عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية melika
melika
شيعي حسيني
رقم العضوية : 480
الإنتساب : Oct 2006
المشاركات : 18,076
بمعدل : 2.67 يوميا

melika غير متصل

 عرض البوم صور melika

  مشاركة رقم : 19  
كاتب الموضوع : melika المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 12-11-2007 الساعة : 10:40 AM


حينما تتفتّح في القلب براعم الدعاء

المريض المعافى: پرستو محمدي، تاريخ الولادة: 1980
مهنة الأب: خبّاز في مدينة جُرجان
الداء: تعفّن شديد في الأذن والحنجرة
عمره وقت الشفاء: ثمانية أشهر

كان قد مضى من الليل نصفه، والقمر يتراءى من خلال السحاب في السماء، والصمت الحزين يغطّي كلّ أرجاء المدينة.
تحت السماء المقمرة كان المصباح الكهربائي مُضاءً في أحد المنازل المتواضعة يتناهى إلى الآذان منه صوتُ ترنيمةِ أمٍّ تُنيم طفلها الصغير، وعيناها الواجمتان تحدّقان بعزيزها « پَرَستُو ».
في قلب الليل كانت فاطمة المحزونة تناغي مريضها ذا الأشهر الثمانية الذي هو كلّ حياتها وكلّ أملها.. واضعةً صغيرها المهزول على ساقَيها تحرّكهما كالمهد، لعلّه يغفو لحظةً وينام، فيستريح قليلاً من هذه الآلام المبرِّحة التي لا تفارقه.
وعلى صوت مناغاة أمّه الدافئ يغفو وليدها وينام، لكنّه سرعان ما يفتح عينيه صارخاً من شدّة الألم. وعلى بكاء الصغير يستفيق الأب المُتعَب « هُوشَنگ » الذي أخلد قبل دقائق إلى النوم، ونهض باتّجاه زوجته. أراد أن يشاطرها متاعبها ومأساتها، فاحتضن « پرستو » وراح يناغيه، وهو يدور به في الغرفة جِيئةً وذهاباً. قال لزوجته:
ـ استريحي أنت يا فاطمة، فقد تعبتِ كثيراً.
لكنّ فاطمة لم تُطِق أن تنام. أعطت صغيرها دواءه وهو محمول في أحضان أبيه.

* * *
لم تكن هذه هي الليلة الأولى التي تمضي على هذا النحو. لقد كان دأب هذين الزوجين، منذ شهر ونصف الشهر، القيام بتمريض عزيزهما الغالي ومقاساة سهر الليالي.
كان « پرستو » مركز اهتمام فاطمة ومحور كلّ مساعيها. صحيح أنّ عمره لم يتجاوز شهوراً ثمانية، لكنّ ما انطبع على قسمات وجهها ووجه زوجها كأنّما هو آثار ثمانين سنة من الكرب والعذاب.
إنّ عينَي الأمّ تتطلّعان، طيلة تلكم الأيّام الثقيلة، إلى هذا الجسد الذابل النحيل الذي ترى أنّه شمعة حياتها. لم يَعُد لها اشتهاء لطعام ولا رغبة في نوم. لقد تركّز كلّ شيء عندها في « پرستو » العليل. وكان التفكير في مستقبل الصغير ومصيره يحفر في ذهنها حُفَراً عميقة، ويُسلِمها إلى ظلام دنيا اليأس.
وتغرق فاطمة في التفكير.. تستذكر السنوات الصعبة التي مرّت عليها بعد الزواج.. السنوات التي كانت لها ولزوجها فيها ذكريات للانتظار في حلاوتها ومرارتها.
لم تكن ثلاث سنوات من انتظارِ وليدٍ بالسنوات القليلة. وما أكثر الليالي التي مَدّا فيها أيدي الضراعة والدعاء! وكم سمعا عتاباً وتأنيباً من هذا وذاك! وكم من نذر قد نذرا في هذا السبيل!
وفي آخر الأمر.. أثمر الانتظار ثمرته، ومَنّ الله عليهما بولد غدا نوراً في عشّ الأسرة الصغير. غير أنّ هذا الدفء الحاني الذي جاء مع الوليد لم يكن ذا عمر طويل!
وعلى خلاف ما سعى إليه الأطبّاء من وراء إجراء العمليّة الجراحيّة، كان التقدير أن يصرع الداء طفلهما ذا الأشهر التسعة بعد إصابته بتعفّن حادّ في الأذن. ومرّةً أخرى عاد منزلهما البائس إلى الصمت والخفوف سنوات عديدة، ودخل في برودة موحشة.. حتّى تفضّل الله عليهما، بعد التضرّع والدعاء، بـ « پرستو » الذي ودّعا بمَقدَمه مرارات الذكريات الغابرة. لقد كانت فاطمة معذورة إذن أن تخاف من مثل هذا المرض الذي سلبها وليدها البِكْر وحرمها حنان الأمومة.
إنّها الآن على استعداد لتعمل أيّ شيء، خشية أن تتكرّر مأساتها من جديد. اختارت لمعالجة « پرستو » أمهر الأطبّاء، واضعةً نصب عينيها الإفادة من خبرات الأطبّاء في معالجة وليدها الأوّل.
ابتُلي « پرستو » الحبيب بتعفّن شديد في الأذن، وكان الدم يخرج من أُذنَيه مختلطاً بالمُدّة وبالسوائل الكريهة الرائحة، حتّى لم يَعُد يتحمّله أحد ممّن كانوا حولها من الأهل والأقرباء. ولم يُفِد العلاج شيئاً، وكان قلق فاطمة يتضاعف وخوفها في ازدياد.
كتب لها الدكتور « الديلميّ » في جرجان رسالة توصية إلى مستشفى القائم في مشهد ـ قسم الأطفال ( الأنف والأذن والحنجرة ) ـ لإجراء اللازم، فقد كان ولدها بحاجة إلى عناية خاصّة لا يوفّرها مستشفى جرجان.

* * *
وصلت فاطمة إلى مدينة مشهد متعبة، تتناهبها هواجس القلق والخوف، حاملةً على يديها قطعة من كيانها، تخشى عليها أن يخطفها الموت في أيّة لحظة. وأحسّت بالعجز. إنّها عاجزة عن حماية وحيدها العزيز.. عاجزة عن فعل أيّ شيء. إنّها جاءت إلى مشهد بتوصية طبيب، لكنّ لها تجربة مع الطبّ في وليدها الأوّل الذي انزلق من يدها بمحضر الأطبّاء. وها هي ذي تجيء مضطرّة إلى المستشفى في مشهد. كانت تتعلّق بأيّ شيء وكانت ذكرى ولدها البكر تضغط عليها بعنف.
كانت السيارة تقودها وزوجَها في شوارع مشهد إلى الفندق حيث ينبغي أن تقيم.
وفي الطريق لمحت القبّة الذهبيّة السامقة في قلب المدينة المقدّسة. إنّها قبّة رضا آل محمّد عليهم السّلام. لعلّها فُوجئت بمرآها. كأنّ شيئاً كان غافياً في داخلها واستيقظ في لحظة، فإذا هي تحسّ فجأة أنّها أمام كعبة الآمال. نَسِيَت تماماً المستشفى ورسالة الطبيب. اختنقت بعبرتها، وانفجرت من عينيها الدموع. هناك جرى بَوحُ القلب منها على اللسان. كانت فاطمة تحكي للإمام الرضا عليه السّلام كما يحكي الضائع الذي عثر على أهله بعد طول نأي واغتراب.. كأنّما هو عليه السّلام أبوها الشفيق، وملجأ قلبها الذي تشعر ـ حين تأوي إليه ـ بالطمأنينة والأمان.

* * *
كانت خطواتها ـ وهي تمضي قُدُماً في أرض الصحن العتيق ـ خطواتِ مُتعجِّل يريد بلوغ هدف نفيس. ها هي قد جاءت إليه بحبّة قلبها المُعَنّى يحدوها ألف أمل وأمل. إنّ قلبها يحدّثها بالشفاء الذي ستفوز به روحها إذا ما فاز به « پرستو ». إنّها الآن في ضيافة نور قدسيّ تعلم أنّه قادر على كشف جميع الكروب.
ربطت يد « پرستو » إلى الشبّاك الفولاذيّ بخيطٍ عثرت عليه هناك، واقتعدت به ناحية بعينين ملؤهما أمل ورجاء. وكان قلبها هو مَن يحكي أُنشودة مناجاة عميقة لا يقوى على الإفصاح بها اللسان.
عيناها مشدودتان إلى « پرستو » المربوط معصمه إلى نافذة الكريم.. تتحسّس من وقت لآخر حرارة بدنه المرتفعة بظاهر كفّها. اتّسعت حَدَقتاها ذُعراً بادئ الأمر إذ رأت عقدة الحبل محلولة من معصم طفلها الصغير، ولاحظت حرارته تهبط. ثمّ فتح « پرستو » عينيه بطريقة جعلتها تدرك أنّها قد فازت من فورها بالمأمول. ونَدّت منها صيحة فرح مفاجئ.. كان « پرستو » محمولاً بعدها على أيدي الحاضرين. وكان العطر الرضويّ المُسعِد يملأ كلّ ذرّات الهواء، ممتزجاً بالصلوات على محمّدٍ وآل محمّد عليهم السّلام.

( ترجمة وإعداد إبراهيم رفاعة، من مجلة الحرم )

من مواضيع : melika 0 سلیمانی فینا ونحن ....................فیه
0 بكل وقاحة ... أكاديمي كويتي يحرّض السعودية للتدخل عسكرياَ في العراق !
0 استنكار شديد لاستهتار شاعر سعودي بالقرأن الكريم
0 هنیئا لکل العرب والمسلمین ...
0 هذه الفيتامينات تعزّز القدرات العقلية…لا تهملوها!
رد مع اقتباس