بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد الذين لا تصح الصلاة الواجبة إلا بذكرهم
وتبطل بإضافة غيرهم لهم.. اللهم صل عليهم وعجل فرجهم والعن أعداءهم
السلام عليكم ورحمة الله بركاتة
وظيفة الدين وتفصيل الكون
ينقسم العلم بحسب المعلوم الى قسمين :
الاول : العلم بأصول الدين خمسة وهي التوحيد والعدل والنبوة والامامة والمعاد .
الثاني : العلم بفروع الدين وهي ما عدا اصول الدين من الوجبات الشرعية والاحكام الدينية المتفرعة على تلك الاصول .
ويفترق الاول عن الثاني بأنه ـ أي الأول ـ لا بد ان يكون علماً جازماً ناشئاً عن دليل قاطع وبرهان ساطع ولا يجوز تحصيله عن طريق التقليد للآخرين ومتابعتهم بدون تدبر واقتناع ذاتي وهذا بخلاف العلم بالفروع فإن المكلف يكون مخيراً بين ان يدرس ويحصله عن دليل واجتهاد ـ وان يعتمد فيه على قول غيره بالتقليد والمتابعه .
وقد شرح ذلك في مكانه من الكتب المؤلفة حول هذا الموضوع فمن اراد الاطلاع التفصيلي فليرجع إليها .
اذن ماهو الدين بعد هذة المقدمة ان الدين عقيدة إلهية ينبثق عنها نظام كامل للحياة الانسانية. يقوِّم السلوك الانساني، ويرسم المناهج الصحيحة لهذا السلوك، ويرفع الكائن البشري من مستوى الحيوانية إلى مستوى الانسانية العالية.
وليست وظيفة الدين أن يقدم تفسيراً تفصيلياً للكون: كيف نشأ؟كيف تكون تفصيليا وما هي الأطوار التي مرّ فيها؟ وما هي العناصر التي يتكوّن منها؟ وما هي التفاعلات بين هذه العناصر؟ إلى غير ذلك من هذه المسائل. وليس في الاسلام شيء من ذلك إذا ما رجعنا إلى المصادرالمعرفة الاساسية للاسلام.
كل ما يقوله الدين في هذا المجال أنه يرد الكون إلى علة علياً إنه يعتبر «اللّه»هو السبب النهائي الاعمق والأعلى للتكوين المنشىءالاول «ويحتم على تسلسل العلل والاسباب أن يتصاعد إلى قوة فوق الطبيعة وفوق المادة» أما المسائل المتقدمة وأمثالها فهي مجال العلم.
وموقف الدين الاسلامي من العلم يتكون من عنصرين:
الأول:
التشجيع على البحث والمعرفة، وذلك بفتح الآفاق أمام العقل البشري، وإزالة المعوقات التي تعترض طريقه وتعرقل سيره «حرم الاسلام السحر، والشعبذة، والكهانة، والقيافة» فالاسلام يشجع،
ولا يخطط، لأن التخطيط ليس من وظيفته وإنما هو وظيفة العقل الباحث، ولأن للعلم قوانين تطوره الخاصة التي تنجم عن تطور المعرفة، وتنوع الاكتشافات.
الثاني:
إن موقف الدين الاسلامي بالنسبة إلى كشوف العلم وانتصاراته موقف مؤيد - بالنسبة إلى العلم، أي إلي ما ثبت باليقين والحس والتجربة، فهو يعترف به، ويباركه ويعتبره مظهراً من مظاهر خلافة الانسان في الأرض. أما الظنون، أما الفرضيات والنظريات فلا قيمة لها، ولا تنال من الدين الاحترام بوصفها علماً لأنها ليست علماً، وإنما هي ظنون «إن الظَّنَّ لا يُغنِي مِنَ الحَقَّ شيئاً»
إن الفرضية والنظرية مجرد «مشروع»,وحسابات احتمال,وليست حقيقة نهائية حتى تؤخذ مأخذ القبول المطلق، وإلا فاذا أردنا أن نظفي على الفرضيات قداسة الحقيقة «المعرفة العلمية النهائية الجازمةالقاطعة» نكون قد نقضنا بذلك المنهج العلمي الذي - لا يجيز لنا الايمان الا بما ثبت باليقين صحته وصدقه.وبرهانة قال تعالى
والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون
"الِإنسان خُلق في مبدأ الفطرة خالياً عن معرفة الأشياء ثم قال وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة، والمعني أن النفس الإِنسانية لما كانت في أَول الخلقة خالية عن المعارف والعلوم بالله فالله تعالى أعطاه هذه الحواس ليستفيد بها المعارف والعلوم
ثم ان المادة لا يمكن ان تكون هي العلة النهائية للكون، لان الكون يحتوي على حشد هائل من المظاهر المتنوعة، والانواع المتباينة، وهي ترجع باجمعها إلى حقيقة واحدة كما رأينا. ولا يمكن للحقيقة الواحدة أن تختلف آثارها وتتباين افعالها، إذ لو أمكن ذلك لأمكن أن تكون الحقيقة الواحدة متناقضة الظواهر، ولكن هذا مستحيل لانه يؤدي الى القضاء على نتائج العلوم الطبيعية جميعاً، لأن هذه العلوم قائمة على أساس قانون التناسب الذي يقضي بأن الحقيقة الواحدة لها آثار واحدة وثابتة لا تتغير، لان التجربة في العلم الطبيعي لا تتناول إلا نماذج ضئيلة من المادة المدروسة، وتعمم نتائج التجربة الى جميع المادة المدروسة بمقتضى قانون التناسب، فلو فرضنا إمكان تناقض ظواهر الحقيقة الواحدة لما أمكن وضع أي قانون علمي عام، وبذلك تنهار العلوم كلية.
واذن، فهذا الفرض - ان التنوع من خصائص المادة الذاتية - فرض مستحيل.
واذن، من المستحيل أيضاً أن تكون المادة هي العلة النهائية للكون،
لأن هذا الفرض يؤدي بنا الى الاستحالة العقلية ، ويصدم حقائق التجربة الواقعية.
واذن، فاذا كانت المادة غير صالحة لأن تكون علة نهائية، فلا بد أن تكون هذه العلة النهائية فوق المادة وفوق الطبيعة.
ان المعتقد الاسلامي الاساسي الذي هو من ضروريات الدين هو أن الانسان وكل شيء في الكون مخلوق للّه سبحانه وتعالى.
أما تفاصيل كيفية الخلق وابتدائها فليس فيها نص صريح قاطع غير قابل للتأويل. وكيفية الخلق وابتدائها ليست من أُصول الدين التي يتحتم الاعتقاد بتفاصيلها ومميزاتها، بل يتقبلها المسلم كما جائت به ظواهر الكتاب والسنة الصحيحة وما لا يتنافي مع المسلمات العلمية اليقينية..
السلالة الاولى
لم يتعرض القرآن الكريم بصراحة ووضوح لبيان أن هذه السلالة البشرية الموجودة الان هي السلالة الوحيدة التي ظهرت على الأرض، أو أن ثمة سلالات بشرية أُخرى ظهرت على هذه الأرض، وعاشت ثم انقرضت، ثم تكرر ظهور السلالات البشرية وانقراضها، ونسلنا البشري الحاضر هو آخر هذه السلالات.
والقرآن لم يتعرض بصراحة ووضوح لبيان هذه النقطة، وإن كان التحليل الدقيق لقوله تعالى في سورة البقرة، وهي قوله تعالى:
(وإذ قال رَبّكَ للمَلائكَةِ إني جاعل في الأرَضِ خَليفَةً. قالُوا: أتجعَلُ فيها مَن يُفْسد فيها ويسفكُ الدّماءَ، ونحنُ نُسبّحُ بحمدِكَ ونقدّسُ لك؟ قال: إني أعلم ما لا تعلمون»
ان التحليل الدقيق لهذه الآية ربما يدل على أن سلالة انسانية سابقة على هذه السلالة، وجدت على ظهر الأرض، وعاشت، ثم انقرضت. وليس هنا مجال استعراض تحليل الآية المذكورة.
نعم في بعض الأخبار الواردة عن طريق أهل البيت(ع) وعن طريق غيرهم ما يدل بصراحة ووضوح على أن السلالة البشرية الموجودة الآن ليست هي الوحيدة التي وجدت على هذه الأرض من النوع الانساني،
وإنما سبقتها سلالات كثيرة انقرضت قبل وجودها:
1 - روي عن الإمام جعفر الصادق (ع)، قال: «لعلك ترى أن اللّه لم يخلق بشراً غيركم؟ بلى واللّه. لقد خلق ألف ألف آدم. أنتم في آخر أولئك الآدميين».
2 - ذكر الشعراني في كتابه: «اليواقيت والجواهر/ ج 1 ص 49» عن محيي الدين بن عربي حديثاً رواه عن ابن عباس عن رسول اللّه (ص) انه قال: «ان اللّه تعالى خلق مئتي ألف آدم».
3 - وعن الإمام الباقر (ع): «لقد خلق اللّه في الأرض منذ خلقها سبعة عالمين ليس هم من ولد آدم، خلقهم من أديم الأرض، فأسكنهم فيها واحداً بعد واحد مع عالمه، ثم خلق اللّه عزوجل آدم أبا البشر، وخلق ذريته منه».
هذه نماذج من النصوص التي تدل بصراحة على تقدم سلالات بشرية، غير السلالة الحالية، في سكنى هذه الأرض، وانقراضها قبل ظهور هذه السلالة.
إن ظواهر القرآن والسنة الصحيحة تدل على أن السلالة البشرية الموجودة الآن تنتهي إلى آدم وحواء «لم يرد في القرآن! اسم حواء»
ونحن هنا أمام أربع احتمالات.
1 - آدم رمز للنوع الانساني كله.
2 - آدم عدد من أفراد النوع الانسان نظراً لتعدد الوان البشر ورسوسهم.
3 - آدم فرد إنساني واحد. وهذا ينطوي على احتمالين:
أ - إنسان كامل تطور من نوع حيواني آخر كالقردة العليا مثلاً.
ب - إنسان كامل عقلياً تولد من زوج إنساني غير متكامل عقلياً وهذا بدوره تطور من زوج أحط منه عقلياً، وهذا بدوره تطور لزوج ادنى منه... وهكذا حتى تنتهي السلسلة إلى أبسط أنواع الحياة.
4 - أن آدم وزوجه هما الابوان الأولان لهذه السلالة الانسانية، وهما لم يتكونا بالتناسل، وإنما خلقا من الأرض.
هذه هي الصورة المحتملة لمسألة المخلوق الأول، وابتداء خلق النوع الانساني - هذه السلالة الموجودة الآن بخصوصها، أو جميع السلالات السابقة ايضاً - واكرر أنه ليس من ضروريات الدين الاعتقاد بتفاصيل مسألة كيفية الخلق الأول، ما دام الاعتقاد الضروري الاساسي موجوداً، وهو أن اللّه خالق كل شيء، الانسان وغيره.
إلا اننا حين نعود إلى الفروض المتقدمة لفحصها نجد أن ظواهر القرآن تدل على الفرض الرابع، وتدفع بظاهرها الفروض الاخرى - ولا مجال
في هذه العجالة لتحليل ذلك،
وبملاحظة المنهج الحكيم والتدبير السليم الذي اعتمده الإسلام في مقام انقاذ البشرية من اضرار والااخطارو المشكلات بصفته تشريعاً كاملاً صادراً من الإله العادل الكامل خالق الإنسان العارف بما يصلحه ويصلح له من التشريعات في مختلف الميادين والمجلات .
أجل : بالملاحظة الموضوعية العميقة لمصدر هذا التشريع العظيم والغاية السامية التي شرعه الله سبحانه من اجل تحيقيقها وهي سعادة الإنسانية وتقدمها في مختلف المجالات وفي كل العصور ، ندرك جيداً قابليته وقدرته على مسايرة التطور ومواكبة الاوضاع الطارئة ليجد فيه الانسان حكماً لكل موضوع وحلاً لكل مشكلة وتحقيقاً لكل حاجة فلاً يجد نفسه مضطراً لاستجداء الحلول من النظم المستوردة كما توهم الكثيرون حتى من أبناء الامة الإسلامية نتيجة تأثرهم بالشبهات التي أثيرت حول تشريع السماء من قبل اعدائه وانه افيون الشعوب وان الالتزام به عقيدة وعملاً يمثل الرجعية والتخلف .