[يتيمة آل مُحمد]

إذا كان بيتك من زجاج فلا تقذف الآخرين بالحجارة
رمتني بذاها وانسلت
الرد على من اتهمنا بالتجسيم بغير علم
ما نسبوه إلى الشيعة من القول بالتجسيم والتشبيه
من الأمور الغريبة جداً ما نسبه عدة ممن اتهم الشيعة الإمامية إليهم من القول بالتجسيم ، ونسبوا ذلك إلى الشيعة الإمامية بشكل عام ، وإلى هشام بن الحكم وهشام بن سالم ويونس بن عبد الرحمن ، ومع الأسف الشديد لم يراعي عدة ممن نسب إليهم هذا القول أدنى ضوابط الأمانة في النقل ،

68 .................................................. ... خلاف المسلمين في رؤية الله عز وجل

وكان التحامل المفرط هو الدافع الأساسي وراء تلك الاتهامات ، متجاهلين الروايات الصحيحة والمتواترة الواردة في كتب الشيعة بشأن تنزيه ذات الباري عز وجل عن جميع صفات التشبيه والتجسيم ، وكذلك كلمات فقهائهم الكثيرة جداً بهذا الشأنْ ، يقول ابن تيمية : وأن عامة القدماء من الشيعة كانوا يقولون بالتجسيم أعظم من قول الكرامية ، وأنّ المتأخرين منهم هم الذين قالوا في التوحيد بقول المعتزلة . (1)
ويدل على ما ذكرناه أمور :
الأول : أنّ الروايات التي استندوا إليها لإثبات تلك النسبة المزعومة على تقدير صحتها بينت أنّ ما ينسب إلى هشام بن الحكم وهشام بن سالم أو غيرهما على خلاف ما عليه الأئمة المعصومين (ع) وأنه قول خاطئ غير صحيح ، وأنّ نفس الأئمة (ع) استنكروا ذلك ولم يقبلوه ، وعلى هذا الأساس ، فمن يستند إلى تلك الروايات فإنّ مقتضى الموضوعية والدقة العلمية والأمانة في النقل على تقدير القبول بها نسبة ذلك القول إلى خصوص هشام بن الحكم
(1) درء التعارض ج2 ص 331 .

الإنصاف في مسائل الخلاف ج2 .................................................. ......69

أو هشام بن سالم أو غيرهما ، وعدم نسبة ذلك إلى الشيعة الإمامية ، وأنه قول شاذ نقلته عنهم بعض مصادر الشيعة واستنكرته ، خصوصاً وهشام بن الحكم وكذا هشام بن سالم ليسوا من المعصومين عند الشيعة ، فليس كل ما يصدر عنهم فهو بالضرورة مقبول عند الشيعة الإمامية ، ولا يوجد نقل واحد في كتب الشيعة الإمامية ينسب القول بالتجسيم إلى الشيعة .
فمن بين تلك الروايات ما أخرجه ثقة الإسلام الكليني (قدس سره) في كتاب الكافي بسنده عن محمد بن حكيم قال : وصفت لأبي إبراهيم (ع) قول هشام بن سالم الجواليقي ، وحكيت له قول هشام بن الحكم أنه جسم ، فقال : إنّ الله تعالى لا يشبهه شيء ، أي فحش أو خنى أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم أو صورة أو بخلقة أو بتحديد أو أعضاء ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً . (1)
وعن محمد بن الفرج الرخجي قال : كتبت إلى أبي الحسن (ع) أسأله عما قال هشام بن الحكم في الجسم وهشام بن سالم في الصورة ، فكتب : دع عنك حيرة الحيران
(1) الكافي ج1 ص 105 .

70 .................................................. ... خلاف المسلمين في رؤية الله عز وجل

واستعذ بالله من الشيطان ، ليس القول ما قال الهشامان . (1)
وأخرج الكليني أيضاً بالإسناد عن يونس بن ظبيان قال : دخلت على أبي عبد الله من الأمور الغريبة جداً ما نسبه عدة ممن اتهم الشيعة الإمامية إليهم من القول بالتجسيم ، ونسبوا ذلك إلى الشيعة الإمامية بشكل عام ، وإلى هشام بن الحكم وهشام بن سالم ويونس بن عبد الرحمن فقلت له : إنّ هشام بن الحكم يقول قولاً عظيماً إلا أني أختصر لك منه أحرفاً ، فزعم أنّ الله جسم لأنّ الأشياء شيئان : جسم وفعل الجسم ، فلا يجوز أنْ يكون الصانع بمعنى الفعل ، ويجوز أنْ يكون بمعنى الفاعل ، فقال أبو عبد الله (ع) : ويحه ، أما علم أنّ المحدود متناه ، والصورة محدودة متناهية ، فإذا احتمل الحد احتمل الزيادة والنقصان ، وإذا احتمل الزيادة والنقصان كان مخلوقاً ، قلت : فما أقول ؟ قال : لا جسم ولا صورة ، وهو مجسم الأجسام ومصور الصور ، لم يتجزء ولم يتناه ولم يتزايد ولم يتناقص ، لو كان كما يقولون لم يكن بين الخالق والمخلوق فرق ، ولا بين المنشي والمنشأ فرق ، هو المنشئ فرق بين من جسمه وصوره وأنشأه ، إذْ كان لا يشبهه شيء ولا يشبه هو شيئاً . (2)
وأخرج الشيخ الصدوق (قدس سره) في الأمالي بسنده عن الصقر بن دلف قال : سألت أبا الحسن
(1) الكافي ج1 ص 105 .



(2) الكافي ج1 ص 106 .

الإنصاف في مسائل الخلاف ج2 .................................................. ......71

علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا (ع) عن التوحيد ، وقلت له : إني أقول بقول هشام بن الحكم ، فغضب (ع) ثم قال : ما لكم ولقول هشام ، إنه ليس منا من زعم أنّ الله جسم ، ونحن منه براء في الدنيا والآخرة ، يا بن دلف إنّ الجسم محدث ، والله محدثه ومجسمه . (1)
وجميع هذه الروايات وإنْ كانت تثبت القول بالتجسيم لهشام بن الحكم، ولكنها في الوقت ذاته تثبت نفي القول عن أئمة أهل البيت (ع) ، وواضحة الدلالة في أنّ مذهب الإمامية بخلاف القول بالتجسيم والقول بالصورة ، فنسبة القول بالتجسيم إلى الشيعة الإمامية استنادا إلى هذه الروايات دليل على التعصب المفرط من المدعي ، إذ الذي يقتضيه المنطق السليم هو نسبة ما ينسبه الشيعة الإمامية لأئمتهم إليهم ، وليس نسبة ما ينقل الشيعة عن أئمتهم (ع) رفضه والبراءة منه ، كما هو واضـح .
الثاني : أنه لا يوجد من تلك الروايات التي تنسب القول بالتجسيم لهشام بن الحكم أو هشام بن سالم ما هو معتبر من جهة الإسناد ، ولكون تلك الروايات لم ترد
(1) الأمالي للصدوق (قدس سره) ص 351 ط. مؤسسة البعثة / طهران سنة 1417هـ .

72 .................................................. ... خلاف المسلمين في رؤية الله عز وجل

من جهة الثقات من أصحابنا أنكرها جماعة من المحققين منهم المحقق السيد الخوئي (قدس سره) ، يقول المحقق السيد الخوئي (قدس سره) بعد أنْ أورد الروايات التي تنسب القول بالتجسيم لهشام بن الحكم : إنّ هذه الروايات بأجمعها ضعيفة لا يمكن الاعتماد عليها ووجه الضعف في غير الرواية الأولى ظاهر ، وأما الرواية الأولى فإنها أيضاً ضعيفة ، فإنّ راويها علي بن أبي حمزة ، وهو البطائني ، فإنه المعروف ، ولاسيما أنّ الراوي عنه صفوان بن يحي ، وهو الذي روى كتابه على ما مر في ترجمته ، على أنها معارضة بما دل على أنه لم يكن قائلاً بالجسم . (1)
إلى أنْ قال (2) : وإني لأظن أنّ الروايات الدالة على أنّ هشاماً كان يقول بالجسمية كلها موضوعة ، وقد نشأت هذه النسبة عن الحسد ، كما دل على ذلك رواية الكشي المتقدمة بإسناده عن سليمان بن جعفر الجعفري قال : سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن هشام بن الحكم ؟ قال : فقال : رحمه الله كان عبداً ناصحاً وأوذي من قبـل أصحابه حسـداً منهم لـه .
(1) معجم رجال الحديث ج19 ص 293 رقم 13329ط. مدينة العلم / قم .



(2) معجم رجال الحديث ج19 ص 294 .

الإنصاف في مسائل الخلاف ج2 .................................................. ......73

الثالث : مع أنّ الروايات التي نسبت القول بالتجسيم لهشام بن الحكم كلها ليس فيها ما يثبت من جهة الإسناد فقد ورد فيها ما يدل على أنّ هشام بن الحكم كان ممن يقول بالتجسيم ثم رجع عن ذلك القول وتاب عنه ولذلك قبله الشيعة بسبب توبته ورجوعه عن ذلك القول ، يقول الكراجكي (قدس سره) في كنز الفوائد : وأما موالاتنا هشاماً رحمه الله فهي لما شاع عنه واستفاض منه من تركه للقول بالجسم الذي كان ينصره ورجوعه عنه ، وإقراره بخطئه فيه ، وتوبته منه ، وذلك حين قصد الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق (ع) إلى المدينة ، فحجبه وقيل له : أنه قد آلى أنْ لا يوصلك ما دمت قائلاً بالجسم ، فقال : والله ما قلت به إلا لأني ظننت أنه وفاق لقول إمامي ، فأما إذا أنكره عليّ فإنني تائب إلى الله منه ، فأوصله الإمام (ع) ودعا له بخير . (1)