|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 82198
|
الإنتساب : Aug 2015
|
المشاركات : 1,478
|
بمعدل : 0.42 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
صدى المهدي
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 10-08-2022 الساعة : 09:15 AM
المحور الثاني: التفاعل مع الظروف والأحداث
لم تكن حياة السيّدة زينب(عليها السلام) بعيدة عن أثر تغيّرات القضايا التي روى وسجل التاريخ أحداثها، بل إنّها كانت تعايش وتقاسي ذلك، فقد فُجعت بفقدها جدّها الرسول الأعظم محمد(صلى الله عليه واله)، وكان لها من العمر خمس سنوات، وما جرى بعد ذلك على الإمام علي(عليه السلام) والسيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام)، من السقيفة، وغصب حقّ أُمّها الزهراء(عليها السلام)، وحادثة الضرب وإسقاط الجنين، وما فُجعت به بعد شهور بفقدها أُمّها الزهراء(عليها السلام)، وما عانته جرّاء مشاهدتها والدها(عليه السلام) وهو صابرٌ على المحنة.
ولقد استجدّت بعد وفاة الرسول على امتداد خمسين سنة وطرأت تغيُّرات كثيرة في الأوضاع السياسية والاجتماعية والثقافية والمعيشية في المجتمع الإسلامي، وتغيّرت معها أفكار وسلوكيات المسلمين عمّا كانت عليه في عصر النبي(صلى الله عليه و اله)، وبعد تولّي الإمام علي(عليه السلام) الخلافة، ومحاولة أعدائه عرقلة سياسته؛ بإثارة الاضطرابات الداخلية والمتمثّلة بالحروب أثناء خلافته(عليه السلام)، والتي انتهت باستشهاده(عليه السلام) على يد الشقي عبد الرحمن بن ملجم.
وبعدها قام الإمام الحسن(عليه السلام) بأعباء الإمامة، ولكن تخاذل أصحابه حينئذٍ عن إطاعته في حربه مع معاوية، فاضطر إلى مهادنة معاوية؛ حقناً لدماء المسلمين، ولكشف حقيقة معاوية لهم، وقد غدر الأخير بالإمام الحسن(عليه السلام)، فدسّ له السّم، وقضى الإمام بذلك شهيداً، وحينها بلغ الظلم الأُموي أكبر حدوده، فانصبّت المصائب الفادحة على شيعة أهل البيت(عليهم السلام) وأنصارهم.
لم يقتصر الأمر عند ذلك، بل ازداد الأمر سوءاً بتولي يزيد الملعون الحكم بعد معاوية، وبدء صراع الإمام الحسين وأهل بيته(عليهم السلام)، وفي مقدّمتهم السيّدة زينب(عليها السلام)، ضدّ سياسة يزيد بن معاوية، ومحاولة الأخير إضفاء صفة الشرعية على حكمه بأخذ البيعة من الإمام الحسين(عليه السلام)، وكان رفض الإمام ذلك معلوماً، فبدأت حركة الإمام الحسين(عليه السلام) وثورته الإصلاحية لمواجهة حكومة يزيد؛ رافعة شعار استنهاض الأُمّة بدعوة جهادية، يعمل الإمام فيها على إحياء الدين.
ومع العصمة التي تعتقد بها الإمامية في حقّ الأئمّة تصبح جميع أعمالهم وتحرّكاتهم مطابقة للحقّ، ومصونة عن أيّ نوع من الخطأ. ومن هذا المنطلق؛ لا يعود هناك أيّ شكّ في شرعيّة ثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، ولا في عدم شرعيّة حكومة يزيد من أصلها، ولا في عدم شرعيّة الطريقة التي تعاطى فيها مع الإمام. وبالتالي لا يتصوّر أبداً البحث في الفكر الشيعي حول وجود تناقض بين قيام الإمام وبين حكومة يزيد.
وتجسّد رفض الإمام لحكومة يزيد بكلمته(عليه السلام): (ومثلي لا يبايع مثله)، فلم يرضخ للبطش والسلطة، ولم يرضَ بالذلّ والهوان بديلاً عن الإباء والرفعة؛ لأنّه(عليه السلام) قال: (فإنّي لا أرى الموت إلّا سعادة، والحياة مع الظالمين إلّا برماً)، فظلّ ثابتاً على موقفه، قاتل وأُثخن بالجراح حتّى قُتل، وكانت وقفته أمام الظالمين وقفة رسولٍ ظلمه قومه، فختم ذلك الصراع بين الحقّ والباطل، وبين الإيمان كلّه والكفر كلّه، بواقعة عاشوراء، وهذه الفاجعة يمكن عدّها أعظم ما مرّ على السيّدة زينب(عليها السلام).
1ـ بنت الشاطئ
نظرت بنت الشاطئ إلى دور السيّدة زينب(عليها السلام) في ظل الظروف والأحداث التي عاشتها، من وفاة رسول الله(صلى الله عليه واله)، وبعده وفاة أُمّها السيّدة فاطمة الزهراء(عليها السلام) من منظار اجتماعي، هو اقتصار دور السيّدة زينب(عليها السلام) على مسؤولية رعاية الإمامين الحسن والحسين(عليهما السلام)، فكانت لهما كأُمّ رؤوم بمعنى الكلمة، وعدّت هذا عاملاً آخر عزز من شخصية السيّدة زينب(عليها السلام) وزادها قوّة وكياناً خاصاً.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ معالجة بنت الشاطئ في تحليل شخصية السيّدة زينب(عليها السلام) تظهر مقيّدة بالجانب الاجتماعي؛ بسبب قلّة الروايات حول السيّدة زينب(عليها السلام) ونزرها؛ لأنّ المؤرّخ لا يستطيع أن يتكهّن بالوقائع التاريخية، ولكنّه يلتقط الروايات والإشارات ويعالجها ويعرضها وفق منهج مُعيّن؛ لذلك نجد بنت الشاطئ اكتفت بسرد الأحداث التاريخية التي مرّت على البيت الذي نشأت فيه السيّدة زينب(عليها السلام)، دون بيان دورها وموقفها، وخاصة في فترة خلافة أمير المؤمنين والإمام الحسن(عليهما السلام).
وفيما يتعلّق بواقعة عاشوراء ترى بنت الشاطئ أنّ دور السيّدة زينب(عليها السلام) برز بعد واقعة الطف، وهذا الأمر يخالف الحقائق التاريخية، بل يناقض ما ذكرته بنت الشاطئ نفسها، وأنّ ما تقدّم ذكره يؤكّد ذلك. وفي الحقيقة فإنّ ما أبرزته بنت الشاطئ من أحداث ووقائع وأصالة النسب، وما حظيت به السيّدة زينب(عليها السلام) من رعاية جدّها رسول الله(صلى الله عليه واله) وأبويها الإمام علي(عليه السلام) والسيّدة الزهراء(عليها السلام)، كان له الأثر في غرس بذور العلم وسموّ الأخلاق، والإعداد لممارسة دورها جنباً إلى جنب مع أخيها الإمام الحسين(عليه السلام).
ففي عاشوراء أشارت بنت الشاطئ إلى ثناء الإمام الحسين(عليه السلام) على أصحابه وأهله قائلة: (أمّا بعدُ، فإنّي لا أعلم أصحاباً أوفى من أصحابي، ولا أهل بيت أبرّ ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله جميعاً عنّي خيراً)، وفي ثناء الإمام الحسين(عليه السلام) على أصحابه وأهل بيته(عليهم السلام) دلالة بيّنة وإشارة واضحة إلى مراتبهم العالية في نصرة الإمام، ومشاركتهم الفعلية في نهضته، ولا سيّما عقيلة البيت الهاشمي السيّدة زينب(عليها السلام).
كذلك أشارت بنت الشاطئ إلى دور السيّدة زينب(عليها السلام) في رعاية الإمام زين العابدين(عليه السلام) أثناء مرضه، وإلى أنّه لم يبقَ على المسرح السياسي سوى السيّدة زينب(عليها السلام) التي لم تغبْ لحظة عن الواقعة، إذ واكبت الإمام خطوة فخطوة، واستحقّت لقب بطلة كربلاء، فقد كانت إلى جانب المريض تُمرّضه، والمحتضر تواسيه، والشهيد تبكيه، وهي التي كانت إلى جانب الإمام(عليه السلام) منذُ أن بدأ القتال حتّى انتهى، والتي بدأت معه وختمت ما بدأت به بنشر القضية الحسينية.
2ـ آمنة الصدر بنت الهدى
اتفقت رؤية العلوية آمنة للسيدة زينب(عليها السلام) مع الكتّاب الآخرين في أنّها مثّلت جيشاً صامداً أمام الحوادث التي واجهتها في حياتها. وتشير بنت الهدى إلى أنّ السيّدة زينب(عليها السلام) هي أوّل مَن تحسّس مواطن الخطر في كربلاء، ومن نماذج مواساتها لأبي الأحرار أنّها حينما سمعت الإمام الحسين(عليه السلام) يقول: (يا دهر أُفٍّ لك من خليل... فلم تملك نفسها أن وثبت تجرّ ثوبها وهي حاسرة حتّى انتهت إليه وقالت: وا ثكلاه، ليت الموت أعدمني الحياة...)، وهنا بدأ الإمام(عليه السلام) بتسلية السيّدة زينب(عليها السلام) وتوجيهها، وشرح لها الوضع الراهن على حقيقته، وأوصاها بوصاياه، ومنذُ تلك اللحظة أخذت على عاتقها التدرّع بالصبر، وتحمل المسؤولية الكبرى.
3ـ الشيخ مرتضى مطهّري
ركّز الشيخ مطهّري على دور أهل بيت سيد الشهداء في النهضة الحسينية، وبخاصّة السيّدة زينب(عليها السلام)، ونحى منحىً يختلف عن بنت الشاطئ وبنت الهدى، ولم يُشر إلى دور السيّدة زينب وموقفها خلال حياتها المباركة، وإنّما اقتصر على الإشارة إلى واقعة عاشوراء وأحداثها، ووفق هذا المحور ناقش مطهّري الأسباب التي جعلت الإمام الحسين(عليه السلام) يأخذ أهل بيته معه في هذه الرحلة الخطرة، مشيراً إلى أنّه على وفق معتقدات ومذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فنحن نؤمن بإمامة الإمام الحسين(عليه السلام)، وأنّ أيّ أعمال صادرة من الإمام تكون قائمة منذُ اليوم الأوّل على أساس المنطق والحساب العقلي المدعوم بالدليل والبرهان، وأنّ إحدى المسائل التي تعرّض إليها المؤرّخون وبحثوا فيها، الأسباب التي جعلت الإمام الحسين(عليه السلام) يأخذ أهل بيته معه في هذه الرحلة الخطرة؛ لأنّ كلّ مَن قابل الإمام من الأصحاب كانوا مجمعين وبدون استثناء بناءً على المنطق والحسابات المتداولة في المستوى العادي، واستناداً إلى معايير حفظ النفس، والمحافظة على حياة الإمام وأهل بيته(عليهم السلام)، بأنّ في رحلته بحدّ ذاتها خطراً كبيراً يعرّض حياة أبي عبد الله(عليه السلام) للفناء، وليس فيها مصلحة له، ناهيك عن أخذ أهل بيته في مثل هذه المرحلة. لكنّ ردّ الإمام كان قاطعاً، وأنّه يجب أخذهم؛ استناداً إلى الرؤيا التي جاءته بهذا الشأن، والتي هي بحكم الوحي القاطع. فكان مما قاله لأخيه محمد بن الحنفية: (أتاني رسول الله، فقال: يا حسين، اُخرج فإنّ الله شاء أن يراك قتيلاً. فقال محمد بن الحنفية: إنّا لله وإنّا إليه راجعون. فقال: فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وأنت تخرج على مثل هذا الحال. فقال(عليه السلام): قال لي(صلى الله عليه واله): إنّ الله قد شاء أن يراهنّ سبايا).
والإمام كان يهدف من أخذ أهل بيته معه أن يجعل لهم دوراً ورسالةً عليهم أن يؤدّوهما. وقد أشار مطهّري في موضع آخر إلى أنّ ثورة الإمام الحسين(عليه السلام) قائمة على الوعي والإدراك الكاملين بضرورتها، سواء عنده هو أو عند أهل بيته، وبخاصة السيّدة زينب(عليها السلام)، أو لدى أصحابه، وأنّ مثل هذه الثورة لا يقال عنها: بأنّها وليدة الانفجار النفسي أو العاطفي، بل إنّها ثورة واعية ذات حقائق وماهيّات متعدّدة، وأنّ تاريخ كربلاء مثّل تاريخ واقعة اشترك فيها الرجال والنساء معاً، وكانت مرسومة بحدود وبشكل متكامل، فقد كانت المرأة في مدارها وفلكها، والرجل في مداره وفلكه، ومعجزة الإسلام تكمن في هذا الطرح؛ لأنّ الإمام عندما قرر تحريك أهل بيته في تلك القافلة، إنّما أراد منهم أن يؤدّوا الرسالة التي تنتظرهم في هذا التاريخ العظيم، وبالتالي أداء الدور المباشر في صناعة هذا الحدث العظيم من خلال أميرة القافلة السيّدة زينب(عليها السلام)، ولكن ضمن مدارها وفلكها النسائي، فابتداء من عصر يوم عاشوراء تبدأ السيّدة تتجلّى، ومنذُ تلك اللحظة انتقلت المهمة الأُولى إليها، فقد أصبحت هي رئيسة القافلة؛ ذلك لأنّ الرجل الوحيد الذي بقي من أهل بيت الإمام الحسين(عليه السلام) هو الإمام زين العابدين(عليه السلام)، حيث كان في حالة صحيّة يحتاج فيها إلى الرعاية والعناية الصحية.
4ـ الشيخ حسن موسى الشيخ الصفّار
رؤية الشيخ الصفّار لدور السيّدة زينب(عليها السلام) خلال هذه الأحداث، هي أنّ ما مرّت به في حياتها كان بمثابة إعداد وتهيئة للدور الأكبر الذي ينتظرها في هذه الحياة، وأوضح مبيناً أنّ السنوات الخمس التي عاشتها مع جدّها المصطفى(صلى الله عليه واله) وهو يقود معارك الجهاد لتثبيت أركان الإسلام، ويتحمّل هو وعترته ظروف العناء والخطر، والأشهر الثلاثة التي رافقت فيها أُمّها الزهراء(عليها السلام)، بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه واله)، ورأت أُمّها تدافع عن مقام الخلافة الشرعي وتطالب بحقّها المصادر، والفترة الحساسة الخطيرة التي عاصرت فيها حكم أبيها(عليه السلام) وخلافته، وما حدث فيها من مشاكل وحروب، ثمّ مواكبتها لمحنة أخيها الإمام الحسن(عليه السلام)، وما تجرّع فيها من غصص وآلام. كلّ تلك المعايشة للأحداث والمعاصرة لتطوّرات هذه الظروف مجتمعة؛ أسهمت في صقل شخصية السيّدة زينب(عليها السلام) وإعدادها؛ لتؤدّي دورها الخطير في ثورة الإمام الحسين(عليه السلام)، وما كان للسيدة زينب(عليها السلام) أن تنجح في أداء ذلك الامتحان وممارسة ذلك الدور، لو لم تكن تمتلك ذلك الرصيد الضخم من تجارب المقاومة والمعاناة، ولو لم يتوفّر لها ذلك الإرث الكبير من البصيرة والوعي.
وواقعة كربلاء أهمّ الأحداث التي عصفت بالأُمّة الإسلامية، فقد تجلّى تيار الردّة إلى الجاهلية والانقلاب على الأعقاب، ووصل إلى قمّته وذروته في المعسكر الأُموي، كما تجسّد وتبلور خطّ الرسالة والقيم الإلهية في الموقف الحسيني العظيم، وكان للسيدة زينب(عليها السلام) دور رئيس في هذه الثورة العظيمة، فهي الشخصية الثانية على مسرح الثورة بعد شخصية أخيها الإمام الحسين(عليه السلام).
ويرى الشيخ الصفّار أنّ السيّدة زينب(عليها السلام) قد وقفت إلى جانب الإمام الحسين(عليها السلام) في أغلب الفصول والمواقف، بل إنّها قادت مسيرة الثورة بعد استشهاد الإمام الحسين(عليه السلام)، وأكملت حلقاتها، ولولا السيّدة زينب(عليها السلام) لما حقّقت كربلاء أهدافها ومعطياتها وآثارها في واقع الأُمّة والتاريخ. لقد أظهرت كربلاء جوهر شخصية السيّدة زينب(عليها السلام)، وكشفت عن عظيم كفاءتها وملكاتها القيادية، كما أوضحت السيّدة زينب للعالم حقيقة الثورة وأبعاد حوادثها.
بيّن الشيخ الصفّار أنّ قضية كربلاء بأحداثها المروّعة لم تكن مفاجئة للسيدة زينب(عليها السلام)، وأنّ دورها لم يكن عفوياً، ولا من وحي الصدفة، فقد كانت مهيأة نفسياً وذهنياً لتلك الواقعة، وكانت تعلم منذُ طفولتها الباكرة، بأنّ الحادثة ستقع، وأنّها ستؤدّي فيها دوراً رئيساً بارزاً، معززاً كلامه بقول الإمام زين العابدين: (قال(عليه السلام): فإنّه لما أصابنا بالطف ما أصابنا، وقُتل أبي(عليه السلام)، وقُتل مَن كان معه من وُلده، وإخوته وسائر أهله، وحُملت حرمه ونساؤه على الأقتاب، يراد بنا الكوفة، فجعلت أنظر إليهم صرعى ولم يواروا، فعظم ذلك في صدري، واشتدّ لما أرى منهم قلقي، فكادت نفسي تخرج، وتبينتْ ذلك منّي عمّتي زينب الكبرى بنت علي(عليه السلام)، فقالت: ما لي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي؟ فقلت: كيف لا أجزع وأهلع وقد أرى سيّدي وإخوتي وعمومتي وولْد عمّي وأهلي مضرجين بدمائهم، مرمّلين بالعرى، مسلّبين لا يكفّنون ولا يوارون، ولا يعرّج عليهم أحد، ولا يقربهم بشر، كأنّهم أهل بيت من الديلم والخزر؟! فقالت: لا يجزعنّك ما ترى، فو الله، إنّ ذلك لعهد من رسول الله(صلى الله عليه واله) إلى جدّك وأبيك وعمّك، ولقد أخذ الله ميثاق أناس من هذه الأُمّة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض، وهم معروفون في أهل السماوات أنّهم يجمعون هذه الأعضاء المتفرّقة فيوارونها، وهذه الجسوم المضرجة، وينصبون لهذا الطف علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء(عليه السلام) لا يُدرس أثره، ولا يعفو رسمه، على كرور الليالي والأيام، وليجتهدن أئمّة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه؛ فلا يزداد أثره إلّا ظهوراً وأمره إلّا علوّاً).
كان حضور السيّدة زينب(عليها السلام) في واقعة الطف بمحض إرادتها. ويرى الشيخ الصفّار أنّ السيّدة زينب(عليها السلام) اختارت دورها في الثورة العظيمة بوعي سابق وإدراك عميق، وأنّها كانت المبادرة للمشاركة، كما احتفظت بزمام المبادرة في مختلف المواقف والوقائع الثورية، ويحدّثنا التأريخ أنّ السيّدة استأذنت زوجها عبد الله بن جعفر، والذي كان مكفوف البصر، فأذن لها بذلك، بل أمر ولديه عون ومحمد بالالتحاق بقافلة الإمام الحسين(عليه السلام)، وقد حاول شيوخ بني هاشم ثني الإمام عن خروج النساء والأطفال معه، ومنهم: عبد الله بن العباس، ومحمد بن الحنفية، وكان جواب الإمام لهم: (شاء الله أن يراهنّ سبايا)، وقد اعترضت السيّدة(عليها السلام) على نصيحة ابن عباس بقولها: (تشير على شيخنا وسيّدنا أن يخلفنا ها هنا ويمضي وحده؟! لا والله، بل نجيء معه ونموت معه، وهل أبقى الزمان لنا غيره؟)، وكما أنّ أصل اشتراكها في الثورة كان بقرارها الواعي، فإنّ أغلب مواقفها في ميادين الثورة كانت تنبثق من مبادرتها الوثابة، فهي التي تهرع للإمام الحسين(عليه السلام) حينما تدلهم المصائب؛ لتشاركه المواجهة.
|
|
|
|
|