بقلم صادق حسين الركابي
من عادتي الاستماع إلى آراء الناس العاديين من غير من يعتبرون أنفسهم مثقفين لأني اعتبر إنسان الشارع العادي أخبر و أعرف بكثير من هؤلاء الجالسين أمام الكاميرات ينظّرون برؤوسنا صباحا ً و مساء.
و في الأزمة الأخيرة بين العراق و إيران على أحد حقول (الفكّه) النفطية تعددت آراء الناس فمنهم من يرى بأن الخطوة الإيرانية جاءت للضغط على حكومة السيد رئيس الوزراء نوري المالكي لإظهاره في موقف الضعيف الغير قادر على ضمان الأمن في بلاده أو في حماية حدودها . و هذا يتطابق مع وجهة نظر آخرين أضافوا إليها عنصر التحريض الداخلي من قبل بعض الأحزاب السياسية لاستغلال هذا الأمر انتخابيا ً و لتحقيق نقاط جديدة يسجلونها لصالحهم على حساب الحكومة الحالية.
أما الآراء الأخرى فتوزعت بين متهم لإيران بأنها دولة لا ترى في العراق إلا فريسة سهلة المنال لا سيما في ظل التخبط الأمريكي العسكري و العراقي الرسمي و الفراغ السياسي الذي تريد إيران ملأه عقب انسحاب القوات الأمريكية قريبا ً.
في حين رأى البعض الأخر هذا ناجما ً عن جولة التراخيص النفطية الثانية التي قامت بها الحكومة العراقية و التي استثمرت معظم الحقول النفطية في العراق و لم يبق إلا بعض الحقول منها كحقل الفكه و غيرها. و بما أن حقل الفكه متنازع عليه منذ سنين طويلة فإن إيران أرادت أن تذكّر العراق بأنها لا يمكن أن تتنازل عن هذه الحقول.
و يستمر بعض المواطنين في إبداء آرائهم و تحليلاتهم حول أزمة الفكة فيقول بعضهم بأن هذا رد إيراني على الصين و روسيا اللتان حصلت شركاتهما على عقود نفطية في العراق في حين ابتعدت الشركات الأمريكية عنها. و يفسر هؤلاء هذا الابتعاد الأمريكي بما يشبه (الرشوة ) لكل من روسيا و الصين حتى تصوتا بالإيجاب لفرض عقوبات جديدة على إيران. و يستنكر هؤلاء كيف تحول العراق إلى بلد فاقد للسيادة بحيث تلعب به الدول الكبرى و دول الجوار الإقليمي.
و آراء الشارع العراقي هذه إن نمّت عن شيء فهي تعبر عن وعي سياسي كبير ليت بعض السياسيين يأخذونه بعين الاعتبار بدلا ً من اعتبار العراقيين متخلفين و هم وحدهم أصحاب المعرفة و الخبرة.
إذا ً آراءٌ مؤيدةٌ للحكومة و أخرى منددةٌ بها و أخرى تطالب برد عسكري و أخرى تدعو للتعقل و استخدام الوسائل الدبلوماسية بعيدا ً عن الانجرار وراء الفخاخ السياسية لتأزيم الحالة العراقية أكثر مما هي عليه اليوم.
إلا إن الجانب الحكومي على ما يبدو له تحليلات مختلفة و آراء أخرى من منظور مختلف عن منظور الشارع العراقي و ما تعرفه أقلام المحللين و مقالاتهم.
و إلى أن تنجلي هذه الأزمة و تنفرج ، و إلى أن تستقر الحكومة العراقية على موقف موحد تجاه هذه الأزمة ، و إلى أن تُحسَم نتيجة الانتخابات المقبلة ، التي تلقي بثقلها حتى على مواقف الدول المحيطة ، فإن أبناء العراق يبقون على ندائهم : ( يا جماعة ...انطونه فكه ...! )