العودة   منتديات أنا شيعـي العالمية منتديات أنا شيعي العالمية منتدى القرآن الكريم

منتدى القرآن الكريم المنتدى مخصص للقرآن الكريم وعلومه الشريفة وتفاسيره المنيرة

إضافة رد
   
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع

الصورة الرمزية شجون الزهراء
شجون الزهراء
عضو برونزي
رقم العضوية : 77204
الإنتساب : Feb 2013
المشاركات : 491
بمعدل : 0.11 يوميا

شجون الزهراء غير متصل

 عرض البوم صور شجون الزهراء

  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : منتدى القرآن الكريم
افتراضي الآثار البرزخية والأخروية للذنوب
قديم بتاريخ : 27-02-2013 الساعة : 06:42 PM


بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد و آل محمد الطيبين الطاهرين الأشراف و عجل فرجهم يا كريم


كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى محمّد بن أبي بكر
"يا عباد الله ما بعد الموت لمن لا يُغفر له أشدّ من الموت، القبر فاحذروا ضيقه وضنكه وظلمته وغربته... يا عباد الله إن أنفسكم الضعيفة، وأجسادكم الناعمة الرقيقة، التي يكفيها اليسير، تضعف عن هذا فإن إستطعنم أن تجزعوا لأجسادكم وأنفسكم بما لا طاقة لكم به، ولا صبر لكم عليكم، فاعملوا بما أحب الله، واتركوا ما كره الله"1

ب - الآثار البرزخيـّة
"إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ"2.
تقدّم في الدرس السابق إحدى عشر ذنباً دنيويّاً للذنوب، وفي هذا الدرس نتعرّض للآثار البرزخيّة والأخرويّة لها.
ما هو البرزخ؟
البرزخ هو الحاجز والحدّ الفاصل بين الشيئين، قال تعالى: ﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ﴾3 فقد فسّرت هذه الآية بأنّه الحاجز بين الماء المالح والماء العذب.
وقيل إنّ البرزخ هو الحدّ الفاصل بين الدنيا والآخرة، أو بين الموت والبعث، قال تعالى: ﴿وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾4، وفي تفسير هذه الآية قال الإمام السجّاد عليه السلام: "هو القبر، وإنّ لهم فيه لمعيشة ضنكاً، والله إنّ القبر لروضة من رياض الجنّة، أو حفرة من حفر النار..."5.
وقيل إنّه الحاجز لهم من الرجوع إلى الدنيا والإمهال إلى يوم القيامة، وكلّ هذه المعاني متقاربة ترجع إلى معنى واحد ظاهراً.

وقد تحدّثت الروايات الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمّة الهداة عليهم السلام عن أحوال البرزخ وأهوال القبر وسوف نشير إلى أهمّها
1- ضغطة القبر
ولا ينجو منها إلّا القليل القليل من عباد الله المؤمنين الصالحين. يروي أبو بصير قال: "قلت لأبي عبد الله عليه السلام: أيفلت من ضغطة القبر أحد؟ قال: فقال عليه السلام: نعوذ بالله منها، ما أقلّ ما يفلت من ضغطة القبر ... وإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج في جنازة سعد وقد شيّعه سبعون ألف ملك، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأسه إلى السماء، ثمّ قال: مثل سعد يُضمُّ!..."6.
وورد في وصف شدّتها أنّ الأرض تضمّ الميت ضمّة تفري اللحم، وتطحن الدماغ، وتذيب الدهون، وتخلط الأضلاع، غير أنّ الشدّة والضعف فيها يدور مدار قوّة الإيمان وضعفه أو عدمه عند الميت.
ويروي الصادق عن آبائه عليهم السلام قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ضغطة القبر للمؤمن كفّارة لما كان منه من تضييع النعم"7، وسيأتي إن شاء الله في مكفّرات الذنوب أنّ المؤمن إذا لم تكفّر جميع ذنوبه في الدنيا، فإنّ ضغطة القبر تكون بمثابة الرحمة له لتكفّر عنه ما بقي من سيّئاته.
وأهمّ أسبابها سوء الخلق مع الأهل، كما ورد في الخبر عن سبب ضغطة سعد المتقدّم، والنميمة وكثرة الكلام والتهاون في الطهارة.
وهذه الضغطة لا تنحصر بالأرض فقط، بل ورد أنّ الهواء له ضغطة، والماء له ضغطة أيضاً.

2- سوء العذاب في القبر
قال الله تعالى: ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا﴾8، ويروى في تفسيرها عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: "وإن المعيشة الضنك التي حذّر الله منها عدوّه عذاب القبر..."9.
وهذا العذاب يختصّ بغير المؤمنين المقرّبين، لأنّ قبر المؤمن روضة من رياض الجنّة، وأمّا الكافر فهو الذي قبره حفرة من حفر النيران، ينال فيه سوء العذاب يقول الإمام الصادق عليه السلام: ﴿فَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ﴾، قال في قبره، ﴿وَجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾، قال في الآخرة، ﴿وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِّنْ حَمِيمٍ﴾، في القبر ﴿وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ﴾، في الآخرة"10.
3- قرين السوء
وهو العمل السيّئ الذي يرافق الإنسان العاصي في قبره، ويكون معه إلى يوم حشره وحسابه.
يروى عن قيس بن عاصم أنّه قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له صلى الله عليه وآله وسلم: "... يا قيس لا بدّ لك من قرين يدفن معك وهو حيّ، وتدفن معه وأنت ميت، فإن كان كريماً أكرمك وإن كان لئيماً أسلمك، ثمّ لا يحشر إلّا معك، ولا تحشر إلّا معه، ولّا تسأل إلّا عنه، ولا تبعث إلّا معه، فلا تجعله إلّا صالحاً، فإنّه إن كان صالحاً لم تأنس إلّا به، وإن كان فاحشاً لم تستوحش إلّا منه، وهو عملك..."11.
وتروي الزهراء عليها السلام عن أبيها صلى الله عليه وآله وسلم في رواية التهاون في الصلاة إنّ من آثارها في القبر ثلاثة: "وأمّا اللواتي تصيبه في قبره فأولاهنّ يوكل الله به ملكاً يزعجه في

قبره، والثانية يضيّق عليه في قبره، والثالثة تكون الظلمة في قبره"12.
4- الندم وطلب الرجوع
ويا لها من حسرة ما بعدها حسرة، أن يستيقظ الإنسان من نومته وغفلته، فيرى نفسه ميتاً قد أخذ إلى قبره "الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا"13.

فيتحسّر على ما فرّط في جنب الله، ويسأل الله الرجعة إلى الدنيا ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ﴾14.
قال في إرشاد القلوب: "إنّه يقول هذه الكلمة لما شاهده من شدّة سكرات الموت، وأهوال ما عاينه من عذاب القبر وهول المطّلع، ومن هول سؤال منكر ونكير، قال الله تعالى: ﴿وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾"15" 16.

لمَ القيامة؟
وقبل الحديث عن آثار الذنوب الأخرويّة، لا بأس بالحديث عن الآخرة ويوم القيامة، وما أدراك ما يوم القيامة ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِين﴾17، ويحشرون في ساحتها، وهو يوم عظيم مهول، بشّر الله فيه المؤمنين الصالحين بالأمن والأمان، وتوعّد الظالمين المجرمين سوء الحساب، يوم ﴿يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا﴾18، ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ﴾19.

لقد شدّد الله عزَّ وجلَّ في القرآن الكريم على مسألة المعاد في عشرات السور القرآنية، حتّى قيل إنّ ثلث القرآن يرتبط بأحوال الآخرة وما بعدها...
نذكر بعضاً ممّا قاله في كتابه الكريم ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾20، ﴿قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ * لَمَجْمُوعُونَ إِلَى مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ﴾21.
وخلاصة الكلام؛ إنّه بعد طيّ منازل الآخرة وعقباتها وصراطها، فإنّ المصير إمّا إلى الجنّة أو إلى النار، وبيد الإنسان تحديد المصير، ﴿مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾22.
ج - الآثار الأخرويـّة
لقد أشار الله في القرآن الكريم وأهل البيت عليهم السلام إلى آثار كثيرة للكفر والعصيان والطغيان والذنوب في الآخرة، تحذيراً لنا من مغبّة الوقوع فيها، لعلّنا نرشد أو نعقل، فلا نكون من أصحاب السعير، سنقتصر على ذكر أهمّها

1- الافتضاح
إنّ الله يستر برحمته على المذنب في الدنيا، لعلّه يتوب ويرجع إلى ربّه، ولكنّ الفضيحة يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، وأمام الخلق أجمعين، سيّما أمام معارفه وأقربائه، ورد في مناجاة أمير المؤمنين عليه السلام قال: "إلهي قد سترت علي ذنوباً في الدنيا وأنا أحوج إلى سترها عليّ منك في الآخرة، إلهي قد أحسنت إذ لم تظهرها لأحدٍ من عبادك الصالحين فلا تفضحني يوم القيامة على رؤوس الأشهاد..."23.

يقول العلامة المجلسي: وفي قوله سبحانه ﴿وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ﴾ شاهد، وهم الذين يشهدون بالحقّ للمؤمنين وعلى المبطلين والكافرين يوم القيامة، وفي ذلك

سرور للمحقّ وفضيحة للمبطل في ذلك الجمع العظيم ..."24.
ولذا ينبغي على العاقل أن يخاف هذا اليوم، وأن يخاف الفضيحة أمام الله عزَّ وجلَّ وأمام الأنبياء والأئمة والأولياء عليهم السلام، وأمام الناس أجمعين، روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "وأمّا علامة الموقف فستّة
أيقن بالله حقّاً فآمن به.
وأيقن بأنّ الموت حقّ فحذره.
وأيقن بأنّ البعث حقّ فخاف الفضيحة.
وأيقن بأنّ الجنّة حقّ فاشتاق إليها.
وأيقن بأنّ النار حقّ فظهر سعيه للنجاة منها.
وأيقن بأنّ الحساب حقّ فحاسب نفسه"25.

2. المذلّة
﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾26.

بدءاً من أخذ أرواحهم: "فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ"27.
إلى الوقوف في المحشر أذلّاء، سكارى غارقين في الحياء، يتصبّب العرق من وجوههم، ﴿وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ﴾28، و﴿تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ﴾29، ﴿خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ﴾30.



الى دخول النار: ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ﴾31، ﴿وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ﴾32.
3. الحسرة والندامة
يتحسّر الظالم على الفترة والمهلة التي أعطيت له في الدنيا ولم يغتنمها، بل أعرض وتولّى وكذّب بآيات ربّه ورسله واليوم الآخر، وها هو اليوم أيقن به عين اليقين ولات حين مناص، فيقول: ﴿يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللهِ﴾33. ﴿يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا 28 لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا﴾34.

4. العمى
﴿وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ﴾35.

وبكلّ بساطة فإن الجواب لحاضر لقد كنت أعمى البصيرة في الدنيا، لذلك تحشر يوم القيامة على ما كنت عليه ﴿وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾ 36.
5. نسيان الله له
﴿قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى﴾37، فلم تتذكّر أوامر الله ونواهيه، بل ونسيت وغفلت عن لقائه ﴿الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا وَمَأْوَاكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾38.


6- عدم التشرّف بلقاء الله
حيث إنّ الآيات والروايات تشير إلى تشرّف المؤمن يوم القيامة بلقاء الله، ومحاسبة الله الرحيم بنفسه لعبده المؤمن، وأمّا غير المؤمنين من الكفّار والعاصين، فإنّ الله لا ينظر إليهم ولا يزكّيهم ويوكل بهم ملائكة ﴿غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون﴾39.
ومن الآثار الأخرويّة أيضاً: غضب الله، اللعنة، سوء الحساب، طول الوقوف في المحشر، العذاب الأليم، تجسيم الأعمال، الحشر بصور قبيحة بشعة، دخول النار، الخلود في النار، ومن تدركه في آخر المطاف رحمة الله فتأخّر دخوله إليه، مضافاً إلى صور ومشاهد وحالات العذاب في جهنّم التي لا يعجز عن وصفها الفكر البشريّ.
المحكمة الإلهية وشهود الآخرة
هناك محاكم عديدة تحاكم الإنسان في الدنيا، بدءاً من محكمة النفس أو الضمير، ثمّ محكمة القانون ومحكمة المجتمع، ومحكمة التاريخ، إلّا أنّ الإنسان الطاغية والداهية الماكر باستطاعته التملّص والتخلّص منها جميعاً، بأساليبه الخدّاعة والمال والرشوة وشراء الشهود وتزوير الوقائع وإخفاء الأدلّة وغير ذلك ... .
لكن يقدم في الآخرة ليحاكم أمام الله سبحانه، في محكمة العدل الإلهيّ، حيث يكون القاضي والحاكم هو الله، والشهود كثر، والأدلّة حاضرة (تجسّم الأعمال).
والحاجة إلى الشهود والأدلّة والجواب عند إنكار الطغاة والعصاة، وأمّا المؤمن فلا يحتاج إلى ذلك؛ لأنّه يعترف أمام ربّه ويقرّ له، فيقول له ربّه يا عبدي فعلت كذا. فيقول المؤمن: نعم يا ربّ، ويتكرّر منه الاعتراف حتّى يقول له الله قد غفرتها لك، وينقلب إلى أهله مسروراً.
وأما غير المؤمن فإنّ له سوء الحساب ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾40.
من هم الشهود
الشاهد الأوّل والأخير هو الله
﴿فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ﴾41. ﴿قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيدًا﴾42.
يروى أنّ الإنسان العنيد الظلوم يحاجج الله يوم القيامة، ويكذّب بكلّ الشهود ويقول لله عزّ اسمه: إنّ هذه الجوارح والجوانح أنت أنطقتها، وهؤلاء الأنبياء والرسل والأئمّة والملائكة عليهم السلام جميعاً يأتمرون كلّهم بأمرك. فيقول الله له: إنّي أنا الله الذي لا إله إلّا أنا أشهد عليك بأنّك فعلت كذا وفعلت كذا, ولات حين مناص.
وفي الخبر الشريف: "اتقوا معاصي الله في الخلوات، فإنّ الشاهد هو الحاكم"43.

النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام
قال تعالى: ﴿وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾44. ﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا﴾45.
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "نحن الشهداء على شيعتنا، وشيعتنا شهداء على الناس، وبشهادة شيعتنا يخبرون ويعاقبون"46.

وقال عليه السلام في قوله تعالى ﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ﴾47: "فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشهيد علينا بما بلّغنا عن الله عزَّ وجلَّ، ونحن الشهداء على الناس، فمن صدّق صدقناه يوم القيامة، ومن كذّب كذبناه يوم القيامة"48.
الملائكة
﴿إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ﴾49.
وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "هما الملكان، وسألته عن قول الله تبارك وتعالى ﴿هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيد﴾ قال عليه السلام: هو الملك الذي يحفظ عليه عمله..."50.
وفي دعاء كميل "وكلّ سيّئة أمرت بإثباتها الكرام الكاتبين، الذين وكّلتهم بحفظ ما يكون منّي، وجعلتهم شهوداً عليّ مع جوارحي، وكنت أنت الرقيب عليّ من ورائهم، والشاهد لما خفي عنهم ...".

الجوارح والجوانح
وهي الجلود والأيدي والأرجل والألسن، والسمع والبصر والفؤاد، قال الله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾51.
﴿وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ﴾52 ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ﴾53.


وعن أبي عبد الله عليه السلام في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾54 قال عليه السلام: "يُسأل السمع عمّا سمع، والبصر عمّا نظر إليه، والفؤاد عمّا عقد عليه"55.
الأرض
تشهد للمؤمن بما قام عليها من الطاعات والصلاة، وتشهد على العاصين بما عصوا على ظهرها.
عن أبي عبد الله عليه السلام في جواب من سأله: "يصلّي الرجل نوافله في موضع أو يفرقها؟، قال عليه السلام: لا بل ها هنا وها هنا؛ فإنّها تشهد له يوم القيامة"56.
الأيّام
وهي عمر الإنسان الذي ينقضي يوماً بعد يوم، ليلاً ونهاراً، وأيّام الإنسان ثلاثة كما ورد في الرواية: يوماً مضى لن يعود، ويومٌ يأتي وقد يأتي وأنت لست فيه، ويوم أنت فيه فانظر ماذا تفعل.
والإنسان مسؤول عن عمره يوم القيامة فيما أمضاه، وبالتالي فإنّ الأيّام ستشهد عليه كما ورد الخبر الشريف عن الإمام الصادق عليه السلام قال: "ما من يوم يأتي على ابن آدم إلّا قال له ذلك اليوم: يا ابن آدم أنا يوم جديد، وأنا عليك شهيد، فقل فيّ خيراً واعمل في خيّراً، اشهد لك به يوم القيامة، فإنّك لست تراني بعدها أبداً. قال عليه السلام وكان عليّ عليه السلام إذا أمسى يقول مرحباً بالليل الجديد والكاتب الشهيد، اكتبا على اسم الله، ثمّ يذكر الله عزَّ وجلَّ"57.



المبادرة إلى صالح الأعمال

من خطبة لأمير المؤمنين عليه السلام في المبادرة إلى صالح الأعمال قال
"فاتقوا الله عباد الله وبادروا آجالكم بأعمالكم، وابتاعوا ما يبقى لكم بما يزول عنكم، وترحّلوا فقد جُدّ بكم، واستعدّوا للموت فقد أظلّكم، وكونوا قوماً صيح بهم فانتبهوا، وعلموا أنّ الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا، فإنّ الله سبحانه لم يخلقكم عبثاً ولم يترككم سدى، وما بين أحدكم وبين الجنّة أو النار إلّا الموت أن ينزل به، وإنّ غايةً تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة لجديرة بقصر المدّة، وإنّ غائباً يحدوه الجديدان، الليل والنهار، لحريّ بسرعة الأوبة، وإن قادماً يقدم بالفوز أو الشقوة، لمستحقّ لأفضل العدّة، فتزودوا في الدنيا من الدنيا ما تحرزون به أنفسكم غداً، فاتقى عبدٌ ربّه، نَصَحَ نفسه وقدم توبته وغلب شهوته، فإنّ أجله مستورٌ عنه، وأمله خادع له، والشيطان موكلٌّ به، يزيّن له المعصية ليركبها، ويمنّيه بالتوبة ليُسوفها، إذا هجمت منيّته عليه أغفل ما يكون عنها، فيا لها حسرة على كلّ ذي غفلة، أن يكون عمره عليه حجّة، وأن تؤدّيه أيّامه إلى الشقوة. نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإيّاكم ممّن لا تبطره نعمة، ولا تقصر به عن طاعة ربّه غاية، ولا تحلّ به بعد الموت ندامةٌ، ولا كآبة".

نهج البلاغة، الخطبة 64، ص95


---------------------

هوامش

1- بحار الأنوار، ج6، ص218.
2- سورة يس، الآية: 12.
3- سورة الرحمن، الآيتان: 19 و20.
4- سورة المؤمنون، الآية: 100.
5- بحار الأنوار، ج6، ص159.
6- الكافي، ج3، ص236.
7- بحار الأنوار، ج6، ص221.
8- سورة طه، الآية: 124.
9- بحار الأنوار، ج6، ص218.
10- م. ن، ج6، ص217.
11- م. ن، ج74، ص177.
12- مستدرك الوسائل، ج3، ص23.
13- بحار الأنوار، ج4، ص43.
14- سورة المؤمنون، الآيتان: 99 و100.
15- سورة الأنعام، الآية: 28.
16- إرشاد القلوب، ج1، ص56.
17- سورة المطفّفين، الآية: 6.
18- سورة المزمل، الآية: 17.
19- سورة الحجّ، الآية: 1.
20- سورة المؤمنون، الآية: 115.
21- سورة الواقعة، الآيتان: 49 و50.
22- سورة الروم، الآية: 44.
23- مقطع من المناجاة الشعبانية.
24- بحار الأنوار، ج7، ص162.
25- تحف العقول، ص18.
26- سورة النحل، الآية: 27.
27- سورة محمد، الآية: 27.
28- سورة عبس، الآية: 40.
29- سورة عبس، الآية: 41.
30- سورة المعارج، الآية: 44.
31- سورة الدخان، الآية: 49.
32- سورة فصلت، الآية: 16.
33- سورة الزمر، الآية: 56.
34- سورة الفرقان، الآيات: 27 ـ 29.
35- سورة طه، الآيتان: 124 و125.
36- سورة الإسراء، الآية: 72.
37- سورة طه، الآية: 126.
38- سورة الجاثية، الآية: 34.
39- سورة التحريم، الآية: 6.
40- سورة الكهف، الآية: 49.
41- سورة يونس، الآية: 46.
42- سورة الإسراء، الآية: 96.
43- وسائل الشيعة، ج15، ص239.
44- سورة البقرة، الآية: 143.
45- سورة النساء، الآية: 41.
46- بحار الأنوار، ج7، ص325.
47- سورة الحج، الآية: 78.
48- الكافي، ج1، ص190.
49- سورة ق، الآية: 17.
50- بحار الأنوار، ج5، ص323.
51- سورة فصلت، الآيتان: 19 و20.
52- سورة فصلت، الآيتان: 22 و23.
53- سورة النور، الأيتان: 23 و24.
54- سورة الإسراء، الآية: 36.
55- الكافي، ج2، ص37.
56- وسائل الشيعة، ج5، ص186.
57- الكافي، ج2، ص523.


توقيع : شجون الزهراء
أحبتي الكرام ستميحكم عذرا أكتفي بهذا القدر
من نشر علوم آل محمد عليهم السلام و أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يتقبل اعمالنا واعمالكم ويجعله خالصة لوجهه الكريم استودعكم الله واسالكم براءة ذمه
من مواضيع : شجون الزهراء 0 سوء الظن.. يمحو الدين ويثير الفتن
0 سوء الظن والخروج من دائرة الايمان
0 هل الهدف لقاء الإمام المهدي (عليه السلام)؟
0 لماذا خلق الله النار؟
0 أسباب انتشار السحر
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الشبكة: أحد مواقع المجموعة الشيعية للإعلام

الساعة الآن: 03:52 AM.

بحسب توقيت النجف الأشرف

Powered by vBulletin 3.8.14 by DRC © 2000 - 2024
جميع الحقوق محفوظة لـ منتديات أنا شيعـي العالمية


تصميم شبكة التصاميم الشيعية