عرض مشاركة واحدة

مسلم وكفى
مــوقوف
رقم العضوية : 11539
الإنتساب : Oct 2007
المشاركات : 80
بمعدل : 0.01 يوميا

مسلم وكفى غير متصل

 عرض البوم صور مسلم وكفى

  مشاركة رقم : 18  
كاتب الموضوع : حيدر الساعدي المنتدى : المنتدى العقائدي
افتراضي
قديم بتاريخ : 26-05-2008 الساعة : 08:37 PM


بداية أشكر الأخ حيدر الحسناوي على بادرته وأرجو من الله أن يوفقه لكل خير. لكني أحب أن أنبهه أن أكثر مواضيع الزملاء الشيعة هي كذلك منقولة، والنقل ليس عيبا ولكن على الناقل أن يفهم ما ينقله ويستوعبه بحيث يمكنه مناقشة ما فيه والرد على محاوره.

أخي حيدر الساعدي، يسعدني أنا أيضا أن أحاور شخصا مثلك يتحلى بالأدب والأخلاق الرفيعة والحيادية، وآمل بإذن الله أن نصل إلى شيء فيه خير لنا جميعا .. وعذرا على التأخير

قبل الحديث عن الآيات أود أن أوضح لك منهجي في التعامل مع آيات القرآن في باب الاعتقاد، فأنا لا أحب اللجوء كثيرا إلى كتب التفاسير في شرح الآيات، فالقرآن بحمد الله واضح في كلماته وعباراته لا سيما في مسائل العقيدة، تأتي الآيات في هذا الباب مفصلة تفصيلا لا مزيد عليه، وهذا بخلاف مسائل العبادات والمعاملات فهي تحتاج الرجوع إلى السنة لبيان التفاصيل، ولعلَّ الله عز وجلَّ أراد أن يجعل هذا الكتاب ميسرا للباحث عن الحق، كيف لا وهو يقول: {ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدَّكر}.
وستجد بإذن الله أن الآيات لا تحتاج إلى كبير عناء في شرحها وتبيين المراد منها، وأن أفضل طريقة هي تفسير القرآن بالقرآن.


بالنسبة للآيات التي ذكرتها، فاعلم أخي الحبيب أن الآيات الأربعة الأولى التي تفضلتَ بذكرها تبين كيف يطلب الإنسان ممن هو أصلح منه أن يدعو الله له لمظنة الإجابة عنده، وهذا أمر لا غبار عليه، إذا عرفتَ رجلا ظاهره الصلاح يجوز لك أن تطلب منه أن يدعو الله لك بالمغفرة أو أي حاجة أخرى لأنه ربما يكون أقرب إلى الله فيجيب دعاءه.
ففي الآية الأولى يخبر الله تعالى عن المنافقين إعراضهم عن اتباع الرسول وأنهم كثيرا ما أجرموا في حق أنفسهم ولا يفكرون في التوبة والرجوع إلى الله فيدعوهم ربهم إلى أن يستغفروا الله ويطلبوا من الرسول e أن يستغفر لهم حتى يرضى الله عنهم لأنهم كانوا يُسرون الكفر به e ويعرضون عن تحكيمه في شئونهم، فذهابهم إلى النبي e مستغفرين دليل على صدقهم في توبتهم؛ لهذا قال بعدها {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما}.

ومثلها آية أولاد يعقوب فإنهم طلبوا من أبيهم أن يستغفر لهم أي يطلب من الله المغفرة لهم، لأنه جرمهم كان عظيما ويخشون ألا يغفره الله فطلبوا من أبيهم النبي يعقوب عليه السلام.

أما الآيتان الآخريان فالمنطق واحد لكن المثال يختلف إذِ الطالب هنا هم قوم فرعون الكفرة يطلبون من موسى أن يدعو الله لهم أن يكشف عنهم ما أصابهم من البلاء بسبب كفرهم وإعراضهم، وطبعا فعلهم هذا هو في الأصل ليس حجة لأنهم كفار ولا عبرة بأفعالهم، ولكن الفعل نفسه لا شيء فيه كما سبق في الآيتين الأوليين.

وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم لا يرون بأسا بهذا أن يطلب الأخ من أخيه أن يستغفر له حتى ولو كان الطالب فاضلا والمطلوب منه مفضولا، كما جاء في حديث مسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما التقى بأويس القرني طلب منه أن يستغفر له مع أن عمر أفضل من أويس، يقول عمر: «سمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ فَاسْتَغْفِرْ لِي فَاسْتَغْفَرَ لَهُ ..»

ورغَّب النبي e في دعاء المسلم لأخيه المسلم بظهر الغيب، فقال: «من دعا لأخيه بظهر الغيب قال الملك الموكل آمين ولك بمثل». ولهذا يُستحب للمسلم أن يدعو لأخيه بظهر الغيب ليكون أقرب إلى الإجابة.

وهذا كان يُعرف عند في القرون الأولى بالتوسل، أي يطلب المسلم ممن يتوسم فيه الصلاح أن يدعو الله له، كما جاء في الحديث المشهور الذي توسل فيه عمر رضي الله عنه بالعباس عم النبي e حيث قال «اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، ..» أي يطلبون منه دعاء الاستسقاء لنزول المطر فيصلي بهم.

لكن عند المتأخرين أصبح التوسل يعني سؤال الله تعالى بذوات الصالحين، كأن يقول الداعي "اللهم بحق نبيك أسألك أن تغفر لي" وما شابهه، وهذا التوسل منعه جمهور الأحناف والمالكية وأجازه بعض الشافعية والحنابلة، والصحيح أنه بدعة محدثة، لكنه لا يدخل في الشرك الذي هو محور حديثنا، لأن الداعي إنما يدعو الله وحده ويطلب من الله لا من غيره، بخلاف من يدعو أحدًا غير الله ابتداءً، مثل: يا عليُّ فرِّج همي.. يا حسين، اهدني واشفني وارزقني .. إلخ.

فليست هنا ثمت وسيلة، إنما الدعاء بين الداعي والمدعو مباشرة، ولا وجود لله تعالى هنا في هذا الدعاء. بل أصبح الداعي يدعو مخلوقا غير الله فصرف هذه العبادة العظيمة التي هي الدعاء إلى مخلوق لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا.

وأما آية الوسيلة {وابتغوا إليه الوسيلة} فالوسيلة معناها لغةً القربى، وجاء معناها في المعاجم "ما يُتقرب به إلى الغير" والمراد هنا في الآية التقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة كالصلاة والصيام والصدقة وبر الوالدين وصلة الرحم ..إلخ. فهذه كلها وسائل للتقرب إلى الله تعالى وهو أول ما ينصرف إليه الذهن، و جاء في الدعاء بعد الآذان "آتِ محمدًا الوسيلة" أي القرب من الله تعالى لأنها أعلى درجات الجنات.

ولهذا لا يمكن الاستدلال بالآية أصلا على التوسل البدعي عند المتأخرين فضلا عن الاستدلال بها على صرف الدعاء لغير الله تعالى وسائر أنواع العبادات التي لا يصح صرفها لغير الله.

والحق أن التوسل أصبح لفظا مطاطا يطلق في عصرنا هذا، فيُطلق على أمور كثيرة لا صلة لها بالتوسل، فالذي يدعو الأموات من دون الله ويستغيث بهم في الشدائد يسمي ما يفعله توسلا، والذي يذبح وينذر لغير الله يسميه توسلا، والذي يطوف بغير بيت الله يسميه توسلا .. إلخ.



أما بقية الآيات التي ذكرتُها أنا وتطلب مني إيضاح بعض الكلمات التي وردت بها، وهي تنحصر في كلمتين (من دون الله) و (إلها آخر)

أخي الكريم، كلمة (من دون الله) الدون معناها القلة والصغر والسفول، ودون الله أي من هم أصغر وأقل من الله الإله العظيم، أي إنهم تجاوزوا الإله الحق إلى غيره من معبوداتهم الذين هم أقل شأنا وأصغر منزلةً، وتجد هذه المعاني في كثير من آيات القرآن مثل {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} أي ما هو أقل من ذلك.
وقوله تعالى {وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك} أي منا الذي نزلوا عن درجة الصلاح إلى الفساد.

وعن كلمة (إله آخر) في قوله تعالى {ولا تدع مع الله إلها آخر} فالإله الآخر هو من يتوجه إليه بُصرف العبادات إلى غير الله، فهو يعبد الله عز وجل ولكنه يشرك معه غيره بصرفه أنواعا من العبادات إلى غيره؛ لهذا قال في الآية {مع الله} أي إنه يعبد الله ويعبد معه إلها آخر.
والإله يُطلق على كل من معبود يُصرف إليه العبادة، حتى وإن لم يُسمِّه المعبود بهذا الاسم؛ إذ العبرة بالمعاني لا بالألفاظ، فالعرب كانوا يتخذون آلهة شتى يعبدونها مع الله لكنهم يقرون بوحدانية الله في الربوبية فلا يشاركه معه ربُّ آخر يخلق ويرزق مثله، ولأنهم أهل اللسان ويعرفون لغتهم العربية فكانوا يُطلقون على أوليائهم الصالحين آلهة لأنهم يتوجهون إليها بالدعاء والنذر والذبح والسجود والتعظيم وغيره.

ولا يوجد أحدٌ من المشركين أنكر وجود الله عز وجل، أو ادعى أن هنك إلهًا غيره خلق العالم، أو أن هناك آلهة أخرى تشارك الله في الخلق والتدبير، كلا بل كلهم مقرون على وحدانية ربوبية الله {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } [يونس 31-32]

وفقك الله وأعانك وسدَّد خطاك ..


من مواضيع : مسلم وكفى 0 مسلم جديد
رد مع اقتباس