|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 14474
|
الإنتساب : Dec 2007
|
المشاركات : 411
|
بمعدل : 0.07 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
فطومة الحلوة
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 06-03-2009 الساعة : 09:14 PM
... الجـــــزء الخـــــامس ...
حل أوان الغربة انتابني السرور لكثرة الذين جاؤوا لمواراة جثماني الثرى .. وشعرت بالمتعة لحضورهم وتلاوتهم للقرآن والصلوات على النبي وآله .
ثم أخذ الحاضرون بالإنصراف شيئا فشيئا ولم يبق منهم إلا نفر يقدرون بعدد الأصابع .. ولكن لم يمضي من الوقت إلا القليل حتى تركوني وحيدا ـ وهذا ما لم أصدقه ـ ربما لا تتصورون ما جرى علي في تلك اللحظات .. فلم أكن أتوقع منهم هذا الجفاء .. أولادي .. بناتي .. زوجتي وكذلك أصدقائي المقربين الذين لم أبخل عليهم بالمودة .. لكنهم سرعان ما انصرفوا وتركوني وحيدا !! وددت لو أصرخ فيهم :
" أين تذهبون !! ابقوا معي .. لا تتركوني وحيدا ".. في تلك الأثناء سمعت مناديا ينادي في الناس : توالدوا للموت .. واجمعوا للفناء .. وابنوا للخراب .. ولكن للأسف فقد كانوا في واد آخر محرومين من الإستماع لهذا النداء .. ولما عرفت أن الناس قد خرجوا من المقبرة ناديتهم : اذهبوا .. ولكن اعلموا بأنكم ستنزلون التراب يوما صدقتم أم لم تصدقوا .. شئتم أم أبيتم .. اعلموا فوالله لا يؤخر الأجل .
بعد كل ذلك الصراخ والعويل رجعت إلى نفسي فوجدت أن كل ما بقي لي هو قبر مظلم موحش مهول يثير الغموم .. فاستحوذت علي الرهبة .. أخذت أفكر مع نفسي : وكأنهم قد قذفوا في فؤادي كل ما في أفئدة الأرض من غموم وكل ما في الدنيا من قلق .. وأنه غم ورعب لو نزل على بدن الإنسان لأهلكه .. ونتيجة لذلك الضغط النفسي بكيت وسالت دموعي ساعات وساعات .
أخذت أتذكر أعمالي فأدركت قلة بضاعتي .. فتمنيت لو عدت مع الذين كانوا قد اجتمعوا على قبري .. كي أقضي عمري بالعبادة وإحياء الليل والأعمال الصالحة وأنفق ما كنت جمعته خلال السنوات الأخيرة من عمري على الفقراء .. ليتني ... ليتني .!!
جاء رومان
وأنا غارق في بحر أفكاري ارتفع صوت من يسار القبر : إنك تتمنى العودة عبثا .. فقد أغلقت صحيفة حياتك !! فرعبت لذلك الصوت في تلك الظلمة وكأن أحدا قد دخل القبر فسألته بصوت مهزوز :
ـ من أنت !!
فأجاب :
ـ أنا رومان من ملائكة الله .
قلت : لعلك عرفت ما يدور بذهني !!
قال : نعم .
قلت : أقسم لو تركتني أعود إلى ذلك العالم لن أعصي الله أبدا وأعمل على كسب رضاه .. اليوم حيث انصرف عني كل من أعرفهم بل وحتى أفراد أسرتي وتركوني .. أدركت غدر الدنيا .. فاطمئن إذا رجعت إلى الدنيا لن أغفل لحظة واحدة عن طاعة خالقي وعبادته !!
قال : إنها كلمة هو قائلها .. لكن اعلم أن الواقع غير ما تتمناه لا بد أن تمكث في البرزخ من الآن وحتى قيام الساعة .
بعد ذلك باشر بإحصاء أعمالي الصالحة والطالحة تلك الأعمال التي ارتكبتها طيلة حياتي وسجلها الكرام الكاتبين .
عجبا لها من صحيفة تضم حتى أصغر أعمالي صالحها وقبيحها , وفي تلك اللحظات شاهدت أعمالي أمام عيني .
كنت أفكر بثقل أعمالي وخفتها فبادر (( رومان )) إلى تعليق صحيفة أعمالي في رقبتي بحيث شعرت وكأن جبال الدنيا كلها علقت في عنقي .
ولما أردت أن أسأله عن السبب في ذلك , قال : كل إنسان يطوق بأعماله .
قلت : وإلى متى يجب أن أتحمل ثقل هذا الطوق ؟
قال : لا تقلق , بعد ذهابي سيأتي منكر ونكير للمسائلة ثم تزول هذه المشكلة عنك .
قال رومان ذلك وانصرف .
يتبع..
|
|
|
|
|