نفتتح كلامنا على بركة الله بقول لأحد العلماء العاملين (( أن مرجع التقليد هو الصراط والمنهاج والنجاة والسلوك والظاهر والباطن لأنه يمثلالإمام المعصوم (عجل تعالى فرجه الشريف) والبحث عن مرجع التقليد الأعلم هو البحث عنالاستقامة والرقي والتكامل لأنه الطريق والمنهاج الموصل للإمام المعصوم صاحب العصروالزمان (عجل الله تعالى فرجه الشريف). )) .
ذكرفقهاؤنا طرقاً تفتح الباب أمامالمكلف في كيفية تعيين مرجع التقليد وتثبيت عدالته ولتوصل العامي من خلالها إلىتشخيص من يأخذ بيده ليطمئن بفراغ ذمته أمام الله سبحانه وتعالى من الأحكام الشرعيةالواجبة عليه ولولا هذه الطرق التي سنذكرها لاحقاً لكان من الصعب على المكلف أنيقوم بهذه المهمة ولا بأس بأن أذكر بعض الفتاوى حول هذه الطرق من بعض رسائل علمائنافي طرق تحديد المجتهد والأعلم والعدالة ثم أوضح بعد ذلك هذه الطرق وأطبقها على مايؤخذ به في الوقت الحاضر.
قال السيد الخوئي(قد) :- (( .... ويثبت أجتهاده وأعلميتهأيضاً بالشياع المفيد للأطمئنان وبالبينة ... منهج الصالحين- مسألة 20)).
قالالسيد محمد الصدر(قد) :-((يثبت الاجتهاد والاعلمية أيضاً بالعلم والاطمئنان والوثوقوالبينة وبخبر الثقة أو العدل مع حصول الوثوق الشخصي بقوله ) منهاج الصالحين- مسألة 22)).
قالالسيد عبد الأعلى السبزواري (قد) :-(( يثبت الاجتهاد والاعلمية بالإختبار وبالشياعالمفيد للعلم وبشهادة العدلين من أهل الخبرة )) جامع الاحكام الشرعية مسألة -7)).
قال السيدالسيستاني (دام ظله) :- (( يثبت اجتهاده واعلميته – بالعلم, بالإطمئنان – بشهادةعدلين من أهل الخبرة )) منهاج الصالحين – مسألة 12.
قال السيد محمد سعيد الحكيم (دام ظله) :- (( ويثبت اجتهاد المجتهد واعلميته وعدالته – بالنحو المتقدم – بالعلم مع عدمهيكفي شهادة الثقة من أهل الخبرة اذا استندت الى الإختبار ولا يعتد بشهادته اذااستندت للحدس والتخمين ومع اختلاف اهل الخبرة تسقط شهادتهم )) .
العلم
يصعب على المكلف العادي أن يشخص الأعلم بدرجة العلم واليقينوهذا العلم الذي يسمى ب((العلم الوجداني)) نادراً ما يحصل عند المكلف لصعوبة تطبيقمقدماته ومناشئه بصورتها الصحيحة وكذلك الكلام في الإطمئنان الحاصل من المناشئالعقلائية ومن هذه المناشئ العقلائية للعلم أو للإطمئنان يمكن ان يكون بالبينةلعدلين من المجتهدين او من اهل الخبرة وبعد تعذر هذا الطريق :-
1- اما لعدم تحققه أصلاً :-
أ- لعدموجود المجتهدين أو أهل الخبرة الحقيقيين .
ب- اولعدم احراز عدالتهم.
2- او لتحقق ذلك لكن تسقط البينة للتعارضكما هو حاصل في الخارج حيث نجد البعض يدعو لزيد والبعض الآخر يدعو لبكر والثالثيدعو لخالد وهكذا , وممن أشار الى التساقط, السيد السيستاني في رسالته العمليةعندما ذكر طرق معرفة الأعلمية (( يعتبر في شهادة أهل الخبرة أن لا يعارضها شهادةمثلها بالخلاف ومع التعارض يأخذ بشهادة من كان منها أكثر خبرة بحد يكون احتمالاصابة الواقع في شهادته أقوى من احتمالها بشهادة غيره .
وبعدتساقط ذلك وابطال هذا المنشأ لا يبقى امام المكلف الا البحث بنفسه وبذل ما بوسعهوقدرته بأتباع الطرق العلمية والأخلاقية والشرعية كمعرفة آثار الشخص العلميةوالأخلاقية لتشخيص الأعلمية والعدالة ولو للوصول الى أرجحية أحدى الأطروحات علىالباقي فتكون هذه الأطروحة الراجحة عليه (حجة ) وهذا المعنى هو مراد بعض فقهائنابتوسيع مصاديق أهل الخبرة.
البينة
البينة في اللغة هي الحجة والبرهان , وقد شاع استعمالها فيشاهدين عدلين وسمي الشاهدان ((بينة )) لقوله صلى الله عليه وآله ( البينة علىالمدعي واليمين على من انكر)) , والبينة هنا كما اشرنا هي شهادة عدلين من اهلالخبرة بأعلمية أحد العلماء وهم نفس أهل الخبرة ممن ذكرناهم في الطريق الاول (العلم) أي ان يكونوا من الافاضل والمجتهدين وان يكونا عادلين , ويشترط في افرادالبينة امور منها:- الأمر الأول : يجب ان يحضر اهل الخبرة( الشاهدانالعادلان جميع بحوث المجتهدين لمدة معتد بها بحيث يميز معرفة الأعلم اثناء الدرس, اويحضر عند البعض ويطلع على بحوث البعض الآخر من المجتهدين اذا كانوا قد اصدروابحوثهم الخارجية على شكل مطبوعات او اشرطة صوتية او مرئية او تقريرات طلبتهم .
الامرالثاني: يجب انلا تقع بين اهل الخبرة وبين ذلك المجتهد أي صلة اجتماعيةواقتصادية وغبرها , لانها تؤثر على اتجاه الانسان في اغلب الاحيان , فتقدح بعدالتهغالباً خاصة في هذا العصر , كقول المشهور(( القلوب مجبولة على محبة المحسن اليها)).
وبعد هذا يجبعلينا التنبيه لما ننصح به انفسنا وغيرنا وخاصة اهل الخبرة , الواجب الاخلاقيوالعلمي والتاريخي واللشرعي يلزمهم ان يتورعوا في ذكر تحديد الاعلم, وان يفحصوا بكلدقة ونظر وحشد وفكر وترك العاطفة والجوائز الدنيوية والخوف من التفسيق وفقدانالواجهة الدنيوية فلينظروا الى الآخرة بعين الحق والحقيقة.
ونفسالكلام الذي قلناه في( العلم ) يقال هنا , من انه بعد تعذر البينة لعدم تحققهااصلاً او لتساقطها, فالواجب العقلي والشرعي على المكلف ان لا يبقى ساكناً وخاملاًومهملاً وتاركاً لأهم الواجبات الشرعية والمصحح لجميع الأعمال وهو (التقليد) . فعليه ان يبحث بنفسه عن الدليل العلمي والأخلاقي والشرعي من خلال الآثار التي تدلعلى المؤثر (( وهو المجتهد الأعلم صاحب الأطروحة الأرجح)).
الشياع
الشياع هو دليل مستقل كما في العلم والاطمئنان بل يمكن انيقال انه يرجع الى العلم والاطمئنان في هذا المقام , لان العلماء قد قيدوا الشياعبكونه مفيداً للعلم او الاطمئنان لا مطلق الشياع , ويشترط ان يكون الشياع مسنداًالى منشأ عقلائي كأقوال اهل الخبرة العدول بطبيعة الحال , والا فالشياع من غيرالمناشئ العقلائية , لا حجة فيه لعدم حصول الأطمئنان منه , واذا لاحظنا واقع الحوزةسنجد ان الشياع يخالف الواقع دائماً .
حسنالظاهر
هذا الطريق واضح من عنوانه فلا يحتاج الى شرح مطول , وحسنالظاهر : أي ان يكون معرفاً عند الفقهاء بالاستقامة في جادة الشريعة المقدسة والفضلوالاصلاح والتدين بالأخلاق والسيرة الحسنة بين الناس وحسن المعاشرة والسلوك الديني , بحيث لو سئل غيره عن حاله لقال لم نرمنه الا خيرا , بحيث يكون حسن ظاهره مادياًومعنوياً , وان لا يكون قشرياً لا ثمرة له .
المؤلفاتوالآثار
لا بد لنا في هذا الصدد ان نأخذ بنظر الأعتبار هذا الطريقالذي جعله بعض العلماء دليلاً آخر لإثبات الأعلمية بعد الطرق التي ذكرناها .
فقد قالالشيخ النائيني (قد) في كتاب الدر الثمين : (( ويثبت اجتهاده واعلميته بملاحظةمؤلفاته العلمية الكاشفة عن الاجتهاد والاعلمية , وذلك من جهة غلبة الفساد علىالصلاح في هذا الزمان , واستيلاء المطامع والأغراض ورواج الدعايات الكاذبة .... فيحرز المجتهد الذي يتعين الرجوع اليه بالنظر الى مؤلفاته العلمية الكاشفة عنالاجتهاد والأعلمية ....)).
كما يساند هذا القول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (قد) حيثقال ((.... ان المرجعية الإمامية كان معيارها وطريقها كثرة الإنتاج وتوفر المؤلفاتفي شتى العلوم لا في خصوص الفقه والأصول وقد قيل (من ثمارهمتعرفونهم).
المناظرة
حجية المناظرة ثابتة عند الجاهل فضلاًعن العالم ولا داعي لإطالة الكلام في إثباتها , ولكن الشواهد التأريخية مليئة بذكرالمناظرات .
قبل كل هذا ينبغي ان نبين انه لا مجال بعد الآن لمن يقولبأن عملية الفحص عن الأعلم منصعوبة الأمر فمعرفتك لهذه الطرق حتماً ستحدد الأعلم , وتأخذ بيده وانت فارغ الذمة ان شاء الله تعالى , وهذه الطرق سميت ((بالحجة الشرعيةفي تقليد الأعلم))
وكل تقليد بدون هذه الطرق سيكون باطلاً اذا خالف الواقع.
ان مايؤكد عليه سماحة ولي امر المسلمين السيد محمود الحسني (دام بهاؤه) هو الآثار العلمية فالعالم يعرف باثره وكما قيل ان الاثر يدل على المؤثر ، وهاهو الشيخ النائيني (قده) استاذ السيد الخوئي (قده) يؤيد هذا القول في كتاب { الدر الثمين} ويقول مانصه :
{ ويثبت اجتهاده واعلميته بملاحظة مؤلفاته العلمية الكاشفة عن الاجتهاد والاعلمية ، وذلك من جهة غلبة الفساد على الصلاح في هذا الزمان ، واستيلاء المطامع والاغراض ورواج الدعايات الكاذبة .......
فيحرز المجتهد الذي يتعين الرجوع اليه بالنظر الى مؤلفاته العلمية الكاشفة عن الاجتهاد والاعلمية }
كما يساند هذا القول الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء (قده) حيث قال :
{ .......... ان المرجعية الامامية كان معيارها وطريقها كثرة الانتاج وتوفر المؤلفات في شتى العلوم لا في خصوص الفقه والاصول وقد قيل ( من ثمارهم تعرفونهم ) . }
والكثير من الفقهاء اشاروا الى هذا الطريق لحل المشكلة التي يعاني منها الجميع في تحديد الاعلم ، كما ان المعيار الذي يميز العالم الفقيه عن غيره هو حجم التطبيق والتنفيذ فان العلم بلا عمل كالشجرة بلا ثمر ، فلذا اشار السيد محمود الحسني (دام بهاؤه) الى عدم اجتهاد البعض لعدم وجود الاثر العلمي اذن مما تقدم فالمؤلفات تعطيك قيمة احتمالية ولو واحد بالمئة في ترجيح زيد على عمر .
فياعزيزي المكلف ماعليك سوى ان تطلع على مؤلفات السيد محمود الحسني (دام بهاؤه) وآثاره العلمية لترى كيف اجتاحت الساحة العلمية في الحوزة وخارجها( بحيث لم يستطع أي مرجع او طالب علم ان يرد عليها او يتفوق عليها ) ليحصل عندك احد المناشئ العقلائية التي تولد عندك العلم او الاطمئنان بارجحية الاطروحة الحقة ولاتنسى ايها المكلف ان العلم لو الاطمئنان حجة فيجب عليك اتباع الحجة اينما كانت بغض النظر عن الواجهات والاسماء الرنانة
أن الاعلم هو الاعلم بالاصول، والسؤال لماذا الاعلم بالاصول؟؟ ولمذا لم يكن بالفقه؟؟وللجواب على ذلك يتبين من تسمية علم الاصول فهو الاساس الذي يبتني عليه علم الفقه ولذلك نرى من جملة اسباب أتساع علم الاصول تبعآ لتوسع البحث الفقهي لان أتساع نطاق التطبيق الفقهي يلفت أنظار الممارسين لعملية الاستنباط الى مشاكل جديدة فأين تجد الحلول لها؟ نذهب الى علم الاصول فتوضع حلولها المناسبة وهي صورة العناصر المشتركة ,أنظر من لم يكن عارفآ مطلعآ بارعآ في علم الاصول كيف سيجد الحلول للمشاكل التي تثار امامه وبالتالي يكون أساس نتيجته التي يخرج بها خاطئة وباقل تقدير ضعيفة فأين يذهب من أراد الاجتهاد من علم الاصول ؟؟