عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية الحيدرية
الحيدرية
شيعي حسيني
رقم العضوية : 6077
الإنتساب : Jun 2007
المشاركات : 12,550
بمعدل : 1.93 يوميا

الحيدرية غير متصل

 عرض البوم صور الحيدرية

  مشاركة رقم : 18  
كاتب الموضوع : الحيدرية المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 05-04-2008 الساعة : 07:37 PM


اعتذار مرفوض

وجهد أبو بكر وعمر على إرضاء زهراء الرسول وتطييب خاطرها على ما اقترفاه في حقها، فاستأذنا بالدخول عليها فأبت أن تأذن لهما، وعرضا على الإمام (عليه السّلام) رغبتهما الملحّة في مقابلة سيّدة النساء، فانطلق الإمام نحو الصدّيقة والتمس منها إجابتهما، فسمحت لهما بالدخول، فلمّا مثلا عندها أشاحت بوجهها عنهما، وقدّما إليها اعتذارهما، فقالت:

(أرأيتكما إن حدّثتكما حديثاً عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تعرفانه وتعملان به؟).

فأجابا: نعم.

فقالت: (نشدتكما الله، ألم تسمعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: رضا فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحبّ فاطمة ابنتي فقد أحبّني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني؟).

فقالا: نعم، سمعناه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

فانبرت حبيبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهي مغيظة محنقة فخاطبت أبا بكر وشاركت معه صاحبه قائلة:

(إنّي اُشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبيّ لأشكونكما إليه..).

وفزع أبو بكر وقال رافعاً عقيرته: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه ومن سخطك يا فاطمة.

ووجّهت إليه أعنف القول قائلة: (والله لأدعونّ الله عليك في كل صلاة اُصليها)(13).

وخرج أبو بكر ولم يظفر برضا زهراء الرسول (صلّى الله عليه وآله) وكان ذلك من أعظم الصدمات التي واجهها في أيام حكومته.

ومن الطبيعي أن عقيلة بني هاشم قد شاركت اُمها البتول في سخطها على أبي بكر، وعدم رضائها عنه.

مآسي البتول

وطافت موجات قاسية من الآلام والأحزان ببضعة الرسول ووديعته، فقد استغرق الأسى قلبها الرقيق المعذّب وغشيتها سُحب قاتمة من اللوعة والحزن على فقد أبيها الذي كان عندها أعزّ من الحياة، وكانت تزور بلهفة جسده الطاهر فتطوف حوله وهي ذاهلة اللبّ منهدة الكيان فتلقي بنفسها عليه، وتأخذ حفنة من ترابه الطاهر فتضعه على عينيها، وهي تبكي أمرّ البكاء وأقساه، وتقول:

مّـــــاذا عــــّلى مّــــــن شّمَّ تُربَةَ أَحمَـدٍ أَن لاَ يَـــــشم مـــــدى الــزمان غواليـا

صـــــبت عــــــلىّ مــــــصائب لو أنـها صــــبـت عـــــلـى الأيــــام صرن لياليا

قــــــل لـــــلمغيب تـــحت أطباق الثرى إن كنـــــت تـــــــسمع صرختي وندائيا

قـــــد كــــنت ذات حمى بــــــظل محمد لا أختشي ضـــــيمـاً وكـــــــان جمالـيا

فـــــاليوم أخـــــضع لــــلذليـل وأتـــقى ضـيمي وأدفــــــع ظـــــالـمي بـــردائيا

فـــــإذا بـــــكت قـــمرية فــــــي لـيلـهـا شجناُ عــــلى غـــــصن بكيـت صباحيا

فـــــلأجعلن الــــحزن بــــعدك مـؤنسي ولأجــــعلــنّ الـــدمع فـــــيك وشـــاحيا(14)

وحكت هذه الأبيات ما عانته زهراء الرسول من لوعة وشجون على فراق أبيها الذي استوعب حبّه عواطفها ومشاعرها، وقد بلغ من عظيم حزنها عليه أنّه لو صبّت مصائبها على الأيام لخلعت ضياءها ولبست السواد القاتم.

كما صوّرت هذه الأبيات الرقيقة مدى عزّتها وعظيم مكانتها في أيام أبيها سيّد الكائنات، فقد كانت من أعزّ وأمنع نساء المسلمين، ولكنها بعد فقد أبيها تنكّر لها أصحابه، وأجمعوا على هضمها والغضّ من شأنها حتى صارت تخضع للذليل، وتتقي الظالمين لها بردائها، إذ ليس عندها قوة تحميها ولم تكن تأوي إلى ركن شديد.

وقد خلدت بضعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) ووديعته إلى الأسى والحزن، وقد وجدت في البكاء راحة نفسية لها، وبلغ من عظيم وجدها على أبيها أنّ أنس مالك استأذن عليها ليعزّيها بمصاب أبيها، وكان ممّن وسّد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مثواه الأخير فقالت له: (هذا أنس بن مالك؟).

نعم، يا بنت رسول الله.

فانبرت وهي تلفظ قطعاً من قلبها المذاب قائلة:

(كيف طابت نفوسكم أن تحثّوا التراب على رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟)(15).

وغرق أنس في البكاء، وانصرف وقد نخب الأسى فؤاده. وبلغ من عظيم حزن الصدّيقة على أبيها أنّها كانت تطالب الإمام أمير المؤمنين عليه السلام أن يريها القميص الذي غُسِّل فيه أباها رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فإذا جاء به إليها تأخذه بلهفة وتوسعه تقبيلاً وشمّاً لأنّها تجد فيه رائحة أبيها الذي غاب في مثواه.

وخلدت زهراء الرسول إلى البكاء في وضح النهار وفي غلس الليل، وظل شبح أبيها يطاردها في كل فترة من حياتها القصيرة الأمد، وكانت ابنتها الصدّيقة الطاهرة زينب في حزن بهيم تنظر إلى اُمّها وقد أشرفت على الموت من كثرة البكاء على أبيها فكانت تشاركها في أحزانها وآلامها ولوعتها.

وثقل على أتباع أبي بكر بكاء الصدّيقة على أبيها فشكوا ذلك إلى الإمام أمير المؤمنين، وطلبوا منه أن يجعل لبكائها وقتاً خاصاً، فعرض الإمام عليها ذلك فأجابته، فكانت في نهارها تمضي إلى خارج المدينة وتصحب معها ولديها الحسن والحسين وزينب فتجلس تحت شجرة من الأراك، وتأخذ باللوعة والبكاء على أبيها طيلة النهار فإذا أوشكت الشمس أن تغرب قفلت مع أبنائها إلى الدار، وعمد القوم إلى تلك الشجرة فقلعوها فكانت تبكي في حرّ الشمس، فسارع الإمام أمير المؤمنين(عليه السّلام) فبنى لها بيتاً سماه (بيت الأحزان)، وظل هذا البيت رمزاً لأساها وغضبها على القوم على مرّ العصور، ويقول الرواة إن الإمام قائم آل محمد(عليه السّلام) قال في هذا البيت:

أم تــــــراني اتـــــخذت لا وعــلاها بـــعد بــــيت الأحــزان بيت سرور

وكانت بضعة رسول الله وحبيبته مع أطفالها يمكثون طيلة النهار في ذلك البيت الحزين، وهي تناجي أباها وتندبه وتبكيه، فإذا جاء الليل أقبل الإمام (عليه السّلام) فأرجعها مع أطفالها إلى الدار.

واستولى الحزن على بضعة الرسول وذاب جسمها، وقد فتكت بها الأمراض فلازمت فراشها، ولم تتمكّن من النهوض والقيام، وكانت ابنتها العقيلة إلى جانبها تقوم بخدماتها ورعايتها، وبادرت السيّدات من نساء المسلمين إلى عيادتها فقلن لها: كيف أصبحت من علّتك يا بنت رسول الله؟

فرمقتهن بطرفها وأجابتهن بصوتٍ خافت مشفوع بالأسى والحسرات قائلة:

(أجدني كارهة لدنياكن، مسرورة لفراقكن، ألقى الله ورسوله بحسرات، فما حُفِظ لي الحق، ولا رعيت مني الذّمة، ولا قبلت الوصية، ولا عُرِفت الحرمة..)(16).

أجل لم يحفظ حقّها، ولم ترع ذمّتها، فقد أصرّ القوم على هضمها والتنكر لها، وانصرفن النسوة وقد غامت عيونهن بالدموع، وعرضن على أزواجهن كلمات زهراء الرسول وغضبها عليهم، وقد عرفوا مدى تقصيرهم في حقها..وهرعت بعض اُمّهات المؤمنين إلى عيادتها فقلن لها:

يا بنت رسول الله، صيري لنا في حضور غسلك حظاً(17).

فلم تجبهن إلى ذلك، وقالت: (لا حاجة لي في حضوركن).

إلى جنة المأوى

وذوت بضعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) كما تذوي الأزهار، ومشى إليها الموت سريعاً وهي في شبابها الغضّ الإهاب، وبدت لها طلائع الرحيل عن هذه الحياة التي استهانت بها، وطلبت حضور ابن عمّها أمير المؤمنين عليه السّلام، فعهدت إليه بوصيتها، وأهم ما فيها:

1 - أن يواري جثمانها المقدّس في غلس الليل البهيم.

2 - أن لا يحضر جنازتها أحد من الذين هضموها وظلموها فإنّهم أعداؤها وأعداء أبيها على حدّ تعبيرها.

3 - أن يعفي موضع قبرها ويخفيه ليكون رمزاً لغضبها على القوم غير قابل للتأويل والتصحيح على ممر الأجيال الصاعدة. وضمن لها الإمام جميع ما عهدت به إليه، وانصرف عنها وهو غارق في الأسى والشجون.

وطلبت بضعة الرسول (صلّى الله عليه وآله) من أسماء بنت عميس أن يصنع لها سرير يواري جسدها الطاهر، فقد كانت العادة بوضع الأموات على لوحة تبدو فيها أجسامهم، وكرهت ذلك سيّدة النساء، فعملت لها أسماء سريراً يستر من فيه كانت قد رأته حينما كانت في الحبشة، فلما نظرت إليه ابتسمت وهي أول ابتسامة شوهدت لها منذ أن لحق أبوها بالرفيق الأعلى(18).

وفي آخر يوم من حياة الصدّيقة أصبحت وقد ظهر عليها بعض التحسّن، وبدا عليها الفرح والسرور فقد علمت أن هذا اليوم هو خاتمة حياتها وفيه تلتحق بأبيها الذي هو عندها أعزّ من الحياة، وعمدت الصدّيقة إلى أطفالها فغسلتهم وصنعت لهم من الطعام ما يكفيهم يومهم، ثم أمرت ولديها الحسن والحسين أن يخرجا لزيارة قبر جدهما ولا يشاهدا وفاتها، وألقت عليهما وعلى بنتها زينب نظرة الوداع وقلبها الزاكي يذوب ألماً وحزناً، وخرج الحسنان وقد هاما في تيارات من الهواجس وأحسّا ببوادر مخيفة أغرقتهما بالهموم والأحزان.

والتفتت وديعة النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلى أسماء بنت عميس، وكانت تتولّى تمريضها وخدمتها، فقالت لها: (يا اُمّاه).

نعم يا حبيبة رسول الله.

(اسكبي لي غسلاً).

فسارعت أسماء وأتتها بالماء فاغتسلت فيه، وقالت لها: (ايتيني بثيابي الجدد).

فأحضرتها لها، وقالت لها: (اجعلي فراشي في وسط البيت).

وذعرت أسماء، وعلمت أن الموت قد دنا من وديعة النبيّ، وصنعت لها ما أرادت فاضطجعت في فراشها، واستقبلت القبلة ونادت أسماء قائلة بصوت خافت: (يا اُمّاه، إني مقبوضة الآن، وقد تطهّرت فلا يكشفني أحد).

وأخذت تتلو آيات من القرآن الكريم حتى صعدت روحها الطاهرة إلى الله تحفّها ملائكة الرحمن، ويستقبلها أبوها التي كرهت الحياة من بعده.

لقد سمت تلك الروح إلى جنان الخلد فأشرقت الآخرة بقدومها، وأظلمت الأرض لفقدها، فما أضلّت سماء الدنيا مثلها في قداستها وطهرها، وقد انقطع بموتها آخر من كان في الدنيا من نسل رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وكانت زينب إلى جانب اُمّها وقد رأتها جثة هامدة قد انقطعت عنها الحياة فذابت أسى، وعجّت بالبكاء والعويل.

وقفل الحسنان من مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إلى الدار فلم يجدا اُمّهما فيها فبادرا يسألان أسماء قائلين: (أين اُمنّا؟).

فأجابتهما وهي غارقة في البكاء قائلة:

يا سيّدي إنّ اُمّكما قد ماتت فأخبرا بذلك أباكما.

وكانت هذه المفاجأة كالصاعقة فهرعا إلى جثمان اُمّهما، فوقع عليها الحسن وهو يقول:

(يا اُمّاه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني..).

وألقى الحسين بنفسه وهو يعجّ بالبكاء قائلاً: (يا اًمّاه أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن ينصدع قلبي..).

وأخذت أسماء توسعهما تقبيلاً وتواسيهما بمصابهما الأليم، وطلبت منهما أن يخبرا أباهما بموت سيّدة النساء وسارعا نحو مسجد رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد علا صوتهما بالبكاء فاستقبلهما المسلمون قائلين: ما يبكيكما يا بْني رسول الله، لعلّكما نظرتما قبر جدكما فبكيتما.

فأجابا: (أوَليس قد ماتت اُمّنا فاطمة!).

وهزّ النبأ المؤلم مشاعرهم، فقد ندموا على تقصيرهم تجاه بضعة الرسول الله (صلّى الله عليه وآله)، فقد ماتت وهي ساخطة عليهم لأنّهم لم يحفظوا مكانتها من رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

ولمّا علم الإمام بموت الصدّيقة تصدّع قلبه وودّ مفارقة الحياة، ورفع صوته قائلاً:

(بمن العزاء يا بنت محمّد، كنت بك أتعزّى، ففيم العزاء من بعدك..).

وخفّ مسرعاً نحو البيت وهو يذرف أحرّ الدموع، وألقى نظرة على جثمان حبيبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وهو يقول:

لكـــــل اجـــــتماع من خليلين فرقة وكل الــــذي دون الفـــــراق قــليل

وإن افتـــــقادي فـــــاطماً بعد أحمد دلـــيل عـــلى أن لا يــــــدوم خليل

وكانت العقيلة زينب إلى جانبها أُمّها وهي تعجّ بالبكاء قد ذاب قلبها فقد فقدت جميع آمالها، وليس شيء أوجع على الطفل من فراق اُمّه.

وهرع الناس من كل صوب نحو بيت الإمام، وقد ساد فيهم وجوم رهيب، وعهد الإمام إلى سلمان الفارسي أن يخبر الجماهير بأن مواراة جثمان بضعة الرسول قد اُجّل هذه العشية فقفلوا إلى منازلهم، وأقبلت عائشة وهي تريد الدخول إلى بيت الإمام لتشاهد جثمان حبيبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فحجبتها أسماء ومنعتها من الدخول قائلة: قد عهدت إليّ أن لا يدخل عليها أحد(19).

ولمّا مضى شطر من الليل قام الإمام أمير المؤمنين(عليه السّلام) فغسّل الجسد الطاهر، ومعه الحسنان وأسماء وزينب وهي تنظر إلى جثمان اُمّها وقد نخب الحزن قلبها، وتبكي عليها كأقسى وأمرّ ما يكون البكاء، وبعد الفراغ من الغسل أدرجها في أكفانها، ودعا بأطفالها الذين لم ينتهلوا من حنان اُمّهم ليلقوا عليها نظرة الوداع، فألقوا بنفوسهم على جثمان اُمّهم وهم يوسعونها تقبيلاً وقد مادت الأرض من كثرة صراخهم وبكائهم، وبعد انتهائهم من الوداع عقد الإمام عليها الرداء، ولمّا حلّ الهزيع الأخير من الليل قام فصلى على الجسد الطيب، وعهد إلى من كان معه من خلّص صحابة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أمثال سلمان الفارسي وبني هاشم فحملوا الجثمان المقدّس إلى مثواه الأخير، وأودعها في قبرها، وأهال عليها التراب، وعفى موضع قبرها ليكون دليلاً حاسماً على غضبها ونقمتها على من غصب حقها، ووقف الإمام الثاكل الحزين على حافة القبر وهو يروي ثراه بدموع عينيه، وقد طافت به موجات من الحزين والألم القاسي، فأخذ يؤبّن زهراء الرسول بهذه الكلمات التي تحكي لوعته وأساه على هذا الرزء القاصم وقد وجّه خطابه إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يعزّيه قائلاً:

(السلام عليك يا رسول الله عني وعن ابنتك النازلة في جوارك السريعة اللحاق بك.

قلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري، ورقّ عنها تجلّدي، إلاّ أنّ في التأسّي بعظيم فرقتك، وفادح مصيبتك موضع تعزٍ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك، وإنّا لله وإنّا إليه راجعون لقد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسّهد إلى أن يختار الله لي دارك التي أنت بها مقيم، وستنبئك ابنتك بتضافر اُمّتك على هضمها، فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، هذا ولم يطل العهد ولم يخل منك الذكر، والسلام عليكما سلام مودعٍ لا قالٍ ولا سئم، فإن أنصرف فلا عن ملالة، وإن اُقم فلا عن سوء ظنٍ بما وعد الله الصابرين..)(20).

وحكت هذه الكلمات الحزن العميق والألم الممض الذي في نفس الإمام، فقد أعلن شكواه إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على ما منيت به حبيبته من الخطوب والنكبات، ويطلب منه أن يلحّ في السؤال منها لتخبره بما جرى عليها من الظلم في الفترة القصيرة التي عاشتها بعده.

كما أعلن الإمام عن أساه وشجاه على فقده لبضعة الرسول، فهو في حزن دائم وليل مسهد، لا تنطفئ عنه نار اللوعة عليها حتى يلتحق إلى جوار الله، وإنّه إذ ينصرف عن قبرها المقدّس فليس ذلك عن سأم ولا عن ملالة وكراهية، ولكن استجابة لتعاليم الإسلام الآمرة بالخلود إلى الصبر، ولولا ذلك لأقام عنده ولا يريم عنه.

وعاد الإمام إلى داره بعد أن وارى جثمان سيّدة نساء العالمين في مثواها الأخير، وقد نخب الحزن فؤاده ينظر إلى أطفاله وهم يبكون اُمّهم أمّر البكاء وأشجاه خصوصاً العقيلة زينب فكانت تندب اُمّها بذوب روحها تبكي عليها صباحاً ومساءً قد خلدت إلى الأسى والحزن.

لقد قطعت عقيلة بني هاشم دور طفولتها الحزينة وقد طافت بها الآلام القاسية والرزايا الموجعة، فقد فقدت جدّها رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الذي كان يفيض عليها بعطفه وحنانه، ولم تمض بعد وفاته إلاّ أيام يسيرة حتى فقدت اُمّها الرؤوم التي عاشت في هذه الدنيا وعمرها كعمر الزهور، وفاجأها الموت وهي في شبابها الغضّ الأهاب، فقد صبّت عليها الكوارث والمصائب، والتي كان من أقساها جحد القوم لحقّها وإجماعهم على هضمها وهي ابنة نبيّهم الذي بر بدينهم ودنياهم.

لقد وعت حفيدة الرسول (صلّى الله عليه وآله) وهي في سنّها الباكر الأهداف الأساسية التي دعت القوم إلى هضم اُمّها وجحد حقوقها وإقصاء أبيها عن قيادة الاُمّة، كل ذلك طمعاً بالحكم والظفر بالإمرة والسلطان.


يتبع مع وفاة ابي بكر

توقيع : الحيدرية






من مواضيع : الحيدرية 0 بيتزا التوست
0 كلـمات جمـيلة
0 كرات البطاطا بالصور
0 صور حلويات اهداء الى بنات وشباب المنتدى
0 الأمور المحببة إلى الزوج
رد مع اقتباس