|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 7227
|
الإنتساب : Jul 2007
|
المشاركات : 329
|
بمعدل : 0.05 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
خادم نصر الله
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 10-01-2008 الساعة : 12:31 PM
وكان كل من أراد الخروج ودع الحسين صلوات اللّه عليه بقوله : السلام عليك ياابن رسول اللّه ، فيجيبه ريحانة رسول اللّه : وعليك السلام ونحن خلفك ، ثم يقرأ
(فَمِنهُم مَّن قَضَى نَحبَهُ وَمِنهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) .
وخرج سلمان بن مضارب البجلي ، وكان ابن عم زهير ، فقاتل .
قتالاً شديداً فَقَتل جماعة من الأعداء ... حتى قُتِل رضوان اللّه عليه .
وخرج بعده زهير بن القين ، فوضع يده على منكب الحسين(ع) وقال: مستأذناً
أَقدِم حُسيناً هادياً مهديّا اليومَ تَلقى جـدَّك النبيّـا
وحسناً والمرتضى عليَّا وذَا الجَناحَين الفتى الكميّا
وأســـدَ الـلّــهِ الـشـهـيـدَ الـحَـيَّــا
فقال الحسين(ع) : وأنا ألقاهما على أثرك ، فحمل على الأعداء وهو يقول :
أنا زُهيرٌ وأنا ابنُ القينِ وفي يَميني مُرْهَـفُ الحَدَّيـنِ
أَذودُكُم بالسَّيفِ عَنْ حُسَينِ إنَّ حُسَينا ٍ أَحدَ السِّبطيـنِ
ابنُ عليِّ الطاهرُ الجدَّينِ مِن عترةِ البَرِّ التَّقي الزَّيـنِ
ذاكَ رسولُ اللهِ غيرُ المَينِ يا ليتَ نفسي قُسِّمَت قسمينِ
فقاتل قتالاً شديداً ، حتى أكثر القتل فيهم ، فبلغ ممن قُتِلَ بسيفه مائة وعشرين رجلاً ، ثم عطف عليه كُثير بن عبداللّه الشعبي ، والمهاجر بن أوس فقتلاه ... رضوان اللّه عليه ، فهدّ مقتله الحسين ، فوقف عليه الحسين (ع) ودعا له وجزّاه خيراً وقال : لعن اللّه قاتليك لعن الذين مُسخوا قردة وخنازير وقال(ع) : عند اللّه أحتسب نفسي وحُماة أصحابي . و جاء عمرو بن قرظة الأنصاري ووقف أمام الحسين (ع) يقيه من العدو ، ويتلقى السهام بصدره وجبهته ، فلم يصل إلى الحسين صلوات الله عليه سوء . ولمّا كَثُرَ فيه الجراح ، التفت إلى أبي عبد اللّه وقال : أوفيت يا ابن رسول اللّه ؟ قال(ع) : نعم أنت أمامي في الجنّة ، فأقرأ رسول اللّه مني السلام ، وأعلمه أنّي في الأثر ، ثم وقع شهيداً رضوان اللّه عليه فنادى أخوه علي ،
وكان مع ابن سعد : ياحسين ، غررت أخي ، حتى قتلته . فقال(ع) : إنّي لم أغرر أخاكَ ، ولكنّ اللّه هداه وأضلكَ .. فقال : قتلني اللّه إن لم أقتلك ، ثم حمل على الحسين ليطعنه ، فاعترضه نافع بن هلال الجملي فطعنه حتى صرعه ، فحمله أصحابه وعالجوه وبريء .
ورمى نافع بن هلال الجملي بنبال مسمومة كتب اسمه عليها ، وهو يقول :
أرمي بها معلّمة أفواقُها مسمومةً تجري بها أخفاقُها
ليملأنَّ أرضها رشّا قها والنفس لا ينفعها إشفاقهـا
فقتل اثني عشر رجلاً سوى من جرح ، ولمّا فنيت نباله ، جرّد سيفه يضرب فيهم ويصول ، فأحاطوا به يرمونه بالحجارة والنصال ، حتى كسروا عضديه ، وأخذوه أسيراً فأمسكه الشمر ومعه أصحابه يسوقونه .
فقال له ابن سعد : ما حملك على ما صنعت بنفسك ؟
قال : إنَّ ربي يعلم ما أردت فقال له رجل وقد نظر إلى الدماء تسيل على وجهه ولحيته : أما ترى ما بك ؟ فقال : واللّه لقد قتلت منكم اثني عشر رجلاً سوى من جرحت ... وما ألوم نفسي على الجهد .. ولو بقيت لي عضد ما أسرتموني .. وجرّد الشمر سيفه ... فقال له نافع : واللّه يا شمر لو كنت من المسلمين لعظم عليك أن تلقى اللّه بدمائنا ، فالحمد للّه الذي جعل منايانا على يدي شرار خلقه ، ثم قدّمه الشمر وضرب عنقه رضواناللّه عليه .
فبرز واضح التركي ، مولى الحرث المذحجي وأسلم مولاه ،
البحر من طعني وضربي يصطلي والجو من سهمي ونبلي يمتلي
إذا حسامي في يميني ينجلـي ينشـق قلـب الحاسـد المبجلـي
وقاتلا قتالاً شديداً ، فقتلا منهم جماعة حتى صُرِعا ، فلمّا وقع واضح
استغاث بالحسين(ع) فأتاه أبو عبد اللّه واعتنقه ...
فقال : من مثلي وابن رسول اللّه واضع خده على خدي ، ثم فاضت نفسه الطاهرة رضوان اللّه عليه . ومشى الحسين(ع)
كذلك إلى أسلم مولاه واعتنقه ، وكان به رمق ،
فتبسّم وافتخر بذلك وفاضت روحه رضوان اللّه عليه .
ونادى يزيد بن معقل : يا برير كيف ترى صنع اللّه بك ؟
فقال : صنع اللّه بي خيراً ، وصنع بك شراً
فقال يزيد : كذبت وقبل اليوم ما كنت كذاباً ... أتذكر يوم كنت أُماشيك في بني لوذان وأنت تقول : كان عثمان مسرفاً ، ومعاوية ضالاً ، وإنّ إمام الهُدى علي بن أبي طالب .
قال برير : بلى أشهد إن هذا رأيي . فقال يزيد : وأنا أشهد أنك من الضالين
فدعاه برير إلى المباهلة ، فرفعا أيديهما إلى اللّه سبحانه يدعوانه أن يلعن الكاذب ويقتله ، ثم تضاربا فضربه برير على رأسه ضربة قدت المغفر والدماغ ، فخر كأنّما هوى من شاهق وهلك ، وسيف برير ثابت في رأسه ، وبينا هو يريد أن يخرجه إذ حمل عليه ابن منقذ العبدي ، واعتنق بريراً واعتركا ، فصرعه برير وجلس على صدره ، فاستغاث العبدي بأصحابه ، فذهب كعب بن جابر بن عمرو الأزدي ليحمل على برير ، فصاح به عفيف بن زهير بن أبي الأخنس : هذا برير بن خضير ، القاريء الذي كان يقرؤنا القرآن في جامع الكوفة ، فلم يلتفت اليه ، وطعن بريراً في ظهره ، فبرك برير على العبدي وعض وجهه وقطع طرف أنفه ، فضربه كعب برمحه وبسيفه فقُتِلَ رضوان اللّه عليه .
ولمّا رجع كعب بن جابر إلى أهله عتبت عليه امرأته النوار ، وقالت:
أعنت على ابن فاطمة ، وقتلت سيّد القرّاء ، لقد أتيت عظيماً من الأمر ،
واللّه لا أكلمكَ من رأسي كلمة أبداً ، فقال :
سَلي تُخبَري عنِّي وأَنتِ ذميمةٌ غَداةَ حُسينٍ والرِّماح شوارعُ
ونادى حنظلة بن سعد الشبامي :
َيا قَومِ إنّي أخافُ عَلَيكُم مَّثلَ يَومِ الأحزَابِ ، مِثْل دَأبِ قَومِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِم وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلماً لِلعِبَادِ * وَيَا قومِ إنّي أخَافُ عَلَيكُم يَومَ التَّنادِ * يَومَ تُوَلُّونَ مُدبِرِينَ مَالَكُم مَّن اللّهِ مِن عَاصِمٍ وَمَن يُضلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مَن هَادٍ . يا قوم لا تقتلوا حسيناً ، فيسحتكم اللّه بعذاب وقد خاب من افترى ، فجزّاه الحسين خيراً ، وقال : رحمك اللّه ، إنّهم قد استوجبوا العذاب حين ردوا عليك ما دعوتهم إليه من الحق ، ونهضوا إليك ليستبيحوك وأصحابك ، فكيف بهم الآن وقد قتلوا إخوانكم الصالحين ؟ قال : صدقت يا ابن رسول اللّه ، أفلا نروم إلى الجنّة ؟ فقال الحسين(ع) نعم .
فأستأذن الحسين(ع) فأذن له ، فسلّم على الحسين ، وبرز يقاتلهم قتالاً شديداً حتى قَتَل عدداً منهم ، وقُتِل رضوان اللّه عليه .
وأقبل عابس بن أبي شبيب ألشاكري على شوذب مولى شاكر ، وكان شوذب
من الرجال المخلصين ... وداره مأ لفاً للشيعة ، يتحدثون فيها في فضل أهل البيت(ع): فقال : يا شوذب ما في نفسك أن تصنع ؟ قال : أُقاتل معك حتى أُقتل ، فجزّاه خيراً ، وقال له : تقدّم بين يدي أبي عبد اللّه حتى يحتسبك كما أحتسب غيرك ، وحتى أحتسبك ، فإنّ هذا يوم نطلب فيه الأجر بكل ما نقدر عليه فسلّم شوذب على الحسين(ع) وقاتل قتال الأبطال وقَتل جماعة ، حتى قُتِل رضوان اللّه عليه . ووقف عابس أمام أبي عبد اللّه(ع)
وقال : ما أمسى على ظهر الأرض قريب ولا بعيد أعز عليَّ منك سيدي ،
ولو قدرت أن أدفع الضيم عنك بشيء أعز عليَّ من نفسي لفعلت .
السلام عليك ، أشهد أني على هداك وهدى أبيك ! ومشى نحو القوم مصلتاً سيفه ، وبه ضربة على جبينه ، فنادى : ألا رجل يبارزني ؟ فلم يبرز له أحد من الرجال ، وأحجموا عنه ، لأنّهم عرفوه أشجع الناس .
فقاتلهم قتال الأبطال ، وهم ينهزمون من بين يديه ، حتى قَتَلَ منهم جماعة
فصاح عمر بن سعد : أرضغوه بالحجارة ، فرُميَ بها ، فلمّا رأى ذلك ، ألقى درعه ومغفره ، وشدّ على الناس ، وإنّه ليطرد أكثر من مائتين ، ثم تعطفوا عليه من كل جانب ، فقتلوه رضوان اللّه عليه .
ووقف جون مولى أبي ذر الغفاري أمام الحسين يستأذنه
فقال(ع) : يا جون ، إنّما تبعتنا طلباً للعافية ، فأنت في إذن مني ،
فوقع على قدميه يقبلهما ويقول : سيدي أنا في الرخاء ألحس قصاعكم ،
وفي الشدّة أخذلكم ، لا واللّه ، سيدي إنّ ريحي لنتن ، وحسبي للئيم ، ولوني لأسود ، فتنفس عليَّ بالجنة ، ليطيب ريحي ، ويشرف حسبي ، ويبيض لوني ،
لا واللّه لا أُفارقكم حتى يختلط هذا الدم الأسود مع دمائكم فاذن له الحسين(ع) فبرز يقاتلهم قتالاً شديداً ، حتى قتَلَ منهم خمسة وعشرين رجلاً
ثم قُتِلَ رضوان اللّه عليه .
فوقف عليه الحسين صلوات اللّه عليه وقال : اللّهم بيض وجهه ، وطيّب ريحه ، واحشره مع محمد(ص) وعرّف بينه وبين آل محمد عليهم السلام ،
وروي عن ألأمام الباقر عن علي بن الحسين عليهم السلام إنّ بني أسد
الذين حضروا المعركة ليدفنوا القتلى وجدوا جوناً بعد أيّام تفوح منه رائحة المسك.
وكان أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي شيخاً كبيراً ، وصحابياً
جليلاً ، رأى النبي(ص) وسمع حديثه ، وَشَهِد معه بدراً وحنيناً ، وبرز شادّاً وسطه بالعمامة ، رافعاً حاجبيه بالعصابة . ولمّا نظر اليه الحسين(ع) بهذه الهيئة بكى وقال : شكر اللّه لك يا شيخ ... وشدّ على الأعداء ، فَقَتَل على كِبَر سنه ثمانية عشر رجلاً ، ثم قُتِلَ رضوان اللّه عليه .
وجاء عمرو بن جنادة الأنصاري بعد أن قُتِل أبوه ، وهو ابن إحدى عشرة سنة ، يستأذن الحسين صلوات اللّه عليه ، وقد أمرته أُمه من قبل ذلك ، وقالت له : ولدي قم وأنصر ريحانة رسول اللّه ، بعدما ألبسته لامة حربه ، فخرج ووقف أمام ريحانة رسول اللّه ، فلمّا نظر اليه الحسين(ع) قال لأصحابه : هذا غلام قُتِلَ أبوه في الحملة الأُولى ، ولعلّ أُمه تكره خروجه ، ردّوه إلى الخيمة ، فأقبل الغلام يسعى نحو الحسين عجلاً ، خائفاً من أن يصده أصحاب أبي عبداللّه عن مراده وقصده ، فصاح : سيدي أبا عبد اللّه ، إنّ اُمي هي التي ألبستني لامة حربي ، فأذنْ لي يا ابن رسول اللّه حتى أُرزق الشهادة بين يديك ، فجزّاه الإمام خيراً ، فبرز وهو يقول :
أميري حسين ونعم الأمير سرور فؤادي البشير النذير
علي وفاطمة والداه فهل تعلمـون لـه مـن نظيـر
له طلعة مثل شمس الضحى له غرة مثل بدر منيـر
فقاتل قتال الأبطال ، فأحاط الأعداء به من كل جانب ، وأردوه إلى الأرض صريعاً رضوان اللّه عليه . فاحتزوا رأسه ورموا به نحو الخيام ، فسعت إلى رأسه أمه ، فأخذته ومسحت الدم عنه ، وضربت به رجلاً قريباً منها فمات في مكانه ، وعادت الى المخيم فأخذت عموداً وقيل سيفاً ، وأنشأت تقول :
أنا عجوز في النِّسا ضعيفهْ خاويةٌ بالية نحيفـهْ
أضربكم بضربة عنيفة دون بني فاطمة الشريفه
فردها الحسين(ع) الى الخيمة ، بعد أن أصابت بالعمود رجلين .
وقاتل الحجاج بن مسروق الجعفي قتالاً شديداً ... حتى خُضِّبَ بالدِّماء ، بعد أن قَتَل منهم عدداً .. فرجع إلى الحسين(ع) يقول :
اليوم ألقى جدك النبيـا
ثم أباك ذا الندى عليـا
ذاك الذي نعرفه الوصيا
فقال الحسين(ع) : وأنا ألقاهما على أثرك ، فرجع يقاتل حتى قُتِلَ رضوان اللّه عليه
وتقدّم سويد بن عمر بن أبي المطاع وكان شريفاً كثير الصلاة ،
فبرز يقاتل الأعداء قتالاً شديداً ، حتى قَتَل جماعة واُثخن بالجراح ، فسقط لوجهه ، وظُنّ أنّه قُتِلَ ، فلمّا انتهت المعركة سمِعهم يقولون : قُتِلَ الحسين ، فأخرج سكينة كانت معه ، فقاتل بها وتعطفوا عليه وقتلوه رضوان اللّه عليه وكان آخر من قُتِلَ من الأصحاب بعد الحسين(ع).
قوم إذا نودوا لدفع ملّمة والخيـل بيـن مدعـس ومكـردس
لبسوا القلوب على الدورع وأقبلوا يتهافتون الى ذهاب الأنفس
ولمّا لم يبق مع ريحانة رسول اللّه إلّا أهل بيته ، عزموا على ملاقاة الحتوف ، ببأس شديد ، ونفوس أبية ، وأقبل بعضهم يودع بعضاً ، وأول من تقدّم هو شبيه الحبيب المصطفى(ص) علي الأكبر
فأحطْنّ به النسوة ، وقلنّ : أرحم غربتنا ، فليس لنا طاقة على فراقك ،
فلم يعبأ بكلامهنّ ، وأستأذن أباه الحسين(ع) فبرز وهو يقول :
أنَا عليُّ بنُ الحُسينِ بنِ عَليَّ نَحْنُ وَبَيْتُ اللّهِ أولى بالنَّبـيِّ
أطعَنُكُمْ بالرُّمْحِ حتّى يَنثَني أَضرِبُكمْ بالسَّيفِ أحميِ عنْ أبي
ضرْبَ غلام هاشِمِيِّ عرَبي واللّهِ لا يَحْكُمُ فِينا ابنُ الدِّعيِّ
ولم يتمالك الحسين دون أن رفع شيبته المقدّسة نحو السماء ، وأرخى عينيه بالدموع ، وقال : اللّهم اشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز اليهم أشبه الناس برسولك محمد صلى اللّه عليه وآله وسلم ، خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً ، وكنّا إذا اشتقنا إلى رؤية نبيك نظرنا اليه ، اللّهم أمنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقا ، واجعلهم طرائق قدداً ، (2) ولا ترضى الولاة عنهم أبداً ، فانّهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلوننا .
وصاح يابن سعد : قطع الله رحمك ، كما قطعت رحمي ، ولم تحفظ قرابتي من رسول اللّه ، ثم تلا قوله تعالى : (إنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إبراهِيمَ وَالَ عِمرانَ عَلَى العالَمِينَ)
ولم يزل يُقاتل على الميمنة ويعيدها على الميسرة قتال الأبطال ،
حتى قتَلَ مائة وعشرين فارساً .
وقد اشتد به العطش ، فرجع إلى أبيه الحسين ، يستريح ، ويذكر ما أجهده من العطش ، فبكى الحسين صلوات اللّه عليه .. وقال : واغوثاه ، ما أسرع الملتقى بجدك فيسقيك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً ، وأخذ لسانه فمصّه ليريه ظمأه فكان كشقّة مبرد من شدّة العطش ، ودفع اليه خاتمه ليضعه فيه .
الحرب قد بانت لها حقائق وظهرت من بعدها مصادق
واللّه رب العرش لا نفارق جموعكم أو تغمد البوارق
ورجع علي إلى قتال الأعداء يناجزهم بسيفه قتالاً شديداً ، وأكثر القتل في أعداء الله ... حتى قتل تمام المائتين . وقد ضجّ العسكر من كثرة الخسائر الفادحة التي مني بها
فقال مرّة بن منقذ العبدي ، عليَّ آثام العرب إن لم أثكل أباه به . وأسرع إلى شبيه رسول اللّه (ص) فطعنه بالرمح في ظهره ، وضربه بالسيف على رأسه ، ففلق هامته ... فاعنتق عليُّ فرسه .. فاحتمله الفرس إلى معسكر الأعداء ، وأحاطوا به أعداء اللّه وأعداء دينه ، حتى قطعوه إرباً إرباً ،
يامَن بُعِثت َ إلى البَرايا رَحمةً لِبَنِيكَ ‘ أُقسِمُ فيكَ ‘ جُنَّ جُنونِي
مالوا على مَن كُنتَ قَدْ أوصَيتَهُمْ فِيهِمْ ‘ بسيفِ ضَغينةٍ ومُجونِ
مَنْ كانَ في خَلْقٍ وأخلاقٍ إذا وَصَفوهُ ‘ كانَ لِـدُرِّكَ المَكْنـونِ
عاثَتْ بِحُسْنٍ مِنهُ جَمْعُ خُيولِهِمْ ونُصو لِهِم يـا ليَتَهُـم قَتَلونـيِ
إرَباً تَقَطَّعَ وهو يَهتِفُ يا أَبي مِنّي السّلام عَليكَ حـانَ مَنونِـي
فأتى إليهِ السِّبط قالوا مُسرِعاً وبكى وقالَ لقدْ حُبِطْـنَ ظُنونـي
ولدي على الدُّنيا إذا مُّتَّ العَفا في عالَمٍ بـالأ قربيـن خَـؤونِ
أنت استَرَحْتَ مِن الحياةِ وهَمِّها وبَقي أبوكَ لِغَمِّهـا المَلعـون
اذهب إلى دارِ النَّعيم لتَستَقي مِنْ كَفِّ جدِّكَ ‘ وانْطُرَنَّ ظُعونِي
وحدي بَقيتُ قِبالَ جيشِ أُمَيَّةٍ ولدي وصَحبي كُلُّهُـمْ تَرَكُونِـي
فأتَتهُ زينبُ تشتكي بتوجُّعٍ قالتْ أخي قَدْ هَدَّ نَوحُكَ مَضْجَعِـي
فأجابها يا أُختُ لِلخِدرِ ارجعي قولي لِليلى في أسىً : لاتَهْجَعي
قـــد قَـطَّـعـوا كَــبِــداً لــنــا بِـضُـعـونـي
ونادى رافعاً صوته : عليك مني السلام أبا عبد اللّه هذا جدي قد سقاني بكأسه الأوفى ثم قضى سلام اللّه عليه
فأسرع إليه الحسين(ع) وانكبَّ على ولده ، واضعاً خده على خده وهو يقول : قَتل اللّه قوماً قتلوك ، على الدنيا بعدك العفا
ما أجرأهم على الرحمن ، وعلى انتهاك حرمة الرسول ، يعزّ على جدك وأبيك أن تدعوهم فلا يجيبوك ، وتستغيث بهم فلا يغيثوك... :
ثم أمر فتيانه أن يحملوه إلى الخيمة فجاءوا به إلى الفسطاط الذي كانوا يقاتلون أمامه وحرائر بيت الوحي ينظرن إليه محمولاً قد جللته الدماء .
وقد وزع جثمانه الضرب والطعن، فاستقبلنه بعولة عظمى، وأمامَهُنَّ العقيلة
زينب الكبرى ابنة فاطمة الزهراء سلام اللّه عليها صارخة نادبة،
فألقت بنفسها عليه
وخرج من بعده عبد اللّه بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب وهو يقول :
اليوم ألقى مسلماً وهو أبي وعصبة بادوا على دين النبي
ليسوا بقوم ٍ عُرفوا بالكُذَّبِ لكن خيارٌ وكـرامُ النسَـبِ
مــن هـاشِـمِ الـسـادات ِ أهـــلِ الـحـسَـبِ
فقاتل قتال الأبطال ، حتى قَتل جماعة بثلاث حملات ،
فرماه يزيد ابن الرقاد الجهني بسهم ، فاتقاه بيده فسمّرها إلى جبهته ، فما استطاع أن يزيلها عن جبهته ،
فقال : اللّهم إنّهم استقلونا واستذلونا، فاقتلهم كما قتلونا..
وبينا هو على هذا، إذ حمل عليه رجل برمحه فطعنه في قلبه، سقط صريعاً رضوان اللّه عليه.
ولمّا قُتِل عبد اللّه بن مسلم ،
حمل آل أبي طالب حملة واحدة ، فقاتلوا قتالاً شديداً حتى أكثروا القَتل في صفوف العدو ، فصُرع منهم عون بن عبد اللّه بن جعفر الطيار
وأُمه العقيلة زينب وأخوه محمد ، وأُمه الخوصاء ، وعبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب ، وأخوه جعفر بن عقيل ، ومحمد بن مسلم بن عقيل ، رضوان اللّه عليهم
وأصابت الحسن المثنى ابن الإمام الحسن بن علي (ع) ثمانية عشر جراحة ، وقُطعت يده اليمنى ولم يُستشهد .
وخرج أبو بكر بن أميرا لمؤمنين واسمه محمد ، وأُمه النهشلية
وقاتل الأعداء قتالاً شديداً ، حتى قتل جماعة ، وقُتِل رضوان اللّه عليه ،
قَتَله زجر بن بدر ألنخعي
ثم خرج عبد اللّه بن عقيل ،وقاتلهم قتالاً شديداً، وقَتل جمعاً من الأعداء ،
فما زال يضرب فيهم حتى اُثخن بالجراح وسقط إلى الأرض فجاءوا إليه وقتلوه(ض)
فقال الحسين (ع): » أللّهم أقتل قتلة آل عقيل . صبراً آل عقيل إن موعدكم الجنة
وخرج عبد اللّه الأكبر ، ابن الإمام السبط الحسن بن علي(ع) وأُمه رملة ، فقاتل قتالاً شديداً ، حتى قَتل جمعاً من الأعداء ، وقُتل رضوان اللّه عليه
وخرج من بعده أخوه لاُمه وأبيه القاسم ابن الإمام الحسن المجتبى(ع)
وهو غلام لم يبلغ الحُلُم ، فلمّا نظر إليه الحسين(ع) اعتنقه وبكى ، ثم أذن له
فبرز كأن وجهه شقة قمر ، وبيده السيف ، وعليه قميص وإزار ، وفي رجليه نعلان ، فمشى يضرب بسيفه الأعداء وهو يقول :
إن تنكروني فأنا نجلُ الحَسَن سِبطُ النَبِّي المصطفى والمؤتَمَنْ
هذا حُسَينُ كالأسيرِ المُرتَهَنْ بَينَ أُناسٍ لا سُقوا صَوبَ المُزُنْ
وكان القاسم يقول : لا يقتل عمي وأنا حي ، فقاتل قتالاً شديداً ،
حتى قَتَل جمعاً من الأعداء ، وبينما هو كذلك يصول في الميدان
انقطع شسع نعله اليسرى ، وأنف ابن النبي الأعظم أن يحتفي في الميدان ، فوقف يشد شسع نعله ، وهو لا يزن الحرب إلّا بمثله ، غير مكترث بالجمع ،
ولا مبال بالاُلوف ، وبينا هو على هذا إذ شد عليه عمرو بن سعد بن نفيل الأزدي وضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته ، فصاح الغلام : يا عماه ادركني ،
فأسرع اليه الحسين(ع) كالليث الغضبان ، فضرب عمرواً بالسيف ، فاتقاها بالساعد ، فأطنها من المرفق ، وصاح صيحة عظيمة سمعهاالعسكر ، فحملت
خيل ابن سعد لتستنقذه ، فاستقبلته بصدورها ووطأته فمات، وانجلت الغبرة وإذا بالحسين(ع) قائم على الغلام وهو يفحص برجليه ،
والحسين يقول : »بعداً لقوم قتلوك ، ومن خصمهم يوم القيامة فيك جدك وأبوك ، عز واللّه على عمك أن تدعوه فلا يجيبك ، أو يجيبك فلا ينفعك ، صوت واللّه كثر واتره ، وقل ناصره
وحمل الإمام (ع) ابن أخيه بين ذراعيه ، وهو يفحص بيديه ورجليه
حتى فاضت نفسه الزكية بين يديه سلام اللّه عليه .
ثم حمله الحسين وقد وضع صدره على صدره ورجلاه يخطان في الأرض ،
فالقاه مع علي الأكبر وقتلى أهل بيته
ثم رفع الحسين صلوات اللّه عليه ... طرفه إلى السماء ... وقال :
اللّهم أحصهم عدداً ، ولا تغادر منهم أحداً ، ولا تغفر لهم أبداً ، صبراً يا بني عمومتي ، صبراً يا أهل بيتي ، لا رأيتم هواناً بعد هذا اليوم أبداً
ولمّا رأى العباس بن علي صاحب لواء الحسين(ع) كثرة القتلى في أهله ،
قال لإخوته من أُمه وأبيه عبد اللّه وعثمان وجعفر أولاد أمير المؤمنين(ع)
(تقدّموا يا بني أُمي ، حتى أراكم نصحتم للّه ولرسوله)، والتفت إلى عبد اللّه ، وكان أكبرهم وقال : تقدّم يا أخي حتى أراك قتيلاً وأحتسبك ، فقاتلوا بين يدي أبي الفضل قتال الأبطال الأشاوس ، يصولون في الميدان ، فَقَتلوا جمعاً كثيراً من الأعداء ، حتى قُتِلوا بأجمعِهم ... رضوان اللّه عليهم .
ولم يستطع صاحب لواء الحسين... قمر بني هاشم ... صبراً بعد أن قُتِلَ صحبه وأُخوته وأولاد عمه ... ويرى أخاه الحسين(ع) مكثوراً.. قد انقطع عنه المدد ، وملأ مسامعه عويل النساء وصراخ الأطفال من العطش ، وكان آخر من بقي مع أخيه الحسين صلوات اللّه عليه ، فاستأذنه .
فقال ريحانة رسول اللّه : يا أخي أنت صاحب لوائي ..فاذا قتلتَ تفرَّق عسكري
قال أبو الفضل العباس سيدي : قد ضاق صدري ، وأريد أن آخذ ثاري من هؤلاء المنافقين ... فقال له الحسين(ع) : إذن فاطلب لهؤلاء الأطفال قليلاً من الماء ،
فذهب العباس(ع) إلى القوم ووعظهم وحذّرهم غضب الجبار ، فلم ينفع فيهم ، فصاح شمر يا ابن أبي تراب ، لو كان وجه الأرض كله ماء وهو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة ... إلّا أن تدخلوا في بيعة يزيد فرجع العباس (ع) إلى أخيه الحسين يخبره ، فسمع الأطفال ينادون العطش العطش ،
فركب جواده وأخذ القربة ، وقصد الفرات ، فأحاط به أربعة آلاف فارس ...
ورموه بالنبال ، فلم يعبأ بجمعهم ، ولا راعته كثرتهم.. فكرَّ عليهم
يضربهم بسيفه ،ويقول :
أنا الَّذي أعرَفُ عِندَ الزَّمْجَرهْ بِابْنِ عَلِيِّ المُسَمَّى حَيدَرَهْ
فَاثبُتُوا اليَوم َ لَنا يا كَفَرهَْ لِعِتْـرَة الحَمـدِ وَآل البَقَـرَه
حتى ضج العسكر من كثرة القتلى ،ولم يعرفوا أهو العباس يجنّدل الأبطال أم أنَّ الوصيَّ الكرار يزأر في الميدان ، فلم تثبت له الرجال
بطلُ تورّث مـن أبيـه شجاعـةً فيهـا أنـوف بنـي الظلالـة تُرغـم
قلب اليمين على الشمال وغاص في الأوساط يحصدُ في الرؤوس ويَحطِم
وثنى أبو الفضل الفـوارس نكّصـا فـرأوا أشـدّ ثباتهـم أن يهزمـوا
مـا كـرَّ ذو بـأسٍ لــه متقـدّمـاً إلّا وفــرَّ ورأســهُ المتـقـدّم
صبغ الخيـول برمحـه حتـى غـدا سيّـان أشقـر لونهـا والأدهـم
مـا شـدَّ غضبانـاً علـى ملمومـة إلّا وحـلّ بهـا البـلاءُ المُـبـرم
لولا القضاء لمحا الوجود بسيفـه واللّـه يقضـي مـا يشـاءُ ويَحكـم
|
|
|
|
|