عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية الحيدرية
الحيدرية
شيعي حسيني
رقم العضوية : 6077
الإنتساب : Jun 2007
المشاركات : 12,550
بمعدل : 1.93 يوميا

الحيدرية غير متصل

 عرض البوم صور الحيدرية

  مشاركة رقم : 13  
كاتب الموضوع : الحيدرية المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 15-03-2008 الساعة : 08:24 PM


مؤتمر غدير خم

وقفل النبي (صلّى الله عليه وآله) بعد أداء مراسيم الحج إلى يثرب وحينما انتهى موكبه إلى (غدير خم) نزل عليه الوحي برسالةٍ من السماء أن يُنصب الإمام أمير المؤمنين(عليه السّلام) خليفةً من بعده، ومرجعاً عاماً للاُمّة، لقد نزل عليه الوحي بهذه الآية: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين)(14).

ففي هذه الآية إنذار خطير إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله)، إذ أنّه إن لم يقم بهذه المهمة فما بلّغ رسالة ربّه، وضاعت جميع جهوده وأتعابه في سبيل هذا الدين، فانبرى (صلّى الله عليه وآله) فحطّ أعباء المسير، ووضع رحله في رمضاء الهجير، وأمر قوافل الحجّ أن تفعل مثل ذلك، وكان الوقت قاسياً في حرارته فكان الرجل يضع طرف ردائه تحت قدميه ليتقي به من حرارة الأرض، وقام النبي (صلّى الله عليه وآله) فصلّى بالناس، وبعد أداء فريضة الصلاة أمر بأن يوضع له منبر من حدائج الإبل، فصُنع له ذلك، فاعتلى عليه، واتّجهت الجماهير بعواطفها وقلوبها نحو النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فخطب خطاباً مهماً، أعلن فيه ما لاقاه من عناء شاق في سبيل هدايتهم، وتحرير إرادتهم، وإنقاذهم من خرافات الجاهلية وعاداتها، ثم ذكر طائفة من أحكام الإسلام وتعاليمه، وألزمهم بتطبيقها على واقع حياتهم، ثم التفت إليهم فقال: (انظروا كيف تخلفوني في الثقلين..).

فناداه منادٍ من القوم:ما الثقلان يا رسول الله؟.

فأجابه: (الثقل الأكبر: كتاب الله، طرف بيد الله عزّ وجلّ وطرف بأيديكم، فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر: عترتي، وإنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربّي، فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا..).

ثم أخذ بيد وصيّه وباب مدينة علمه وناصر دعوته الإمام أمير المؤمنين(عليه السّلام) ليفرض ولايته على جميع المسلمين فرفعها حتى بان بياض ابطيهما، ونظر إليهما القوم، ورفع النبي صوته قائلاً:

(أيها الناس، من أوْلىبالمؤمنين من أنفسهم؟).

فانبرت قوافل الحجاج رافعة عقيرتها: الله ورسوله أعلم..

ووضع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) القاعدة الأصلية التي تصون المسلمين من الانحراف قائلاً:

(إنّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أوْلى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعليِّ مولاه).

وكرّر هذا القول ثلاث مرات، أو أربع: ثم قال: (اللهمّ والِِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحبّ من أحبّه، وأبغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلغ الشاهد الغائب...).

لقد أدّى النبي (صلّى الله عليه وآله) رسالة ربّه، فنصب الإمام أمير المؤمنين خليفةً من بعده، وقلّده منصب الإمامة والمرجعية العامة، وأقبل المسلمون يهرعون صوب الإمام وهم يبايعونه بالخلافة ويهنئونه بإمرة المسلمين وقيادتهم، وأمر النبيّ اُمّهات المؤمنين أن يهنئن الإمام بهذا المنصب العظيم، ففعلن، وأقبل عمر بن الخطاب نحو الإمام فصافحه وهنّأه، وقال له: هنيئاً يا بن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولاي ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة(15).

وفي ذلك اليوم الخالد نزلت الآية الكريمة: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)(16).

لقد تمّت نعمة الله الكبرى على المسلمين بولاية بطل الإسلام ورائد العدالة الاجتماعية في الأرض الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، وقد خطا النبيّ (صلّى الله عليه وآله) الخطوة الأخيرة في أداء رسالته، فصان اُمّته من الزيغ والانحراف، فنصب لها القائد والموجّه ولم يتركها فوضى - كما يزعمون- تتلاعب بها الفتن والأهواء وتتقاذفها أمواج من الضلال، إنّ وثيقة الغدير من أروع الأدلة وأوثقها على اختصاص الخلافة والإمامة بباب مدينة علم النبيّ الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، وهي جزء من رسالة الإسلام وبند من أهم بنوده؛ لأنّها تبنّت القضايا المصيرية للعالم الإسلامي على امتداد التأريخ.

لقد وعت سيّدة النساء زينب (عليها السّلام)، وهي في فجر الصبا هذه البيعة لأبيها، وأنّ جدها قد قلّدها بهذا المنصب الخطير لسلامة الاُمّة وتطورها، والبلوغ بها إلى أعلى المستويات من التقدّم، والقيادة العامة لشعوب العالم واُمم الأرض، ولكن القوم قد سلبوا أباها هذا المنصب، وجعلوه في معزل عن الحياة الاجتماعية والسياسية، وقد أخلدوا بذلك للاُمّة المحن والخطوب، وتجرعت حفيدة النبي (صلّى الله عليه وآله) بالذات أهوالاً من المصائب والكوارث كانت ناجمة - من دون شك- عن هذه المؤامرة التي حيكت ضد أبيها، فانّا لله وإنا إليه راحعون.

مرض النبي (صلّى الله عليه وآله)

ولما قفل النبي (صلّى الله عليه وآله) بعد حجة الوداع راجعاً إلى يثرب بدأت صحّته تنهار يوماً بعد يوم، فقد ألمّ به المرض، وأصابته حمى مبرحة، حتى كأن به لهباً منها، وكانت عليه قطيفة فإذا وضع أزواجـــه وعوّاده عليها أيــــديهم شعــــروا بحرّها(17). وقد وضعوا إلى جواره إناءً فيه ماء بارد فكان يضع يده فيه ويمسح به وجهه الشريف، وكان (صلّى الله عليه وآله) يقول: (ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلته بـ(خيبر)، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم)(18). فقد قدمت له امرأة يهودية في خيبر ذلك الطعام الذي سمّته فأثّر فيه.

ولما اُشيع مرض النبيّ (صلّى الله عليه وآله) هرع المسلمون إلى عيادته، وقد خيّم عليهم الأسى والذهول، فنعى (صلّى الله عليه وآله) إليهم نفسه، وأوصاهم بما يسعدون ويفلحون به قائلاً:

(أيها الناس، يوشك أن اُقبض قبضاً سريعاً فينطلق بي، وقدمت إليكم القول معذرة إليكم، ألاّ إنّي مخلّفٌ فيكم كتاب الله عزّ وجلّ وعترتي أهل بيتي..).

ثم أخذ بيد وصيّه وخليفته الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، فقال لهم: (هذا علي مع القرآن، والقرآن مع علي لا يفترقان حتى يردا عليَّ الحوض..)(19).

لقد قرّر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أهم القضايا المصيرية لاُمته، فعيّن لها القائد العظيم الذي يحقّق لها جميع أهدافها وما تصبو إليه في حياتها

سرية اُسامة

ورأى النبي (صلّى الله عليه وآله) وهو المرحلة الأخيرة من حياته التيارات الحزبية التي صممت على إقصاء عترته عن قيادة الاُمّة، فرأى أن خير وسيلة يتدارك بها الموقف أن يزج بجميع أصحابه في بعثة عسكرية حتى إذا وافاه الأجل المحتوم تكون عاصمته خالية من العناصر المضادة لوليّ عهده، فأسند قيادة البعثة إلى اُسامة بن زيد، وهو شاب في مقتبل العمر، وكان من بين الجنود أبو بكر وعمر وأبو عبيدة الجراح، وبشير بن سعد(20). وقال النبي لاُسامة:

(سِر إلى موضع قتل أبيك، فأوطئهم الخيل، فقد ولّيتك هذا الجيش فاغزِ صباحاً على أهل أبنى(21) وحرق عليهم، وأسرع السير لتسبق الأخبار، فإن أظفرك الله عليهم فاقلل اللبث فيهم، وخذ معك الأدلاّء وقدّم العيون والطلائع معك..).

ومُني الجيش بالتمرّد وعدم الطاعة، فلم يلتحق أعلام الصحابة بوحداتهم العسكرية،ولمّا علم النبيّ (صلّى الله عليه وآله) بذلك تألّم، فخرج مع ما به من المرض، فحثّ الجند على المسير، وعقد بنفسه اللواء لاُسامة، وقال له: (اغز بسم الله، وفي سبيل الله، وقاتل من كفر بالله..).

فخرج اُسامة بلوائه معقوداً، ودفعه إلى بريدة، وعسكر بـ(الجرف)، وتثاقل جمعٌ من الصحابة عن الالتحاق بالمعسكر، وأظهروا الطعن والاستخفاف باُسامة القائد العام للجيش، يقول له عمر:

مات رسول الله وأنت عليَّ أمير...

وانتهت كلماته إلى النبيّ، وقد أخذت منه الحمّى مأخذاً عظيماَ، فخرج وهو معصّب الرأس قد برح به المرض، فصعد المنبر والتأثّر بادٍ عليه، فقال: (أيّها الناس، ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأميري اُسامة، ولئن طعنتم في تأميري اُسامة لقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، وأيم الله، إنّه كان خليقاً بالإمارة وأنّ ابنه من بعده لخليقٌ بها..).

ثم نزل عن المنبر ودخل بيته والتأثّر بادٍ عليه(22). وجعل يوصي أصحابه بالالتحاق بالجيش قائلاً:

(جهزوا جيش اُسامة..).

(نفذوا جيش اُسامة..).

(لعن الله من تخلّف عن جيش اُسامة..).

ولم ترهف عزائم القوم هذه الأوامر المشدّدة، فقد تثاقلوا عن الالتحاق بالجيش، واعتذروا للرسول بشتّى المعاذير، وهو (صلّى الله عليه وآله) لم يمنحهم العذر، وإنّما أظهر لهم السخط وعدم الرضا، فقد استبانت له بصورة جلية نيّاتهم وتآمرهم، كما عرفوا قصده بهذا الاهتمام البالغ من إخراجهم من يثرب.

رزية يوم الخميس

وأحاط النبي (صلّى الله عليه وآله) علماً بالتحركات السياسية من بعض أصحابه وأنّهم عازمون ومصرون على صرف الخلافة عن أهل بيته، وإفساد ما أعلنه غير مرة من أن عترته الأزكياء هم ولاة أمر المسلمين من بعده، فرأى (صلّى الله عليه وآله) أن يحكم الأمر، ويحمي اُمّته من الفتن والزيغ، فقال لمن حضر في مجلسه: (إئتوني بالكتف والدواة، أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً)(23).

حقّاً إنّها فرصة من أثمن الفرص وأندرها في تأريخ الإسلام، إنّه التزام واضح وصريح من سيّد الكائنات أن اُمّته لا تصاب بنكسة وانحراف بعد هذا الكتاب.

ما أعظم هذه النعمة على المسلمين، إنه ضمان من سيد الأنبياء أن لا تضل اُمّته في مسيرتها وتهتدي إلى سواء السبيل في جميع مراحل تأريخها، واستبان لبعض القوم ماذا يكتب رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، إنه سينصّ على خلافة عليّ من بعده، ويعزّز بيعة يوم الغدير، وتضيع بذلك أطماعهم ومصالحهم، فردّ عليه أحدهم قائلاً بعنف: حسبنا كتاب الله…

ولو كان هذا القائل يحتمل أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) يوصي بحماية الثغور أو بالمحافظة على الشؤون الدينية ما ردّ عليه بهذه الجرأة، ولكنه علم قصده أنّه سيوصي بأهل بيته وينصّ على خلافة عليّ من بعده.

وكثر الخلاف بين القوم، فطائفة حاولت تنفيذ ما أمر به النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وطائفة اُخرى أصرّت على معارضتها والحيلولة بين ما أراده النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وانطلقت بعض السيّدات فأنكرن على القوم هذا الموقف المتّسم بالجرأة على النبيّ وهو في الساعات الأخيرة من حياته، فقلن لهم: ألا تسمعون ما يقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله)..

فثار عمر وصاح فيهنّ، خوفاً أن يفلت الأمر منه ومن حزبه، فقال للسيدات:

إنكنّ صويحبات يوسف إذا مرض عصرتن أعينكن، وإذا صحّ ركبتن عنقه…

فنظر إليه النبي (صلّى الله عليه وآله)، بغضبٍ وغيظٍ، وقال له: (دعوهنّ فإنّهنّ خير منكم..).

وبدا صراع رهيب بين القوم، وكادت أن تفوز الجهة التي أرادت تنفيذ أمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، فانبرى أحدهم فأفشل ما أراده النبيّ وحال بينه وبين ما أراد من إسعاد اُمّته، فقال ويا لهول ما قال: إنّ النبيّ ليهجر..(24).

ألم يسمع هذا القائل كلام الله تعالى الذي يتلى في آناء الليل وأطراف النهار وهو يعلن تكامل النبي في جميع مراحل حياته، فقد زكّاه وعصمه من الهجر وغيره من ألوان الزيغ والانحراف، وإنه أسمى شخصية في تكامله وسموّ ذاته، قال تعالى: (ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى)(25)، وقال تعالى: (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون)(26).

إنّ القوم لم يخامرهم أدنى شك في عصمة النبيّ وتكامل ذاته، ولكن حبّ الدنيا، والتهالك على السلطة دفعهم للجرأة على النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ومقابلتهم له بمرّ القول والطعن بشخصيته.

وكان ابن عباس إذا ذكر هذا الحادث الرهيب يبكي حتى تسيل دموعه على خديه كأنّها نظام اللؤلؤ، وهو يصعد آهاته، ويقول: يوم الخميس وما يوم الخميس!! قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبداً)، فقالوا: إن رسول الله يهجر..(27).

حقّاً إنّها رزية الإسلام الكبرى، فقد حيل بين المسلمين وسعادتهم ونجاتهم من الزيغ والضلال. لقد وعت السيّدة زينب هذا الحادث الخطير، ووقفت على أهداف القوم من إبعاد أبيها عن المركز الذي نصبه جدّها فيه، فقد جرّ هذا الحادث وغيره ممّا صدر من القوى المعارضة لأهل البيت الكوارث والخطوب لهم، وما كارثة كربلاء إلاّ من نتائج هذه الأحداث.

لوعة الزهراء

ونخب الحزن قلب بضعة الرسول، وبرح بها الألم القاسي وذهبت نفسها شعاعاً حينماً علمت أن أباها مفارق لهذه الحياة، فقد جلست إلى جانبه وهي مذهولة كأنها تعاني آلام الاحتضار وسمعته يقول:

(وا كرباه..).

فأسرعت وهي تجهش بالبكاء قائلة:

(وا كربي لكربك يا أبتي..).

وأشفق الرسول (صلّى الله عليه وآله) على بضعته، فقال لها مسلّياً: (لا كرب على أبيك بعد اليوم..)(28).

وهامت زهراء الرسول في تيارات مروعة من الأسى والحزن فقد أيقنت أنّ أباها سيفارقها، وأراد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) أن يسلّبها ويخفّف لوعة مصابها فأسرّ إليها بحديثٍ، فلم تملك نفسها أن غامت عيناها بالدموع، ثم أسرّ إليها ثانياً، فقابلته ببسمات فيّاضة بالبشر والسرور، فعجبت عائشة من ذلك وراحت تقول:

ما رأيت كاليوم فرحاً أقرب من حزن..

وأسرعت عائشة فسألت زهراء الرسول عما أسرّ إليها أبوها، فأشاحت بوجهها الكريم عنها وأبت أن تخبرها، ولكنها أخبرت بعض السيّدات بذلك، فقالت: (أخبرني أنّ جبرئيل كان يعارضني بالقرآن في كلّ سنة مرّة, وأنّه عارضني في هذا العام به مرتين، ولا أراه إلّا قد حضر أجلي..).

وكان هذا هو السبب في لوعتها وبكائها، أمّا سبب سرورها وابتهاجها، فقالت: (أخبرني أنّكِ أوّل أهل بيتي لحوقاً بي، ونِعْمَ السلف أنا لك، ألا ترضين أن تكوني سيّدة نساء هذه الاُمّة..)(29).

ونظر إليها النبي (صلّى الله عليه وآله) وهي خائرة القوى، منهدة الركن، فأخذ يخفّف عنها لوعة المصاب، قائلاً: (يا بنية لا تبكي، وإذا متّ فقولي: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، فإنّ فيها من كل ميّت معوضة..).

وأجهشت بضعة الرسول بالبكاء قائلةً: (ومنك يا رسول الله...).

(نعم ومنّي...)(30).

واشتدّ المرض برسول الله (صلّى الله عليه وآله) والزهراء إلى جانبه وهي تبكي وتقول لأبيها:

(يا أبت، أنت كما قال القائل فيك:

وأبيــــــض يستسقى الغمام بوجهه ثــــمال اليــتامى، عصمة الأرامل)

فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (هذا قول عمّك أبي طالب، وتلا قوله تعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئأً وسيجزي الله الشاكرين)(31).

وتقطّع قلب زهراء الرسول ألماً وحزناً على أبيها، فانكبّت عليه ومعها الحسنان، فألصقت صدرها بصدره وهي غارقة في البكاء، فأجهش النبي بالبكاء، وهو يقول:

(اللّهمّ أهل بيتي، وأنا مستودعهم كل مؤمن..).

وجعل يردّد ذلك ثلاث مرات حسبما يرويه أنس بن مالك(32).

أمّا حفيدة الرسول زينب، فقد شاركت اُمّها في لوعتها وأحزانها، وقد ذابت نفسها حزناً وموجدة على اُمّها التي هامت في تيارات مذهلة من الأسى والشجون على أبيها الذي هو عندها أعزّ من الحياة.

يتبع مع إلى الفردوس الأعلى


توقيع : الحيدرية






من مواضيع : الحيدرية 0 بيتزا التوست
0 كلـمات جمـيلة
0 كرات البطاطا بالصور
0 صور حلويات اهداء الى بنات وشباب المنتدى
0 الأمور المحببة إلى الزوج
رد مع اقتباس