عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية السید الامینی
السید الامینی
عضو فضي
رقم العضوية : 31113
الإنتساب : Feb 2009
المشاركات : 1,792
بمعدل : 0.30 يوميا

السید الامینی غير متصل

 عرض البوم صور السید الامینی

  مشاركة رقم : 5  
كاتب الموضوع : نووورا انا المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي تتمة
قديم بتاريخ : 05-03-2009 الساعة : 05:38 PM


إنّ المتبصّر ـ أيّها الإخوة ـ في حِكم ومواعظ الإمام العسكريّ عليه السّلام، يجدُه إذا أراد أن يوصيَ أحداً هداه إلى أوضح المسالك، وأراه أنجحَ السُّبل، ودلّه إلى حيثُ كرامةُ الدنيا وسعادة الآخرة.

• فمِن وصيّة له عليه السّلام إلى شيعته.. جاء فيها:
أُوصيكم بتقوى الله، والورعِ في دينكم، والاجتهاد لله، وصِدقِ الحديث، وأداء الأمانة إلى مَن ائتمنكم مِن برٍّ أو فاجر، وطولِ السجود، وحُسن الجوار.. فبهذا جاء محمّد صلّى الله عليه وآله..(7)

• وكتب عليه السّلام إلى إسحاق بن إسماعيل النيسابوريّ:
يا إسحاق، ليس تَعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوبُ التي في الصدور؛ وذلك قول الله في محكم كتابه حكايةً عن الظالم إذ يقول: ربِّ لِمَ حَشَرتَني أعمى وقد كنتُ بصيرا * قال كذلك أتَتْك آياتُنا فنَسِيتَها وكذلكَ اليومَ تُنسى (8).

وأي آيةٍ أعظمُ من حُجّةِ الله على خَلْقه وأمينهِ في بلاده، وشهيدهِ على عباده ؟! مِن بعدِ مَن سلَفَ مِن آبائه الأوّلينَ النبيّين، وآبائه الآخِرينَ الوصيّين، عليهم أجمعين السلامُ ورحمة الله وبركاته...

إنّ الله ـ بمَنّه ورحمته ـ لمّا فرض عليكم الفرائض، لم يفرض ذلك عليكم لحاجةٍ منه إليكم، بل رحمةً منه ـ لا إله إلاّ هو ـ عليكم؛ ليَميزَ الخبيثَ من الطيّب، وليبتليَ ما في صدوركم، وليمحّص ما في قلوبكم، لِتَسابَقوا إلى رحمة الله، ولتتفاضلَ منازلُكم في جنّته..

ففرض عليكم الحجَّ والعمرة وإقامَ الصلاة وإيتاءَ الزكاة والصومَ والولاية، وجعل لكم باباً تستفتحون به أبوابَ الفرائض، ومفتاحاً إلى سبيله.
لولا محمّدٌ صلّى الله عليه وآله والأوصياءُ مِن ولْده، لكنتم حيارى كالبهائم..
لا تعرفون فرضاً من الفرائض، وهل تُدخَل مدينةٌ إلاّ مِن بابها، فلمّا مَنّ عليكم بإقامة الأولياء بعد نبيّكم، قال الله في كتابه: اليومَ أكملتُ لكُم دِينَكم وأتممتُ عليكُم نعمتي ورَضِيتُ لكمُ الإسلامَ ديناً (9)،

ففرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمَرَكم بأدائها؛ لِيحَلّ لكم ما وراء ظهورِكم مِن أزواجِكم وأموالِكم ومآكلكم ومشاربكم، قال الله: « قُلْ لا أسألُكم عليهِ أَجْراً إلاّ المودّةَ في القُربى »(10)..(11)

• وأوصى عليه السّلام أحدَهم، فقال له:
إدفعِ المسألةَ ما وجدتَ التحمّل يُمكنك؛ فإنّ لكلّ يومٍ رزقاً جديدا، واعلم أنّ الإلحاح في المطالب يسلب البهاء، ويُورِث التعبَ والعناء، فاصبر.. حتّى يفتحَ الله لك باباً يسهل الدخولُ فيه، فما أقربَ الصنيعَ من الملهوف، والأمنَ مِن الهارب المَخوف! فربّما كانت الغِيَر ( أي الأحداث المتغيّرة أو المصائب ) نوعاً من أدب الله.

والحظوظُ مراتب، فلا تعجَلْ على ثمرةٍ لم تُدرَك، وإنّما تنالها في أوانها. واعلم أنّ المدبّر لك أعلمُ بالوقت الذي يصلح حالك فيه، فثِقْ بخيرته في جميع أُمورك يصلحْ حالُك، ولا تَعجَلْ بحوائجك قبل وقتها فيضيق قلبك وصدرك ويغشاك القنوط.

واعلمْ أنّ للسخاء مقداراً، فإن زاد عليه فهو سرف. وأنّ للحزم مقداراً، فإن زاد عليه فهو تهوّر(12).

* * *
وهكذا يُسدي الإمام العسكريّ عليه السّلام إلى الآخرين الحقائق الواقعيّة، فيصيب أصل التجربة وعين المستقبل، بنظرةٍ باصرةٍ على هدى الله ونوره..
فقد أُوتِيَ الحكمة كما أُوتيها آباؤه الأئمّة الأطياب عليهم السّلام من أصولها وينابيعها، فمضَوا أهلَ خيرٍ وأصحابَ فضلٍ على البشريّة جمعاء، حيث عمّ فضلُهم على مَن رآهم ومَن سمع بهم ومَن قرأ لهم، وحظيَ بالنعيم الحقيقيّ مَن أخذ عنهم، بعد أن قدّموا للجميع وسائل الخير وأسباب الصلاح والسعادة،
وأناروا الطريق إلى الله بالحكمة البليغة، والكلمة الهادئة، والعبارة الواضحة، في صِيَغٍ تُعرَّف بـ « السهل الممتنِع » و « المختصر النافع، الجامع المانع »، فيسهل فهمُه ويمتنع على مَن يريد أن يقلّده أو يُحاكيه، وهو وجيزٌ ولكنّه يجمع المعاني ويمنع من اختلاط غيرها معها أو التباس شيء آخر في ذهن سامعها.

كلُّ ذلك في أساليب بلاغيّة أدبيّة سَلِسة رائقة، بعيدة عن التكلّف أو التزويق المشوِّه أو الغموض المُمِلّ. وكلُّ ذلك في معانٍ عالية، تحملها صورٌ جميلةٌ من الاستعارات والتشبيهات والكنايات التي تُقرّب المفاهيم إلى الأذهان، وتبعث الاستئناس في تلقّي الحقيقة، وتؤثّر في النفوس والقلوب ربّما بإشارات هي أبلغ من جُمَلٍ وعبارات، تُغني عن الشروح المطوّلة المُتعِبة، وتوصل إلى قلب المطلب وحقيقته مبرهَنةً جليّةً حاكمةً على العقل والوجدان.

* * *
• من طريف ما رُوي.. أن الكنديّ ( فيلسوف العراق ) أخذ في تأليف تناقض القرآن، وشغل نفسَه بذلك، وتفرّد في منزله. وقد دخل بعضُ تلاميذ الكنديّ يوماً على الإمام العسكريّ عليه السّلام فقال له الإمام: أما فيكم رجل رُشدٍ يردعُ أُستاذَكمُ الكنديَّ عمّا أخذ فيه مِن تشاغله بالقرآن ؟! فقال التلميذ: نحن من تلاميذه، كيف يجوز لنا الاعتراض عليه في هذا أو في غيره! فقال له الإمام عليه السّلام: أتؤدّي إليه ما أُلقيه إليك ؟ قال: نعم.
قال عليه السّلام: فصِرْ إليه، وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله، فإذا وقعت الأُنسةُ في ذلك فقل: قد حضرَتْني مسألةٌ أسألك عنها.. فإنّه يستدعي ذلك منك، فقل له: إن أتاك هذا المتكلّمُ بهذا القرآن.. هل يجوز أن يكون مرادُه بما تكلّم منه غيرَ المعاني التي قد ظننتَها أنّك ذهبتَ إليها ؟! فإنّه سيقول: من الجايز؛ لأنّه رجلٌ يفهم إذا سمع، فإذا أوجب ذلك فقل له: فما يُدريك لعلّه أراد غيرَ الذي ذهبتَ أنت إليه، فتكون واضعاً بغير معانيه!


فصار الرجل إلى أُستاذه إسحاق الكنديّ، وتلطّف معه إلى أن ألقى عليه هذه المسألة، فقال له الكنديّ: أعِدْ علَيّ. فأعاد عليه.. فتفكّر في نفسه ورأى ذلك مُحتَمَلاً في اللغة وسائغاً في النظر. ثمّ قال الكنديُّ لتلميذه:
ـ أقسمتُ عليك إلاّ أخبرتَني.. مِن أين لك ؟!
ـ إنّه شيءٌ عَرَضَ بقلبي.. فأوردتُه عليك.
ـ كلاّ! ما مِثْلُك مَن اهتدى إلى هذا، ولا مَن بلَغَ هذه المنزلة، فعرِّفْني.. مِن أين لك هذا ؟!
ـ أمرَني به أبو محمّد ( الحسن العسكريّ ).
ـ الآن جئتَ به، وما كان لِيخرجَ مِثْلُ هذا إلاّ مِن ذلك البيت.
ثمّ إنّ الكنديّ دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألّفه في ادّعائه بتناقض القرآن(13).



1 ـ بصائر الدرجات للصفّار القمّي 299 ، 300 / ح 1 ، 4 ـ من الباب 14، الفصل 6.
2 ـ بصائر الدرجات 301 / ح 9 ـ من الباب 14، الفصل 6.
3 ـ أصول الكافي للشيخ الكلينيّ 174:1 / ح 1 ـ باب أنّ الأئمّة وَرِثوا علمَ النبيّ وجميعِ الأنبياء والأوصياء الذين مِن قَبلهم.
4 ـ سورة النساء:59.
5 ـ بصائر الدرجات 57 / ح 6 ـ الباب 1 من الفصل الثاني.
6 ـ سورة البقرة:269.
7 ـ تحف العقول عن آل الرسول لابن شعبة الحرّانيّ 362.
8 ـ سورة طه: 125 ـ 126.
9 ـ سورة المائدة:3.
10 ـ سورة الشورى:23.
11 ـ تحف العقول 359 ـ 360.
12 ـ إعلام الدين في صفات المؤمنين للديلميّ 313 ـ من كلام الإمام العسكريّ عليه السّلام.
13 ـ مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب 459:2.


توقيع : السید الامینی
ا
لتوقيع :


قال الإمام الباقر - عليه السلام - : "بلية الناس علينا عظيمة إن دعوناهم لم يستجيبوا لنا وإن تركناهم لم يهتدوا بغيرنا
من مواضيع : السید الامینی 0 لماذا الوهابية يخافون من حديث الثقلين؟ أين أصحاب العقل والعلم والتقوى والأنصاف
0 سلسة في الحب
0 مصر يحتاج الى مثل هذا الحاكم(عهد الامام علي (ع)لواليه على مصر مالك الاشتر
0 امام زماننا المهدي الموعود عليه السلام -- و من هو امام زمانكم ايها الوهابية؟
0 فطُوبى لمن وعاها واستيقَظ بها.
رد مع اقتباس