|
عضو فضي
|
رقم العضوية : 43483
|
الإنتساب : Oct 2009
|
المشاركات : 1,775
|
بمعدل : 0.31 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
شهيدالله
المنتدى :
المنتدى العام
العقيدة الاسلامية والفكرالوضعي في بناء الانسان ج2
بتاريخ : 29-10-2009 الساعة : 09:36 PM
القسم الثاني
ولقد أسهمت العقيدة إسهاما فعالا في تحرير الإنسان على محاور عدة ، منها :
- أولا : - حررت الإنسان من الاستبداد السياسي ، فليس في الإسلام استبداد إنسان بآخر ، أو تسخير طبقة أو قومية لأخرى فقد كان الدين ، على امتداد التأريخ الإسلامي ، من أبرز العوامل لظهور حركات التحرر . ومهما تكن نظرة الباحث تجاه الدين فلا يستطيع إبعاد العامل الديني وأثره في بناء الوعي الثوري خلال هذه الفترة من تأريخ الاسلام . فلم تكن ثورة أبي ذر ( رحمه الله ) وثورة الحسين ( عليه السلام ) إلا منطلقا لاتجاه واع لتصحيح الانحراف في تأريخ الإسلام . ورغم كل الانحراف الذي تعرض
له المسلمون على امتداد تأريخهم الطويل لم ينعدم في فترة من هذا التأريخ اتجاه ثوري قوي في إعادة الإسلام-
وحقوق الإنسان المسلم وكرامته. كما حررت العقيدة الاسلامية الإنسان من عادة " تأليه البشر
" ، كعبادة الملوك والأسر الحاكمة ، وهي عادة كانت سائدة عند بعض الأمم القديمة كالمصريين القدماء ، وقد أبطل الإسلام نظريات التمييز بين إنسان وآخر ، سواء على أساس الجنس أو اللغة أو اللون أو المال أو القوة ، ومقياس التفاضل ينحصر في أمور معنوية هي التقوى والفضيلة ، قال تعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير ). إن الإسلام يحتل الأسبقية بإعلان مبدأ الحرية قبل الثورة الفرنسية بأكثر من عشرة قرون . قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) في خطبة له : ( أيها الناس إن آدم لم يلد عبدا ولا أمة ، وإن الناس كلهم أحرار
. إلا أن الإسلام لم يجعل هذه الحرية الممنوحة للإنسان مطلقة ، بحيث يطلق العنان للإنسان ليفعل ما يشاء
، بل جعل للحرية ضوابط وكوابح حتى لا تؤدي إلى فوضى . ومن هنا يبرز الفرق الشاسع بين العقيدة الإسلامية التي تربط الحرية
الإنسانية بالعبودية لله تعالى والخضوع الواعي والطوعي لسلطته ، وبين القوانين الوضعية التي تلقي بالإنسان في تيه لا يتفق مع قدرته ولا مع طبيعته .
ومن هنا لا بد من توازن بين الحرية والعبودية ، وليس هناك توازن في هذا السبيل يطلق قدرات الإنسان ، ويحافظ على طبيعته في آن واحد ، إلا بما نجده في الإسلام ، عبودية لله ، وحرية من سائر العبوديات ، فلا تكتمل حرية العبد إلا بعبوديته لله . .
ولا تكتمل عبوديته لله إلا بتحرره من عبادة سواه ، فهنا توازن واتساق واضح بين الجانب الاجتماعي والجانب الإيماني في شخصية المسلم عن طريق الحرية كما يراها الإسلام
. وعلى ضوء ما تقدم ، فالعقيدة تقرر حقيقة أساسية هي أن جوهر الحرية الحقيقية ، هو العبودية لله ،
لأنها تعني التحرر من جميع السلطات الجائرة ، وليس في العبودية لله أي امتهان لكرامة الإنسان ، بل هي على العكس من ذلك تعزز شخصيته وتحافظ على مكانته ، فقد كان الرسول الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يتشرف بكونه عبدا لله ، ويحب أن يطلقوا عليه صفة " العبودية " ويرفض الغلو الذي قد يؤدي إلى التأليه الباطل ، كما حصل لأهل الكتاب على الرغم من التحذير الإلهي لهم من الغلو في أشخاص رسلهم ، قال تعالى ( يأهل الكتاب لا تغلوا في دينكم ولا تقولوا على الله إلا الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه . .. إن مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) تحارب فكرة تأليه البشر من خلال التركيز على صفة العبودية أحيانا . . قال أمير المؤمنين علي ( عليه السلام ) : ( أنا عبد الله وأخو رسوله وقال الإمام الرضا ( عليه السلام ) : ( بالعبودية لله أفتخر.
على أن فكرة تأليه البشر كانت سائدة في الأمم الأخرى ، وتسربت إلى أتباع الأديان السماوية فخالطت عقائد بعضهم ، فالمسيحية - على سبيل المثال - تدعي إلوهية المسيح ، واليهودية تزعم أن عزيرا ابن الله ! ومن هنا تبرز حكمة وبعد نظر الإمام علي ( عليه السلام ) في تركيزه على صفة العبودية ووقوفه بالمرصاد لكل دعوات الغلو التي نسبته إلى الربوبية ، جاء في الحديث : ( أنه أتى قوم أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام فقالوا : السلام عليك يا ربنا ! فاستتابهم ، فلم يتوبوا ، فحفر لهم حفيرة ، وأوقد فيها نارا وحفر حفيرة إلى جانبها أخرى ، وأفضى بينهما ، فلما لم يتوبوا ، ألقاهم في الحفيرة ، وأوقد في الحفيرة الأخرى حتى ماتوا.
وفي هذا الصدد قال ( عليه السلام ) : ( هلك في رجلان : محب غال ، ومبغض قال
. ثانيا :
كما حررت العقيدة الإسلامية الإنسان المسلم من شهوات نفسه
بعدما ربطت قلبه بالله والدار الآخرة ، ولم تربطه بأهوائه ونزواته ،كما فعل جل المفكرين الغرب كماركس وفرويد وديكارت وغيرهم وكما يفعل عبادهم العلمانيين العرب
لقد زودت العقيدة عقل المسلم وإرادته بالحصانة الواقية من الانحراف أو إيثار العاجل الفاني على الآجل الباقي ، والنفس - في توجهات آل البيت ( عليهم السلام ) - هي منطقة الخطر ، لذلك تصدرت أولى اهتماماتهم . ومن هنا نجد أن حديث النفس وضرورة السيطرة عليها يحتل مساحة كبيرة من أقوال وحكم ومواعظ أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فلم يترك مناسبة إلا واغتنمها في الحديث عن النفس لكونها قطب الرحى في عملية بناء الإنسان . لقد أخبرنا الذكر الحكيم :. . بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ولذلك فإن ما يلفت نظر الباحث أن الإمام عليا ( عليه السلام ) - أيام حكومته العادلة - كان يوصي عماله على الأقاليم وكبار قادته بالسيطرة على النفس ، على الرغم من انتقائه الدقيق لهم ، وكون أكثرهم من ذوي الفضائل العالية والسجايا الحميدة ، فمن كتاب له ( عليه السلام ) للأشتر لما ولاه مصر : ( هذا ما أمر به عبد الله علي أمير المؤمنين ، مالك بن الحارث الأشتر . . . أمره بتقوى الله ، وإيثار طاعته . . . وأمره أن يكسر نفسه من الشهوات . . . فإن النفس أمارة بالسوء ، إلا ما رحم الله . . . فاملك هواك ، وشح بنفسك عما لا يحل لك ، فإن الشح بالنفس الإنصاف منها فيما أحبت أو كرهت وأشعر قلبك الرحمة للرعية. ومن وصية له لشريح بن هانئ أحد قادته العسكريين ، لما جعله على مقدمة جيشه إلى الشام : ( . . . واعلم أنك إن لم تردع نفسك عن كثير مما تحب ، مخافة مكروه ، سمت بك الأهواء إلى كثير من الضرر ، فكن لنفسك مانعا رادعا .. ومن كتاب له ( عليه السلام ) كان قد وجهه إلى معاوية ، كشف له فيه عن سر تمرده على القيادة الشرعية ، المتمثل في انحرافاته النفسية ، فقال له : ( فإن نفسك قد أولجتك شرا ، وأقحمتك غيا ، وأوردتك المهالك ، وأوعرت عليك المسالك. فالانحراف النفسي له عواقب جسيمة ، وخاصة من الذين يتصدون لدفة القيادة بدون شرعية وجدارة .
وكان أهل البيت ( عليهم السلام ) مع عصمتهم المعروفة يطلبون من الله تعالى العون على أنفسهم ، تعليما وتهذيبا لغيرهم ، ومما جاء من دعاء الإمام زين العابدين ( عليه السلام ) : ( . . . وأوهن قوتنا عما يسخطك علينا ، ولا تخل في ذلك بين نفوسنا واختيارها ، فإنها مختارة للباطل إلا ما وفقت ، أمارة بالسوء إلا ما رحمت. ونستنتج من كل ذلك ، أنه لا يتم بناء الإنسان إلا بالسيطرة على النفس
ثالثا : إن العقيدة الإسلامية حررت الإنسان من عبادة الطبيعة ومن تقديس ظواهرها ، ومن الخوف منها ، يقول تعالى :
والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر . . . ). لقد مر الإنسان بمرحلة الحيرة والتساؤل والقلق من مظاهر الطبيعة من حوله ، فهو لا يعرف شيئا من أسرارها وأسباب تقلب أحوالها ، فأخذ يقدسها ويقدم لها القرابين بسخاء ، متصورا أنه سوف يأمن بذلك من ثورات براكينها الملتهبة وزلازلها المدمرة وسيولها الجارفة وصواعقها المحرقة ، فعملت العقيدة على تنقية العقول من غواشيها ، وفتحت الطريق أمامها واسعا لاستثمار الطبيعة والتسالم معها ، عندما رفعت ما كان من حجب كثيفة بين الإنسان والطبيعة ، وانكشف له بأن الطبيعة ومظاهرها وما فيها من مخلوقات وحوادث كلها صادرة عن الله تعالى ، وهي مخلوقات مسخرة لخدمته ، وما عليه إلا أن ينتفع بها ويتفكر فيها وبأصلها حتى يصل عن طريقها إلى الخالق ( أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعتوإلى الجبال كيف نصبت * وإلى الأرض كيف سطحت )
. ولا بد من الإشارة إلى أن منهج العقيدة في بناء الإنسان " منهج شمولي " ينظم علاقة الإنسان بنفسه وبربه وبالطبيعة من حوله ، وكل توثيق أو تطور في العلاقة بين الإنسان وربه فسوف ينعكس إيجابيا على علاقته مع الطبيعة المسخرة بيد الله تعالى ، فتجود على الإنسان المؤمن بالخير والعطاء ، لذلك طلب النبي " هود " ( عليه السلام ) من قومه - الذين ابتعدوا عن منهج السماء فحبس عنهم المطر ثلاث سنين وكادوا يهلكون - أن يستغفروا ربهم عما سلف من ذنوبهم ، وأن يتوبوا إليه بتصحيح مسيرتهم وتنظيم علاقاتهم مع الله تعالى ، وحينئذ سوف تنتظم علاقتهم مع الطبيعة فتجود بالمطر والخير ، قال لهم ( يا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين ). وعليه فالعبادة الحقة ، يجب أن تكون لله وحده ، والخوف يجب أن يكون من الذنوب ، التي تثير سخط الله وتجلب انتقامه ، فيستخدم الطبيعة أداة للعقوبة ، كما أغرق الله فرعون باليم ، وأرسل الريح العقيم التي أهلكت قوم عاد ، وهكذا نجد أن أكثر العقوبات التي حلت بالكافرين قد نفذت بواسطة قوى الطبيعة ،
مما يكشف لنا العلاقة الترابطية بين الإنسان والطبيعة ،
وفي هذا الصدد يقول الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ( وجدنا في كتاب رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . . إذا منعوا الزكاة منعت الأرض بركتها من الزرع والثمار والمعادن كلها
. ويقول ولده الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إذا فشا الزنا ظهرت الزلازل ، وإذا أمسكت الزكاة هلكت الماشية ، وإذا جار الحكام في القضاء أمسك القطر من السماء
. وجملة القول أن الخوف الإنساني يجب أن يتركز على الذنوب والخطايا التي تسبب تدمير المجتمعات ورفع البركات ، أما الخوف من الطبيعة والاعتقاد بأن بعض ظواهرها شرور لا تجتمع مع النظام السائد على العالم أولا وحكمته وعدله ثانيا ، فإنما هو ناشئ من نظراتهم الضيقة المحدودة إلى هذه الأمور ، ولو نظروا إلى هذه الحوادث في إطار النظام الكوني العام لأذعنوا بأنها خير برمتها ، فللوهلة الأولى تتجلى تلك الحوادث شرا وبلية ، ولكن المتعمق بها يرى أنها مدعاة إلى الخير والصلاح ، وأنها تكتسي لباس الحكمة والعدل والنظم ، وتفصيل فلسفة البلايا والشرور في العالم موكول إلى علم الكلام ،
ولكن فيما يتعلق ببحثنا
نعود ونؤكد بأن العقيدة الإسلامية أعادت صياغة عقل الإنسان تجاه الطبيعة المحيطة به ، بشكل يجعله أكثر حرية وتفاعلا وتسالما معها .
رابعا : تحرير الإنسان من الأساطير ومن الخرافة في الاعتقاد أو السلوك ، من أجل رفع الحواجز الوهمية التي تحول دون استخدام طاقة العقل على نحو سليم ، وكان الإنسان الجاهلي على سبيل المثال يتفاءل ويتشائم بحركات الطير ، فينطلق نحو العمل إذا اتجه الطير يمينا ، ويتراجع عن العمل إذا اتجه الطير شمالا ، وكانت طبقة الكهان والمنجمين تحتل موقع الصدارة في السلم الاجتماعي وتخدع الناس بادعائها علم الغيب ، وكان التطير يقيد الناس بحبال الوهم عن السعي والسفر ، وكذا كان الاستقسام بالأزلام ، إذ يأخذ من قصد عملا - ثلاثة سهام - ، يكتب على أحدها : " إفعل " وعلى الآخر : " لا تفعل " ويترك الثالث هملا ، ويمد يده ليأخذ أحدها ، فإن خرج الأول أقبل على عمله ، وإن أصاب الثاني توقف ، وإن خرج الثالث أعاد الكرة ! وكان السحر متفشيا بين الناس ينذر بشر مستطير ، فعملت العقيدة على محاربة هذه المظاهر ، وكانت سببا لتفتح العقول والسمو بالنفوس ، وإخراج الناس من ظلمات الوهم والخرافة إلى نور العلم والحقيقة . . قال الرسول الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ( ليس منا من تطير ولا من تطير له ، أو تكهن أو تكهن له ، أو سحر أو سحر له
، وقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أيضا : ( من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك
. وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : ( الطيرة على ما تجعلها ، إن هونتها تهونت ، وإن شددتها تشددت ، وإن لم تجعلها شيئا لم يكن شيئا.
من جانب آخر حررت العقيدة عقل المسلم من استنتاجات المنجم ، فاعتبرت المنجم كالكاهن ، كلاهما يسعيان إلى تقييد حركة الإنسان في الحياة والتلبيس على عقله . . عن عبد الملك بن أعين ، قال : قلت لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : إني قد ابتليت بهذا العلم - ويقصد التنجيم - فإذا نظرت إلى الطالع ورأيت طالع الشر جلست ولم أذهب ، وإذا رأيت طالع الخير ذهبت في الحاجة ؟ فقال لي : ( تقضى ؟ قلت : نعم . قال ( عليه السلام ) : أحرق كتبك
. ولا بد من التنويه إلى أن مدرسة آل البيت ( عليهم السلام ) الإلهية لا تعيب على النجوم كعلم طبيعي يتطلع الإنسان من خلاله على معالم السماء التي تظله ليصل من خلال ذلك إلى عظمة الخالق ، ولكن تعيب على البعض ادعاءه التوصل من خلالها إلى علم الغيب . ومن الشواهد ذات الدلالة لسعي آل البيت ( عليهم السلام ) على تحرير الإنسان المسلم من عادة التنجيم المستحكمة التي امتدت إلى عصور متأخرة ،
(ما قاله أمير المؤمنين ( عليه السلام ) لبعض أصحابه لما عزم على المسير إلى الخوارج ، وقد قيل له : إن سرت يا أمير المؤمنين في هذا الوقت ، خشيت ألا تظفر بمرادك ، من طريق علم النجوم . فقال ( عليه السلام ) : ( أتزعم أنك تهدي إلى الساعة التي من سار فيها صرف عنه السوء ؟ وتخوف من الساعة التي من سار فيها حاق به الضر ؟ فمن صدقك بهذا فقد كذب القرآن ، واستغنى عن الاستعانة بالله في نيل المحبوب ودفع المكروه . . ثم أقبل ( عليه السلام ) على الناس فقال : أيها الناس ، إياكم وتعلم النجوم إلا ما
يهتدى به في بر أو بحر - إلى أن قال لهم –
سيروا على اسم الله
نم القسم الثاني
والله من وراء القصد.. وهو الهادي إلى سواء السبيل
اخوكم شهد الله
|
التعديل الأخير تم بواسطة شهيدالله ; 29-10-2009 الساعة 09:38 PM.
|
|
|
|
|