|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 13143
|
الإنتساب : Nov 2007
|
المشاركات : 7,797
|
بمعدل : 1.23 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
أرجوان
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 20-07-2008 الساعة : 01:27 PM
كم من عدوّ انتضى علَيّ سيفَ عداوتِه... وداف لي قواتلَ سمومه.. وأضمر أن يسومَني المكروه..
فنظرتَ إلى ضعفي عن احتمال الفوادح.. وعجزي عن الانتصار.. فأيّدتني بقوّتك، وشددتَ أزري بنصرك... فلك الحمد يا ربّ.. مِن مقتدر لا يُغلَب..
صلِّ على محمّد وآل محمّد.. واجعلني لأنعُمِك من الشاكرين.. ولآلائك من الذاكرين ).
هناك في حفر الظلام أشباح تترصد.. تنصب الأفخاخ.. وتترصد الضحايا هناك عناكب تنسج بيوتاً واهنة وتنتظر.. وهناك ابتسامات، ولكنها في الحقيقة أنياب مكشِّرة تنزّ صديداً:
ـ ( الهي..
وكم من باغٍ بغاني بمكائده، ونصب لي أشراك مصائده...
وأخبأ إليّ اخباء السَّبُع لطريدته، انتظاراً لانتهاز فرصته.. فلمّا رأيتَ قبح سريرته، وقبح ما انطوى عليه..
أركستَه لأمّ رأسه، وأثنيت بنيانه من أساسه.. ورميته بحجره، وأرديته في حفرته..
فلك الحمد يا ربّ مِن مقتدر لا يُغلَب.. صلّ على محمّد وآل محمّد.. ).
والحسد تلك العقدة الدفينة والنار المجنونة التي قذفت بالإنسان من روابي الجنّة إلى كوكب الحوادث..
والحسد ذلك الوحش الكاسر الذي مزّق أواصر الإخاء البشري ليحيل قوافل بشرية إلى قطعان من الذئاب الشرسة تطارد إنسانية الكائن البشري فيفرّ إلى الله:
ـ ( الهي..
وكم من حاسد شَرقَ بحسده.. وشجا بغيظِه، وسَلَقني بحدّ لسانه، ووخزني بمُؤق عينه، وجعل عِرضي غرضاً لمراميه، وقلّدني خِلالاً لم تَزَل فيه.. فناديتُك يا ربّ مستجيراً بك، واثقاً بسرعة إجابتك، متوكّلاً على ما لم أزل أعرفه من حسن دفاعك..
عالماً أنه لم يُضطهد مَن أوى إلى ظل كَنَفك.
فلك الحمد يا رب.. ).
السجون تضجّ بالمقهورين.. لا يُسمع فيها سوى أنّات المعذَّبين، وصليل السلاسل والحديد.. وخطى السجّانين الثقيلة:
ـ ( إلهي وسيدي..
وكم مِن عبد أمسى وأصبح مغلولاً مكبَّلاً بالحديد بأيدي العداة لا يرحمونه، فقيداً من بلده وولْده وأهله، منقطعاً عن إخوانه، يتوقع كل ساعة بأية قتلة يُقتل..
وأنا في عافية من ذلك، فلك الحمد يا ربّ ).
وهناك في لجّة البحر.. عندما تثور الأمواج وتعصف الريح.. فتجري السفن في موج كالجبال.. هناك يتجلى الله بنوره.. عندما تتمزق الحجب في اللحظات التي يقف فيها المسافر على حافات الغرق والانزلاق في لُجّة المياه والقرار:
ـ ( إلهي..
وكم من عبد أمسى وأصبح في ظلمات البحر وعواصف الرياح والأهوال والأمواج، يتوقع الغرق والهلاك لا يقدر على حيلة..
وأنا في عافية من ذلك..
فلك الحمد ياربّ ).
وفي حنايا الصحراء.. وفي مَفاوز التلال، يعيش المشرّدون بعيداً عن الأهل والأحبّة والديار.. يواجهون رياح السموم وقسوة الصحراء والرمال:
ـ ( إلهي..
وكم من عبد أمسى شريداً.. طريداً.. متحيراً.. جائعاً.. خائفاً.. حاسراً في الصحاري والبراري، أحرقه الحرّ والبرد..
فلك الحمد يا رب..
وأسألك يا إلهي
باسمك الذي وضعتَه على السماء فاستقلّت..
وعلى الجبال فرست.
وعلى الأرض فاستقرت.
وعلى الليل فأظلم.
وعلى النهار فاستنار.. )(15).
ها هو موسى بن عمران يقف على حافات المياه يتأمل الامواج.. وقد تناهت إلى أذنيه سنابك خيل الفرعون ودويّ مركباته... وها هو يصغي إلى استغاثة قومه قائلين: أُوذينا من قبلِ أن تأتيَنا ومن بعدِ ما جئتَنا..
إنّا لمدرَكون..
قال لهم موسى: إنّ معي ربي سيهدين..
ورفع موسى عصاه عالياً في الهواء ثمّ أهوى بها فوق البحر.. فانشقّ وكان كلُّ فِرقٍ كالطود العظيم.. وأصبح البحر طريقاً للمقهورين والمعذبين.. ومقبرة لفرعون وجنوده.
لقد استجاب الله دعوة العبد الصالح موسى.. ها هو فرعون.. يغوص في لجّة القرار يشرب الماء المالح.. يغرق.. يختنق.. ويموت ليعود إلى شاطئ البحر جثة هامدة.. تسفي عليها الرياح.
وفي بغداد.. كانت ( الخيزران ) حانقة.. تبرق عيناها حقداً على ابنها المتفرعن يريد تحطيمها.. وقتل أخيه هارون..
في الليل حاكت الخيزران خيوط المؤامرة.. تبادلت النظرات مع آل برمك، وكلمات مقتضبة بالفارسية.
( الخليفة ) نائم يغط في سُكره.. وانسلّت الطبّاخة السوداء وحولها الجواري.. يمرقن في الظلام.. كأشباح تحمل أطباق الموت.. ( الخليفة المفتون ) نائم.. غارق في سكرته.. أطبقت أشباح الموت.. جثمت طباخة القصر بجثتها الهائلة فوق وجه الفرعون.. وأنشبت الجواري أظفارهنّ.. وتمّ كل شيء في غمرة الظلام. ( الخليفة ) يغرق.. يختنق.. ويموت.. وينتهي.
وجاءت ( الخيزران ) تتأمل جثة ( الفرعون ).. وانتزع ابن برمك خاتم الخلافة من يده.. ليبشّر به ( هارون ).
8- زفاف ( الخليفة ) السجين!
الظلام ما يزال يغمر بغداد.. القصر غارق في ظلمة مخيفة، وكانت هناك عيون تبرق في الظلام.. وأصوات تشبه فحيح الأفاعي.. في قلب الظلام انطلق ( ابن برمك ) و (ابن ذكوان) إلى السجن، فهناك رجل يُدعى هارون.. يترقّب أمرَين: إقصاءه عن ولاية العهد، أو القتل.. فقد سوّلت ( للخليفة ) نفسُه قتلَ أخيه..
دخل الرجلان السجن.. واتّجه ابن برمك إلى حجرة صغيرة، كان هارون يغطّ في النوم.. هزّ ابن برمك النائم ليزف له الحلم:
ـ قم يا أمير المؤمنين!
هبّ النائم مرعوباً.. قال بلهجة فيها خوف ورعب:
ـ كم تروّعني إعجاباً منك بخلافتي.. وأنت تعلم حالي عند هذا الرجل.
ابتسم ابن برمك ساخراً:
ـ لقد مات هذا الرجل.. انظر هذا خاتَمه.
وأردف وهو يشير إلى الباب:
ـ وبالباب وزيره.
ـ الحرّاني ؟!
ـ نعم.. لقد أحضرتُه إليك..
صفّق هارون وقفز من فراشه يكاد يطير.. نعم.. إن ما يراه حقيقة. إنه ليس في حلم.. بل أجمل من الحلم.. لقد انتهت أيّام القلق.. وولّت أيّام الرعب.. عانق هارون شيخ البرامكة..
نظر هارون إلى ابن برمك نظرات فيها تساؤل.. تُرى كيف مات ( الخليفة ) الشاب؟!
غمغم ابن برمك وهو يرمق هارون بنظرات غامضة:
ـ اخبرتْني أمّك الخيزران..
سكت هارون وقد ومضت في ذهنه ما حدث قبل أسابيع.. تذكّر لهجة أخيه الحانقة وهو يخاطب أمه: أما لكِ مغزل تشتغلين فيه ؟ لئن وقف ببابك أمير أو قائد لأضربنّ عنقه!
ومضت في ذاكرة هارون أشياء كثيرة..
تمتم ابن برمك:
ـ لقد كان مريضاً.
قال هارون بلهجة فيها استسلام:
ـ أجل.. كان مريضاً.
قال ابن برمك وهو يحاول أن يجسّ نبض ( الخليفة ) الشاب:
ـ وعندي خبر آخر سمعتُه وأنا في الطريق.
تطلّع هارون مستفهماً!
ـ سمعتُ أن ( مراجل ) قد أنجبت صبياً.
سكت هنيهة وأردف:
ـ إنها ليلة عجيبة! مات فيها خليفة، ونهض فيها خليفة.. ووُلد فيها خليفة!
غمرت فرحة عارمة وجه هارون.. لقد انفتحت أمامه الدنيا بكل عوالمها اللذيذة ومتعها..
هتف ابن برمك:
ـ بغداد تنتظر ( الخليفة )!
بدت بغداد في ذلك الصباح حسناء فارسية ترتدي أجمل زينتها في يوم النيروز..
أهالي بغداد يتطلعون إلى قدوم ( الخليفة هارون ).. الشاب الفارع الطول المشرق الوجه.. زوج زبيدة السيّدة العباسية الثرية..
انطلقت زغاريد النسوة من شرفات القصور، وعلت هتافات الرجال في الشوارع بحياة هارون..
وتألق قصر ( الخُلد ) برجال البلاد، وبدا ابن برمك رجلَ البلاط الأول.. ألبسه هارون خاتم الوزارة وخاطبه بودّ:
ـ يا أبتي!.. أنت أجلستني هذا المجلس ببركة رأيك وحسن تدبيرك، وقد قلّدتك أمر الرعية، وأخرجته من عنقي إليك، فاحكم بما ترى.
وأردف وهو يمنحه صلاحيات مطلقة:
ـ إستعملْ من شئت، واعزل من رأيت، فإني غير ناظر معك في شيء!
وأدرك الحاضرون أن ( الخليفة ) الفعلي سيكون يحيى.. يحيى البرمكي (16)..
|
|
|
|
|