|
شيعي حسيني
|
رقم العضوية : 18676
|
الإنتساب : Apr 2008
|
المشاركات : 7,218
|
بمعدل : 1.16 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
نسايم
المنتدى :
المنتدى الثقافي
بتاريخ : 02-12-2009 الساعة : 05:00 AM
فأذم إليك أيها الملك الدنيا الاخذة ما تعطي ، والمورثة بعد ذلك التبعة ، السالبة لمن تكسو ، والمورثة بعد ذلك العرى ، المواضعة لمن ترفع ، والمورثة بعد ذلك الجزع ، التاركة لمن يعشقها ، والمورثة بعد ذلك الشقوة ، المغوية لمن أطاعها واغتر بها ، الغدارة بمن ائتمنها وركن إليها ، هي المركب القموص والصاحب الخؤون ، والطريق الزلق ، والمهبط المهوي ، هي المكرمة التي لا تكرم أحدا إلا أهانته ، المحبوبة التي لا تحب أحدا ، الملزومة التي لا تلزم أحدا ، يوفى لها وتغدر ، ويصدق لها وتكذب ، وينجز لها وتخلف ، هي المعوجة لمن استقام بها ، المتلاعبة بمن استمكنت منه ، بينا هي تطعمه إذ حولته مأكولا ، وبيناهي تخدمه إذ جعلته خادما ، وبيناهي تضحكه إذ ضحكت منه ، وبيناهي تشتمه إذ شتمت منه وبيناهي تبكيه إذا بكت عليه ، وبيناهي قد بسطت يده بالعطية إذ بسطتها بالمسألة ، وبيناهو فيها عزيز إذ أذلته ، وبيناهو فيها مكرم إذ أهانته ، وبيناهو فيها معظم إذ صار محقورا ، وبيناهو فيها رفيع إذ وضعته ، وبيناهي له مطيعة إذ عصته ، وبينا هو فيها مسرور إذ أخزنته ، وبينا هو فيها شبعان إذ أجاعته ، وبينا هو فيها حي إذ أماتته .
فأف لها من دار إذ كان هذا فعالها ، وهذه صفتها ، تضع التاج على رأسه غدوة وتعفر خده بالتراب عشية ، وتجعلها في الاغلال غدوة [ تحلى الايدي بأسوره الذهب عشية ، وتجعلها في الاغلال غدوة - خ ل ] وتقعد الرجل على السرير غدوة ، وترمي به في السجن عشية ، تفرش له الديباج عشية ، وتفرش له التراب غدوة ، وتجمع له الملاهي والمعازف غدوة ، وتجمع عليه النوائح والنوادب عشية تحبب إلى أهله قربه عشية وتحبب إليهم بعده غدوة ، تطيب ريحه غدوة وتنتن ريحه عشية ، فهو متوقع لسطواتها ، غير ناج من فتنتها وبلائها ، تمتع نفسه من أحاديثها وعينه من أعاجيبها ، ويده مملؤة من جمعها ، ثم تصبح الكف صفرا ، والعين هامدة ، ذهب ما ذهب ، وهوى ما هوى ، وبادماباد ، وهلك ما هلك ، تجد في كل من كل خلفا ، وترضى بكل من كل بدلا ، تسكن دار كل قرن قرنا ، وتطعم سؤر كل قوم قوما ، تقعد الاراذل مكان الافاضل ، والعجزة مكان الحزمة تنقل أقواما من الجدب إلى الخصب ، ومن الرجلة إلى المركب ومن البؤس إلى النعمة ، ومن الشدة إلى الرخاء ، ومن الشقاء إلى الخفض والدعة ، حتى إذا غمستهم في ذلك انقلبت بهم فسلبتهم الخصب ، ونزعت منهم القوة ، فعادوا إلى أبأس البؤس ، وأفقر الفقر ، وأجدب الجدب .فأما قولك أيها الملك في إضاعة الاهل وتركهم فإني لم أضيعهم ، ولم أتركهم ، بل وصلتهم وانقطعت إليهم ، ولكني كنت وأنا أنظر بعين مسحورة لا أعرف بها الاهل من الغرباء ، ولا الاعداء من الاولياء ، فلما انجلى عني السحر استبدلت بالعين المسحورة عينا صحيحة ، واستنبت الاعداء من الاولياء ، والاقرباء من الغرباء ، فإذا الذين كنت أعدهم أهلين وأصدقاء وإخوانا وخلطاء إنماهم سباع ضارية لا همة لهم إلا أن تأكلني وتأكل بي ، غير أن اختلاف منازلهم في ذلك على قدر القوة ، فمنهم كالاسد في شدة السورة ومنهم كالذئب في الغارة والنهبة ، ومنهم كالكلب في الهرير والبصبصة ، ومنهم كالثعلب في الحيلة والسرقة ، فالطرق واحدة والقلوب مختلفة .
فلو أنك أيها الملك في عظيم ما أنت فيه من ملكك ، وكثرة من تبعك من أهلك وجنودك وحاشيتك وأهل طاعتك ، نظرت في أمرك عرفت أنك وحيد فريد ، ليس معك أحد من جميع أهل الارض ، وذلك أنك قد عرفت أن عامة الامم عدو لك ، وأن هذه الامة التي اوتيت الملك عليها كثيرة الحسد من أهل العداوة والغش لك الذين هم أشد عداوة لك من السباع الضارية ، وأشد حنقا عليك من كل الامم الغريبة ، وإذا صرت إلى أهل طاعتك ومعرفتك وقرابتك وجدت لهم قوما يعملون عملا بأجر معلوم ، يحرصون مع ذلك أن ينقصوك من العمل فيزدادوك من الاجر ، وإذا صرت إلى أهل خاصتك وقرابتك صرت إلى قوم جعلت كدك وكدحك ومهنأك وكسبك لهم ، فأنت تؤدي إليهم كل يوم الضريبة ، وليس كلهم وإن وزعت بينهم جميع كدك عنك براض فإن أنت حبست عنهم ذلك فليس منهم البتة براض ، أفلا ترى أنك أيها الملك وحيد لا أهل لك ولا مال .
فأما أنا فإن لي أهلا ومالا وإخوانا وأخواتا وأولياء ، لا يأكلوني ، ولا يأكلون بي ، يحبوني واحبهم ، فلا يفقد الحب بيننا ، ينصحوني وأنصحهم فلا غش بيننا ، ويصدقوني واصدقهم فلا تكاذب بيننا ، ويوالوني واواليهم فلا عداوة بيننا ، ينصروني وأنصرهم فلا تخاذل بيننا ، يطلبون الخير الذي إن طلبته معهم لم يخافوا أن أغلبهم عليه أو أستأثر به دونهم ، فلا فساد بيننا ولا تحاسد ، يعملون لي وأعمل لهم باجور لا تنفد ولا يزال العمل قائما بيننا ، هم هداتي إن ضللت ، ونور بصري إن عميت ، وحصني إن اتيت ، ومجني أن رميت وأعواني إذا فزعت ، وقد تنز هنا عن البيوت والمخاني فلا يزيدها وتركنا الذخاير والمكاسب لاهل الدنيا فلا تكاثر بيننا ، ولا تباغى ، ولا تباغض ، ولا تفاسد ، ولا تحاسد ، ولا تقاطع ، فهؤلاء أهلي أيها الملك وإخواني وأقربائي وأحبائي ، أحببتهم وانقطعت إليهم ، وتركت الذين كنت أنظر إليهم بالعين المسحورة لما عرفتهم ، والتمست السلامة منهم .
تابع.....
|
|
|
|
|