عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية خادم نصر الله
خادم نصر الله
عضو برونزي
رقم العضوية : 7227
الإنتساب : Jul 2007
المشاركات : 329
بمعدل : 0.05 يوميا

خادم نصر الله غير متصل

 عرض البوم صور خادم نصر الله

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : خادم نصر الله المنتدى : المنتدى العقائدي
افتراضي
قديم بتاريخ : 10-01-2008 الساعة : 12:20 PM


ثم قال : الحمدُ للّهِ الذي خلَقَ الدُّنيا فَجَعلها دارَ فناءٍ وزوالٍ ، مُتَصرِّفةً بأهلِها
حالاً بَعدَ حالِّ ، فالمغْرور مَنْ غَرَّتَهُ ، والشّقيِّ من فَتَنْته ،فلا تَغُرنَّكم هذه الدُّنيا فإنّها تَقْطعُ رجاءَ مَنْ رَكَن إليها ، وتُخَيبُ طَمعَ من طَمعَ فيها ، وأراكُم قدْ اجتَمْعتم على أمرٍ ، قَدْ أسْخطتُمُ اللّه فيهِ عَليكم ، وأعرَض بِوجْهِهِ الكَريم عنْكم ، وأحلَّ بِكم نِقمَته ، وَجَنّبكُم رَحْمته ، فنِعمَ الرَّبُ ربُّنا ، وبئس العَبيد أنتمُ ، أقررتُم بالطاعَهِ ، وآمنتُم بالرَّسولِ مُحَمّدٌ (ص) وزَحفتُم إلى ذُريّتِه وعِتْرتِه ، تُريدون قَتْلَهم... لَقد إستَحَوذَ عَليكم الشيَّطان ، فأنْساكُم ذِكْرَ اللّهِ العَظيم ، فَتَباً لَكُم ولِما تُريدون .
إنّا للّه وإنّا اليه راجعون .. هؤلاءِ قومُ كَفَروا بعَدَ إيمانِهم ، فَبُعداً للقومِ الظالمين
أيُّها الناس ... أنسِبوني من أنا ؟ ثُمًّ إرجعوا إلى أنفُسكم وعاتُبوها ،
وأُنظروا هَلْ يَحلُّ لَكمُ قَتْلي ؟ وإنتِهاك حُرمَتي ؟
ألَستُ ابنَ بِنتِ نبيّكم ؟ وابنُ وصيِّه ؟ وابنُ عمّه ؟ وأولُ المؤمنين باللّه؟ والمُصَدِّق لِرسولهِ بما جاءَ مِنْ عِندِ رَبِّه ؟
أوَلَم يَبلُغكُم قولَ رسول اللّه (ص) لي ولأخي : هذان سيِّدا شبابِ أهل الجنَّة ؟
فإنّْ صدَّقَتُموني بِما أقولُ وهو الحقّ ، واللّهِ ما تَعَمَّدتُ الكَذِبَ منُذْ عَلِمتُ أنَّ اللّهَ يَمقُتُ عليه أهلهُ ، ويضرّ به من إختَلَقه ، وإنْ كذَّبتُموني .
فإنَّ فيكُم مَن إنْ سألتُموهُ عن ذلك أخبرَكُم ، سَلوا جابرَ بن عبداللّه الأنصاري ، وأبا سعيد الخدري ، وسَهل بن سعد الساعدي ، وزيد بن أرقم ،وأنس بن مالك ، يُخبروكم أنّهمُ سَمِعوا هذه المقالة من رسول‏اللّه (ص) لي ولأخي ،
أما في هذا حاجزٌ لكم عن سَفكِ دمي ؟
فقالَ الشمرُ : هو يعبد اللّه على حرف إنْ كانَ يدري ما يقول ...
فقال له حبيب بن مظاهر ، واللّه إنّي أراكَ تَعبدُ اللّه على سبعين حرفاً ،
وأنا أشهد انَّكَ صادقٌ ما تدري ما يقول ، قد طبَع اللّهُ على قلبكَ.
ثم قال الحسينُ (ع) : فإن كُنتم في شكٍ من هذا القول ،
أفتَشُكونَ أنّي ابن بنتِ نبيكم ، فواللّه ما بين المشرقِ والمغربِ ،
ابنُ بنتِ نبيِّ غِيري فيكم ، ويحكم أتطلُبوني بقتيلٍ منكم قَتَلتهُ ؟
أو مالٍ لِكُم استهلكتُه ؟ أو بقصاص جُراحةً ؟ فأخذوا لا يُكلّمونه
فنادى(ع) : يا شبثُ بن ربعي ، ويا حَجّارُ بن أبجُر ، ويا قيسُ بن الأشعث ،
ويا زيدُ بن الحارث ، ألم تكتُبوا إليَّ : أن أقدم قد أينعتِ الثمار ، وأخضرَّ الجناب ، وإنّما تَقْدم على جُندٍ لك مجَندة ؟
فقالوا : لم نفعل ... قال سبحان اللّه ، بلى واللّه لقد فعلتم .
ثم قال : أيّها النّاس إذا كرِهتموني فدعوني أنصرفُ عنكم الى مأمن من الأرض
فقال له قيسُ بن الأشعث : أو لا تنزِل على حُكمِ بني عمّكَ ؟
فإنّهم لن يُروك إلّا ما تُحب ! ولن يصلَ إليكَ منهم مكروه
فقال الحسينُ(ع) : أنتَ أخو أخيك ؟
أتُريد أنْ يطلُبك بنو هاشم أكثر من دمِ مُسلم بن عقيل ؟
لا واللّه لا أعطيهم بيدي إعطاءَ الذليل ، ولا أفرُّ فِرار العبيد .
عِبادَ اللّه إنّي عُذْتُ بربي وَربِكُم أن تُرجمون ، أعوذ بربي ورَبِكُم من كلِّ مُتَكبِّرٍ لا يؤمنُ بيومِ الحِسّاب . ثمُّ أناخَ راحلته وأمرَ عُقبةَ بن سمعان فعقلَها .



أنشأ يقول :


لَمْ أَنْسَهُ إذْ قامَ فيهِم خاطِباً فإذا هُـمُ لا يَملِكـونَ خِطابـا
يَدْعو ألستُ أنا ابن بِنت نبيكُمْ وملاذَكُم إنْ صَرْفُ دهرٍ نابا
هَلْ جئْتُ في دينِ النّبيِّ ببِدْعَةٍ أمْ كُنْتُ في أحكامِهِ مُرْتابـا
أمْ لَمْ يُوصىِّ بنا النّبيُّ وأودَعَ الثّقْلَينْ فيكُمْ عِتْـرةً وكِتابـا
إنْ لَم‏ تدِينوا بالمَعادِ فراجِعوا أحسابِكُم إنْ كُنْتُـمُ أعْرابـا
فغَدوا حَيارى لا يَرونَ لِوعْظِهِ إلّا الأسِنّةَ والسِّهامْ جَوابـا



فأبى القوم إلاّ أن يزحفونَ نحوهُ ، وكانَ فيهم ابن حوزةَ التميمي ،
فصاحَ أفيكُم حُسَينْ ؟ وفي الثالثةِ قالَ أصحابُ الحُسين ..
هذا الحسينُ فما تريد ؟ قال : يا حُسينُ أبشر بالنار !!
قال الحسينُ(ع) : كَذِبتَ ... بَل‏ أقدِمُ على ربٍ غَفورٍ كريمٍ مُطاعٍ شفيع ،
فمنْ أنت ؟قال : ابن حوزة .. فرفعَ الحُسينُ (ع) يديهِ ، حتى بانَ بياضُ أبُطَيه وقال : اللّهم حُزه الى النّار ... فَغَضِبَ ابنُ حوزة ، وأقحم الفرس إليه ... وكان بينهما نهرُ ، فسقطَ عنها ، وعَلُقتْ قَدمُهُ بالرِّكاب ، وجالتْ بهِ الفرس ،
فسقط عنها وانقطعتْ قدمُه وساقُه وفخِذه ، وبقي جانبُه الآخر مُعلّقاً بالرِّكاب ، وأخذتِ الفرس تَضربُ به كلَّ حجرٍ وشجرٌ حتى وقع في النار المستعرة في الخندق فاحترق وهَلك ...
قالَ مسروق بن وائل الحضرمي :
كُنتُ في‏أوَّلِ الخيل التي تقدّمتْ لِحربِ الحسينِ (ع) لعلّي أنْ اُصيبَ رأس الحسين فأحظى به عند ابن زياد ، فلّما رأيت ما صنُع بابنِ حوزة ، عَرفتُ إنَّ لأهلِ هذا البيت حرمة ومنزلة عندَ اللّه ، وتركت الناس وقلتُ : لا أُقاتلهم فأكون في النار .
وخرج إليهم زهيرُ بن القين على فرس ذنوب ، وهو شاكٍ في السلاح ‘
فقال : يا أهل الكوفة نذارِ لَكُمْ من عذابِ اللّه ، إنَّ حقاً على المسلم
نصيحةَ أخيهِ المسلم ... ونحنُ حتى الآن إخوةٌ على دينٍ واحد ، ما لم يقع بيننا وبينكُم السيف ، وأنتم للنصيحة منّا أهل، فإذا وقعَ السيفُ...
انقطعتِ العصمة ، وكنّا أُمّة وأنتم أُمّة
إنّ اللّه ابتلانا وإيّاكم بذرية نبيّه محمّد(ص) لينظرَ ما نحنُ وأنتم عاملون ،
إنّا ندعوكم إلى نصرِهم وخذلان الطاغية عُبيد اللّه بن زياد ، ويزيد ،
فإنّكم لا تدركون منهُما إلّا سوء عُمرِ سُلطا نهما ، يسملان أعينِكُم ،
ويقطعان أيديَكُم وأرجُلكُم ، ويُمثّلان بِكُم ، ويرفعانِكم على جذوع النخلِ ، ويقتلان أماثلكم وقراءكم ، أمثال حِجر بن عَدي وأصحابه ، وهاني بن عروة وأشباهه فسبّوه وأثنوا على ابن زياد ، ودعوا له وقالوا : لا نَبرحُ حتى
نَقُتلَ صاحِبُكَ ومن معه ، أو نبعث به وبأصحابه إلى عُبيدَ اللّه بن زياد سلماً !
فقال زهير : عِبادَ اللّه ، إنّ ولدَ فاطمةَ أحقُّ بالوُدِ والنصر من ابن سُمية ،
فإن لم تنصروهم فأُعيذُكم باللّهِ أنْ تقتلوهم ، فخلّوا بين هذا الرّجل وبينَ يزيد ، فلَعمري إنَّه لَيرضى من طاعتِكم بدون قتلِ الحسين (ع)
فرماهُ الشمرُ بسهمٍ وقال : اسكتْ ؛ أسكتَ اللّه نامتك ، أبَرمْتَنا بِكُثرةِ كلامِكِ . قال زهير : يابنَ البَوّال على عَقِبيه ، ما إياكَ أُخاطب ،
إنّما أنتَ بَهيمة .. واللّه ماأظنُّكَ تُحكِمُ من كتابِ اللّه آيتين ، فأبشر بالخزي يوم القيامة والعذاب الأليم ...
فقالَ الشمرُ : إنَّ اللّه قاتلكَ وصاحِبُكَ عن ساعة .
فقال زهير : أفبا لموت تخوفني ؟ فو اللّه للمَوت معهُ أحَبُّ إليَّ من الخلد معكم ، ثم أقبل على القوم رافعاً صوته وقال : عبادَ اللّه لا يغُرنّكم عن ديِنكم هذا الجِلفُ الجافي وأشباهَه ... فو اللّه لا تُنال شفاعةَ مُحمّدٍ قوماً أهرقوا دماءَ ذريته وأهل بيته ، وقَتلوا من نصرهُم وذبَّ عن حريمهِم .
واستأذنَ الحسينَ بريرُ بن خُضير في أنْ يُكلِّمَ القوم ، فأذنَ له ،
وكانً شيخاً تابعيّاً ، ناسِكاً ، قارئاً للقرآن ، ومن شيوخ القُرّاء في جامِعِ الكوفة ... ولهُ في الهَمَدانيين شرفٌ وقدرٌ ومنزلةٌ ، فوقفَ قريباً منهُم ونادى: يا معشرَ الناس إنَّ اللّهَ بعثَ مُحمّداً بشيراً ونذيراً ، وداعياً الى اللّه وسراجاً منيراً ، وهذا ماء الفرات تقَعُ فيه خنازيرُ السوادِ وكِلابه ، وقدْ حِيلَ بينه وبينَ ابن بنت رسول اللّه ، أفجزاءُ محمد هذا ؟
فقالوا : يا بُرير قدْ أكثرتَ الكلام فاكفف عنّا ، فواللّه ليعطش الحسين ، كما عطش من كان قبله !! قال : ياقوم إن ثِقلَ محمدٍ قد أصبحَ بين أظهركم ، وهولاء ذريته وعترته وبناتُه وحُرَمه ، فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أن تصنعوه بهم ؟
فقالوا : نُريد أن نُمكّنَ منهم الأمير عُبيدِاللّه بن زياد ، فيرى فيهم رأيه .
قال : أفلا تقبلون منهم أن يرجعوا الى المكان الذي جاءوا منه ؟
ويلكم يا أهل الكوفة ، أنسيتم كتبكم ؟
ويلكم أدعوتم أهل بيت نبيكم وزعمتم أنكم تقتلون أنفسكم دونهم ،
حتى اذا أتَوكُم أسلمتموهم إلى ابن زياد ، وحلأتموهم عن ماء الفرات ،
بئس ما خلَّفتُم نبيكم في ذُريته مالكمُ ؟ لا أسقاكُم اللّه يومَ القيامة
فبئس القوم أنتم ...
فقال له نفر منهم : يا هذا ماندري ما تقول ؟
قال : الحمد للّه الذي زادني فيكم بصيرة ، أللّهم إنّي أبرأ إليكَ من فِعال القوم فناداهُ رَجلٌ من أصحابِه : أقبل يا برير إن أبا عبد اللّه يقول لكَ :
لا تُخاطب القوم ، فلعمري لَئنْ كان مؤمن آل فرعون نَصح قومَه ،
وأبلغ في الدُّعاء فلقد نصحتَ هؤلاء ، وأبلغَت لو نَفعَ النُّصح والإبلاغ .
فقال: اللّهم القِ بأسَهُم بينهم ، حتى يلقَوكَ وأنتَ عليهم غضبان ،
فَجَعلَ القوم يرمونه بالسهام ، فتقهقر إلى ورائه .
ثمّ أنَّ الحسينَ(ع) ركب فرسه ، وأخذ مصحفاً ونشرهُ على رأسه ، ووقف بإزاءِ القوم ، وقال : ياقوم إنَّ بيني وبينَكُم كتاب اللّه وسنّة جدّي رسول اللّه(ص)


ثم استشهدهم عن نفسه المقدّسة ، وما عليه من سيف النبي ودرعه وعمامته فأجابوه بالتصديق فسألهم عمّا أقدمهم على قتله ؟
قالوا: طاعةً للأمير عُبيدِ اللّه بن زياد !
فقال(ع) : تبّاً لكم أيتّها الجماعَةُ وترحاً ، أحين استصرختُمونا والهين ، فأصرخناكم موجفين و سللتم علينا سيفاً لنا في أيمانِكم ، وحششتُم علينا ناراً اقتد حناها على عدوّنا وعدوّكم ، فأصبحتُم ألْباً لأعدائِكم على أوليائِكم، بغير عدلٍ أفشوهُ فيكم ، ولا أملَ أصبح لَكُم فيهم ...
فهلاّ لكمُ الويلات تركتمونا والسيفُ مشيم ، والجأش طامن ،
والرأي لمّا يُستصحَف ،
ولكن أسرعتم إليها كطَيرة الدُّبا ، وتداعيتم عليها كتهافُت الفراش ، ثمّ نقضتموها فسُحقاً لكم يا عَبيد الاُمّة ، وشُذاذ الأحزاب ، ونَبَذةَ الكتاب ومحرّفي الكَلِم ، وعصبة الإثم ، ونفَثةَ الشيطان ، ومطفئي السُننْ .
ويحكم أهؤلاء تعضدون ، وعنّا تتخاذلون ! أجلْ واللّه غدرُ فيكم قديم وشجتْ عليه أصولكم وتأزّرت فروعكم ، فكنتم أخبث ثمر شجيٍ للناظر ، وأكلةٍ للغاصب ... ألا وإنّ الدّعيَّ ابن الدّعي - أعني ابن زياد - قدْ ركز بين اثنتين ، بين السّلة والذّلة ، وهيهات منّا الذّلة ، يأبى اللّه لنا ذلك ورسوله والمؤمنون وحجُور طابت ، وحُجور طهُرتَ ، وأنوف حمية ، ونفوس أبيّة ، مِن أن نؤثرَ طاعة اللئام على مصارعِ الكِرام ... ألا وإنّي زاحف بهذه الاُسرة ، على قلّة العدد وخُذلان الناصر .
ثم أنشدَ أبيات فروة بنِ مُسيك المرادي:



فإن نَهزِ م فهزّامون قُدُماً وإن نُهْزَم فغير مُهزَّمينا
وما إنْ طَبَّنا جُبْنُ ولكن منايانا ودولـة آخرينـا
إذا ما الموت رفَّعَ عن أناسٍ بكلكلةٍ أناخ َ بآخرينا
فقُل للشاميتين بنا أفيقوا سيلقى الشامتون كما لقينا




أما واللّه لا تلبثون بعدها إلّا كريثما يركب الفرس ، حتى تدور بكم دور الرحى وتقلِقَ بكم قلق المحور ، عهدٌ عَهِدهُ إليَّ أبي ، عن جدِّي رسولِ اللّه(ص)
{ فَأجمِعُوا أمْرَكُم وَشُرَكَاءَكُم ثُمّ لَايَكُنْ أمرُكُم عَليْكُم غُمَّةً ثُمّ أقْضُوا إليَّ وَلَا تُنظِروُنِ}
{ إنّي تَوَكَّلتُ عَلى اللّهِ رَبّي وَرَبِّكُم مَّا مِن دَابَّةٍ. إلّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِها إنَّ رَبّي عَلَى صِراطٍ مُّستَقِيمٍ }
ثم رفع يديه وقال : اللّهم أحبس عنهم قطر السماء ، وأبعث عليهم سنين كسنيّ يوسُف ، وسلّط عليهم غُلام ثقيف ، يسقيهم كأساً مصبّرة ، فإنّهم كذّبونا وخذلونا ، (ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير).
واستدعى عمر بن سعد فدُعي له ، وكان كارهاً لا يُحِبُّ أن يأتيه ...
فقال أي عُمر : أتَزعم أنّكَ تقتلني ويوليكَ بلادَ الري وجرجان ؟
واللّه لا تهني‏ء بذلكَ أبداً ... عهدُ معهود ، فأصنع ما أنتَ صانع ، فإنكَ لا تغرم بعدي بدنيا ولا آخرة ، وكأني برأسكَ على قصَبةٍ يتراماه الصبيان بالكوفة ، ويتخذونه غرضاً بينهم ، فصرف بوجهه عنه مغضباً .
وأنشأ يقول :

دعاني عُبَيدُ اللهِ مِن دونِ قومهِ إلى خُطَّة ٍفيها خرجـتُ لحينـي
فو اللّه ما أدري وإني حائرٌ أُفكِّر فـي أمـري علـى خطريـنِ
أأتركُ ملكَ الرَّيِّ والرَّيُّ مُنيتي أمْ أرجعُ مأثومـاً بقتـلِ حُسيـنِ
حُسينُ ابنُ عمي والحوادثُ جمّةٌ لَعمري ولي في الريِّ قُرّةُ عيني
فان كنتُ اقتلهٌ فقد فاز موعدي يقينـاً و أعلـو عالـمَ الجيشيـن
وإنّ إلهَ العرشِ يغفرُ زلّتـي ولـو كنـتُ فيهـا أظلـمَ الثقليـن
ألا إنّما الدُّنيا بخيرِ معجّـلٍ ومـا عاقـلٌ بـاعَ الوجـودَ بدَيـن
يقولونَ إنّ اللّـه خالـقُ جنَّـة ونـارٍ وتعذيـب ٍوغـلِّ يديـن
فان صدقوا فيما يقولون إنني أتوب إلى الرحمـنِ مـن سنتيـن
وان كذَبوا فٌزنا بدنيـا عظيمـةٍ ومُلـك ٍعظيـمٍ دائـمِ الحَجَليـن


ولمّا سَمِعَ الحُرُّ بن يزيد الرياحي كلام أبي عبد اللّه الحسين(ع)
أقبل على عمر بن سعد ، وقال له : أمُقاتلُ أنت هذا الرجل ؟
قال : أي واللّه قتالاً أيسره أن تسقط فيه الرؤوس ، وتطيح الأيدي! قال : مالكُم فيما عرضه عليكم من الخصال ؟
فقال : لو كان الأمرُ إليَّ لقبلت ، ولكن أميركَ ابن زياد يأبى ذلكَ، فتركه ووقف مع الناس، وكان إلى جنبه قرّة بن قيس، فقال لقرة : هل سقيت فرسكَ ؟ فقال : لا
فقال : فهل تريد أن تسقيه ؟ فظن قرّة من ذلك ، أنّه يريد الاعتزال ويكره أن يشاهده أحد ، فتركه فأخذ الحُرُّ يدنو من الحسين بن علي(ع)
قليلاً قليلاً ، فقال له المهاجر بن أوس : أتريد أن تحمل ؟ فسكت . وأخذته الرِّعدة ، فارتاب المهاجر من هذا الحال ، وقال له : لو قيل لي من أشجع أهل الكوفة لما عدوتكَ فما هذا الذي أراه منكَ !
فقال الحُرُّ : إني أُخيرّ نفسي بين الجنة والنار ، واللّه لا أختار على الجنة شيئاً ، ولو أُحرقت . ثم ضرب جواده نحو الحسين بن علي (ع) مُنَكِّساً برأسه حياءً من آلِ الرسول بما أتى إليهم ، وجعجَعَ بهم في هذا المكان ، على غير ماءٍ ولا كلاءٍ رافعاً صوته : اللّهم إليك أُنيب ، فَتُبْ عليَّ ، فقد أرعبتُ قلوبَ أوليائك وأولاد نبيك . يا أبا عبد اللّه ، إنّي تائب ، فهل ترى لي من توبة ؟
فقال الحسين(ع) : نعم يتوبُ اللّه عليكَ ، ويغفر لكَ ، فانزل .
قال : أنا لكَ فارساً خير مني راجلاً ، أُقاتلهم على فرسي ساعة وإلى النزول
يصير آخر أمري . قال الحسين(ع) فاصنع ما بدا لك . فسرّه قول أبي عبد اللّه ، وتيقّن الحياة الأبديّة ، والنعيم الدائم ،
ووضح له قولُ الهاتف لمّا خرج من الكوفة فحدّث الحسين(ع) بحديث،
قال فيه : سيدي أباعبد اللّه ، لمّا خرجتُ من الكوفة ، نوديتُ : أبشر يا حرُّ ! فقلتُ : ويل للحرِ يُبشرّ بالجنة ، وهو يسير إلى حرب ابن بنت رسول اللّه(ص)
فقال له الحسين(ع) : لقد أصبتَ خيراً وأجراً .
ثمّ استأذن الحسين(ع) في أن يُكلّمَ القوم ، فأذِن له فنادى بأعلى صوته :
يا أهل الكوفةَ لاُمِّكِمْ الهَبَل والعُبْر ، إذ دَعوتُم هذا العبد الصالح ،
وزعمتُم أنَّكم قاتلوا أنفسكم دونه ، حتى إذا جائكم أخذتم بكَظمه ، وأحطتم به من كل جانب ، فمنعتموه التوجه إلى بلاد اللّه العريضة ، حتى يأمن وأهل بيته ، وأصبح كالأسير في أيديكم ، لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ، وحلأتموه وصبيته ونساءه وصحبه عن ماء الفرات الجاري ،
الذي يشربه اليهود والنصارى والمجوس ، وتتمَرغُ فيه السواد وكلابه ، وهاهم قد صرعهم العطش بئسما خلّفتم محمداً في ذريته ، لا سقاكم اللّه يومَ الظمأ
فحملت عليه الرّجالة ترميه بالنبل ، فأقبل حتى وقف أمام الحسين(ع).
ولم يشأ ريحانة رسول اللّه ... من أن يبدأ القوم بقتال قط ، فأخذ أصحابه
وأهل بيته : بالنصح والإرشاد ... امتثالاً لأمره صلوات اللّه عليه
وصاح الشمر بأعلى صوته : أين بنو أُختنا ؟ أين العباس وإخوته،
فأعرضوا عنه . فقال الحسين (ع) : أجيبوه ولو كان فاسقاً .
قالوا : ما شأنك وما تريد ؟ فقال : يابنَي أُختي أنتم آمنون ، فلا تقتلوا أنفسكم مع الحسين ... والزموا طاعة الأمير يزيد
فقال له العباس (ع) : لعنكَ اللّه ولعن أمانكَ .
أتؤمننا وابن رسول‏اللّه لا أمان له .. وتأمرنا أن ندخل في طاعة أللعناء وأولاد أللعناء .
فرجع أبو الفضل العباس(ع) يتهدرس كالأسد الغضبان ، فاستقبلته الحوراء زينب (ع) حفيدة رسول اللّه(ع) وقد سمعت كلام أخيها مع الشمر ، قالت له : أخي أودُّ أن أُحدثك بحديث ؟
قال قمر بني هاشم : حدّثي يا أُختاه ، لقد حلى وقت الحديث
قالت : اعلم يابن والدي لمّا ماتت أُمّنا فاطمة الزهراء(ع) قال أبي: لأخيه عقيل أُريد منكَ أن تختار لي امرأة من ذوي البيوت والشجاعة حتى أُصيب منها ولداً ينصر ولدي الحسين بطف كر بلا ، وقد ادخرك لمثل هذا اليوم فلا تقصُر يا أبا الفضل في نصرة أخيك ! فلمّا سمع أبو الفضل العباس(ع) كلامها تمطّى في ركاب سَرجه حتى قطعه ، وقال لها : يا أختاه أفي مثل هذا اليوم تشجعيني ؟ وأنا ابن من تعلمين ، ابن أمير المؤمنين ، أسد اللّه وأسد رسوله ؟
فلمّا سمعت كلامه سكن قلبُها ، وأطمأنت نفسها ، سلام اللّه عليها .


وتقدّم عمر بن سعد نحو عسكر الحسين(ع) ورمى بسهم وقال :اشهدوا لي عند الأمير ابن زياد أنّي أول من رمى ، ثم رمى الناس ، فلم يبق من أصحاب الحسين أحد إلّا أصابه من سِهامِهم .
فقال الحسين(ع) لأصحابه : قوموا رحمكم اللّه إلى الموت الذي لابُدّ منه ، فإنّ هذه السهام رُسلُ القوم اليكم ،
فحمل أصحاب الحسين(ع) حملة واحدة .
وقاتلوهم أشد قتال عرفته الحروب . وبذلك دللوا على صدق نياتهم ، وشدة ثباتهم
فَقَتلوا جمعاً كثيراً من أعداء اللّه وأعداءِ رسوله وأهل بيته ...
حتى انتصف النهار .. فما أنجلت الغبرة إلّا عن خمسين صريعاً من أصحاب
أبي عبد اللّه الحسين سلام اللّه عليهم .
وخرج يسار مولى زياد ، وسالم مولى عبيد اللّه بن زياد ، فطلبا البراز ؟
فوثب حبيب وبرير ، فلم يأذن لهما الحسين(ع) فقام وهب بن عُمير الكلبي من بني عُليم وكنيته أبو وهب ، وكان طويلاً شديد الساعدين ، بعيد ما بين المنكبين ، شريفاً في قومه ، شجاعاً مجرباً ، فأذن له وقال(ع) : أحسبه للأقران قتّالا .. فقالا له : من أنت؟ فانتسب لهما ، فقالا : لا نعرفُك ، ليخرج إلينا زهير أو برير ... وكان يسار قريباً منه ! فقال له : يا ابن الفاعلة وبك رغبة عن مبارزتي ، ثم شدّ عليه بسيفه يضربه ، وبينا هو لمشتغل به ، إذ شدّ عليه سالم مولى ابن زياد ، فصاح أصحابه : قد رهقك العبد ، فلم يعبأ به ، فضربه سالم بالسيف ، فاتقاها بيده اليسرى ، فأطار أصابعها ، ومال عليه فقتله ،
وأقبل إلى الحسين وقد قتلهما معاً وهو يرتجز ويقول :


إن تنكروني فأنا ابن كلب حسْبي ببيتي في عُلَيْمٍ حسْبي
إنّي أمرؤ ذو مِرّةٍ وعَصْبِ ولستُ بالخَوّارِ عند النَّكْبـ



ولمّا نظر من بقي من أصحاب أبو عبد اللّه الحسين (ع) إلى كثرة من قتل منهم أخذ الرجلان والثلاثة والأربعة يستأذنون الحسين(ع) في الذب عنه والدّفع عن حُرمه ، وكلّ يحمي الآخر من كيد عدوه ...
فخرج الجاريان وهما سيف بن الحارث بن سريع ، ومالك بن عبداللّه بن سريع فقالا : السلام عليكَ أبا عبد اللّه ، إنّا جئنا لنُقتل بين يديكَ وندفع عنكَ ... فقال(ع) : مرحباً بكما ، واستدناهما منه ، فدنوا وهما يبكيان !
قال(ع) : ما يبكيكما ياابني أخي ؟ فو اللّه إني لأرجو أن تكونا بعد ساعة قريرِ العين . قالا : جَعلنا اللّه فداكَ ما على أنفسنا نبكي ، ولكن نبكي عليكَ نراكَ قد أحيط بكَ ، ولا نقدر أن ننفعكَ .
فجزّاهما الحسين خيراً ، فقاتلا قريباً منه قتالاً شديداً وقَتلوا جماعة من الأعداء ، حتى قُتِلوا رضوان اللّه عليهما . وخرج الغفاريان ، وهما عبد اللّه وعبد الرحمن وقاتلا في مكانٍ واحد قتال الأبطال ، وقَتلوا عدداً من الأعداء حتى قُتِلا ، رضوان اللّه عليهما. وخرج عمرو بن خالد الصيداوي ، وسعد مولاه ، وجابر بن عمرو بن خالد الصيداوي ، فقد كان شريفاً في الكوفة ، مخلص الولاء لأهل البيت (ع)»
ومجمع بن عبد اللّه العائذي ، وشدوا جميعاً على أهل الكوفة .
فلمّا أوغلوا فيهم ، عطف عليهم الناس ، وقطعوهم عن أصحابهم
فندب إليهم (ع) أخاه العباس(سلام الله عليه) فاستنقذهم بسيفه وقد جُرِحوا بأجمعهم ، وفي أثناء الطريق اقترب منهم العدو ، فشدّوا بأسيافهم مع ما
بهم من الجِراح ، وقاتلوا قتالاً شديداً فصَرعوا منهم عدداً حتى قُتلوا في مكان واحد رضوان اللّه عليهم ...
ولمّا نظر الحسين(ع) إلى كثرة من قُتِل من أصحابه ، قبض على شيبته المقدَّسة وقال : اشتدّ غضبُ اللّه على اليهود إذ جعلوا له ولداً ، واشتدّ غضبه على النصارى إذ جعلوه ثالث ثلاثة ، واشتدّ غضبه على المجوس إذ عبدوا الشمس والقمر دونه ، واشتدّ غضبه على قوم اتفقت كلمتُهم على قتل ابن بنت نبيّهم ، أما واللّه لا أُجيبهم إلى شي‏ء ممّا يريدون حتى ألقى اللّه وأنا مخضّب بدمي .

ثم صاح (ع) : أما من مغيث يغيثنا ؟ أما من ذاب يذب عن حرم رسول اللّه ؟
فارتفعت أصوات النساء بالبكاء ، وسمع الأنصاريان سعد بن الحارث وأخوهُ أبو الحتوف إستنصار الحسين واستغاثته وكانا مع ابن سعد .
فمالا بسيفيهما على أعداء الحسين (ع) وقاتلا قتالا شديدا حتى قَتلا جمعاً
من الأعداء ، حتى صُرعا رضوان الله عليهم ،
وأخذ أصحاب الحسين(ع) ، بعد أن قلَّ عددهم وبان النقص فيهم ، يبرز الرجل بعد الرجل فأكثروا القتل في أعداء الله ،
فصاح عمرو بن الحجاج : أتدرون من تقاتلون ؟ تقاتلون فرسان المصر ، وأهل البصائر وقوم مستميتين ، لا يبرز إليهم أحد منكم إلّا قتلوه على قلّتهم واللّه لو لم ترموهم بالحجارة لما تمكنتم من قتلهم.
فقال: عمر بن سعد : صدقت الرأي ، أرسل في الناس من يعزم عليهم
أن لا يبارزهم أحد منكم ، ولو خرجتم إليهم وحدانا لأتوا عليكم..
ثمّ حمل عمرو بن الحجاج على ميمنة الحسين(ع) فثبتوا له، وجثوا على الرُكب ، واشرعوا الرماح ، فلمّا ذهبت الخيل لترجع رشقهم أصحاب الحسين(ع) بالنبل ، فصرعوا رجالاً وجرحوا آخرين..
فحمل عمرو بن الحجاج من نحو الفرات ، فاقتتلوا ساعة ، وفيها قاتل مسلم بن عوسجة قتالاً شديداً ، فقتل عدداً من الأعداء ، فلمّا رأوا كثرة من قُتِل منهم شدّ عليه مسلم بن عبد اللّه الضبابي وعبد اللّه البجلي ، فشدّ عليهم ابن عوسجة وثارت لشدّة الجلاد غبرة شديدة وما انجلت الغُبرة إلّا ومسلم بن عوسجة صريعاً وبه رمق ، فمشى إليه الحسين(ع) ومعه حبيب بن مظاهر ،
فقال له الحسين(ع) رحمكَ اللّه يا مسلم ، ثم تلا
(فَمِنهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلوا تَبْدِيلاً) .
ودنا منه حبيب ، وقال : عزَّ عليَّ مصرعُكَ يا مسلم ، أبشر بالجنة.
فقال : مسلم بن عوسجة بصوت ضعيف : بشرَّكَ اللّه بخير ، ثم قال له حبيب : لو لم أعلم أني في الأثر لأحببتُ أن توصي لي بجميع ما يهمكَ. فقال له مسلم : أوصيكَ بهذا ، وأشار إلى الحسين بن علي ، أن تموت دونه .
فقال : أفعل وربّ الكعبة ، وفاضت روحُه بينهما رضوان اللّه عليه .
وصاحت جارية له : وا مسلماه ! يا سيداه ! يا بن عوسجتاه ،
فتنادى أصحاب ابن الحجاج ، قتلنا مسلماً !
فقال شبث بن ربعي لمن حوله : ثكلتكم أُمهاتكم ، أيُقتل مثلُ مسلم وتفرحون ، لَرُبّ موقف له في المسلمين كريم ، رأيته يوم أذربيجان ، وقد قتَل ستة من المشركين قبل التئام خيول المسلمين .
وحمل الشمر في جماعة من أصحابه على ميسرة الحسين(ع) فثبتوا لهم ، حتّى كشفوهم ، وفيما قاتل عبد اللّه بن عُمير الكلبي ، قتال الأبطال ،فقتل رجالاً ، وجرح آخرين ، فشدّ عليه هاني بن ثبيت الحضرمي فقطع يده اليمنى ، وقطع
بكر بن حي ساقه ، فأُخِذ أسيراً وقُتِل صبراً رضوان اللّه عليه ، فمشت إليه
زوجته أُم وهب وجلست عند رأسه تمسح الدم عنه ، وتقول : هنيئاً لكَ الجنّة ،
أسأل اللّه الذي رزقك الجنة أن يصحبني معك .
فقال الشمر لغلامه : اضرب رأسها بالعمود ، فشدخه وماتت مكانها ،
وهي أول امرأة قُتِلت يوم عاشوراء من أصحاب الحسين بن علي عليه السلام ،
ثم قُطِع رأسه ورمي به إلى جهة الحسين(ع) فأخذته أُمه ومسحت الدم عنه ،
ثم أخذت عمود خيمة ، وبرزت إلى الأعداء ، فردها الحسين(ع)
وقال : ارجعي رحمكِ اللّه ، فقد وُضِع عنكِ الجهاد ، فرجعت ...
وهي تقول : اللّهم لا تقطع رجائي . فقال الحسين(ع) : لا يقطع اللّه رجاك .
ثم برز وهب بن عبد اللّه بن حُباب الكلبىّ‏ وكان نصرانياً ، فاسلم على يدي الحسين(ع) وكانت معه اُمه وزوجته ، فقالت أُمه قم يا بني وانصر ابن بنت رسول اللّه(ص) . فقال : أفعل يا أُماه ولا أُقصّر ، فبرز وهو يقول :


إن تنكروني فأنا ابن كلبي سوف تروني وترون ضربـي
وحملتي وصولتي في الحربِ أدرك ثأري بعد ثأر صحبي
وأدفع الكرب أمام الكربِ ـليس جهادي في الوغى باللعـبِ


ثم شدّ على الأعداء ولم يزل يقاتلهم ، حتى قَتل جماعة ، ثمّ رجع الى أُمه ،
وهو يقول : أرضيت يا أماه ؟
فقالت : ما رضيت حتى تُقتَل بين يدي أبي عبد اللّه الحسين(ع)
فقالت زوجته : باللّه عليك لا تفجعني بنفسك .
فقالت اُمه : يا بني أُعزب عن قولها وارجع وانصر ابن بنت نبيك ..
لتنل شفاعة جده يوم القيامة ! فرجع وهو يقول :

إنّي زعيمٌ لكِ أُمَّ وهب ِ بالطعنِ فيهم تارةً والضـربِ
ضربَ غلامٍ مؤمنٍ بالرَّبِّ حتى يٌذيقَ القومَ مُرَّ الحربِ
حسـبـي بــه مـــولاي فـهــو حـسـبـي



فلم يزل يقاتل الأعداء قتال الأبطال ، حتى قُطِعت يداه ، فأخذت زوجته
عموداً وأقبلت نحوه تقول : فداكَ أبي وأُمي قاتل دون الطيبين ،
ذرية محمد(ص) فأراد أن يردّها الى الخيمة ، فلم تُطاوعه ، وأخذت تجاذبه ثوبه وتقول : لن أدعكَ دون أن أموت معكَ !!
فقال لها : الآن كنت تنهينني عن القتال ، وقد أتيت تقاتلين معي ؟
قالت : لا تلمني إنّ واعية الحسين كسرت قلبي . فقال : ما الذي سمعتي منه ؟
قالت : ياوهب سمعته وهو بباب الخيمة ينادي ، واقلة ناصراه ،
فبكى وهب بكاءً كثيراً ، وقال لها : ارجعي الى النساء رحمك اللّه ، فأبت ،
فنادى وهب : سيدي أبا عبد اللّه ردها إلى الخيمة ... فردها الإمام الحسين(ع) واجتمع عليه القوم وأردوه قتيلاً .. رضوان اللّه عليه
وحمل الشمر مع جماعة ، حتى طعن فسطاط الحسين (ع) بالرمح ،
وقال : عَلَيَّ بالنار لاُحرقه على أهله .. فتصايَحَت النساء وخَرجن من الفسطاط ، فناداه الحسين(ع) : يا بن ذي الجو شن أحرقكَ اللّه بالنار...
فحمل عليهم زهير بن القين في عشرة من أصحابه ، حتى كشفوهم عن البيوت، ولمّا رأى عزرة بن قيس، وهو على الخيل ، الوهنَ والفشل في أصحابه ،كلّما حملوا
بعث إلى عمر بن سعد ، يستمدّه الرجال .. فمدّه بالحُصين بن نُمير في
خمسمائة من الرّماة ، وأشتدّ القتال وأكثرَ أصحاب الحسين(ع) فيهم الجراح ،
حتى عقروا خيولهم ، ولم يقدروا أن يأتوهم إلّا من وجه واحد
وكان أبو الشعثاء الكندي ، وهو يزيد بن زياد رامياً ، فجثا على ركبتيه
وهو يرتجز : ويقول


أنا يزيد وأبي مهاصرْ أشجع من ليث بِغيلٍ ‏خـادرْ
يا ربّ إني للحسين ناصرْ ولابن سعد تاركـوهاجرْ



بين يدي الحسين(ع) ورمى بمائة سهم والحسين) يقول : اللّهم سدّد رميته وأجعل ثوابه الجنة ... ثمّ حمل على القوم فقتل تسعة عشر رجلاً ، ثمّ قُتل
رضوان اللّه عليه .
والتفت أبو ثمامة ألصائدي إلى الشمس قد زالت ،
قال للحسين(ع) نفسي لنفسكَ الفداء ، إنّي أرى هؤلاء قد اقتربوا منكَ لا واللّه
لا تُقتل حتى أُقتل دونك ، وأحب أن ألقى اللّه تعالى وقد صلّيت هذه الصلاة التي
قد دنا وقتها..« وقد كان الموت منه كقاب قوسين أو أدنى ،
وهو لم يغفل عن ذكر ربّه ، ولا عن أداء فرائضه ، وجميع أصحاب الإمام
كانوا على هذا السمت إيمانا باللّه ، وإخلاصاً في أداء فرائضه .
فرفع الإمام رأسه ، فجعل يتأمّل في الوقت ، فرأى أن قد حلّ أداء الفريضة فقال له : ذكرتَ الصلاةَ ، جعلكَ اللّه من المصلّين الذاكرين ،
نعم هذا أول وقتها .
فقال الحسين سلوهم أن يكفّوا عنّا حتى نصلي .
فقال الحصين بن نُمير : لا تقبل منكم !
فقال حبيب بن مظاهر : زعمت أنها لا تقبل الصلاة
من آل رسول‏اللّه
وتقبل منكَ يا حمار ! ! .
وحمل عليه الحصين ، فسارع إليه حبيب
فضرب وجه فرسه بالسيف
فشبت به الفرس فسقط عنها ،
وبادر إليه أصحابه فاستنقذوه

وقاتلهم حبيب بن مظاهر الأسدي قتالاً شديداً ... وهو يرتجز ويقول :

أنا حبيبٌ وأبي مُظَّهَرُ المظاهري فارسُ هيجاءٍ وحربٌ تسعرُ
أنتـم أعـدَّ عـدةً وأكثـرِ ونحـن أعلـى حجـةً واظهـرُ
حــقــاً واتــقـــى مـنــكــمٌ وأعـــــذرُ



فقَتَلَ على كِبَرِ سنِّه اثنين وستين رجلاً ، فبينا هو يصول في الميدان ،
حمل عليه بديل بن صريم فضربه بسيفه ، وطعنه آخر من تميم برمحه ،
فوقع إلى الأرض ، فذهب ليقوم وإذا بالحُصين يضربه بالسيف على رأسه ،
فسقط لوجهه ، ونزل إليه التميمي واحتز رأسه ومضى شهيداً رضوان اللّه عليه ،
فهَدَ مقتله الحسين(ع)
فقال : (ع) عند اللّه أحتسب نفسي وحماة أصحابي ، واسترجع كثيراً .
فوقف الحسين(ع) إلى الصلاة ، فصلى بمن بقي من أصحابه صلاة الخوف في نصف من أصحابه .. وتقدّم سعيد بن عبداللّه الحنفي أمام الحسين(ع)
فاستهدف لهم يرمونه بالنبل يميناً وشمالاً ، وهو قائم بين يدي الحسين
يقيه السهام طوراً بوجهه وبصدره ، وطوراً بيديه وبجنبيه ، فلم يكد يصل
إلى الحسين(ع) شي‏ء من ذلك ، ولمّا اُثخن سعيد بالجراح سقط إلى الأرض وهو يقول : اللّهم العنهم لعن عاد وثمود ، وأبلغ نبيكَ مني السلام ،
وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح ، فإنّي أردت بذلك ثوابك في نصرة ذرية نبيك) !
والتفت إلى الحسين(ع) قائلاً : أوفيت يا ابن رسول‏اللّه؟
قال الحسين(ع) : نعم أنت أمامي في الجنّة« .
ثم فاضت نفسه العظيمة إلى بارئها رضوان اللّه عليه ، فقد وجد أنه اُصيب بثلاثةِ عشر سهماً ، عدا الضرب والطعن
ولمّا فرغ الحسين سلام اللّه عليه من الصلاة ، قال لأصحابه : ياكرام هذه الجنّة قد فُتّحت أبوابها ، واتصلت أنهارها ، وأينعت ثمارها، وهذا رسول اللّه(ص) والشهداء الذين قتلوا في سبيل اللّه يتوقعون قدومكم ، ويتباشرون بكم ، فحاموا عن دين اللّه ودين نبيه ، وذبوا عن حرم الرسول).
فقالوا : نفوسنا لنفسك الوقاء ، ودماؤنا لدمك الفداء ، فو اللّه لا يصل إليك وإلى حرمكم سوء ، وفينا عرق يضرب .
فبعد أن قُتِل أكثر أصحاب الحسين(ع) خرج الحر إلى البراز وخلفه
زهير بن القين يحمي ظهره ، فقاتل هو وزهير قتالاً شديداً ،
فكان إذا شدّ أحدهما وأستلحم شدّ الآخر حتى يخلّصه ، ففعلا ذلك ساعة
والحر يرتجز ويقول :


إني أنا الحر ومأوى الضيفِ أضرب في أعناقكم بالسيـفِ
عن خير من حلّ بأرض الخيفِ أضربكم ولا أرى من حيفِ



فقاتل قتال الأبطال ، فقال الحُصين بن نمير التميمي ليزيد بن سفيان ، هذا الحر الذي كنت تتمنى قتله ! قال : نعم ، وخرج إليه يطلب المبارزة ؟ فبرز له فما لبث أن قتله الحر . وأخذ يكر فيهم وهو يحصد الرؤوس ، ويخمد النفوس ، حتى قتل في حملته الأخيرة ثمانون فارساً من أبطالهم ... فضج العسكر ، وصعب عليهم أمره فنادى ابن سعد بالرماة والنبّالة ، فأحدقوا به من كل جانب ، حتى صار درعه كالقنفذ ، وإنّ فرسه لمضروب على اُذنيه وحاجبيه ، وإنّ دماءه لتسيل ، فنزل
عن فرسه وعقرها لأنّها لم تستطع الاقتحام من كثرة السهام ، ووقف وقفة المستميت ، وأخذ يكر عليهم راجلاً ، فَقَتل منهم نيفاً وأربعين إلى أن سقط
على الأرض وبه رمق ، فكرّ عليه أصحاب الحسين(ع) واحتملوه ووضعوه أمام الفسطاط الذي يقاتلون دونه ، وكان به رمق فقال الحسين(ع) له :
وهو يمسح الدم عنه : أنت الحر كما سمتك أُمُّك حرُّ في الدنيا وسعيد في الآخرة ثم استعبر(ع)


لَنِعمَ الحرُ حرُ بني رياحي صبور عند مشتبك الرماحِ
ونِعْم الحرُ إذ فادى حسيناً وَجادَ بنفسه عند الصبـاحِ



توقيع : خادم نصر الله
الحمد الله ان كان ذنبي محبة اولاد النبي
ما اتوب وانا شيعي رغم انفك يا ناصبي
من مواضيع : خادم نصر الله 0 الوهابيه والمخابرات البريطانيه
0 تطاول الخنازير النواصب علي مقام الامام الحسين ع وتضحياته
0 تفضل : وخذ هديتك من واحة الوثائق
0 مفتي مكة يستمتع بـ 60 أمرأة متعه
0 فهرس كتاب امهات المؤمنين عليهم السلام
رد مع اقتباس