|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 18499
|
الإنتساب : Apr 2008
|
المشاركات : 257
|
بمعدل : 0.04 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
ولد الشيخ
المنتدى :
منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
بتاريخ : 19-05-2008 الساعة : 10:37 PM
اعتراف معاوية:
مما سبق يتضح جلياً ما لعليّ من شخصية ذات مؤهلات وكفاءات عالية رفيعة... وهو ما لم يدركه المحبون والمؤمنون والذين يشتاقون لرؤيته وزيارته، فقط، بل يدركه أيضاً أولئك الكارهون والمعادون.. وعليه فقد كان علي الأكبر مثار إعجاب الأعداء فضلاً عن الأصدقاء والتابعين باحسان.
إعجاب يجبرهم عليه شخصه، إذ يفرض نفسه فرضاً بما يتمتع به من مواصفات كبرى، بحيث شهدوا له رغماً عنهم واعترفوا به وهو غني عنهم، ومدحوه وهم له ولأسرته كارهون ولرسالته وأهدافه مبغضون، هكذا هم الأعداء، فما ظنك بما ينبغي أن يقوله الأصدقاء؟!
والعدو يندر أن يتكلم ويقول الحقيقة، ولكنه يأتي بها مشوهة نسبياً، وفي حالات ونوبات نفسية معينة، وخلال شكهٍ بنفسه وفقدانه الثقة بشخصه، ولهذا قال معاوية - وغيره كثيرون - في الإمام عليّ أمير المؤمنين وعموم أهل البيت النبوي ما قال وصرح بعظمة علي أمير المؤمنين، ولا يسعنا هنا أن نذكر ذلك..
والآن نذكر الرواية التالية عن أبي الفرج الأصفهاني التي سجلها في معرض حديثه عن علي الأكبر فقال:
((وإياه عنى معاوية في الخبر الذي حدثني به محمد بن محمد ابن سليمان. قال حدثنا يوسف بن موسى القطان، قال حدثنا جرير، عن مغيرة قال؛ قال معاوية: من أحق الناس بهذا الأمر (أي الخلافة) ؟؟))(2).
فأجابه جلساؤه فوراً. بأنه هو هو أحق بهذا الأمر وبالخلافة.. لم تكن الجلسة جلسة مداعبة أو لهو.. وبالضبط لم يكن السؤال لمجرد التفكه، كما قد يتوهم الساذج، ولم يطرحه معاوية على سبيل الفكاهة.. وقد تتجلى جدية السؤال من خلال نفي معاوية نفسه للجواب الفوري الذي حصل عليه.
((من أحق الناس بهذا الأمر؟ قالوا: أنت.. قال: لا)) (3).
وهم يعلمون أنّهم أكذب الناس طراً حينما أجابوه فوراً دونما تفكير.. ورفض معاوية جوابهم الذي يعرفه ويعرفهم سلفاً.. ولم يسكت معاوية إذ أردف بالجواب بعد نفيه، فيبدو أن في خلده شيء وقد اختلج في صدره شيء فاعتملت فيه واستحوذت عليه، سيما وأن الحقيقة لا يمكن أن تخفى، بل كل شيء عموماً خاضع للكشف: ((ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه)) (4) وهكذا اعترف معاوية:
((.. لا .. ان أولى الناس بهذا الأمر: علي بن الحسين بن علي (عليه السلام)، جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وفيه شجاعة بني هاشم، وسخاء بني أمية وزهو ثقيف)) (5). (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا) قرآن كريم.
لنقف كيما نعقب فنقول:
1 - إن كلام معاوية قاصر عن تحديد حقيقة مواصفات الخليفة المرجو، وما ينبغي أن يكون عليه من يجب أن يتولى الأمر..
فثمة شروط للخلافة لم يذكرها معاوية وهي متوفرة في علي الأكبر.. ترى هل نسيها أو تناساها؟ أم خشي الفضيحة لو ذكرها وهو خلو منها.. فقد تجاهل الاعتبارات الكبرى والشرائط العظمى للخليفة وولي الأمر، ذكراً ثلاث صفات سنعلق عليها..
2 - وتجنب معاوية إبراز خصوصيات الهاشميين ومؤهلاتهم الجليلة، فلم يذكر سوى ما هو مشهور عنهم وهي الشجاعة ((وفيه شجاعة بني هاشم)) وكأن ليس لني هاشم غير الشجاعة! وكأن هذه الصفة ركيزة يعول عليها الخليفة..!!.
3 - ثمّ أن عليّ الأكبر - وعموم أهل البيت - يتنزهون عن الزهو، حتى يصفه.. معاوية بأن له زهو ثقيف..
4 - وحاول بكلامه جر مواصفات علي إلى الأموية، وأراد فرض العنصر الأموي في سلوك عليّ الأكبر - لأن جدته لأمه من بني أمية -، فقال عنه وفيه ((سخاء بني أمية)) والحق أن سبب ربط السخاء بالاموية، يرجع إلى شهرة عليّ الأكبر بالجود والكرم والعطاء، وإلى تصنع معاوية لتلبس شخصه وحكمه ألبسة براقة، فلطالما، أخذ مواصفات ومميزات أهل الحق والحقيقة، كالحلم والعفو، كالذكاء والدهاء، كالعدل وحسن السيرة.. لقد قام معاوية باقتباسها له.. فتوشح بها واستعار أوستمها دون معانيها.. وأسماءها دون مسمياتها...
5 - وعلى كل حال، فنحن نرى أن الزهو ليس مما يشترط توفرها عند الخليفة، كما أن السخاء ليس ضرورة أو من أوليات صفات الخليفة، أما قوله ((جده رسول الله)) فهذا صحيح ولكنه لا يكفي مبرراً لتولي الأمر - حسبما علمنا أهل البيت أبناء الرسول وأحفاده - فبعد النسب لآل الرسول يجب حضور الشرائط والكفاءات.. فلماذا لم يذكر معاوية أهم تلك الشرائط، وأولويات صفات ولي الأمر..
6 - لماذا تجاهل معاوية والد علي وهو الإمام الحسين بن علي.. ؟؟ لابدّ أنّ تجاهله الإمام (عليه السلام)، لأنه في مقام الندِّ له والواقف له بالمرصاد، بحيث لو تحرك لحرب الأموية بنفسه لكان هناك مستساغاً حتى عند معاوية وجلسائه، بينما ذكره لعلي الأكبر أهون وأخف لأن علياً لا يخرج لحرب معاوية لوحده..
7 ـ وسواء كان أولى الناس هو علي الأكبر أو والده الإمام الحسين أو أهل البيت، فما المبرر الذي يبقي معاوية على عرش الملك بصفة ولي الأمر وخليفة رسول الله، (وأبناء رسول الله محكومون مهددون)؟؟ . يبدو أن مجلسه يخلو من رجل صريح يسأله عن سبب قعوده وعدم تسليمه الحكم لبني هاشم أو لعلي..
8 - وانما سجلنا الرواية مع وقفة وتأمل، فليست لأن الرواية تزيد ايمانناً بقضايانا، كلا فنحن علي إيمان راسخ بحقيقة الخلافة والإمامة ولمن تجب. ولو أن معاوية وأبناءه وأمثالهم قد كذبوا الحق وحاربوه ومهما عملوا، كما قد فعلوا، لما ارتبك القلب واضطرب الفؤاد أو ضعف الإيمان..
وليس كلام معاوية بمفرح مبهج لنا، بقدر ما هو برهان ودليل وحجة، هكذا نأخذه لا كلام نفرح به ونتسلى به.. أو ندهش ونعجب له.. ((والفضل ما شهدت به الأعداء)).
ذلك هو علي الأكبر في شخصيته الفذة العظيمة، ذلك هو الشاب المبدئي صاحب المواقف الجريئة والملامح المضيئة، الذي أضحى ملء العين.. رضى لله وعطاءاً للأمة.
وأخيراً فقد أطلقنا لفظة (( اعتراف.. ولم نقل شهادة معاوية فلأسباب موضوعية. منها:
1- أننا لا نحتاج لشاهد على ما نقول، ولا نحتاج لشهادة العدو.
2 - أنه اعتراف بمعنى الكلمة على أولاً الشخصية الفذة لعلي. وثانياً عدم جدارته هو - معاوية - وافتقاره للكفاءة في منصبه.. هذا الفهم وهذه الإفادة ليست مجرد شهادة وإنما اعتراف.. (وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ) قرآن كريم..
________
1- مقاتل الطالبيين : 81 .
2- مقاتل الطالبيين : 80 .
3 - مقاتل الطالبيين : 80 .
4- نهج البلاغة : ج 4، ص 569 .. وهذه قاعدة يخضع لها محب علي وعدو علي عليه السلام.
5- مقاتل الطالبيين : 80 .
|
|
|
|
|