العظيم .
وروي انه سألها ابوها عن مسألة قالت بكل ثقة : بلى امي قد علمتني اياها .
وقد بلغ من علمها بالله ومعرفته ان اباها امير المؤمنين علي عليه السلام اجلسها واخاها العباس الى جانبيه وهما صغيران فقال للعباس قل : واحد فقال واحد . فقال : قل اثنان ، قال استحي اقول باللسان الذي قلت واحد اثنان . فقبل علي عليه السلام عينيه ، ثم التفت الى زينب وكانت على يساره والعباس عن يمينه فقالت يا ابتاه اتحبنا ؟ قال : نعم يا بني ، اولادنا اكبادنا . فقالت : يا ابتاه حبان لا يجتمعان في قلب ؛ حب الله وحب الاولاد وان كان لابد فالشفقة لنا والحب لله خالصا . فازداد علي بهما حبا 13 . عرفان زينب بالله لم يشذ عن عرفان جدها وابيها وامها والسبطين ، انها عاشت في بيت الوحي ومن ذلك العرفان اوتيت بصيرة في الدين حتى شهد لها الامام بالعقول : انت بحمد الله عالمة غير معلمة ، وفهمة غير مفهمة .
وقد اوصى الامام الحسين عليه السلام الي زينب وكانت في مستوى تحمل اعباء الرسالة بدلالة ان اخاها الحسين اوصى اليها لتكون نائبة عن الامام زين العابدين في تلك الايام العصيبة .
اما حكمتها فكفى دليلا عليها قيادتها للمعارضة في تلك الظروف وبعد تلك الفاجعة العظيمة .
اما خطابها الفصل وكلماتها النافذة فسوف نستعرض معا خطاباتها ، وكفى شهادة على ذلك قول حذيم الاسدي عن خطابها في الكوفة ، فلم ار والله خفرة انطق منها كأنما تنطق وتفرغ عن لسان امير المؤمنين 14 .
6ـ هكذا بلغت زينب رسالة عاشوراء
ان هذه الصفات جعلت زينب الكبرى سلام الله عليها افضل من يحمل رسالة عاشوراء . لكي يوقظ الضمير السابت ، ويهز الوجدان الهامد ، ويفجر طاقات الرفض في امة التوحيد .. وقد قامت زينب بهذا الدور عبر ثلاثة محاور .
الف : الخطاب الجماهيري
وسوف نستعرض باذن الله خطابات زينب (عليها السلام ) الجماهيرية ، والتي كانت ميثاق النهضة ومنشورا لرفض ، وقد ساهمت في اشاعة ادب الشهادة ، وثقافة التحدي في الامة .
باء : اللقاء المباشر
في الكوفة والشام والمدينة ثم بمصر والشام قامت الصديقة بالتحدث الى الناس وتحريضهم على السلطة الاموية وبيان ما جرى عليهم في الطف ، وفلسفة قيام السبط الشهيد في مقاومة السلطة الغاصبة .
ولقد حفظ التاريخ بعض هذه اللقاءات لما فيه من اثارة معينة واعرض عن الباقي ، ونستشهد بما ذكره التاريخ على ما اغفل ذكره .
كانت زينب شريكة منذ بداية القيام الحسيني في التعبئة من اجله ؛ فمثلا يروي البعض انه في ليلة عاشوراء ، وحيث اوكل الامام الحسين مهمة المحافظة على المخيم الى اخيه البطل العباس عليهما السلام وقد كان العباس يراقب الوضع بكل حذر ، فاذا به يرى سوادا بين الخيم فنادى من انت ؟ فاذا به اخته زينب .
قال العباس : ما اخرجك في سواد هذا الليل يا أختاه ؟
قالت : جئت لكي احدثك بحديث ..
قال : الان حلى وقت الحديث .
ثم قصت زينب للعباس كيف ان اباها بعد وفاة امها الصديقة سلام الله عليها سأل اخاه عقيلا بان يدله على بنت ولدتها الفحولة من العرب ، فلما سأله ما تصنع بها ، قال لتلد لي شبلا ينصر ابني الحسين .
ثم اضافت زينب قائلة : " يا أخي الحرم حرمك " .
وهنالك انتفض العرق الهاشمي بين عيني العباس وقال : او تشجعيني يا أختاه ، لا نعمن لك عينا .
وهكذا كانت تحرض بريرا حسب بعض الروايات ، واننا لنرى الصديقة زينب حاضرة في كل لحظة من لحظات الملحمة الكبرى الى جنب أخيها الامام الحسين عليه السلام .
وبعد الفاجعة وحينما اسكنت وأهل بيت الرسالة في دار قريبة من دار الامارة بالكوفة أمرت بان لا يدخل عليها الا امرأة سبيت من قبل ، لأنها ذاقت مرارة الاسر مثلها . وهناك قامت بدورها في بث الدعوة ، ولعل السبب في اختيار هذا النوع من النساء لانهن اقرب الى الاستجابة للدعوة ونقل وقائع المآساة الى الجماهير المحرومة ، وهكذا فعلت في الشام والمدينة .
جيم : النياحة
بعد عودة السيدة زينب الى حرم جدها كتب والي يزيد على المدينة المنورة الى يزيد ما يلي :
ان وجودها بين أهل المدينة مهيج للخواطر ، وانها فصيحة عاقلة لبيبة ، وقد عزمت هي ومن معها على القيام للأخذ بثأر الحسين ، فكتب اليه فرق بينها وبين أهلها .
كيف قامت الصديقة بإثارة أهل المدينة ؟
بالنياحة حيث انها اقامت مجالس العزاء ، وكانت هذه المجالس التي لا زالت مستمرة في العالم الاسلامي حتى اليوم ، بمثابة مؤسسة اعلامية تتميز بالتعبئة العاطفية ، و التوعية الدينية الى جانب التزكية والتربية .
|
|
|
|
|