عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية حسين عبد الامير
حسين عبد الامير
عضو برونزي
رقم العضوية : 8336
الإنتساب : Aug 2007
المشاركات : 312
بمعدل : 0.05 يوميا

حسين عبد الامير غير متصل

 عرض البوم صور حسين عبد الامير

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : حسين عبد الامير المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 23-07-2009 الساعة : 01:40 AM


فسكت الناس ولم يتكلم أحد منهم بحرف واحد، فلمّا رأى ذلك منهم عدي بن حاتم قام وقال: (أنا ابن حاتم. سبحان اللّه ! ما أقبح هذا المقام!! ألا تجيبون إمامكم وابن بنت نبيكم؟، أين خطباء مضر الذين ألسنتهم كالمخاريق في الدعة؟ فإذا جد الجد فمراوغون كالثعالب. أما تخافون مقت اللّه وعيبها وعارها؟) ثم استقبل الإمام الحسن بوجهه وقال: (أصاب اللّه بك المراشد وجنبك المكاره، ووفّقك لما تحمد وروده وصدوره. قد سمعنا مقالتك وانتهينا إلى أمرك وأطعناك فيما قلت وما رأيت، وهذا وجهي إلى معسكري فمن احب أن يوافيني فليواف) ثم مضى لوجهه وخرج من المسجد فركب دابته، وكانت على باب الجامع، وأمر غلامه أن يلحقه بما يصلحه، ومضى هو إلى النخيلة.
ثم قام قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، ومعقل بن قيس الرياحي، وزياد بن صعصعة التيمي، فأنّبوا الناس ولاموهم على تخاذلهم وحرضوهم على الخروج، وكلموا الحسن (عليه السلام) بمثل كلام عدي بن حاتم، فقال لهم: (صدقتم رحمكم اللّه. مازلت أعرفكم بصدق النية والوفاء والقبول والمودّة والنصيحة، فجزاكم اللّه خيراً).
وخرج الناس إلى النخيلة، فلما تكامل عددهم لحق بهم الحسن، واستخلف على الكوفة المغيرة بن نوفل بن عبد المطلب، وأمره بأن يحرك الناس ويحثهم على الخروج والالتحاق بالجيش.
ويروي المؤرخون أنه لما تكامل الجيش خرج به الحسن (عليه السلام)، وقد حدده بعضهم بأربعين ألفاً، وبعضهم بستين وبأكثر من ذلك، ولمّا نزل دير عبد الرحمن أقام به ثلاثة أيام، ودعا عبيد اللّه بن العباس وقال له: (يا بن العم، إني باعث معك اثني عشر ألفاً من فرسان العرب وقرأ مضر، الرجل منهم يريد الكتيبة، فسر بهم على الشاطئ حتى تقطع الفرات وتنتهي إلى مسكن، وامض منها حتى تستقبل معاوية، فألن لهم جانبك وابسط لهم وجهك وافرش لهم جناحك وأدنهم من مجلسك، فإنهم من ثقات أمير المؤمنين، فإن أنت لقيت معاوية فاحبسه حتى آتيك، فإني على إثرك وشيكاً. وليكن خبرك عندي كل يوم).
وأرسل معه قائدين من خيرة المسلمين إخلاصاً وجهاداً ونصيحة في سبيل اللّه، وهما قيس بن سعد بن عبادة، وسعيد بن قيس الهمداني، وأمره ألاّ يقطع أمراً دونهما، وأن يستشيرهما في جميع الأمور، وقال له: (إذا أنت لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يكون هو البادئ في القتال، فإن أُصبت فقيس بن سعد على الناس، وإن أُصيب فالقيادة من بعده لسعيد بن قيس).
وسار عبيد اللّه بالناس يقطع الصحاري حتى انتهى إلى الفلّوجة، ومنها إلى مسكن، وكان معاوية قد نزل فيها، فنزل عبيد اللّه بن العباس بازائه، وفي اليوم الثاني وجه معاوية بخيل أغارت على جيش عبيد اللّه فوقفوا لها وردّوها على أعقابها، وأيقين معاوية تصميم الحسن (عليه السلام) على مواصلة القتال بعد أن رفض العروض المغرية التي قدمها إليه في رسائله(16).

ب ـ رأى الإمام (عليه السلام) أن مدار مصلحة الإسلام العليا بعد خذلان جيشه له وتفرقه عنه، يقوم بعقد معاهدة الصلح مع معاوية بن أبي سفيان; وفي هذا السياق ينقل لنا المؤرخون أن معاوية لمّا أرسل خيله لقتال الجيش الذي يقوده عبيد اللّه، ردّها أهل العراق على أعقابها، وبمجيء الليل أرسل معاوية رسالة إلى عبيد اللّه جاء فيها أن الحسن قد أرسلني في الصلح وسلم الأمر لي فإن دخلت في طاعتي الآن تكن متبوعاً خير لك من أن تكون تابعاً بعد غد، ولك أن أجبتني الآن أن أعطيك ألف ألف درهم أعجل لك في هذا الوقت نصفها، وعندما أدخل الكوفة ادفع لك النصف الثاني.
ويدعي اكثر المؤرخين أن عبيد اللّه انسلّ من قاعدته، ودخل عسكر معاوية ومعه بضعة آلاف ممن كانوا معه، فوفى له بما وعده، وانتبه الناس بدخول النهار، فانتظروا عبيد اللّه ليصلي بهم فلم يجدوه، فصلى بهم قيس بن سعد، ولمّا تأكدوا من خبره خطبهم قيس، وذكر عبيد اللّه فنال منه، وأمرهم بالصبر والثبات، وعرض عليهم الحرب ومناهضة معاوية مهما كان الحال، فأجابوه لذلك، فنزل عن المنبر ومضى بهم لقتال معاوية، فقابلهم جيشه بقيادة بسر بن ارطاة، وبثّ دعاتة بين أصحاب قيس يذيعون أن أميرهم عبيد اللّه مع معاوية في خبائه، والحسن بن علي قد وافق على الصلح فعَلام تقتلون أنفسكم. وهنا يدّعي المؤرخون أن قيساً قال لأهل العراق: (اختاروا أحدى اثنتين: إما القتال بدون إمام، وإمّا أن تبايعوا بيعة ضلال) فقالوا بأجمعهم: (بل نقاتل بدون إمام) ثم اتجهوا نحوهم واشتبك الفريقان في معركة ضارية كانت نتائجها لصالحهم، وتراجع بسر بمن معه إلى معسكراتهم مخذولين مقهورين.
وكان موقف عبيد اللّه من جملة العوامل التي تسببت في تفكك جيش الإمام وتخاذله، وفتح أبواب الغدر والخيانة والتسلّل الجماعي، وتذرع ذوي النفوس الضعيفة والقلوب المريضة أن عبيد اللّه ابن عمه وأولاهم بمناصرته والتضحية في سبيله.
كما كان لغدر عبيد اللّه بن العباس في نفس الإمام (عليه السلام) حزن بالغ وأسى مرير، لأنه فتح الباب لغيره، وتستّر بغدره وخيانته جميع الطامعين والخونة من أهل العراق، ونشط أنصار معاوية في نشر الترهيب والترغيب في صفوف الجيش، ولم يتركوا وسيلة لصالح معاوية إلاّ واستعملوها، واستمالوا إليهم حتى رؤساء ربيعة الذين كانوا حصناً لأمير المؤمنين (عليه السلام) في صفين وغيرها من المواقف، فلقد راسله خالد بن معمر أحد زعمائها البارزين وبايعه عن ربيعة كلّها.
كما راسله وبايعه عثمان بن شرحبيل أحد زعماء بني تميم، وشاعت الخيانة بين جميع كتائب الجيش وقبائل الكوفة، وأدرك الإمام أبو محمد الحسن (عليه السلام) كل ذلك، وصارحهم بالواقع الذي لم يعد يجوز السكوت عنه، فقال: (يا أهل الكوفة، أنتم الذين أكرهتم أبي على القتال والحكومة ثم اختلفتم عليه، وقد أتاني أن أهل الشرف منكم قد أتوا معاوية وبايعوه، فحسبي منكم لا تغروني في ديني ونفسي).
وهنا اطمأن معاوية بأن المعركة لو وقعت بين أهل الشام وأهل العراق ستكون لصالحه، وسيكون الحسن بن علي (عليه السلام) والمخلصون له من جنده خلال أيام معدودات بين قتيل وأسير تحت رحمته، وأن السلطة صائرة إليه لا محالة، ولكن استيلاءه عليها بقوة السلاح لا يعطيها الصبغة الشرعية التي كان يحاول التمويه بها على الناس، هذا بالإضافة إلى ما قد يحدث من المضاعفات الخطرة التي ستجعله في ضيق من نتائجها، وذلك لو أُصيب الحسن والحسين خلال المعارك وهما سيدا شباب أهل الجنة، وريحانتا جدهما وأحبّ الخلق إليه بالنصوص المتواترة التي لا يجهلها أحد من المسلمين.
لذلك ولغيره كان معاوية على ما يبدو حريصاً على ألا يتورط مع الحسن بن علي (عليه السلام) في الحرب، وإن كان مطمئنّاً لنتائجها، فعرض عليه فكرة الصلح في أولى رسائله، وترك له أن يشترط ويطلب ما يريد، وراح يردد حديث الصلح في مجالسه وبين أنصاره في جيش العراق ويأمرهم بإشاعته، وكاتب القادة والرؤساء به ليصرف أنظارهم عن الحرب، ويبثّ بينهم روح التخاذل والاستسلام للأمر الواقع.
وكانت فكرة الصلح كما ذكرنا مغلفة بلون ينخدع له الكثيرون من الناس، ويفضلونه على الحرب والقتال، فلقد عرضها في رسالته الأولى على الحسن (عليه السلام) وأشاعها بين أهل العراق، على ألا يقضي أمراً من الأمور بدون رأيه، ولا يعصيه في أمر أُريد به طاعة اللّه ورسوله، وترك له مع ذلك أن يقترح ما يريد، كل ذلك لعلمه بأنها ستلقى بهذه الصياغة قبولاً من الكثيرين، وسيتبع ذلك انقسام في صفوف الجيش يضطره إلى الصلح لأنه أهون الشرّين، كما التجأ والده من قبل للتحكيم والرضا بالاشعري حكماً لأهل العراق في مقابل ابن العاص، لأنه اقل خطراً وضرراً من المضي في الحرب، مع انحياز القسم الأكبر من الجيش إلى جانب فكرة التحكيم التي وضعها معاوية، بعد أن ضاق عليه أمره وكاد أن يقع أسيراً بيد الاشتر ومن معه من الجنود البواسل.
وبالإضافة إلى أن فكرة الصلح بتلك الشروط ستكون سلاحاً بيد الخونة من أهل العراق، ستكون أيضاً عذراً مقبولاً لمعاوية لو كانت الحرب وأُصيب الحسنان وخيار الصحابة عند السواد الأعظم من الناس.
وكان الأمر كما قدر معاوية، فقد أدّت فكرة الصلح بتلك الصيغة إلى التشويش والاضطراب في صفوف الجيش، وإلى تسلّل عبيد اللّه بن العباس وعدد من القادة وزعماء العشائر إلى معاوية واتّصال بعضهم به عن طريق المراسلة، وكان هو بدوره بما لديه من وسائل الإعلام يرسل إلى الحسن بجميع أخبارهم وتصرفاتهم ليقطع أمله من نتائج الحرب، ولا يبقى له خيار في الصلح، وكان الأمر كذلك.
وقال الشيخ المفيد في إرشاده والطبرسي في أعلام الورى: إن أهل العراق كتبوا إلى معاوية بالسمع والطاعة، واستحثّوه على السير نحوهم، وضمنوا له تسليم الحسن إليه إذا شاء عند دنوّه من معسكرهم أو الفتك به(17).
وجاء في علل الشرائع أن معاوية دسّ إلى عمرو بن حريث والاشعث بن قيس وحجار بن أبجر وشبث بن ربعي ووعد من يقتل الحسن بمئة ألف وقيادة جند من أجناد الشام وبنت من بناته، ولمّا بلغ الحسن ذلك كان لا يخرج بدون لامة حربه، ولا ينزعها حتى في الصلاة، وقد رماه أحدهم بسهم وهو يصلي فلم يثبت فيه.
ولا شك أن معاوية أراد من اغتيال الإمام الحسن (عليه السلام) على يد العراقيين أن يسلم له الأمر، ويخلو له الجو بدون قتال إذا تعذر الصلح، حتى لا يتحمل مسؤولية قتله وقتل آله وأنصاره تجاه الرأي العام الإسلامي، الذي لا يغفر له عملاً من هذا القبيل مهما كانت الظروف.
ولم يكن الإمام أبو محمد الحسن (عليه السلام) يفكر بصلح معاوية ولا بمهادنته، غير أنه بعد أن تكدّست لديه الأخبار عن تفكّك جيشه، وانحياز اكثر القادة لجانب معاوية، أراد أن يختبر نواياهم ويمتحن عزيمتهم، فوقف بمن كان معه في ساباط، ولوّح لهم من بعيد بالصلح وجمع الكلمة فقال: ( فو اللّه إني لأرجو أن أكون انصح خلق اللّه لخلقه، وما أصبحت محتملاً على أحد ضغينة ولا مريداً له سوءاً ولا غائلة. ألا وإن ما تكرهون في الجماعة خير لكم ممّا تحبون في الفرقة. ألا وإني ناظر لكم خيراً من نظركم لأنفسكم، فلا تخالفوا أمري ولا تردّوا عليّ رأيي. غفر اللّه لي ولكم وأرشدني وإيّاكم لما فيه محبته ورضاه)(18).
وهنا تنقّح لدى الإمام (عليه السلام) موضوع مصلحة الإسلام العليا بدفع اعظم الضررين، أولهما: الاستمرار بحرب خاسرة لا محالة فيها فناؤه وفناء أهل بيته وبقية الصفوة الصالحة من أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وأصحاب أمير المؤمنين (عليه السلام) وأصحابه هو (عليه السلام)، وهم حفظة القرآن وسنة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، والذابون عن العترة الطاهرة، والدعاة الأمناء إلى ولايتهم وقيادتهم، والثانية: القبول بالصلح وحقن دماء أهل بيت النبوة والعصمة وبقية الصفوة الصالحة من شيعتهم، ليحملوا لواء الدعوة لآل محمد (صلى الله عليه وآله)، ويصدعوا بالحق أمام محاولات تضييعه وتحريف وتزوير دين اللّه وسنة رسوله (صلى الله عليه وآله)، ليتّصل حبلهم بحبل الأجيال اللاحقة، ولتصل إليها معالم الدين الحق، ولتدرك حق أهل البيت (عليهم السلام) وباطل أعدائهم.
وهكذا اضطر الإمام الحسن (عليه السلام) للصلح، وكان نصّ كتاب الصلح بينه وبين معاوية بن أبي سفيان كآلاتي:

(هذا ما اصطلح عليه الحسن بن علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان. صالحه على:

* أن يعمل فيهم بكتاب اللّه وسنة نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) وسيرة الخلفاء الصالحين.

* ليس لمعاوية بن أبي سفيان أن يعهد لأحد من بعده عهداً، بل يكون الأمر من بعده شورى بين المسلمين.

* أن الناس آمنون حيث كانوا من ارض اللّه، في شامهم وعراقهم وتهامهم وحجازهم.

* أن أصحاب علي وشيعته آمنون على أنفسهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم، وعلى معاوية بن أبي سفيان بذلك عهد اللّه وميثاقه، وما أخذ اللّه على أحد من خلقه بالوفاء بما أعطى اللّه من نفسه.

* أنه لا يبغي للحسن بن علي ولا لأخيه الحسين ولا لأحد من أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) غائلة سراً ولا علانية، ولا يخيف أحداً منهم في أفق من الأفاق.

شهد على ذلك عبد اللّه بن نوفل بن الحارث وعمر بن أبي سلمة وفلان وفلان.
ثم ردّ الحسن بن علي هذا الكتاب إلى معاوية مع رُسل من قِبَله ليشهدوا عليه بما في هذا الكتاب)(19).

ج ـ وجد الإمام (عليه السلام) أن عليه ـ في سبيل بيان الأسباب والعلل التي ألجأته إلى عقد معاهدة الصلح مع معاوية بن أبي سفيان ـ أن يكشف الحقائق ويظهر الحق لتتمّ الحجة البالغة في إدراك حقيقة المصلحة الإسلامية العليا الكامنة في هذا الصلح. وقد تواصلت بياناته وخطاباته في هذا السبيل إلى آخر لحظة من لحظات حياته الشريفة.
وممّا يروى في ذلك أن سليم بن قيس قال: (قام الحسن بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) على المنبر حين اجتمع مع معاوية، فحمد اللّه وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس، إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلاً ولم أرَ نفسي لها أهلاً، وكذب معاوية، أنا أولى الناس بالناس في كتاب اللّه وعلى لسان نبيّ اللّه، فأُقسم باللّه لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني، لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركتها، ولما طمعتم فيها يا معاوية، ولقد قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله): ما ولّت أُمّة أمرها رجلاً قطّ وفيهم من هو اعلم منه، إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ملّة عبدة العجل. وقد ترك بنو إسرائيل هارون واعتكفوا على العجل وهم يعلمون أنّ هارون خليفة موسى، وقد تركت الأمّة عليّاً (عليه السلام) وقد سمعوا رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) يقول لعلي: أنت منّي بمنزلة هارون من موسى غير النبوة، فلا نبي بعدي. وقد هرب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) من قومه وهو يدعوهم إلى اللّه حتى فرّ إلى الغار، ولو وجد عليهم أعواناً ما هرب منهم، ولو وجدت أنا أعواناً ما بايعتك يا معاوية. وقد جعل اللّه هارون في سعة حين استضعفوه وكادوا يقتلونه، ولم يجد عليهم أعواناً. وقد جعل اللّه النبي في سعة حين فرّ من قومه لمّا لم يجد أعواناً عليهم، كذلك أنا وأبي في سعة من اللّه حين تركتنا الأمّة وبايعت غيرنا ولم نجد أعواناً. وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضاً.
أيها الناس، إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب لم تجدوا رجلاً من ولد النبي غيري وغير أخي).
وعن حنان بن سدير عن أبيه سدير عن أبيه عن أبي سعيد عقيصا قال: (لما صالح الحسن بن علي بن أبي طالب معاوية بن أبي سفيان، دخل عليه الناس فلامه بعضهم على بيعته، فقال (عليه السلام): ويحكم!! ما تدرون ما عملت. واللّه لَلّذي عملت لشيعتي خير ممّا طلعت عليه الشمس أو غربت. ألا تعلمون أني إمامكم، ومفترض الطاعة عليكم، واحد سيدي شباب أهل الجنة بنصٍّ من رسول اللّه عليّ؟ قالوا: بلى. قال: أما علمتم أنّ الخضر لما خرق السفينة وأقام الجدار وقتل الغلام كان ذلك سخطاً لموسى بن عمران (عليه السلام)، إذ خفي عليه وجه الحكمة في ذلك، وكان ذلك عند اللّه تعالى ذكره حكمة وصواباً؟ أما علمتم أنه ما منّا أحد إلاّ يقع في عنقه بيعة لطاغية زمانه إلاّ القائم (عجل الله تعالى فرجه الشريف)؟ الذي يصلّي خلفه روح اللّه عيسى بن مريم (عليه السلام)، فإن اللّه عز وجل يخفي ولادته ويغيب شخصه لئلاّ يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج. ذاك التاسع من ولد أخي الحسين ابن سيدة الإماء، يطيل اللّه عمره في غيبته، ثم يظهره بقدرته في صورة شاب دون أربعين سنة، ذلك ليعلم أن اللّه على كل شيء قدير).
عن زيد بن وهب الجهني قال: (لما طُعن الحسن بن علي (عليه السلام) بالمدائن أتيته وهو متوجّع، فقلت: ما ترى يا بن رسول اللّه، فإنّ الناس متحيرون؟ فقال: أرى ـ واللّه ـ أن معاوية خير لي من هؤلاء. يزعمون أنهم لي شيعة. ابتغوا قتلي وأنتهبوا ثقلي واخذوا مالي. واللّه لئن آخذ من معاوية عهداً أحقن به دمي وأومن به في أهلي، خير من أن يقتلوني فتضيع أهل بيتي وأهلي. واللّه لو قاتلت معاوية لأخذوا بعنقي حتى يدفعوني إليه سلماً. واللّه لئن أُسالمه وأنا عزيز خير من أن يقتلني وأنا أسير، أو يمنّ عليّ فيكون سنّة على بني هاشم آخر الدهر، ولمعاوية لا يزال يمن بها وعقبه على الحيّ منّا والميت. قال: قلت: تترك يا بن رسول اللّه شيعتك كالغنم ليس لها راع؟! قال: وما أصنع يا أخا جهينة؟ إني واللّه اعلم بأمر قد أدّى به إليّ ثقاته، أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قال لي ذات يوم وقد رآني فرحاً: يا حسن، أتفرح؟! كيف بك إذا رأيت أباك قتيلاً؟ كيف بك إذا ولي هذا الأمر بنو أُمية؟ وأميرها الرحب البلعوم، الواسع الاعفجاج، يأكل ولا يشبع، يموت وليس له في السماء ناصر ولا في الأرض عاذر، ثمّ يستولي على غربها وشرقها، يدين له العباد ويطول ملكه، يستنّ بسنن أهل البدع والضلال، ويُميت الحق وسنّة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله)، يقسم المال في أهل ولايته، ويمنعه من هو أحق به، ويذلّ في ملكه المؤمن، ويقوى في سلطانه الفاسق، ويجعل المال بين أنصاره دولاً، ويتخذ عباد اللّه خولاً، يدرس في سلطانه الحق، ويظهر الباطل، ويقتل من ناواه على الحق، ويدين من والاه على الباطل)(20).
ويروى أيضاً أنه بعد أن تمّ التوقيع على الصلح، قدم معاوية إلى الكوفة للاجتماع بالإمام الحسن (عليه السلام)، حيث ارتقى معاوية المنبر ليعلن ـ متحدياً كل المواثيق والعهود والأعراف ـ أنه يسحق بقدميه كل الشروط التي صالح الحسن عليها، وخاطب الناس المحتشدة في مسجد الكوفة قائلاً: (واللّه إني ما قاتلتكم لتصلّوا، ولا لتصوموا، ولا لتحجّوا، ولا لتزكّوا، إنكم لتفعلون ذلك، وإنما قاتلتكم لاتأمّر عليكم، وقد أعطاني اللّه ذلك، وانتم له كارهون. ألا وإن كلّ دم أصيب في هذه الفتنة فهو مطلوب، وكل شرط شرطته فتحت قدميّ هاتين).
وهنا تململ أصحاب الإمام الحسن (عليه السلام) وأتباعه، وتجرءوا عليه ووصفوه بمذلّ المؤمنين، فصبر سلام اللّه عليه صبراً جميلاً، وطفق يبيّن لهم الحقائق التي خفيت عنهم في أجواء الانفعال والعاطفة والغضب الذي اعتراهم من تحدي معاوية لهم، ونقضه لوثيقة الصلح وتوهينه للإمام الحسن (عليه السلام) وأصحابه.
وممّا روي عنه (عليه السلام) أنه قال لبشير الهمداني عندما لامه على الصلح: (لستُ مُذلاًّ للمؤمنين، ولكني معزّهم. ما أردتُ لمصالحتي إلاّ أن أدفع عنكم القتل، عندما رأيت تباطؤ أصحابي ونكولهم عن القتال).
قال (عليه السلام) ذلك لبشير هذا، لأنه كان أول المرتعدين من القتال. وقال لمالك بن ضمرة عندما كلّمه بشأن الوثيقة: (إني خشيت أن يُجتثّ المسلمون عن وجه الأرض، فأردت أن يكون للدين داع).
وقال مخاطباً أبا سعيد: يا أبا سعيد، علّة مصالحتي لمعاوية علّة مصالحة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) لبني ضمرة وبني أشجع ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية).
وقال له حجر بن عدي، وكان وجهاً من وجوه صحابة رسول اللّه (صلى الله عليه وآله) وصحابة علي وابنه الحسن(عليهما السلام) ، عندما خاطب الإمام الحسن (عليه السلام) بعد أن سمع كلام معاوية على المنبر وهو يتنصّل من كل الشروط التي وقعها مع الإمام (عليه السلام): (أما واللّه، لقد وددت أنك متّ في ذلك، ومتنا معك، ثم لم نَرَ هذا اليوم، فإنّا رجعنا راغمين بما كرهنا، ورجعوا مسرورين بما أحبّوا)، إلاّ أن الإمام أرسل إليه بعد انصرافه إلى بيته وقال له: (إني قد سمعت كلامك في مجلس معاوية، وليس كل إنسان يحب ما تحبّ ولا رأيه كرأيك، وإني لم أفعل ما فعلت إلاّ إبقاءً عليكم)(21).
وعن الأعمش عن سالم بن أبي الجعد قال: (حدثني رجل منّا قال: أتيت الحسن بن علي (عليه السلام) فقلت: يا بن رسول اللّه; أذللت رقابنا، وجعلتنا معشر الشيعة عبيداً. ما بقي معك رجل. قال: وممَّ ذلك؟ قال: قلت: بتسليمك الأمر لهذا الطاغية، قال: واللّه ما سلّمت الأمر إليه إلاّ أني لم أجد أنصاراً، ولو وجدت أنصاراً لقاتلته ليلي ونهاري حتى يحكم اللّه بيني وبينه، ولكنّي عرفت أهل الكوفة وبلوتهم، ولا يصلح لي منهم من كان فاسداً; إنهم لا وفاء لهم ولا ذمّة في قول ولا فعل، إنهم لمختلفون، ويقولون لنا إن قلوبهم معنا، وإنّ سيوفهم لمشهورة علينا. قال: وهو يكلمني إذ تنخع الدم، فدعا بطست فحمل من بين يديه مليء مما خرج من جوفه من الدم. فقلت له: ما هذا يا بن رسول اللّه؟ إنّي لأراك وجعاً!! قال: أجلْ، دسّ إليّ هذا الطاغية مَن سقاني سمّاً، فقد وقع على كبدي وهو يخرج قطعاً كما ترى)(22).
ولقد أشار الإمام محمد الباقر (عليه السلام) إلى هذه المصلحة الإسلامية العليا في صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية بن أبي سفيان بقوله: (واللّه، لَلّذي صنعه الحسن بن علي (عليه السلام) كان خيراً لهذه الأمة ممّا طلعت عليه الشمس)(23).

توقيع : حسين عبد الامير
السلام عليك يا أبا الفضل العباس




من مواضيع : حسين عبد الامير 0 اربعون رواية في فضل زيارة الامام الحسين عليه السلام
0 دمعة
0 اوبريت اهل الغيرة
0 قصة الميرزا الاصفهاني وتركه للعرفان بعد لقاء الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه
0 ماوصل شيعي أمس يدفن حسين
رد مع اقتباس