ثمة عددا غير قليل من الأدباء لهم نظرات فلسفية مبثوثة في أعمالهم الأدبية ، كما أن ثمة عددا من الفلاسفة الذين صاغوا آراءهم الفلسفية في قوالب أدبية .
فبعض الأدباء قد عالجوا في أعمالهم الأدبية الخالصة ، على اختلاف أشكالها ، موضوعات فلسفية في غاية الدقة والأهمية ، وإذا أردنا أن نقدم الأمثلة على ذلك ، وخاصة من الأدب العربي ، نتبين من المتنبي وأبي العلاء ، كانا يعالجان في أشعارهما موضوعات فلسفية . وقد سئل أبو العلاء عن المتنبي وأبو تمام والبحتري من من الثلاثة الشاعر؟ فقال : حكيمان وشاعر ويقصد بالحكيمان المتنبي وأبو تمام بينما الشاعر البحت البحتري .
والذي يقرأ تاريخ الفكر الفلسفي في شيء من التوسع ، فإنه يستطيع أيضا أن يلمس بسهولة كيف أن بعض الفلاسفة قد صاغوا أفكارهم وأراءهم الفلسفية الخالصة بحيث تبدو في ثوب أدبي ، واهتم بعضهم ببعض فنون الأدب وأشكاله ، كالمسرحية والرواية أو القصة والشعر ، وعرضوا من خلالها ما أرادوا ان يعبروا عنه من آراء ونظريات فلسفية لها شأنها الهائل في مجال تاريخ الفكر الفلسفي .
العديد من فلاسفة اليونان قبل سقراط كانوا يعرضون مذاهبهم الفلسفية من خلال قصائد الشعر ، كما كان أفلاطون يبث آراءه ونظرياته الفلسفية فيما يعرف بالمحاورات ( التي تشبه المسرحيات في بنائها الفني ) .
وفي الفكر الإسلامي على سبيل المثال لا الحصر : الجاحظ ( 160 - 255 هـ ) ، ( 776 - 869 م ) ، الذي كان يعرض آراء المعتزلة في أسلوب أدبي ، ومن المعلوم أن المعتزلة فرقة إسلامية لها إسهاماتها في مجال الفكر الفلسفي . كما كان أبو حيان التوحيدي ( 310- 414 هـ ) ، ( 922- 1023 م ) يلقب بأديب الفلاسفة وفيلسوف الأدباء . وكذلك كان ابن سينا الفيلسوف المعروف ( 370- 428 هـ ) ، ( 980- 1037 م ) والمشهور له اهتمامات أدبية لا يمكن إغفالها ، سواء في مجال القصة أو في مجال الشعر .
في العصر الحديث ، يعتبر أدب ليو تولستوي ( 1910م ) الفيلسوف الاجتماعي الروسي ، والأدب الوجودي وغير ذلك ، أمثلة على علاقة الفلسفة بالأدب .
والتفسير لهذه الظاهر الفكرية التي ظهرت بوضوح عبر مختلف العصور وفي مختلف الحضارات ، وهي ظاهرة وجود أدباء ذوي ميول فلسفية وفلاسفة ذوي ميول أدبية ، أنه يمكن القول :
إذا كان الأدب بمعناه الاصطلاحي إنما هو أشكال وصيغ لفظية لها خصائص بنائية معينة ، وإذا كانت الفلسفة هي أفكار عن موضوعات معينة ، فلا بد أن تكون العلاقة بينهما علاقة تكامل ، باعتبار
أن المضمون الفكري لا بد له من قالب لفظي يصاغ فيه .
لكن مع ذلك لا ينبغي أن نعتبر أن كل أديب يبث في آثاره الأدبية بعض الآراء ، أو بالأحرى النظرات الفلسفية يعد فيلسوفاً ، لأن هناك فارقاً جوهرياً بين " النظرة الفلسفية " ، التي توجد لدى العديد من المفكرين في المجالات المختلفة ، وتظهر بصفة خاصة لدى الأدباء في أعمالهم الأدبية المتنوعة ، وبين " المذهب الفلسفي " الذي يعتبر المسوّغ الوحيد لإطلاق اسم الفيلسوف على صاحبه ، والذي قد يصاغ في قالب أدبي ما .
ثمة مظهر آخر للصلة بين الفلسفة والأدب ، وهو الذي يتمثل بعلم الجمال وبفلسفة الفن .
فعلم الجمال يبحث في القضايا العامة التي تتعلق بالجمال الفني ، وفلسفة الفن تبحث في القضايا العامة المتعلقة بالفنون . ولما كان الأدب يعد أحد المجالات الفنية ، لذلك فإنه يعد مجالاً للدراسات الفلسفية في هذين المجالين .
تلك هي العلاقة والصلة فأين الفروق بينهما ؟ :
_ الأديب يهتم أساساً وبالدرجة الأولى بالشكل أو القالب الذي يصب فيه أفكاره ،يحب رقصة الأفكار مع موسيقا الألفاظ أياُ ما تكون هذه الأفكار فيتراقص شعوره بنصه وتتراقص مشاعرنا معه .
أما الفيلسوف ، فإنه يهتم في المحل الأول بتوضيح الفكرة أو الأفكار التي يريد عرضها أو التعبير عنها ، دون أن يعبأ كثيراً بالشكل أو القالب الذي يصب أو يصيغ فيه أفكاره .
_ الأدب يعتمد أساساً على الخيال كأداة معرفية لها دورها المعروف في الأعمال الفنية ،
بينما تعتمد الفلسفة على العقل ،
وبذلك يكون الفرق بين الأدب والفلسفة إنما هو فرق بين التصور الخيالي والاستدلال العقلي .
_ معيار الحكم على الأعمال الأدبية ، باعتبارها أعمالاً فنية ، إنما هو الحسن ( الجمال ) أو القبح ،
بينما يكون معيار الحكم فيما يتعلق بالدرسات أو الأعمال الفلسفية ، التي تخضع أساساً لمبادئ المنطق ، هو الصواب أو الخطأ تارة أو الصدق أو الكذب تارة أخرى .
لذا يمكن القول إنه على الرغم من وجود اختلافات جوهرية بين الفلسفة بمعناها الدقيق وبين الأدب بمعناه الاصطلاحي ، فإنه توجد علاقة تكامل بينهما .
..... مما راق لي ..... تمنياتنا لكم بالتوفيق وكل عام وانتم بخير وسلام انشاء الله تعالى . اخوكم سيد علي الموسوي .
إذا كان الأدب بمعناه الاصطلاحي إنما هو أشكال وصيغ لفظية لها خصائص بنائية معينة ،
وإذا كانت الفلسفة هي أفكار عن موضوعات معينة ، فلا بد أن تكون العلاقة بينهماعلاقة تكامل ،
باعتبارأن المضمون الفكري لا بد له من قالب لفظي يصاغ فيه .