|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 13143
|
الإنتساب : Nov 2007
|
المشاركات : 7,797
|
بمعدل : 1.23 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
أرجوان
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 20-07-2008 الساعة : 01:31 PM
وربتَ هارون على كتف الفضل بن يحيى أخيه في الرضاعة.. وابتسم لجعفر.. جعفر بن يحيى.. وابتسم الحظّ لأبناء برمك.. فهارون سيكون وسيلتهم إلى سلّم المجد..
الله وحده الذي يراقب الأعماق.. وحده الذي يعلم ما يدور في رأس ( الخليفة ) الجديد وهو يتجه إلى ( الجامع ) ليصلّي أول صلاته كخليفة.. تُرى ماذا سيفعل هارون مع الدين ؟ هل سيذهب إليه ويجثو عنده ؟ أم يحاول أن يجرّ الدين إليه بعدما دانت له الدنيا ؟!
9- فتوحات شيطانيه
في غمرة الليل، تنجم الأشياء.. وتهيج الهواجس، وتضجّ الشهوات، وتُحطّم الشياطين سلاسل الخوف.. الحياء.. وتندفع في الدروب والأزقّة.. تقتحم القصور والبروج المشيّدة..
مياه دجلة تتألق تحت ضوء البدر.. وقد بدا قصر الخلد في غمرة الظلام حسناء غانية..
هارون ( الملك الرشيد ) غارق في وسائده الحريرية.. يرفل بحلّة مزركشة.. تبرق في عينيه الشهوة، وقد برقت في ذهنه أطياف ( غادر ) تلك الحسناء التي تذوب رقّة وجمالاً، لَكَم تمنّاها من قبل! بصوتها الجميل وغنائها العذب..
إشتعل في ذهنه طيف لأخيه.. لاح وجهه القاسي بشفته المشقوقة.. طرد عن ذهنه الطيف كما يطرد ذبابة في الصيف.. وأضاء خيالَه طيفُ ( غادر ) بقِوامها الممشوق.. سوف تأتي..
ولاحت من بعيد.. ها هي قادمة تحفّها الجواري.. تنساب في مشيتها كغزال طروب.
انحنت الحسناء ( لخليفة العصر ).. جلست قربه في وداعة وخفضت عينيها تنتظر سبب إرساله وراءها في هذه الساعة من الليل.
راح هارون يتفرّسها بنظرات ملتهمة.. قال دون مقدّمة:
ـ لقد أرسلتُ وراءكِ.. من أجل أن تكوني لي!
رفعت الحسناء رأسها ونظرت إلى شباب هارون:
ـ ولكن..
ـ ولكن ماذا ؟
ـ والعهود التي أعطيتَ أخاك ؟
ـ أُكفّر عنها.
ـ والحجّ راجلاً ؟
ـ سأحجّ ماشياً هذا العام.. من أجلِكِ..
سكتت قليلاً وهمست بدلال:
ـ أتفعل ذلك من أجلي ؟!
قال هارون وقد أسكره الصوت الرخيم:
ـ أجل، من أجل ( غادر ).. تهون المصاعب.
ونظر إلى عينيها العسليّتَين:
ـ ما هو رأيك ؟
ـ...
هتف هارون وهو يكاد يطير نشواناً:
ـ أين القاضي ؟!
سرعان ما حضر ( فقيه الأرض ) و ( قاضي القضاة ).. من أجل أن يصنع لشهوة (الخليفة) ثوباً من الدِّين.. وتمّ كل شيء..
صفّق ( خليفة المسلمين ) وهو يرسل نظراته إلى أبي يوسف:
ـ أعطُوه مئة ألف درهم!
وكاد أن يسيل لعاب القاضي وهو يحمل صرار الفضة.. عَرَقَ الفقراء القادم من ربوع مصر وتخوم خراسان.
أُسدلت الستائر وقد سقطت التفاحة الشهية في قبضة هارون.
( غادر ) تضع رأسها في حجر هارون.. تغفو سكرى وهارون يتأمل نشواناً وجهها المشرق وشبابها، وقبل أن يشرق الصباح، سكتت شهرزاد عن الكلام المباح.
انسلّ هارون من بين الوسائد بعد أن أراح رأس محظيته فوق وسادة حريرية.. ارتدى حُلّة جديدة يغلب عليها السواد، واكتسى وجهه الثلجي قدراً من الصرامة والقسوة.. أصبح وجهه مخيفاً.. لو رأته ( زبيدة ) لأنكرته ولفرّت منه ( غادر ) و ( ماردة ) و ( هيلانة ) و ( خالصة ) ولأنكرته حتى أُمّه ( الخيزران ).
قطع هارون الرواق بخطىً واسعة، كان ( مسرور ) واقفاً في وسط البلاط كتمثال، بدا بطوله الفارع جنّياً خرج توّاً من البحر.. سيفه العريض العاري يشبه قدَراً صارماً
صفّق هارون بكفّيه.. انتبه المارد.. وانطلق إلى بوابة البلاط..
دخل ثلاثة رجال ملثّمون.. جمعهم المكان فقط، لا أحد يعرف الآخر، ولا يودّ أن يعرفه.. كانوا يرتدون أزياء مختلفة تماماً، كان الأول يرتدي ثياباً تشبه ثياب الملاّحين، والآخر يرتدي حلّة لا يرتديها سوى التجار، أما الثالث فقد بدا رجلاً حجازياً قادماً من مكة أو المدينة..
شيء واحد يجمعهم هو بريق العيون.. كانت عيونهم نفّاذة يموج فيها بريق زجاجي.. أشبه ما تكون بعيون رجال على وشك تنفيذ مؤامرة دنيئة..
اجتمع ( الخليفة ) مع الثلاثة على انفراد.. الصمت يهيمن فوق المكان.. ما خلا همسات تشبه فحيح الأفاعي.. مرّت ساعة قبل أن ينصرف الرجال الملثمون.. أخذوا معهم صراراً ملأى بمسكوكات فضيّة وذهبية.. وحفظوا عن ظهر قلب مهمّات غامضة.. وأسماءَ لها في قلب ( الخليفة ) هواجس.. إدريس.. يحيى.. موسى..
وقف هارون في شُرفة القصر ينظر من بعيد إلى دجلة وقد بدا في تلك الساعة المتأخرة من الليل ثعباناً ينساب بحذر بين أشجار النخيل.
وفي تلك الليلة انفتحت ثلاثة أبواب لبغداد: انفتحت بوابة خراسان، وبوابة الكوفة، وبوابة الشام..
10- كبائر.. في طريق الحجّ!
قليلون جداً الذين عرفوا لماذ حجّ ( الخليفة ) هارون هذا العام ماشياً(17).. بعضهم اعتقد أنّ التديّن تمكّن في صميم قلب هذا الشاب الهاشمي، وآخرون قالوا: إنها توبة إلى الله، وعفا الله عمّا سلف.
ولكن هناك مَن سبر غور هذا الحج إلى حدّ ما، خاصّة وصائف ( غادر ) اللائي استقبلن النبأ بشيء من الغبطة لسيدتهن الحسناء التي استحوذت على قلب ( خليفتَين )!
وفي كل الأحوال، فقد شاع الخبر في أنحاء بغداد، وخرج بعض الأهالي لتوديع ( الخليفة )، ووقفت النسوة في شرفات المنازل يترقّبن موكب ( الخليفة )..
ألقى هارون نظرة وداع على بغداد وقد فُصلت القافلة.. بدت العاصمة كلؤلوة خرجت توّاً من صَدَفتها الجميلة..
كانت عدّة خيول وبغال تحمل الأثقال ريثما تصل القافلة ( الكوفة )،
|
|
|
|
|