|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 7
|
الإنتساب : Jul 2006
|
المشاركات : 21,810
|
بمعدل : 3.20 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
السفير1
المنتدى :
المنتدى العقائدي
بتاريخ : 17-04-2009 الساعة : 05:16 AM
* * *
فصل :
قول أبي زرعة : كوفي لين .
وقول أبي حاتم الرازي : ضعيف يكتب حديثه .
فهذا من الجرح المبهم غير المفسر فهو يرد كما تقرر في قواعد الحديث ، وكما استقر العمل على ذلك والأخذ في مقابل ذلك بالتعديل الوارد في عطية العوفي .
ولكن يجب ألا يخلي المقام من أمرين :
أولهما : أن الجرح المذكور أعلاه ليس من الجرح الشديد الذي ينزل بمفرده عند خلو الراوي من التعديل إلى درجة التالف الذي لا يعتبر بحديثه ، بل هو جرح خفيف لم يخل منه عدد من الرواة صحح لهم الحفاظ وخرج حديثهم في الصحيح .
ثانيهما : إن هذا الجرح غير المفسر في حقيقته يرجع إلى الأمرين اللذين ظلم بسببهما وهما التشيع والتدليس .
وقد قال الحافظ في نتائج الأفكار ( 1 / 271 ) : ضعف عطية إنما جاء من قبل التشيع ومن قبل التدليس . ا ه
وقد تقدم الكلام على التشيع والتدليس المنقولين عن عطية العوفي .
بقي أن تعلم أن أبا حاتم الرازي قد جاء عنه توثيق عطية العوفي كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
* * *
فصل :
أما عن قول ابن عدي في الكامل ( 5 / 2007 ) : ( وهو مع ضعفه يكتب حديثه ) .
فإن ابن عدي اعتمد في ترجمة عطية العوفي على أمور هي :
1 - رواية ابن أبي مريم عن يحيى بن معين قال عن عطية العوفي : ضعيف إلا أنه يكتب حديثه .
2 - تضيف أحمد والثوري وهشيم بسبب حكاية الكلبي تدليس عطية له .
3 - قول الجوزجاني : مائل .
4 - الحديث الذي ذكره له وقد تقدم الكلام عليه . وظاهر أن ابن عدي لم يقنع بشئ من هذه الأمور الثلاثة الأخيرة وارتضى قول يحيى بن معين في رواية ابن أبي مريم عنه حيث قال : ضعيف إلا أنه يكتب حديثه ، فتبع يحيى بن معين في مقولته ، بل ونقل عبارته فختم الترجمة بقوله : مع ضعفه يكتب حديثه .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 154 ›
( 1 ) أنظر للكلام على قبول رواية المبتدع كتاب ( فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي ) للحافظ السيد أحمد بن الصديق الغماري رحمه تعالى ، ففيه فوائد ومناقشات قد لا توجد في غيره .
( 2 ) السلام على آل البيت دأب كثير من المتقدمين خاصة المحدثين وقد ذكرت في كتابي بشارة المؤمن بتصحيح حديث اتقوا فراسة المؤمن بعض النقول في ذلك وهي غيض من فيض فلا تلتفت لتشغيب النواصب ومن تأثر بهم .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
رفع المنارة - محمود سعيد ممدوح - ص 159 - 167
وكون ابن عدي لم يقنع بالأمور الثلاثة هو الصواب ، فإن تضعيف أحمد والثوري وهشيم راجع لحكاية التدليس التي لا تصح لانفراد محمد بن السائب الكلبي بها وحاله معروف في الضعف ، وقول الجوزجاني قد فرغنا منه ، والحديث المذكور لا يعد قدحا في الرجل وإن تضعيفه بسبب هذا الحديث يعتبر تعنت مرفوض ، فلم يبق إلا اعتماده كلام يحيى بن معين فهو تابع أو قل مقلد إن شئت .
وإذا علم ذلك فإن هذه الرواية في عطية العوفي التي اعتمد عليها ابن عدي وهي رواية ابن أبي مريم مرجوحة أمام الروايات الأخرى عن ابن معين التي وثقت عطية العوفي . وإذا كان ما اعتمد عليه ابن عدي مرجوحا ، فقوله كذلك فتدبر ، والله أعلم بالصواب .
* * *
فصل :
وبعد أن تبين لك حقيقة الجرح الذي جاء في عطية العوفي وأنه لا يضر الرجل ولا يوهن أمره لأنه عند المحاققة جرح لا يلتفت إليه ولا يعمل به ، وجب بيان صدق الرجل وعدالته وعمل الأئمة بحديثه واحتجاجهم به في الأحكام وتخريجهم له على الأبواب .
فالرجل قد وثقه وعدله وقبل حديثه جماعة والصواب معهم ، فمن هؤلاء ابن سعد حيث قال في ( الطبقات الكبرى ) ( 6 / 304 ) : وكان ثقة إن شاء الله وله أحاديث صالحة ومن الناس من لا يحتج به . ا ه
وقد حاول صاحب ( الكشف والتبيين ) رد هذا التوثيق ، فقال في رسالته المذكورة ( ص 39 ) ما نصه : ومثل هذا التوثيق لا يعارض تضافر الأئمة على تضعيفه كما سبق تفصيله وبخاصة أن ابن سعد مادته من الواقدي في الغالب ، والواقدي ليس بمعتمد كما قال الحافظ ابن حجر في هدي الساري ( ص 417 ) ، وانظر ( ص 443 ، 447 ) منه . ا ه .
قلت : لو قبل كل جرح صدر عن إمام أو غيره لانسد باب الرواية تماما ، فلا تجد راويا قد خلا من الجرح ، ولكن الحاذق هو الذي يعرف ما ينبغي أن يعد جرحا فيقبله وإلا فلا ، والذين جرحوا عطية جرحهم راجع إلى التدليس أو التشيع أو إنكار بعض ما روي ، وقد علمت أن الأولى لا تعتمد إلا على محمد بن السائب الكلبي التالف المتهم بالكذب ، والتشيع لا يعد جرحا ، وما أنكر عليه تقدم أن الصواب مع عطية والقول قوله .
أما عن اعتماد ابن سعد على الواقدي غالبا فهو ما صرح به الحافظ ، لكن هذا ليس على إطلاقه ، فإذا رأيت ابن سعد ترجم للرجل ترجمة عارف بأحواله وبحديثه وبكلام الناس فيه فلا مدخل عند ذلك للواقدي ، هذه واحدة .
والثانية : إن كلام ابن سعد هو كلام مدني في عراقي وقد كان بينهما ما كان ، وهو ما علل به الحافظ في مقدمة الفتح ( ص 443 ) سبب عدم قبول كلام ابن سعد فقال : ابن سعد يقلد الواقدي ، والواقدي على طريقة أهل المدينة في الانحراف على أهل العراق فاعلم ذلك ترشد إن شاء الله تعالى . ا ه .
وعليه فإذا وجدت لابن سعد جرحا في عراقي فلا بد من الحذر والتأني في قبوله ، أما إذا وثق ابن سعد عراقيا كوفيا فلا بد من العض عليه بالنواجذ فإن شهادة الخصم هي من أقوى الشهادات .
ثم قول ابن سعد : ( كان ثقة إن شاء الله تعالى وله أحاديث صالحة ومن الناس من لا يحتج به ) يفيد أشياء :
1 - توثيقه لعطية العوفي .
2 - إن عطية العوفي له أحاديث صالحة مقبولة .
3 - إن مما يؤكد توثيقه وسبره لحاله أنه رأى بعضهم لم يحتج به فأعرض عنهم ورجح توثيقه مما يبين لك أنه لم يقنع بقولهم - وهو المتحامل على الكوفة - ولم يقف عنده لما ظهر له من أنه ليس جرحا في الحقيقة ، ولو كان جرحا لرد حديثه وصرح بعدم توثيقه .
والحاصل أن توثيق ابن سعد لعطية العوفي مقبول ولا بد ، والله أعلم .
* * *
فصل :
أما إمام الجرح والتعديل يحيى بن معين ، فقد وثقه ونقل عنه ذلك عدة مرات ، ففي سؤالات الدوري ( 2 / 407 ) : قيل ليحيى كيف حديث عطية ؟ قال : صالح ( 1 ) .
وفيه أيضا سألت يحيى عن عطية وعن أبي نضرة فقال : أبو نضرة أحب إلى . ا ه وهذا النص توثيق منه لعطية ، لأن أبا نضرة ثقة عند يحيى بن معين كما في ( التهذيب ) فهو في حقيقته مقارنة بين ثقتين .
وقال ابن أبي خيثمة : قيل لابن معين عطية مثل أبي الوداك ؟ قال : لا ، قيل : فمثل أبي هارون قال : أبو الوداك ثقة ما له ولأبي هارون . ا ه كذا في التهذيب ( 2 / 60 )
فانظر إلى ارتضاء ابن معين لمقارنته بأبي الوداك الثقة ، فهو توثيق منه لعطية العوفي .
ونظائره كثيرة جدا في كتب الجرح والتعديل في المقارنة بين الثقات ، فيحيى بن معين يحب عطية العوفي ، وأبو نضرة أحب إليه . فتدبر .
وقال يحيى بن معين في رواية أبي خالد الدقاق ( ص 27 ) : عطية العوفي ليس به بأس . ا ه .
قلت : هذا توثيق من إمام الجرح والتعديل لعطية العوفي ، وقد صرح يحيى بن معين أن من قال فيه : لا بأس به فهو ثقة ، وهذه حكاية عن نفسه ونص من عنده ولا اجتهاد مع وجود النص . وتجد هذا النص عن ابن معين في كتب شتى منها ثقات ابن شاهين ( ص 270 ) ، ومقدمة ابن الصلاح ، وفي مقدمة اللسان ( 1 / 13 ) .
وقال ابن الجنيد عن ابن معين : هو وعمرو بن أبي قيس لا بأس بهما قلت : ثقتان ، قال : ثقتان . ا ه . كذا في التهذيب ( 6 / 207 ) وهو ظاهر في ترادف اللفظين . فهو اصطلاح خاص بيحيى بن معين ولا مشاحة فيه .
قال صاحب ( الكشف والتبيين ) ( ص 38 ) : قال ابن معين : ( ليس به بأس ) ، أو " لا بأس به " لا يفهم منه - مجردا - التوثيق أو التجريح إذ غالب من قال فيهم مثل ذلك هم ثقات ، لكن الأمر ليس على إطلاقه ، فقد وردت عنه قوله : " لا بأس به " ، أو " ليس به بأس " ، في أناس ضعفاء . وانظر أمثلة على ذلك في ميزان الاعتدال ( 1 / 341 ، 435 ) ، والجرح والتعديل ( 3 / 11 ) ، وتهذيب التهذيب ( 1 / 93 ) . ا ه .
قلت : هذا الكلام فيه نظر من وجوه :
الأول : إن ابن معين قد صرح كما تقدم بأن " لا بأس به " عنده معناه أن الرجل ثقة ، فلا ينبغي بعد ذلك تقويله ما لم يقله .
الثاني : إذا قال ابن معين في الرجل " لا بأس به " وكان ضعيفا فهذا لا يضره ، فكم انفرد ابن معين بتوثيق رجال ضعفهم غيره ، وهذا ليس شأن يحيى بن معين فقط ، ولكنه شأن سائر أئمة الجرح والتعديل تجد في ترجمة الراوي المضعف توثيقا لأحدهم وانفرادا منهم . وإذا كان التوثيق لا يعني معناه فمعنى ذلك أن علم الجرح والتعديل قد سقط كلية وأصبحت نصوصه جوفاء لا تنطبق على أفرادها ، وأن الألفاظ لا تعتبر قوالب للمعاني ! !
الثالث : قوله : " قد ورد عنه قوله لا بأس به أوليس به بأس في أناس ضعفاء " .
قلت : ضعفاء عند غيره ولكنهم ثقات عنده فكان ماذا ؟ ، ولآخر أن يعارضه بقوله : ورد عنه قوله ثقة في أناس ضعفاء وهذا كثير ، فكان ماذا أيضا ؟ فكل ناقد مجتهد له نظره وقوله .
الرابع : ثم ذكر أربعة أمثلة لتأييد مقولته المردودة ، فهاك الكلام عليها :
المثال الأول : بكار . بن محمد بن عبد الله بن محمد بن سيرين السيريني ( الميزان 1 / 34 ) قال عنه يحيى بن معين : كتبت عنه ، ليس به بأس ، وضعفه غيره . وهذا المثال لا يفيد الدعوى شيئا ولا يفيد تضعيف ابن معين للرجل كيف وهو يقول كتبت عنه ، فهو من شيوخه ، وكونه ضعيفا عند غيره لا يلزم منه أن يكون ضعيفا عنده أو ضعيفا في نفس الأمر فاللازم باطل ، والرجل أدرى بشيوخه .
المثال الثاني : الحارث بن عبد الله الأعور الشيعي الكوفي وهذا المثال يهدم الدعوى من أساسها ، فقد قال عنه يحيى بن معين في رواية الدوري : ليس به بأس . وقال عثمان الدارمي : سألت يحيى بن معين عن الحارث الأعور فقال : ثقة . فانظر إلى توافق هذا الإمام وإتقانه ، وقد نقل هذا التوثيق عن ابن معين غير واحد منهم ابن شاهين في الجزء المطبوع بنهاية تاريخ جرجان ( ص 655 - 656 ) .
فإن قيل : قال عثمان بن سعيد الدارمي بعد حكايته عن ابن معين ما نصه : ليس يتابع يحيى على هذا . ا ه .
قلت : هذا مبلغ علم الدارمي ، فقد وثقه أحمد بن صالح المصري وقال ابن معين : ما زال المحدثون يقبلون حديثه ، وهذا من يحيى بن معين الإمام في هذا الشأن زيادة لقبول حديث الحارث وثقته كما قال ابن شاهين ( ص 655 - 656 ) .
المثال الثالث : لم أجد راويا يقول عنه ابن معين : " لا بأس به " في الموضع المشار إليه ( الجرح والتعديل 3 / 11 ) .
المثال الرابع : أبان بن إسحاق الأسدي الكوفي ، هذا المثال أيضا من أكبر الأدلة على وهن كلامه ، فإن أبان بن إسحاق فيه أربعة أقوال في التهذيب : قول ابن معين ليس به بأس ، وتوثيق العجلي وابن حبان ، وقول الأزدي متروك الحديث . فالرجل ليس بضعيف فهو خارج عن موضوع الدعوى ، وقد اعتمد الحافظ قول ابن معين على أنه توثيق للرجل فقال في التقريب : ثقة تكلم فيه الأزدي بلا حجة . ا ه .
وقد قال الحافظ العراقي في ألفية الحديث : وابن معين قال : من أقول لا بأس به فثقة . . . . . . . . . . . . .
والحاصل أن كلام صاحب " الكشف والتبيين " أبان عن محاولته رد توثيق ابن معين دفعا بالصدر فيلوي عنق النص ، ثم هو يستخف بالقراء ويضحك عليهم بإيراد أمثلة لا طائل تحتها ، بل لك أن تقول : إنها عليه لا له ، والله تعالى أعلم بالصواب .
وبعد أن تبين لك أن يحيى بن معين قد وثق عطية العوفي ، فإنك قد تقف على أقوال ليحيى بن معين ظاهرها قد يشير إلى غير ذلك كرواية موسى بن أبي الجارود ، فهي وجادة منقطعة ، ورواية ابن أبي مريم وهو مصري وأصحاب يحيى بن معين البغداديين ولا سيما عباس الدوري أكثر ملازمة والتصاقا بيحيى بن معين فرواياتهم مقدمة على رواية غيرهم والله أعلم .
بقي الكلام على ما جاء في المطبوع باسم " التاريخ الصغير " للبخاري ( ص 133 ) عن علي بن المديني عن يحيى بن معين : عطية وهارون العبدي وبشر بن حرب عندي سواء .
فمعناه والله أعلم أنهم سواء في الطبقة والمذهب ، فهم من شيعة التابعين ، ويشتركون في الرواية عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، وكيف يسوى يحيى بن معين بين أبي هارون العبدي وعطية العوفي وقد قال عن أولهما : غير ثقة وكان يكذب ، بينما وثق الثاني ورفع شأنه .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 162 ›
( 1 ) قال صاحب الكشف والتبيين ( ص 38 ) عن قول ابن معين في عطية العوفي ما نصه : وأما قوله في تاريخ الدوري ( صالح ) فهذا تمريض منه للقول فيه كما صرح بمثله الحافظ في الهدى ( ص 417 ) . ا ه .
قلت : قائل هذه العبارة هو ابن حبان وليس الحافظ وهذا ظاهر لمن نظر في هدي الساري ( ص 417 ) في ترجمة عبد الرحمن بن سليمان المعروف بابن الغسيل ، وأصرح من هذا أنك تجد هذا النص في المجروحين لابن حبان ( 2 / 57 ) هذه واحدة .
والثانية : تقرر في قواعد الحديث أن الناقد إذا سئل عن حال حديث الرجل فقال : صالح ، هذا يعتبر من باب التعديل ، فيكون الرجل موثقا بهذا القول لأنه صالح الحديث ، لكن هذا لا يعني أنه في المرتبة العليا من التوثيق فمثله يحسن حديثه .
فإذا قلت : إنها عبارة تمريض فيمكن قبول هذا على أنه ليس من الجرح ولكنه تمريض بالنسبة للدرجة العليا من التوثيق ، فإنك قد مرضت هذا بالنسبة للآخر فهو كلام نسبي ، أما إذا اعتبرت أن هذا من الجرح فهذا فهم سقيم لا يحسد عليه صاحبه .
والثالثة : فهم إمام من الأئمة الحذاق وهو الحافظ ابن القطان السجلماسي الفهم الصحيح لكلمة ابن معين فقال : ( كما في نصب الراية : 4 / 68 ) : عطية العوفي مضعف ، وقال ابن معين فيه : صالح . فالحديث به حسن . ا ه . فانظر إلى تحسينه لحديث عطية العوفي اعتمادا على قول ابن معين : صالح . وهذا حافظ آخر من المتأخرين هو الهيثمي إذ اعتمد توثيق ابن معين كما في مجمع الزوائد ( 7 / 314 ) ، كما حسن لعطية العوفي في المجمع أيضا ( 10 / 371
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
رفع المنارة - محمود سعيد ممدوح - ص 167 - 175
وقد تلقف الشيخ بشير السهسواني في " صيانة الإنسان " ( ص 100) هذه الكلمة عن يحيى بن معين فنسب لعطية العوفي الألفاظ الشديدة جدا التي قيلت في أبي هارون العبدي ، ثم تناقض فقال : المختار عندي قول أبي حاتم : ضعيف يكتب حديثه فإنه أعدل الأقوال وأصوبها . ا ه وما درى السهسواني رحمه الله تعالى أن لأبي حاتم الرازي قولا آخر يفيد توثيق عطية العوفي سيأتي ذكره إن شاء الله تعالى .
ومنهم ابن شاهين :
وقد أدخل عطية العوفي في الثقات ( ص 172 ) فهو من موثقيه .
فإن قيل : قد ذكره أيضا في الضعفاء فقال : ضعفه أحمد ويحيى .
قلت : التوثيق هو الراجح لما قد علمت مما سبق من اعتماد أحمد على رواية محمد بن السائب الكلبي ، وهي رواية تالفة لا يعتمد عليها في جرح عطية العوفي ، وأن يحيى بن معين من موثقيه كما تقدم .
ومنهم أبو بكر البزار :
فإنه قال كما في " التهذيب " ( 7 / 226 ) : كان يعده في التشيع ، " روى عنه جلة الناس " ، وهذه صيغة تعديل تعادل قولهم صالح الحديث ، مقارب الحديث ، ونحو ذلك كما يعلم من قواعد الحديث .
ورغم وضوح هذا القول من البزار وكونه موجودا في كتاب متداول مشهور كالتهذيب ، فلم أجد أحدا مما سعى في تضعيف هذا الحديث تعرض لذكر قول أبي بكر البزار المفيد تعديل عطية العوفي ، فالحمد لله تعالى على توفيقه .
ومنهم أبو حاتم الرازي :
فقد قال ابن أبي حاتم : سئل أبي عن نضرة وعطية ، فقال : أبو نضرة أحب إلى .
وهذا في حقيقته مقارنة بين ثقتين فإن أبا نضرة المنذر بن مالك العبدي ثقة .
ومنهم يحيى بن سعيد القطان :
فقد قال عن جبر بن نوف أبي الوداك كما في " التهذيب " ( 2 / 60 ) هو أحب إلى من عطية . ا ه .
قلت : هذه أيضا مقارنة بين ثقتين .
ومنهم ابن خزيمة :
فإنه أخرج الحديث في صحيحه : قال البوصيري في " مصباح الزجاجة " ( 1 / 98 ) : رواه ابن خزيمة في صحيحه من طريق فضيل بن مرزوق فهو صحيح عنده . ا ه .
قلت : فمقتضى تصحيح الحديث توثيق رجاله ومنهم عطية العوفي .
وهذا لم يرق لصاحب " الكشف والتبيين " ( ص 64 ، 65 ) فوجه سهامه لصحيح ابن خزيمة ، فنقل عن الحافظ ابن حجر في النكت كلاما ( 1 / 270 ) ، ( 1 / 290 - 291 ) حاصله في الآتي :
1 - أن ابن خزيمة كان لا يفرق بين الصحيح والحسن ، فليس كل ما عنده صحيحا بل فيه الحسن المدرج في الصحيح .
2 - قال الحافظ : حكم الأحاديث التي في كتاب ابن خزيمة . . صلاحية الاحتجاج بها لكونها دائرة بين الصحيح والحسن ما لم يظهر في بعضها علة قادحة . ا ه .
قلت : يؤخذ من كلام الحافظ أن أحاديث ابن خزيمة على قسمين :
1 - صحيح أو حسن .
2 - ما ظهر فيه علة قادحة وهو قليل جدا .
ولكن هذا في نظر غيره وليس في نظر إمام الأئمة ابن خزيمة الذي سمى كتابه " المسند الصحيح المتصل بنقل العدل عن العدل من غير قطع في المسند ولا جرح في النقلة " .
ثم إذا كانت الأنظار تتفاوت في الحكم على الرجال ، فالمقصود هو إثبات أن تصحيح ابن خزيمة لهذا الحديث هو توثيق لرجاله ، ومنهم عطية العوفي فهو ثقة عند ابن خزيمة والله أعلم .
ومنهم الإمام أبو عيسى الترمذي :
فإنه حسن له عدة أحاديث من أفراده ، بل حسن له عدة أحاديث انفرد بها فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي - كما في الحديث الذي نحن بصدد الكلام عليه - انظرها في " تحفة الأشراف " ، ومقتضى ذلك أن يكون صدوقا عند الترمذي كما صرح بذلك الحافظ في " تعجيل المنفعة " ( ص 153 ) .
وعليه : فعطية العوفي " صدوق " عند الترمذي ، وهو شرط الحسن لذاته ، والتشغيب هنا برمي الترمذي بالتساهل خطأ جسيم ، لأن الترمذي لم ينفرد بتعديل عطية العوفي فقد مر تعديله عن ابن سعد وابن معين والبزار وأبي حاتم الرازي وابن شاهين ويحيى بن سعيد القطان .
ثم الترمذي إمام حافظ ثقة كان يقون له إمام أهل الصناعة محمد بن إسماعيل البخاري : استفدنا منك كثر مما استفدت منا . وقول الترمذي معتمد عندهم في الجرح والتعديل وحكمه على الأحاديث كذلك ، وإن ظهر شئ انفرد به في قوله وحكمه ، فهو كغيره من الأئمة ولا يخدش ذلك في الأخذ بقوله وحكمه فليس هو بمعصوم .
وكم حسن الترمذي أحاديث في الصحيحين ، فهل يعد متشددا من هذه الجهة ؟! .
وقد تلقف هذا أو ذاك كلمة ابن دحية الكلبي ( 1 ) في الكلام على جامع الترمذي وبنى عليها أحكاما وأوهاما أو نظر في جامع الترمذي نظرة متأخر متبع لقواعد سقيمة متروكة فاستخلص منها تساهل الترمذي بسقيم فهمه .
والكلام يحتاج لبسط ليس هذا محله لكن ينبغي ألا يخلى المقام من المثال الذي ذكره صاحب " الكشف والتبيين " ( ص 45 ) ليستدل به على تساهل الترمذي فقال : ومن أقرب ما يذكر حديث سمرة " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف لا نسمع له صوتا " ، فقد رواه الترمذي وصححه ونقل الحافظ ابن حجر تصحيحه في " التلخيص الحبير " ، لكن تعقبه بإعلال ابن حزم له بجهالة ثعلبة بن عباد وأن ابن المديني قال فيه مجهول . ا ه .
قلت : هذا الكاتب إما أنه لا يفهم أو يضحك على القراء ، وأحلاهما مر ، فالصواب مع الترمذي والقول فيه قوله وهاك الآتي :
فثعلبة بن عباد لم ينفرد الترمذي بتصحيح حديثه ، بل وافقه على ذلك الحاكم في المستدرك ( 1 / 330 ) ، وابن حبان . والحديث أخرجه النسائي ( 3 / 140 ) ، وأبو داود ( 1 / 700 ) ، وابن ماجة ( 1 / 402 ) ، وأحمد في المسند ( 5 / 61 ) ، ‹ صفحة 172 › والطحاوي في شرح معاني الآثار ( 1 / 329 ) ، والبيهقي في السنن الكبرى ( 3 / 335 ) كلهم من طريق ثعلبة .
فمقتضى تصحيح الترمذي والحاكم وابن حبان للحديث أن رجاله ثقات عندهم .
وقد ذكر ابن حبان ثعلبة بن عباد في ثقاته ( 4 / 98 ) ، فالرجل ثقة ولا بد . وقوى حاله إخراج حديثه في السنن المذكورة .
فإن قيل : قد جهله ابن المديني وابن القطان .
قلت : من علم حجة على من لم يعلم .
وقد شنع الإمام تقي الدين بن دقيق العيد على من يرد تصحيح الترمذي بدعوى الحكم بجهالة أحد الرواة ، فقال رحمه الله تعالى ( نصب الراية : 1 / 149 ) ما نصه : ومن العجب كون ابن القطان لم يكتف بتصحيح الترمذي في معرفة حال عمرو بن بجدان مع تفرده بالحديث وهو قد نقل كلامه : هذا حديث حسن صحيح ، وأي فرق بين أن يقول : هو ثقة ، أو يصحح له حديثا انفرد به ؟ وإن كان توقف عن ذلك لكونه لم يرو عنه إلا أبو قلابة ، فليس هذا بمقتضى مذهبه ، فإنه لا يلتفت إلى كثرة الرواة في نفي جهالة الحالة ، فكذلك لا يوجب جهالة الحال بانفراد راو واحد عنه بعد وجود ما يقتضي تعديله وهو تصحيح الترمذي . ا ه .
وقال الحافظ الذهبي في " الموقظة " ( ص 81 ) : ومن الثقات من لم يخرج لهم في الصحيحين خلق منهم من صحح لهم الترمذي وابن خزيمة ثم من روى لهم النسائي وابن حبان . ا ه .
فانظر إلى توثيقه لمن صحح لهم الترمذي ، ومن روى له النسائي وابن حبان . فلا بد إن أردت أن تسلك سبيل أهل الحديث وتتبع قواعدهم ، وتقف عند كلام أئمتهم أن تقول بقولهم وتحذو حذوهم ، فلا تنفك في توثيق ثعلبة بن عباد اتباعا لتصحيح الترمذي له ، فضلا عن تصحيح الحاكم وابن حبان وإخراج النسائي لحديثه .
فلله در الترمذي الإمام الحافظ العلم ، وبذا يكون الانتقاد قد انقلب على صاحبه المنتقد بدون روية ، والمنازل بدون آلة ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
وإن وفق الله عز وجل ففي النية إشباع هذا البحث في جزء خاص به ، يسر الله ربي على ذلك وأعان .
* * *
فصل :
[u]وخلاصة ما تقدم ؛ أن عطية العوفي قد عدله ( 1 ) يحيى بن سعيد القطان وابن سعد وابن معين والترمذي والبزار وابن شاهين وتبعهم بعض من تأخر عنهم فقال ابن القطان ( كما في نصب الراية 4 / 68 ) : وعطية العوفي مضعف ، وقال ابن معين فيه : صالح ، فالحديث حسن . ا ه .
والحاصل أن من تكلم فيه فلأجل ما رمي به من التدليس وهو أمر لم يصح البتة ، أو التشيع ، أو روايته شيئا تكلم فيه ، وقد تبين لك أن هذه الأمور الثلاثة التي تكلم فيه بسببها ليست قادحة .
فالصواب قبول حديثه واعتباره من الحسن لذاته .
وقد قال شيخ الفن وطبيب علله الحافظ ابن حجر العسقلاني في أمالي ( 1 ) الأذكار ( 1 / 271 ) : ضعف عطية إنما جاء من قبل التشيع ومن قبل التدليس وهو في نفسه صدوق . ا ه .
وإذا تبين لك أن دعوى التدليس ليست بصحيحة والتشيع لا دخل له في روايته ، فالرجل صدوق .
وقد أصر الحافظ على كون عطية العوفي صدوقا ، فعندما سرد أسامي المدلسين في النكت على ابن الصلاح ( 2 / 644 ) قسم المدلسين لقسمين أحدهما : من وصف بالتدليس مع صدقه ، وثانيهما : من ضعف بأمر آخر غير التدليس ، ثم ذكر عطية العوفي في القسم الأول ( 2 / 646 ) ، وهم من وصفوا بالتدليس مع صدقهم فهو صدوق عنده .
فإذا وجدت بعد هذا البيان تضعيفا لعطية العوفي ، فاعلم أنه مخالف للصواب .
وبعد فيمكن لك أن تسمى ما كتبته في الانتصار لعطية العوفي ب " القول المستوفي في الانتصار لعطية العوفي " .
والله تعالى أعلم .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
‹ هامش ص 171 ›
( 1 ) ابن دحية الكلبي الأندلسي رغم كونه حافظا متفننا إلا أنه كما قال الذهبي في تذكرة الحفاظ ( 4 / 1421 ) : كان معروفا على كثرة علمه وفضائله بالمجازفة والدعاوى العريضة . ا ه . وترجمته تحوي غرائب .
‹ هامش ص 173 ›
( 1 ) فمن الخطأ البين والظلم لهذا الرجل قول ابن الجوزي في الموضوعات : ضعفه الكل ، وقول الذهبي في الديوان : مجمع على ضعفه ، وقوله في مختصر المستدرك ( 4 / 222 ) : واه ، وقول البوصيري في " مصباح الزجاجة " : متفق على ضعفه ، وهذه أقوال مخالفة للواقع فلا يلتفت إليها فليس الرجل بواه أو أجمعوا على ضعفه ، وكتب الرجال إن لم ينظر الناظر فيها بعين الناقد البصير الصيرفي زلّ وضلّ ، والله المستعان .
‹ هامش ص 174 ›
( 1 ) ولما كان كلام الحافظ قاطعا وسادا لباب الكلام في عطية العوفي لم يرق ذلك لصاحب الكشف والتبيين ( ص 42 ) فبدلا من الاعتراف بقصوره والتسليم للحافظ رحمه الله تعالى أغمض عن هذا وأخذ يغمز أمالي الحافظ على الأذكار ، وذلك كسعيهم دائما لنقد الكتب عند المخالفة ، فإذا أرادوا رد تصحيح أو تحسين لحافظ اتهموه بالتساهل وبأن كتابه فيه كذا وكذا ، [وإذا] وقفوا على حديث صحيح لا يوافق شذوذهم تراهم يقولون : لم يخرجه أحمد وليس في الصحيحين ولا الموطأ ولا تجده في السنن الأربعة بل هو في الكتب التي تروي الضعاف كالدارقطني والبزار . . . إلخ وهو كلام ساقط بنفسه لا يحتاج لإسقاط . وها نحن نراهم اليوم يتكلمون ويغمزون أمالي الأذكار وهي جرأة قبيحة من منازل بغير آلة وتطاول على كتاب حاز القدح المعلى في بابه يحق أن يفاخر به كبار الحفاظ المتقدمين ولكن . . . من جهل شيئا عاداه ، والله المستعان
ومن خلال هذا البحث يتضح كذبك وركاكه علمائك ومخازيهم
|
|
|
|
|