|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 6077
|
الإنتساب : Jun 2007
|
المشاركات : 12,550
|
بمعدل : 1.93 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الحيدرية
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 18-03-2008 الساعة : 01:29 AM
إلى الفردوس الأعلى
وبعدما أدّى النبيّ العظيم رسالة ربّه إلى المسلمين، وأقام صروح الإسلام، وعيّن القائد العام لاُمّته الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، فقد اختاره الله تعالى إلى جواره لينعم في الفردوس الأعلى، فقد هبط عليه ملك الموت، فاستأذن بالدخول عليه، فخرجت إليه زهراء الرسول فأخبرته أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) مشغول بنفسه عنه، فانصرف ثم عاد بعد قليل يطلب الإذن، فأفاق النبيّ (صلّى الله عليه وآله) من إغمائه، والتفت إلى بضعته فقال لها:
(يا بنية، أتعرفيه؟).
(لا يا رسول الله…).
(إنّه معمّر القبور، ومخرّب الدور، ومفرّق الجماعات..).
وجمدت بضعة الرسول، وأخرسها الخطب، ولم تملك نفسها أن رفعت صوتها ودموعها تتبلور على وجهها الشريف قائلةً:
(وا أبتاه لخاتم الأنبياء، وا مصيبتاه لممات خير الأتقياء ولانقطاع سيّد الأصفياء، وا حسرتاه لانقطاع الوحي من السماء، فقد حرمت اليوم كلامك..).
وتصدّع قلب النبيّ على بضعتة وأشفق عليها، فقال لها مسلياً: (لا تبكي فإنّك أوّل أهلي لحوقاً بي..)(33).
وسكنت روعتها لمّا أخبرها أنّها لا تبقى بعده إلاّ قليلاً..وأذن النبي (صلّى الله عليه وآله) لملك الموت، فلمّا مثُلَ أمامه، قال له: (يا رسول الله، إنّ الله أرسلني إليك، وأمرني أن اُطيعك في كل ما أمرتني، إن أمرتني أن أقبض نفسك قبضتها، وإن أمرتني أن أتركها تركتها..).
فبهر النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وقال له: (أتفعل يا ملك الموت ذلك..).
بذلك اُمرت أن اًطيعك في كل ما أمرتنا..).
وهبط جبرئيل على النبي (صلّى الله عليه وآله)، فقال له: (يا أحمد، إن الله قد اشتاق إليك..)(34).
واختار النبيّ (صلّى الله عليه وآله) جوار ربّه والرحيل عن هذه الدنيا، فأذن لملك الموت بقبض روحه العظيمة، وفي هذه اللحظات ألقى الحسنان بأنفسهما على جدّهما، وهما يذرفان الدموع، والنبي يوسعهما تقبيلاً، وأراد الإمام أمير المؤمنين أن ينحّيهما عنه فأبى النبيّ، وقال له:
(دعمها يتمتّعان منّي وأتمتّع منهما فسيصيبهما بعدي إثرة..).
والتفت النبيّ إلى عوّاده فأوصاهم بعترته قائلاً:
(قد خلّفت فيكم كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فالمضيّع لكتاب الله كالمضيع لسنتّي، والمضيّع لسنّتي كالمضيع لعترتي، إنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض..)(35).
والتفت النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى باب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام، فقال له: (ضع رأسي في حجرك فقد جاء أمر الله، فإذا فاضت نفسي فتناولها وامسح بها وجهك، ثم وجّهني إلى القبلة، وتولّ أمري، وصلِّ عليِّ أوّل الناس، ولا تفارقني حتى تواريني في رِمسي، واستعن بالله عزّ وجلّ)(36).
وأخذ الإمام أمير المؤمنين رأس النبيّ فوضعه في حجره، ومدّ يده اليمنى تحت حنكه وشرع ملك الموت بقبض روحه الطاهرة، والرسول يعاني آلام الموت وقسوته حتى فاضت روحه العظيمة فمسح بها الإمام وجهه(37).
لقد ارتفع ذلك اللطف الإلهي الذي أضاء العقول وحرّر الأفكار، وأقام مشاعل النور في جميع بقاع الأرض.
لقد سمت روح النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى بارئها، وهي أقدس روح سمت إلى السماء منذ خلق الله هذه الأرض.
لقد أشرقت الآخرة لقدومه، وأظلمت الدنيا لفقده، وما أصيبت الإنسانية بكارثة أقسى وأعظم من فقد الرسول العظيم.
تجهيزه
وانبرى الإمام أمير المؤمنين(عليه السّلام) وهو خائر القوى، منهدّ الركن إلى تجهيز جثمان سيد الأنبياء (صلّى الله عليه وآله) فغسّل الجسد الطاهر، وهو يقول بذوب روحه:
(بأبي أنت واُمي، لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنباء وأخبار السماء، خصصت حتى صرت مسلياً عمّن سواك، وعممت حتى صار الناس فيك سواء. ولولا أنّك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع لأنفذنا عليك ماء الشؤون، ولكان الداء مماطلاً، والكد مخالفاً)(38).
وكان العباس واُسامة يناولانه الماء من وراء الستر(39).
وكان بدن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تفوح منه روائح الطيب، والإمام(عليه السّلام) يقول:
(بأبي أنت واُمّي يا رسول الله، طبت حيّاً وميّتاً..)(40).
وبعد الفراغ من غسله أدرجه الإمام في أكفانه ووضعه على السرير.
وأوّل من صلّى على الجثمان العظيم هو الله تعالى من فوق عرشه، ثمّ جبرئيل، ثم إسرافيل، ثم الملائكة زمراً زمراً(41).
وبعد ذلك صلّى عليه الإمام أمير المؤمنين، ثم أقبل المسلمون للصلاة عليه، فقال لهم الإمام: (لا يقوم عليه إمام منكم، هو إمامكم حيّاً وميّتاً)، فكانوا يدخلون رسلاً رسلاً فيصلّون عليه صفاً واحداً ليس لهم إمام، وأمير المؤمنين واقف إلى جانب الجثمان وهو يقول:
(السلام عليك أيّها النبي ورحمة الله وبركاته، اللّهم إنّا نشهد أنّه قد بلّغ ما اًنزل إليه لاُمّته، وجاهد في سبيل الله حتى أعزّ الله دينه وتمّت كلمته. اللّهم فاجعلنا ممّن يتّبع ما أنزل إليه وثبتنا بعده واجمع بيننا وبينه..).
وكانت الجماهير تقول: آمين(42). وقد نخب الحزن قلوبهم فقد مات من دعاهم إلى الحق، وحرّرهم من خرافات الجاهلية وأوثانها، وأقام لهم دولة تدعو إلى أنصاف المظلوم، وردع الظالم، وإشاعة الرفاهية والرخاء والأمن بين الناس.
مواراة الجثمان المقدس
وبعد أن أفرغ المسلمون من الصلاة على الجثمان العظيم وودّعوه الوداع الأخير، قام الإمام أمير المؤمنين(عليه السّلام) فوارى الجسد الطاهر في مثواه الأخير ووقف على حافة القبر وهو يروي ثراه بدموع عينيه، ويقول:
(إنّ الصبر لجميل إلاّ عنك، وإن الجزع لقبيح إلاّ عليك، وإنّ المصاب بك لجليل، وإنّه قبلك وبعدك لجلل..)(43).
لقد مادت أركان العدل وانطوت ألوية الحق، فقد غاب عن هذه الحياة سيّد الكائنات الذي غيّر مجرى التأريخ، وأقام صروح الوعي والفكر في دنيا العرب والإسلام.
يتبع
|
|
|
|
|