|
عضو جديد
|
رقم العضوية : 275
|
الإنتساب : Aug 2006
|
المشاركات : 70
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
العم ابو علي
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 06-11-2006 الساعة : 09:10 PM
مضاعفات وفاة رسول الله ()
الشهيد آية الله السيد محمد باقر الصدر
وفاة الرسول الأعظم أعظم فاجعة مرت على تاريخ البشرية على الطلاق، والتي يمثل الجزء الأول منها انقطاع الوحي في تاريخ البشرية.
هذه الظاهرة التي لم يعرف الإنسان في تاريخه الطويل الطويل ظاهرة يمكن أن تماثلها وأن تناظرها في القدسية والجلال والأثر في حياة الإنسان وتفكيره، ويمثل الجزء الآخر من الفاجعة الإنحراف داخل المجتمع الإسلامي، على يد المؤامرة التي قام بها جناح من المسلمين بعد وفاة رسول الله () فإنحرف بذلك الخط عما كان مقرراً له من قبل النبي () ومن قبل الله تعالى.
كان هذا اليوم المشؤوم بداية إنحراف طويل ونهاية عهد سعيد بالوحي، تمثل في مائة وأربعة وعشرين ألف نبي، كما في بعض الروايات وكان بداية ظلام ومحن ومآس وفواجع وكوارث من ناحية اُخرى تمثل في ما عقب وفاة رسول الله () من أحداث في تاريخ العالم الإسلامي هذه الأحداث المرتبطة أرتباطاً شديداً وقوياً بما تم في هذا اليوم من الفاجعة على ما في زيارة الجامعة التي نقرؤها، بيعتهم التي عمت شؤمها الإسلام، وزرعت في قلوب الأمة الآثار وعنفت سلمانها، وضربت مقدادها، ونفت جندبها، وفتحت بطن عمارها، وأباحت الخمس للطلقاء أولاد الطلقاء وسلطت اللعناء على المصطفين الأخيار، وأبرزت بنات المهجرين والأنصار إلى الذلة والمهانة وهدمت الكعبة وأباحت المدينة وخلطت الحلال بالحرام إلى غير ذلك من الاوصاف.
وأود الآن أن أقتصر على الجزء الأول من هذه الفاجعة يعني أن أنظر إلى الحدث الذي وقع في هذا اليوم بوصفه حدثا قد وضع حداً لتلك الظاهرة العظيمة التي اقترنت مع هبوط الإنسان على وجه الأرض، ظاهرة الوحي ظاهرة أرتفاع الإنسان وتفانيه للإتصال المباشر مع الله سبحانه وتعالى.
ففي مثل هذا اليوم وضع حد نهائي لهذه الظاهرة المباركة الميمونة وفي بعض الروايات إن جبرائيل () حينما أرتفع ملائكة السماء بروح محمد () إلى ربها راضية مرضية، التفت إلى الأرض مودعاً ثم طار إلى سماواته.
هذا اليوم كان يوم انقطاع الإنسانية عن الاتصال المباشر باللّه سبحانه بانتهاء حياة خاتم الأنبياء والمرسلين.
بهذه المناسبة أريد أن أعطي فكرة موجزة على مستوى بحث اليوم عن الوحي، الوحي الذي يتمثل في أتصال خاص بين الإنسان وبين الله.
فالوحي هو ضرورة من ضرورات تخليد الإنسان على وجه الأرض وبهذا خلق الله الإنسان وأودعه الاستعداد الكامل والارضية الصالحة بافاضة هذه الموهبة منه سبحانه لأن ضرورة الوحي يمكن أن توضع في قبال جانبين في الإنسان الآن اقتصر على أحد الجانبين:
الإنسان خلق حسياً أكثر منه عقلياً خلق يتفاعل مع حسه أكثر مما يتفاعل مع عقله، يعني إن النظريات والمفاهيم العقلية العامة في إطارها النظري هذه المفاهيم حتى لو آمن بها الإنسان إيماناً عقلياً حتى لو دخلت إلى ذهنه دخولاً نظرياً مع هذا لا تهزه ولا تحركه ولا تبنيه ولا تزعزع ما كان فيه ولا تنشئه من جديد إلا في حدود ضيقة جداً. على عكس الحس فان الإنسان الذي يواجه حساً، ينفعل بهذا الحس وينجذب إليه، وينعكس هذا الحس على روحه ومشاعره وانفعالاته وعواطفه بدرجة لا يمكن أن يقاس بها انعكاس النظرية والمفهوم المجرد عن أي تطبيق حسي.
وليس من الصدفة إن كان الإنسان على طول الخط في تاريخ المعرفة البشرية أكثر ارتباطاً بمحسوساته من معقولاته وأكثر تمسكاً بمسموعاته ومنظوراته من نظرياته.
فإن هذا هو طبيعة التسليم الفكري والمعرفي عند الانسان وليس من الصدفة أن قرن إثبات أي دين بالمعجرة وكانت أكثر معاجز الانبياء معاجز على مستوى الحس لأن الإنسان يتأثر بهذا المستوى أكثر مما يتأثر بأي مستوى آخر إذن: (فالإنسان بحسب طبيعة جهازه المعرفي وتكوينه النظري خلق حسياً أكثر منه عقلياً) خلق متفاعلاً مع هذا المستوى من الانخفاض من المعرفة أكثر مما هو متفاعل مع المستوى النظري المجرد عن المعرفة وهذا يعني إن الحس أقدر على تربية الإنسان من النظر العقلي المجرد ويحتل من جوانب وجوده وشخصيته وأبعاد مشاعره وعواطفه وانفعالاته أكثر مما يحتل العقل: المفهوم النظري المجرد.
بناء على هذا كان لا بد للإنسانية من حس مربي، زائد على العقل والمدركات العقلية الغائمة الغامضة التي تدخل إلى ذهن الإنسان بقوالب غير محدودة وغير واضحة.
إضافة إلى هذه القوالب كان لا بد لكي يربى الإنسان على أهداف السماء على مجموعة من القيم والمثل والاعتبارات كان لا بد من أن يربى على أساس الحس وهذا هو السبب في أن كل الحضارات التي يعرفها تاريخ النوع البشري إلى يومنا هذا إلى حضارة الإنسان الاوروبي التي تحكم العالم ظلماً وعدواناً كل هذه الحضارات التي انقطعت عن السماء رباهاً الحس ولم يربها العقل، لأن الحس هو المربي الأول دائماً فكان لا بد لكي يمكن تربية الإنسان على اساس حس يبعث في هذا الإنسان إنسانيته الكاملة الممثلة لكل جوانب وجوده الحقيقية كان لا بد من خلق حس في الإنسان يدرك تلك القيم والمثل والمفاهيم ويدرك التضحية في سبيل تلك القيم والمثل إدراكاً حسياً لا إدراكاً عقلانياً بقانون الحسن والقبح العقليين فقد وهذا يعني ما قلناه من إن ضرورة الإنسان في خط التربية تفرض أن يودع في طبيعة تكوينه وخلقه أرضية تكون صالحة، لأن تكون فيه حسيا بحسن العدل بقبح الظلم بآلام المظلومين، أن تكون فيه حسا بكل ما يمكن للعقل إدراكه وما لا يمكن إدراكه من قيم ومثل واعتبارات.
وهذه الأرضية أو هذا الاستعداد الكامل الذي كان الارتباط المباشر مع الله سبحانه وتعالى لكي تنكشف كل الصحف كل الستائر عن كل القيم وكل المثل وكل هذه الاعتبارات والاهداف العظيمة لكي ترى رؤية العين وتسمع سماع الأذن لكي يلمسها بيده يراها بعينه.
كان لا بد من أن توجد بذرة مثل هذا الحس في النوع البشري إلا أن وجدان هذه البذرة في النوع البشري لا يعني أن كل إنسان سوف يصبح له مثل هذا الحس وينفتق إدراكه عنه وانما يعني إن الامكانية الذاتية موجودة فيه إلا أن هذه الامكانية لن تخرج إلى مرحلة الفعلية إلا ضمن شروطها وظروفها وملابساتها الخاصة كأي إمكانية اخرى في الإنسان.
هناك شهوات وغرائز موجودة في الإنسان منذ يخلق وهو طفل ولكنه لا يعيش تلك الشهوات ولا يعيش تلك الغرائز إلى مراحل متعاقبة من حياته فإذا مر بمراحل متعاقبة من حياته تفتحت تلك البذور حينئذ أصبح يعيش فعلية تلك الشهوات والغرائز كذلك على مستوى هذا الحس الذي هو أشرف واعظم واروع ما أودع في طبيعة الإنسان.
هذا قد لا يعيشه مئات الملايين من البشر في عشرات الآلاف من السنين، قد لا يتفتح يبقى مجرد استعداد خام وأرضية ذاتية تمثل الامكان الذاتي لهذه الصيغة فقط دون أن تتفتح عن وجود مثل هذا الحس لأن تفتحه يخضع لما قلناه من الملابسات والشروط التي لها بحث آخر أوسع من كلامنا اليوم.
أرضية أن يحس الإنسان بتلك القيم والمثل تصبح امراً واقعياً في أشخاص مميزنين يختصهم الله تعالى بعنايته ولطفه واختياره وهؤلاء هم الأنبياء والمرسلون الذين يرتفعون إلى مستوى أن تصبح كل المعقولات الكاملة محسوسات لديهم يصبح كل ما نفهمه وما لا نفهمه من القيم والمثل أمراً حسياً لديهم يحسونه ويسمعونه ويبصرونه.
|
|
|
|
|