|
مشرف المنتدى العقائدي
|
رقم العضوية : 81228
|
الإنتساب : Jul 2014
|
المشاركات : 5,475
|
بمعدل : 1.39 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
وهج الإيمان
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 08-08-2014 الساعة : 09:57 PM
ثم انصرفوا عنه فبقي وحده ليس معه من يدله على الطريق، ولا من يؤانسه بنفسه، ولا من يأويه إلى منزله، فذهب على وجهه واختلط الظلام وهو وحده يتردد في الطريق لا يدري أين يذهب.
فأتى بابا فنزل عنده وطرقه، فخرجت منه امرأة يقال لها: طوعة، كانت أم ولد للأشعث بن قيس، وقد كان لها ابن من غيره يقال له: بلال بن أسيد، خرج مع الناس وأمه قائمة بالباب تنتظره.
فقال لها مسلم بن عقيل: اسقني ماء فسقته، ثم دخلت وخرجت فوجدته.
فقالت: ألم تشرب؟
قال: بلى!
قالت: فاذهب إلى أهلك عافاك الله، فإنه لا يصلح لك الجلوس على بابي ولا أجمله لك.
فقام فقال: يا أمة الله ليس لي في هذا البلد منزل ولا عشيرة، فهل إلى أجر ومعروف وفعل نكافئك به بعد اليوم؟
فقالت: يا عبد الله وما هو؟
قال: أنا مسلم بن عقيل، كذبني هؤلاء القوم وغرّوني.
فقالت: أنت مسلم؟
قال: نعم!
قالت: ادخل! فأدخلته بيتا من دارها غير البيت الذي يكون فيه وفرشت له، وعرضت عليه العشاء فلم يتعش، فلم يكن بأسرع من أن جاء ابنها فرآها تكثر الدخول والخروج، فسألها عن شأنها.
فقالت: يا بني اله عن هذا، فألح عليها فأخذت عليه أن لا يحدث أحدا، فأخبرته خبر مسلم، فاضطجع إلى الصباح ساكتا لا يتكلم.
وأما عبيد الله بن زياد فإنه نزل من القصر بمن معه من الأمراء والأشراف بعد العشاء الآخرة، فصلى بهم العشاء في المسجد الجامع.
ثم خطبهم وطلب منهم مسلم بن عقيل وحث على طلبه، ومن وجد عنده ولم يعلم به فدمه هدر، ومن جاء به فله ديته، وطلب الشرط وحثهم على ذلك وتهددهم.
فلما أصبح ابن تلك العجوز ذهب إلى عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث فأعلمه بأن مسلم بن عقيل في دارهم، فجاء عبد الرحمن فسارّ أباه بذلك وهو عند ابن زياد.
فقال ابن زياد: ما الذي سارّك به؟
فأخبره الخبر فنخس بقضيب في جنبه وقال: قم فأتني به الساعة.
وبعث ابن زياد عمر بن حريث المخزومي - وكان صاحب شرطته - ومعه عبد الرحمن، ومحمد بن الأشعث في سبعين أو ثمانين فارسا، فلم يشعر مسلم إلا وقد أحيط بالدار التي هو فيها.
فدخلوا عليه فقام إليهم بالسيف فأخرجهم من الدار ثلاث مرات، وأصيبت شفته العليا والسفلى.
ثم جعلوا يرمونه بالحجارة ويلهبون النار في أطناب القصب فضاق بهم ذرعا، فخرج إليهم بسيفه فقاتلهم.
فأعطاه عبد الرحمن الأمان فأمكنه من يده، وجاؤوا ببغلة فأركبوه عليها وسلبوا عنه سيفه، فلم يبق يملك من نفسه شيئا.
فبكى عند ذلك وعرف أنه مقتول، فيئس من نفسه، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
فقال بعض من حوله: إن من يطلب مثل الذي تطلب لا يبكي إذا نزل به هذا.
فقال: أما والله لست أبكي على نفسي، ولكن أبكي على الحسين، وآل الحسين، إنه قد خرج إليكم اليوم أو أمس من مكة، ثم التفت إلى محمد بن الأشعث فقال: إن استطعت أن تبعث إلى الحسين على لساني تأمره بالرجوع فافعل.
فبعث محمد بن الأشعث إلى الحسين يأمره بالرجوع فلم يصدق الرسول في ذلك، وقال: كل ما حم الإله واقع.
قالوا: ولما انتهى مسلم بن عقيل إلى باب القصر، إذا على بابه جماعة من الأمراء من أبناء الصحابة ممن يعرفهم ويعرفونه، ينتظرون أن يؤذن لهم على ابن زياد، ومسلم مخضب بالدماء في وجهه وثيابه، وهو مثخن بالجراح، وهو في غاية العطش، وإذا قلة من ماء بارد هنالك فأراد أن يتناولها ليشرب منها.
فقال له رجل من أولئك: والله لا تشرب منها حتى تشرب من الحميم.
فقال له: ويلك يا ابن ناهلة، أنت أولى بالحميم والخلود في نار الجحيم مني.
ثم جلس فتساند إلى الحائط من التعب والكلال والعطش، فبعث عمارة بن عقبة بن أبي معيط مولى له إلى داره فجاء بقلة عليها منديل، ومعه قدح.
فجعل يفرغ له في القدح ويعطيه فيشرب فلا يستطيع أن يسيغه من كثرة الدماء التي تعلو على الماء مرتين أو ثلاثا، فلما شرب سقطت ثناياه مع الماء.
فقال: الحمد لله لقد كان بقي لي من الرزق المقسوم شربة ماء.
ثم أدخل على ابن زياد، فلما وقف بين يديه لم يسلم عليه.
فقال له الحرسي: ألا تسلم على الأمير؟!
فقال: لا! إن كان يريد قتلي فلا حاجة لي بالسلام عليه، وإن لم يرد قتلي فسأسلم عليه كثيرا.
فأقبل ابن زياد عليه فقال: إيه يا ابن عقيل، أتيت الناس وأمرهم جميع وكلمتهم واحدة لتشتتهم وتفرق كلمتهم، وتحمل بعضهم على قتل بعض؟
قال: كلا لست لذلك أتيت، ولكن أهل المصر زعموا أن أباك قتل خيارهم، وسفك دماءهم، وعمل فيهم أعمال كسرى وقيصر، فأتيناهم لنأمر بالعدل وندعو إلى حكم الكتاب.
قال: وما أنت وذاك يا فاسق؟ لم لا كنت تعمل بذلك فيهم إذ أنت بالمدينة تشرب الخمر؟.
فقال: أنا أشرب الخمر؟! والله إن الله ليعلم أنك غير صادق، وأنك قلت بغير علم، وأنت أحق بذلك مني، فإني لست كما ذكرت، وإن أولى بها مني من يلغ في دماء المسلمين ولغا، ويقتل النفس التي حرم الله بغير نفس، ويقتل على الغضب والظن، وهو يلهو ويلعب كأنه لم يصنع شيئا.
فقال له ابن زياد: يا فاسق إن نفسك تمنيك ما حال الله دونك ودونه، ولم يرك أهله.
قال: فمن أهله يا ابن زياد؟
قال: أمير المؤمنين يزيد.
قال: الحمد لله على كل حال، رضينا بالله حكما بيننا وبينكم.
قال: كأنك تظن أن لكم في الأمر شيئا؟
قال: لا والله ما هو بالظن ولكنه اليقين.
قال له: قتلني الله إن لم أقتلك قتلةً لم يقتلها أحد في الإسلام من الناس.
قال: أما إنك أحق من أحدث في الإسلام ما لم يكن فيه، أما إنك لا تدع سوء القتلة، وقبح المثلة، وخبث السيرة المكتسبة عن كتابكم وجهالكم.
وأقبل ابن زياد يشتمه، ويشتم حسينا وعليا، ومسلم ساكت لا يكلمه.
رواه ابن جرير، عن أبي مخنف وغيره من رواة الشيعة.
ثم قال له ابن زياد: إني قاتلك.
قال: كذلك؟
قال: نعم.
قال: فدعني أوصي إلى بعض قومي.
قال: أوص.
فنظر في جلسائه وفيهم عمر بن سعد بن أبي وقاص.
فقال: يا عمر إن بيني وبينك قرابة، ولي إليك حاجة، وهي سر فقم معي إلى ناحية القصر حتى أقولها لك. فأبى أن يقوم معه حتى أذن له ابن زياد.
فقام فتنحى قريبا من ابن زياد، فقال له مسلم: إنّ عليّ دينا في الكوفة سبعمائة درهم فاقضها عني، واستوهب جثتي من ابن زياد فوارها، وابعث إلى الحسين، فإني كنت كتبت إليه أن الناس معه، ولا أراه إلا مقبلا.
فقام عمر فعرض على ابن زياد ما قال له، فأجاز ذلك له كله.
وقال: أما الحسين فإنه لم يردنا لا نرده، وإن أرادنا لم نكف عنه.
ثم أمر ابن زياد بمسلم بن عقيل فأصعد إلى أعلا القصر، وهو يكبر ويهلل ويسبح ويستغفر ويصلي على ملائكة الله ويقول: اللهم احكم بيننا وبين قوم غرّونا وخذلونا.
ثم ضرب عنقه رجل يقال له: بكير بن حمران، ثم ألقي رأسه إلى أسفل القصر، وأتبع رأسه بجسده.
ثم أمر بهانئ بن عروة المذحجي فضربت عنقه بسوق الغنم، وصُلب بمكان من الكوفة يقال له: الكناسة.
فقال رجل شاعر في ذلك قصيدة:
فان كنتِ لا تدرين ما الموت فانظري * إلى هانئ في السوق وابن عقيل
أصابهما أمر الإمام فأصبحا * أحاديث من يغشى بكل سبيل
إلى بطلٍ قد هشم السيف وجهه * وآخر يهوي في طمار قتيل
ترى جسدا قد غير الموت لونه * ونضح دمٍ قد سال كلّ مسيل
فإن أنتم لم تثأروا بأخيكم * فكونوا بغيا أرضيت بقليل
ثم إن ابن زياد قتل معهما أناسا آخرين، ثم بعث برؤوسهما إلى يزيد بن معاوية إلى الشام، وكتب له كتابا صورة ما وقع من أمرهما.
وقد كان عبيد الله قبل أن يخرج من البصرة بيوم خطب أهلها خطبة بليغة، ووعظهم فيها وحذرهم، وأنذرهم من الاختلاف والفتنة والتفرق.(1)
إعداد : وهج الإيمان
دمتم برعاية الله
ــــــــ
(1) كتاب البدايه والنهايه للعلامه ابن كثير ج8 ،قصة الحسين بن علي وسبب خروجه من مكة في طلب الإمارة وكيفية مقتله .
|
|
|
|
|