الموضوع: الحنان العميق
عرض مشاركة واحدة

الصورة الرمزية نووورا انا
نووورا انا
شيعي فاطمي
رقم العضوية : 23528
الإنتساب : Oct 2008
المشاركات : 4,921
بمعدل : 0.82 يوميا

نووورا انا غير متصل

 عرض البوم صور نووورا انا

  مشاركة رقم : 2  
كاتب الموضوع : نووورا انا المنتدى : منتـدى سيرة أهـل البيت عليهم السلام
افتراضي
قديم بتاريخ : 18-08-2009 الساعة : 02:36 AM


اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم


ولابدّ لنا أن نشير إلى موقف ابن أبي طالب من المرأة على هذا الصعيد. فالمرأة نصف الإنسان، فهل يخلو هذا النصف من العطف على نصفه الآخر؟ وهل النصف الآخر مدعوٌّ إلى أن يجوز على مقاييس العدالة الكونية القاضية بحنان الإنسان على الإنسان؟
لقد أوّلَ الكثيرُ بعضَ أقوال عليّ في المرأة تأويلاً شاءوا به الطرافة والترفيه فوق ما شاءوا به أن يُبرزوا موقفَ عليّ منها. فألحّوا على كلماتٍ له قالها في ظروفٍ كان أبرز ما فيها عداء امرأةٍ معيّنةٍ له وهو لم يُسئ ولم يأمر إلاّ بمعروف. وفاتَهم أنّ مثل هذه الأقوال الخاضعة لظرفٍ محدودٍ بذاته، والرامية إلى إيضاح الأسباب في صراعٍ بين عقليتين مختلفتين كلّ الاختلاف، إنّما قال في بعض الرجال أشدّ منها وأقسى. وهو بذلك لا يعني الرجال قاطبةً وفي كلّ حالاتهم. كما أنه، حين أطلق تلك الأقوال في المرأة، لم يكن ليعني النساء قاطبة وفي كل حالاتهن. فإن مسبّبي الويلات التي ألمّت به وبالخير عن طريقه، تعرّضوا لمثل هذه الأقوال سواءً أكانوا رجالاً أو نسوةً لهنّ قوة الرجال ونفوذهم. وهو إنْ هاجم هؤلاء وهؤلاء من نسوة ورجال، فإنّما كان يهاجم فيهم مواقفَ معيّنةً وقفوها من الحقّ والعدل وأصحابهما. وفي ذلك ما ينفي الادّعاء بالإساءة إلى المرأة مِن قِبَل عليّ. وإنّي لأسأل مَن يعنيهم الأمر أن يوافوني بكلمةٍ واحدةٍ يسيء بها عليّ إلى المرأة ولم تكن موجّهةً إلى إنسان معيّنٍ في ظرفٍ معيّن، أو من وحي هذا الإنسان في هذا الظرف! لقد هاجم المرأة عندما كانت سبباً في الفتنة، وهاجم الرجل في مثل هذه الحال. فهو بذلك يهاجم الفتنة وحسب!
أمّا موقف عليّ من المرأة كإنسان، فهو موقفه من الرجل كإنسان، لا فرق في ذلك ولا تمييز. أوَ ليس في حزنه على زوجه فاطمة وقد توفيّت، دليلٌ على إحساسه بقيمة المرأة كإنسان له كلّ حقوق الإنسان وعليه كلّ واجباته، وفي أساس هذه الحقوق والواجبات أن يَنعَم بالحنان الإنسانيّ ويُنْعِم به الآخرين؟
أوَلم يكن الناس في الجاهلية وبعد الجاهلية يتفاءَلون بمولد الذكَر ويفرحون، ويتشاءَمون بمولد الأنثى ويحزنون!
أوَلم يكن موقف الفرزدق تعبيراً عن نظرة عصره إلى المرأة، وهو عصرٌ متّصِلٌ بزمن ابن أبي طالب، ساعةَ ماتت زوجته، وكان يحبّها على ما زعموا، فقال فيها هذا القول العجيب:
وَأهْوَنُ مفقودٍ، إذا الموتُ نالَه،
على المرء مِن أصحابه، مَن تقنّعا

أي أنّ أهوَن فقيدٍ على المرء من أصحابه ومعارفه فقيدٌ يلبس القناع، ويريد به المرأة. فالمرأة في قلبه وعلى لسانه لا تستحقّ أن تُبكى، ولا أن يُحزَن عليها. لماذا؟ لا لشيء إلاّ لأنها امرأة!
وعليّ، ألم يكن من أبناء ذلك الزمان؟ ولكنّه كان أنفذَهم تفكيراً وأشرفهم نظراً وأعمقهم إحساساً، فقال في جملة ما قال بهذا الشأن متلوّماً على أصحاب تلك العقلية الرعناء: (وإن بعضهم يحب الذكور ويكره الإناث... إلخ). إذن، فالذكور والإناث بمنزلة واحدة عند عليّ تجمعهم صفة الإنسان وحسب.
أضف إلى ذلك أن علياً الذي يعطف على الناس عموماً، وعلى الضعفاء منهم خصوصاً، يفرض على الخُلق الكريم أن يكون أشدّ حناناً على المرأة لأنها مستضعفة إن لم تكن ضعيفة، فيقول: (وانصروا المظلوم وخذوا فوق يد الظالم المريب وأحسنوا إلى نسائكم). ويقول في مكان آخر: (آمركم بالنهي عن المنكر والإحسان إلى نسائكم).
ويتابعُ ابنُ أبي طالب حلقات هذا المسلك المتماسك في دعوته أن يلتفّ الناس جميعاً، ثم الناس وسائر الكائنات، بدفء الحنان، فيقول في العلم - وقد عرفنا قيمة العلم في مذهبه - : (رأس العلم الرفق). وهو لا يرى في كثرة الذنوب ما يهول أكثرَ من أنها مدعاةٌ إلى القسوة بحُكم تَعَوُّدها، ومن ثمّ فهي سببٌ في نفورٍ باردٍ يحلّ في القلوب محلّ حنانٍ دافئ، فيقول: (ما جفّت الدموع إلاّ لقسوة القلوب، وما قست القلوب إلاّ لكثرة الذنوب!) وإذا لم تكن من أهل الذنوب فأنت من أهل الحنان ومن حقك أنْ تبذل - بهذا الحنان - كلّ ما تملك لنصرة أخيك الإنسان: (فإن كنتَ من أخيك على ثقةً فابذلْ له مالك ويدك، وأعنْه، وأظهِرْ له الحسن).
وأخيراً يُطلقُ عليٌّ مجموعة من الأقوال تدور في مدار الدعوة إلى تفاني الناس في الناس عطفاً وحناناً. وهي تُعتبر بحقٍّ من أسمى ما يملكه الإنسان من تراث خلقيٍّ عظيم. ومنها هذه الروائع: (صِلْ مَنْ قطعك وأعطِ مَن حرمك. أحسن إلى جميع الناس كما تحب أن يُحس إليك. أحسن إلى مَن أساءَ إليك. عودوا بالفضل على من حرمكم إلخ..).
وإنجازاً لهذه الدعوة الكريمة يُشْرِك ابنُ أبي طالب البهائمَ والبقاعَ والناس في حقٍّ لها مشتَرَك في الحنان فيقول: (اتّقوا اللهَ في عباده وبلاده فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم!).
وهكذا، فإنّ عطف الإنسان على الإنسان وسائر الكائنات إنّما هو حجّةُ الحياة على الموت، بل هو إرادةٌ من إرادة الوجود العادل!


من مواضيع : نووورا انا 0 بواطن الرحمة الإلهية في ظواهر الشرور السفيانية
0 علامات الظهور بين الأولويات والانحراف
0 الابـــــــــــــــــلّة
0 شيعة البحرين تجذّر المواطنة ونابضية الولاء
0 شيعة باكستان والحصانة العقدية
رد مع اقتباس