|
شيعي فاطمي
|
رقم العضوية : 74854
|
الإنتساب : Oct 2012
|
المشاركات : 4,936
|
بمعدل : 1.08 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
حسين ال دخيل
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 09-03-2014 الساعة : 08:08 PM
لقد كان بكاء السيدة زينب ذات هدف رسالي ، حيث انه لم يكن بكاءا ذليلا ، ولا ندما على ما مضى ولا جزعا من المصائب ، وإنما كان بكاء تحد وايقاظ . وهكذا كانت سائر افعالها التي تبدو في صورة جزع وهلع ك. ان ممارستها جميعا كانت هادفة ؛ مثلا حينما ضربت رأسها بمقدم المحمل لم يكن ذلك مجرد حالة عاطفية ساذجة ، ذلك لانها كانت تلهب حماس اهل الكوفة بخطابها الصاعق . وكانت جماهير اهل الكوفة التي صعقها هول الفاجعة تستمع اليها و تتفاعل معها ، فخشيت السلطة من انتفاضة عارمة فأمرت حامل رأسٍ الامام الحسين عليه السلام ان يقترب من محملها لعلها تسكت . فلما رأته اجهشت بالبكاء وضربت رأسها بمقدم المحمل فانفجر الدم من جبينها ، فاذا بأهل الكوفة يزدادون غضبا على يزيد وابن زياد .
ان زينب الصبورة التي كانت قد شاهدت كل تلك المأساة لم تكن لتجزع من رؤية رأسٍ اخيها بالرغم من هول المأساة على قلبها ، ولكنها كانت تثير اعمق المشاعر الانسانية في الناس ، وكأنها تقول لهم ان المأساة عظيمة وعظيمة الى درجة تستحق شق الرأٍس من اجلها ، او تقول لأعداءها نحن لازلنا مستعدون للتضحية من اجل الله ولا نأبه الموت .
هكذا كان لزينب سلام الله عليها في مقابل كل تصعيد من جانب العدو تحديا فريدا وتصعيدا جديدا ، فلما استخدموا اسلوب الاثارة العاطفية باستعراض الرأٍس الشريف استفادت من اسلوب الاستنهاض بضرب رأٍسها بمقدم المحمل ، وهي تقول :
يا هلالا لما استتم كمـالا *** غاله خسفه فأبدا غروبا
ما توهمت يا شقيق فؤادي *** كان هذا مقدرا مكتوبا 15
ولعل الشيعة تعلموا من زينب سلام الله عليها الكثير من الشعائر الحسينية التي لا زالت تلهب حماس الامة ، وتبقي فاجعة الطف نابضة بالحياة حتى اليوم وكأنها تتجدد في كل عام ..
وفي مجلس الطاغية ابن زياد والطاغوت يزيد كلما تمادى الاعداء في صلفهم لجأت الصديقة زينب الى البكاء فأسكتت اعتى الاعداء ، واجتذبت عاطفة الجمهور .
7 ـ خطابات الصديقة زينب (ع)
في فصل آت سنبين باذن الله آثار النهضة الحسينية ، والتي اكتملت بالدعوة الزينبية ، والتي تمثلت في محاور ابرزها خطاباتها اللاهبة . ومن هنا فدراسة كلمات زينب سلام الله عليها تنفعنا في امرين :
اولا : في فهم السبب الذي جعل تلك الكلمات بالغة التأثير في الامة مما ساهمت في تلك الثورات التي لم تزل مستمرة .
ثانيا : فيما يمكن للخطباء والدعاة الحسينيين ان يستفيدوه من منهج الصديقة زينب في التأثير .
وسوف تتركز دراستنا لكلماتها في خطبتين ، خطبة الكوفة وخطبة الشام ، وسوف نستعرضها بصورة متدرجة ليتسنى لنا دراستهما .
8 ـ زينب تقرع أهل الكوفة
روى حذيم بن شريك الاسدي قال : لما اتى علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام بالنسوة من كربلاء وكان مريضا واذا نساء اهل الكوفة يتدبن مشققات الجيوب والرجال معهن يبكون ، فقال زين العابدين بصوة ضئيل وقد نهكته العله .
ان هؤلاء يبكون فمن قتلنا غيرهم ؟
فأومأت زينب بنت علي بن ابي طالب الى الناس بالسكوت . قال حذيم الاسدي : فلم ار والله خفرة انطق منها كأنما تنطق وتفرغ عن لسان امير المؤمنين ، وقد اشارت الى الناس ان انصتوا فارتدت الانفاس ، وسكنت الاجراس ، ثم قالت بعد حمد الله تعالى والصلاة على رسوله . . 15 .
لقد حمدت زينب ربها فأجملت الثناء عليه وصلت على النبي فأحسنت ذكره ، وكانت تلك البداية الرائعة بصوتها الاخاذ قد اثارت انتباه الجميع ، فخشعت الاصوات وارتدت الانفاس .
1 ـ بعدئذ بدءت بسياط التقريع والتبكيت كأنها الرعد المزمجر ، وذكرتم بانهم نقضوا غزلهم ، وخالفوا وعدهم ، وهدموا بنيانهم اشارة الى انهم عادوا ـ بعد مقتل السبط الشهيد ـ عبيدا لاهل الشام ، بينما كانوا قد ناضلوا طويلا ضدهم ، فقالت سلام الله عليها :
اما بعد يا أهل الكوفة يا أهل الختر 16 والغدر والحدل 17 الا فلا رقأت العبرة 18 ولا هدأت الزخرة ، انما مثلكم مثل التي نقضت غزلها من بعد قوة انكاثا تتخذون ايمانكم دخلا بينكم .
2 ـ ثم اخذت تفضح اهل الكوفة وتبين لهم صفاتهم السوئى التي سببت لهم هذه الهزيمة النكراء حتى جعلتهم ايادي اعداءهم يقتلون سيدهم بيدهم ، فقالت سلام الله عليها :
هل فيكم الا الصلف والعجب والشنف 19 والكذب وملق الاماء وغمز الاعداء كمرعى على دمنه 20 او كفضة على ملحودة 21 ، ألا بئس ما قدمت لكم انفسكم ان سخط الله عليكم وفي العذاب انتم خالدون .
3 ـ ثم بالغت في تقريعهم من اجل ايقاظ ضمائرهم ، فقالت وهي تشير الى بكائهم الفارغ من تحمل المسؤولية ، وقالت :
اتبكون على اخي ، اجل والله فابكوا فانكم والله احق بالبكاء . فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا . ان عليهم ان يبكوا على انفسهم لا على الامام الحسين لانهم قد ذهبوا بعار الفاجعة فقالت :
فقد بليتم بعارها ومنيتم بشنارها 22 ولن ترحضوها 23 ابدا وانى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ومعدن الرسالة وسيد شباب أهل الجنة .
ثم عادت تبين مدى خسارتهم بقتل سبط النبي ، والذي كان قائدهم في الحرب ، وامامهم في المجتمع (التجمع او الحزب ) ، وكهفهم في السلم ، وبلسمهم عند الجراح ، ومفزعهم عند النوائب ، ومرجعهم عند الاختلاف ، وسندهم عند الاحتجاج ، ومنــار طريقهم عند اختلاف السبل ،فقالت :
وملاذ حربكم ومعاذ حزبكم ومقر سلمكم وآسي 24 كلمتكم ومفزع نازلتكم والمرجع اليه عند مقالتكم وميدرة 25 حججكم ومنار محجتكم .
ثم انذرتهم بعذاب الله قائلة : " الا ساء ما قدمت لكم انفسكم ، وساء ما تزرون ليوم بعثكم . فتعسا تعسا ، ونكسا نكسا لقد خاب السعي وبنت الايدي وخسرت الصفقة ويؤتم بغضب من الله وضربت عليكم الذلة والمسكنة .
هكذا حملتهم الصديقة كامل المسؤولية عما جرى لكي لا يلقوا بها على القيادات او السلطات او ما اشبه ، وانذرتهم بعاقبة تساهلهم في الدنيا والاخرة . اما في الدنيا فالعار الذي لا يغسل ، واما في الاخرة فالغضب الالهي .
وعادت الصديقة الى بيان عظم الفاجعة وبينت مدى مساسها بصاحب الرسالة النبي محمد صلى الله عليه وآله ، وقالت :
اتدرون ـ ويلكم ـ اي قيد لمحمد فريتم ، واي عهد نكثتم ، واي كريم له ابرزتم ، واي حرمة له هتكتم ، واي دم له سفكتم . لقد جئتم شيئا ادا تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الارض وتخر الجبال هذا لقد جئتم بها شوهاء خرقاء طلاع الارض وملء السماء افعجبتهم ان لم تمطر السماء دما ولعذاب الاخرة اخزى وهم لا ينصرون فلا يستخفنكم المهل فانه عز وجل لا يحفزه البدار ولا يخشى عليه فوت الثار 26 . كلا ان ربك لنا ولهم بالمرصاد ثم انشأت تقول :
ماذا تقولون اذ قال النبي لكم ماذا صنعتم وانتم اخر الامم بأهل بيتي واولادي ومكرمتي منهم اسارى ومنهم ضرجوا بدمهم ما كان ذاك جزائي اذ نصحت لكم ان تخلفوني بسوء في ذوي رحمي اني لأخشى عليكم ان يحل بكم مثل العذاب الذي اودى على ارمثم ولت عنهم 27 .
قال حذيم ( الراوي ) فرأيت الناس حيارى قد ردوا ايديهم في افواههم ، فالتفت الي شيخ الى جانبي يبكي وقد اخضلت لحيته بالبكاء ويده مرفوعة الى السماء ، وهو يقول : بأبي وامي كهولهم خير الكهول ، وشبابهم خير الشباب ، ونسلهم نسل كريم ، وفضلهم فضل عظيم .
هكذا كانت زينب عليها السلام صريحة واضحة مع الجمهور ، فلم تتفوه بنصف كلمة غير الحق استمالة لهم . ولعل السبب في ذلك انهم كانوا يعرفون الحق ولا ينصرونه مثلهم مثل الانصار والمهاجرين الذين خاطبتهم الصديقة فاطمة الزهراء سلام الله عليها بذات النبرة الصاعقة.
وكذلك بذات اللهجة التي كانت في كلمات الامام امير المؤمنين في خطاباتها الاخيرة لاهل الكوفة .
وهذا اهم درس ينبغي ان يتعلم الدعاة الحسينيون من الصديقة زينب الا يداهنوا الباطل طمعا في دنيا او يسكتوا عن حق خوفا من سلطان .. الصراحة والوضوح والا فلا ..
ثم ان الخطاب كاد يكون جامعا لسائر المؤثرات النفسية من عاطفة جياشة الى توعية روحية الى ولاء صادق للقيادة الشرعية ودعوة صريحة اليها ، والى تحميل المستمع المسؤولية المباشرة ، وهذا درس اخر نستفيده من الصديقة للمنبر الحسيني الا يهمل اي جانب من المنهج الرسالي لحساب جانب آخر .
كان اهل الكوفة يبررون خروجهم الى قتال سبط رسول الله صلى الله عليه وآله بالخوف من من جيش الشام وسلطة بني امية ، والصديقة زينب تركت الحديث عن السلطة في خطابها تماما ، بالرغم من انها ركزت عليها في مواجهتها المباشرة لابن زياد الطاغية ، او الطاغوت يزيد . فلماذا لم تتحدث عن ذلك في خطابها الجماهيري ؟
لعلها تركت ذلك عمدا لكي لا يبرر المستمع موقفه بألقاء اللوم على السلطة . كلا .. ان مسؤولية الجبار لا تلغي مسؤولية ادوات سلطته والساكتين عنه والراضين بفعله .
وحين يكون الحديث مع الناس يركز الحديث حول مسؤوليتهم ، بينما حين يكون مع الجبار يبين مسؤوليته ، وهذا من اعظم ركائز البلاغة وهو درس عظيم لاصحاب المنبر الحسيني .
9 ـ زينب تتحدى طغيان يزيد
سبحان الله ؛ كم هي قدرات الانسان اذا توكل على الله واستعان به ؟
امرأة اسيرة مفجوعة قد اثكلت بثمانية عشر رجلا مالهم على وجه الارض من نظير ، وقد سيقت على محامل بلا وطاء ولا غطاء وضربت واهينت واتعبت وارهقت واؤذيت بابداء وجهها وهي اعظم المخدرات امام جماهير المصفقين و .. و ..
وتدخل اليوم على السلطان القاهر ، والعدو الساخر ، والطاغوت المنتصر ، والسفاك المجرم .. تدخل عليه مقيدة هي وابن اخيها العليل واختها وسائر الاسرى المنهوكين بالرحلة المرهقة .
وقد زينت الشام كأي عيد كبير استبشارا بانتصار يزيد ، واحتفل الطاغوت الارعن في قصره فجمع الملأ من قومه لعلهم يرهبون هذه الثلة الباقية من بعد اعظم فاجعة في التاريخ .
هل هناك عامل مادي واحد من عوامل القهر والاذلال بقي خارج المسرح ؟ كلا .. كل الحتميات المادية حسبما يعبرون كانت تدعم طغيان يزيد .
ولكن الله اكبر ، وقوة الروح الايمانية تقهر كل العوامل المادية ، والحق اعلى واعز ، وزينب تمثل اليوم الحق بكل قوته وعزته وجبروته .
وقفت الاسيرة تنظر الى ذلك العرش الزائف بسخرية ، وتنظر الى رأس سيد الشهداء في طست من ذهب بكل فخر واعتزاز ، واخذ يزيد لعنه الله يضرب ثنايا ابي عبد الله بمخصرة كانت في يده وهو يتمثل بأشعار ابن الزجوي وبعد ان اضاف اليه بعض الابيات ويقول :
ليت اشياخي بـبدر شهدوا *** جزع الخزرج عن وقع الاسل
لأهلوا و اسـتهلوا فرحـا *** و لـقالوا يـا يزيد لا تـشل
فجـزيناهـم ببدر مثـلها *** و اقمـنا مثل بـدر فاعتـدل
لست من خندق ان لم انتقم *** من بنـي احمـد ما كان فعل
فقامت زينب وقالت :
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على جدي سيد المرسلين ، صدق الله سبحانه كذلك يقول :
﴿ ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون ﴾ 28 .
ثم هشمت رأس الحية بالإستهزاء بسلطانه الزائف والتسامي عن قدراته المادية ببيان قدرة الله التي لا تحد فقالت :
" أظننت يا يزيد حين أخذت علينا أقطار الأرض ، وضيقت علينا آفاق السماء ، فأصبحنا لك في إسار فان اليك سوقا في قطار ، وانت علينا ذو اقتدار . ان بنا من الله هوانا ، وعليك منه كرامة وامتنانا ؟ وان ذلك لعظم خطرك وجلالة قدرك فشمخت بأنفك ونظرت في عطفك تضرب اصدريك فرحا 29 وتنفض مدرويك مرحا 30 .
حين رأيت الدينا لك مستوسقة ، والامور لديك متسقة وحين صفي لك ملكنا وخلص لك سلطاننا فمهلا مهلا لا تطش جهلا انسيت قول الله ﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا ... ﴾ 31 هكذا جاء اول الخطاب في صورة هجمات متلاحقة لا هوادة فيها ضد شخص الطاغوت ، فيها الاستخفاف بسلطانه والاستهزاء بجبروته والتذكير بعظمة الله ، وان معيار القرب منه ليس الحصول على حطام الدنيا او شيء من متاعها الزائل .
ثم ذكرت يزيد بذنبه العظيم الذي لا يمكنه الفرار منه وهو سوق بنات رسول الله سبايا ، واقرعته بأنه ابن الطلقاء وان رسول الله قد عفى عن آبائه بعد فتح مكة بعد ان قدر عليهم وقال لهم كلمته المعروفه : اذهبوا فانتم الطلقاء . فهل من العدل ان يسوق بنات هذا الرسول الكريم عبر عشرات المنازل هاتكا ستورهن وبلا اي حمي ؟
فقالت سلام الله عليها : أمن العدل يابن الطلقاء تخديرك حرائرك وسوقك بنات رسول الله سبايا قد هتكت ستورهن وابديت وجوههن يحدوا بهن الاعداء من بلد الى بلد ويستشرفهن اهل المناقل ، ويبرزن لأهل المناهل ، ويتصفح وجوههن القريب والبعيد والغائب والشهيد والشريف والوضيع و الدني والرفيع ليس معهن من رجالهن ولي ولا من حماتهن حمي ( حميم ) عتوا منك على الله وجحودا لرسول الله ودفعا لما جاء به من عند الله .
وهكذا قرعته بما يؤنب ضميره بعد ان أزالت عن عينه حجاب السلطة الزائلة التي يفتخر بها ، ثم عرته امام امراء جيشه وولاة حكومته وبينت له انه لا يمت الى الاسلام الذي يحكم باسمه بأية صلة ، ثم قالت :
الا انها نتيجة خلال الكفر ، وضب يجرجر في الصدر لقتلى يوم بدر فلا يستبطىء في بغضنا اهل البيت من كان نظره الينا شنفا وشنآنا واحنا وضغنا يظهر كفره برسوله ، ويفصح ذلك بلسانه وهو يقول فرحا بقتل ولده وسبي ذريته غير متحوب ولا مستعظم .
لاهلوا واستهلوا فرحا *** ولقالوا : يا يزيد لا تشل
منتحيا على ثنايا ابي عبد الله ، وكان مقبل رسول الله ينكثها بمخصرته قد التمع السرور بوجهه .
لقد كان يزيد يحكم باسم الاسلام وها هي الصديقة زينب تفضحه وتبين انه ليس بمسلم ان في قلبه اضغان يوم بدر حين انتصر الدين على الكفر . وهكذا تكون من واجب الخطباء في عصر الردة مسؤولية فضح النفاق وتبصير الامة بحقيقة السلطات الحاكمة ، وفصل ظاهر دينهم القشريعن جوهر الدين الحق .
فأين تقبيل رسول الله لثنايا ابي عبد الله عليه السلام ، واين نكثها بالمخصرة بنشوة القاتل المحترف ؟
ثم اضافت السيدة وهي تبين عظم المصاب :
لعمري لقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة باراقتك دم سيد شباب اهل الجنة ، وابن يعسوب العرب وشمس آل عبد المطلب ، وهتفت باشياخك وتقربت بدمه الى الكفرة من اسلافك ثم صرخت بندائك . ولعمري قد ناديتهم لو شهدوك 32 ووشيكا تشهدهم ويشهدوك ، ولتود يمينك ـ كما زعمت ـ شلت بك عن مرفقها ، واحببت امك لم تحملك واباك لم يلدك حين تصير الى سخط الله ومخاصمتك رسول الله .
وهكذا انذرته السيدة زينب بسوء العاقبة ، و نسفت قاعدة العصبية الجاهلية التي نادى بها ، و بينت ان العصبية في النار لان جذورها المتمثلة في تلك الارواح الشريرة وتلك الاعظم البالية الان تحترق في النار وسوف يلحق الله بها كل الذين ينادون بها .
ثم توجهت بالدعاء الى الله بقلب كسير ، وضراعة بلا نظير قائلة :
" اللهم خذ بحقنا ، وانتقم من ظالمنا ، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا ، ونقض ذمامنا ، وقتل حماتنا وهتك عنا سدولنا " .
وعادت بعد هذا الدعاء القصير والمؤثر الى يزيد توبخه على فعلته الشنيعة غير آبهة بطغيانه وصولجانه فقالت :
" وفعلت فعلتك التي فعلت ، وما فريت الا جلدك ، وما جززت الا لحمك 33 ، وسترد على رسول الله بما تحملت من ذريته وانتهكت من حرمته وسفكت من دماء عترته ولحمته حيث يجمع به شملهم ، ويلم به شعثهم ، و ينتقم من ظالمهم ويأخذ لهم بحقهم من اعدائهم "
بهذه الكلمات بينت السيدة زينب مقام سيد الشهداء في عترة الرسول واظهرت ان قتل الامام الحسين كان بمثابة اعدام العترة كلها لأنه قائدهم وجامع شملهم وحاميهم و .. و ..
ثم جابهته بأقوى كلمات التقريع وقالت سلام الله عليها :
" ولا يستفزنك الفرح بقتله "
﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ 34 ﴿ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ ... ﴾ 35 وحسبك بالله وليا وحاكما ، و برسول الله خصيما وبجبرئيل ظهيرا وسيعلم من بوأك ومكنك من رقاب المسلمين (ان ) بئس للظالمين بدلا وانكم شر مكانا واضل سبيلا "وهكذا ذكرت السيدة زينب سلام الله عليها بمسؤولية القادة والاشراف ( الذين كان كثير منهم حاضرين يستمعون اليها ) وحذرتهم من ان تسلط مثل يزيد عليهم نذير شؤم عليهم وانه البديل الاسوء .
زينب سبط الرسالة ، وشبلة علي الطهر ، و بنت الصديقة فاطمة .. و يزيد الفاجر العاهر و مثلها لا تتكلم مع مثله ، ولكنها بينت عذرها في الحديث مع يزيد وقالت :
" وما استصغاري قدرك ، ولا استعظامي تقريعك توهما لانتجاع الخطاب فيك 36 بعد ان تركت عيون المسلمين به عبرى ، و صدورهم عند ذكره حرى فتلك قلوب قاسية ، و نفوس طاغية ، واجسام محشوة بسخط الله ولعنة الرسول قد عشعش فيه الشيطان وفرخ ومن هناك مثلك ما درجونهض 37 .
فالعجب كل العجب لقتل الاتقياء واسباط الانبياء وسليل الاوصياء بايدي الطلقاء الخبيثة ونسل العهرة الفجرة تنطف اكفهم من دمائنا ، وتتحلب افواههم من لحومنا 38 ، و للجثث الزاكية على الجيوب الضاحية 39 تنتابها العواسل وتعفرها الفراعل "هكذا كشفت السيدة عن جوانب من مأساة السبط الشهيد في كلمات مختصرة ولكنها ذات نبرة قوية ثم قالت فلأن اتخذتنا مغنما لتتخذنا وشيكا مغرما حين لاتجد الا ما قدمت يداك وما الله بظلام للعبيد والى الله المشتكى والمعول واليه الملجأ والمؤمل " .
المرة بعد الاخرى تذكر الصديقة زينب خصمها الطاغي بالله واليوم الاخر وانه سوف يرى جزاء افعاله فاذا بمكاسب الانتصار في الدنيا تصبح عوامل الهزيمة والعذاب ، في الاخرة ، اما دنياه فانها زائلة لا محالة وانما يبقى الحق الذي يتمثل في الرسالة ومن انتسب اليهاالرسول واهل بيته الطاهرين فقالت سلام الله :
" ثم كد كيدك ، واجهد جهدك ، فوالذي شرفنا بالوحي والكتاب ، والنبوة والانتجاب لا تدرك امدنا ، ولا تبلغ غايتنا ولا تمحو ذكرنا ، ولا ترحض عنك عارنا ، وهل رأيك الا فند وايامك الا عدد ، و جمعك الا بدد يوم ينادي المنادي الا لعن الظالم العادي ".
وفي الختام توجهت الى الله سبحانه بالدعاء قائلة :
" والحمد لله الذي حكم لأولياءه بالسعادة ، وختم لاوصياءه ببلوغ الارادة . نقلهم الى الرحمة والرأفة ، والرضوان والمغفرة ، ولم يشق بهم غيرك ، ولا ابتلي بهم سواك ، ونسأله ان يكمل لهم الاجر ، ويجزل لهم الثواب والذخر ، ونسأله حسن الخلافة وجميل الانابة انه رحيم ودود " .
فقال يزيد مجيبا لها شعرا :
يا صيحة تحمد من صوائح *** ما اهون الموت على النوائح 40
لقد هزت زينب ليس عرش بني امية فقط ، و انما هزت فؤاد يزيد الطاغية ، وجعلته يقول بعد فترة :
|
|
|
|
|