|
عضو متواجد
|
رقم العضوية : 26730
|
الإنتساب : Dec 2008
|
المشاركات : 85
|
بمعدل : 0.01 يوميا
|
|
|
|
المنتدى :
منتدى الجهاد الكفائي
ننتخب مـــن .. نأتمن مــن ؟
بتاريخ : 11-12-2008 الساعة : 11:39 AM
ننتخب مـــن .. نأتمن مــن ؟
بقلم: أحمد إبراهيم الربيعي
أنه سؤال صعب .. بل أصبح صعبٌ جداًً، خصوصاً بعد أن أيقنا فعلاً أن أصواتنا ليست فقط أغلى من الذهب، بل هي أغلى من ذلك بكثير! وتترتب عليها مسؤوليات جمة ، فإن كنا ممن حباهم الله تعالى بلطفه وتوفيقه وشملهم برحمته لنكون من المرحومين وليس من المحرومين في حسن الاختيار فسوف نكون ضمن من ساهم ولو بشيء يسير في دفع عجلة التقدم إلى الأمام في سبيل هذا الشعب المظلوم المغلوب على أمره وفي مصلحة هذا البلد المثخن بالجراح. وذلك من خلال بعض الأمور التي تترتب على حسن الاختيار وعلى رأسها إحقاق الحق، وإنصاف المظلومين، وقطع دابر المفسدين، إلى غير ذلك من الفضائل المترتبة على وضع الأشخاص المناسبين في الأماكن المناسبة، أما إذا كانت النتيجة خلاف ذلك لا سامح الله خصوصاً إذا كنا غير مستحقين للرحمة والتوفيق والتسديد الإلهي والتي غالباً ما تكون نتيجتها تراكمات الأخطاء التي نرتكبها يومياً، وأهمها ظلمنا أنفسنا وظلمنا لبعضنا الآخر فنكون ضمن من ساهم بتهديم ما تبقى من هذا الصرح الأصيل الذي أنهكته معاول المخربين والمفسدين ولم ترحمه، وكان السبب الرئيسي وراء تمكينهم من ذلك هو أصواتنا التي عززت من سطوتهم ومهدت لهم طريق ما وصلوا إليه، فما نتيجة الأصوات الممنوحة لغير أهلها سوى مصعداً سحرياً يرتقي من خلاله الوصوليون والمفسدون وطلاب الشهوات إلى ما يرومون إليه، فتصاب الأمة بالبلاء وتعود أيام الشقاء، بعودة طلاب الدنيا ممن يسحقون بأقدامهم كل ما هو جميل ونبيل في سبيل مصالحهم الشخصية. وهذا البلاء هو محصلة طبيعية وحتمية للإهمال واللامبالاة والخنوع وعدم السعي نحو التغيير إلى ما هو أفضل، قال تعالى: (إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم) (1).
وكذلك فإن حسن الاختيار هو دلالة واضحة على رجحان العقل وسلامة الفكر، وذلك لأن الشخص الذي يحسن الاختيار يكون بمثابة من اجتاز الاختبار، من خلال تمييزه للحق من الباطل بحيث لم تخدعه المظاهر ولم تجذبه الشعارات الكذابة فينجر خلفها، فيكون مثالاً للإنسان العاقل الذي حباه الله بنور البصيرة ليهتدي إلى عين الصواب، أما من أساء الاختيار وفشل في هذا الاختبار فذلك هو الجاهل بعينه!! أجل فقد سال سيد البلغاء والمتكلمين (ع) عن صفات العاقل فأجاب (ع) : ((هو الذي يضع الشيء مواضعه. فقيل: فصف لنا الجاهل، قال: قد قلت.. وقال الشريف الرضي رحمه الله: يعني أن الجاهل هو الذي لا يضع الشيء مواضعه، فكأن ترك صفته صفة له، إذ كان بخلاف وصف العاقل)) (2). إذن فالجاهل هو من يسئ الاختيار ويفشل في الاختبار، بحيث تخدعه الشعارات الخداعة والوعود الكذابة.
علماً أن خطئنا في هذا الاختيار هو خطأ جسيم ومصاب عظيم متعمدين كنا أو غافلين حيث ينطبق علينا قول الشاعر:-
إن كنت لا تدري فتلك مصيبةٌ وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
وإلا ماذا نسمي من يمهد السبيل ويعبد الطريق للوصوليين والمفسدين ليرتقوا المناصب الحساسة التي يسيل لعابهم لأجلها، والتي منها تدار دفة البلاد وتتحكم بها مصائر العباد، مساهمين بذلك في زيادة المظالم والمفاسد وتكثير الهموم والمآسي؟
وبما أن الإنسان حمل ما أبت السموات والأرض والجبال أن تحمله وأشفقن من حمله، فعلينا أن نحسن الاختيار، ولكن كيف؟ كيف نحسن الاختيار، وما هو المعيار؟
هل نختار بملأ إرادتنا..أم بإرادة غيرنا؟
هل نستند في الاختيار على إرادتنا معتمدين على عقولنا وما تميزه خصوصاً إذا كان الاختيار نابعاً من تجاربنا السابقة في ضل الحياة الديمقراطية التي نعيشها بالرغم من قصر مدتها وتذبذبها، أم نستند على ما تعودنا عليه مسبقاً من الأخذ بآراء السياسيين ووعود المرشحين وفتاوى رجال الدين؟
هل ننتخب المستقل، أم السياسي، وإذا انتخبنا المستقل هل ننتخب التكنو قراط أم غيره؟
وإذا انتخبنا السياسي، فهل ننتخب السياسي الإسلامي، أم العلماني، أم الليبرالي؟
وإذا انتخبنا المتدين، فهل ننتخبه لتدينه، مراعين الورع والتقوى وصدق الحديث وأداء الأمانة، أم تخدعنا المظاهر والسمات المصطنعة وكثرة الأسفار التي نال من خلالها ألقاب (حاج، زائر).؟
وإذا انتخبنا السياسي فهل سوف ننتخبه لحنكته السياسية ووطنيته العالية التي سوف يوظفها لخدمة البلاد ومصلحة العباد، ممن تؤرقه قضايا وطنه وشعبه، أم يخدعنا بياعو الكلام ممن زادت أرصدتهم في بنوك الدول الأوربية، ولا هم لهم سوى مصالحهم ومصالح المرتبطين بهم والمتحزبين لهم.؟
وإذا انتخبنا شيخ العشيرة أو أحد الوجهاء المعروفين، فهل ننتخبه لعدالته وشهامته ومروءته ومواقفه النبيلة، أم يخدعنا دسم ولائمه وجعجعة حاشيته، وكثرة من حوله.؟
وإذا انتخبنا من يشاع عنه أنه صاحب مواقف وانجازات أياً كانت هويته وماهيته، فهل نتحقق في صحة تلك المواقف والانجازات التي يكثر الكلام عنها في مثل هذه الأيام، ويثرثر بها من له صلة وغير صلة خصوصاً أولئك الذين اعتادوا على كثرة الكلام وتفننوا في التضخيم والتفخيم، ليكونوا صدىً آخر يضاف إلى جانب الأبواق المأجورة دون أن يشعروا بذلك، ودون التأكد والوقوف على حقيقة تلك الانجازات والتحقق من كونها فعلية أو وهمية، أم بمساعيه الشخصية أو بجهود غيره؟
هذه الأسئلة وأمثالها تتشعب منها عشرات الأسئلة الأخرى التي تحتاج إلى مجلدات من الكلام، وعشرات الجلسات والنقاشات والسجالات، بين مؤيد لهذه الجهة ومندد لتلك، وبين مؤكد وبين مبرر، وإذا كانت تلك الجلسات فسوف تعيش الجو الصاخب كالعادة،حيث كل طرف يطرح كماً من إيجابيات صاحبه وسلبيات من يقابله، وكما يقال: (كُلٌ يدعي وصلاً بليلى)!. فهل يا ترى نستطيع أن نميز بين من يخدمنا وبين من يخدعنا، أم تجذبنا وتبهرنا الطرق التي بات يتفنن بها السياسيون في طرح برامجهم الانتخابية من قبيل رفع الشعارات البراقة والتحدث بالوطنية ومصالح الشعب ووحدته، ونبذ الطائفية والعنصرية، ومحاربة الفساد الإداري والمالي، وتوعد الإرهابيين والمخربين، وقطع مختلف أنواع الوعود والعهود، وإظهار التواضع والمواقف الشجاعة، مع استيراد بعض المفردات السائدة في هذه الأيام، هذا بالإضافة إلى بذخ الأموال والترغيب بالمناصب والوظائف والولائم والعزائم.....الخ.
يجب علينا أن نعي خطورة الموقف وأن نعلم بأننا نواجه خيارات مصيرية يرتهن على أثرها مستقبلنا ومستقبل الأجيال القادمة، خصوصاً إذا ما علمنا أن المرجعية الدينية الشريفة التي تمثل صمام أمان الأمة من الزيغ والانحراف قد أوكلت إلينا أمر الاختبار و حذرتنا من سوء الاختيار(3) فما هي الوسيلة التي نستطيع من خلالها سلوك طريق الصواب في اختيار الأصلح خصوصاً إذا كنا نعيش زمن التناقضات وخلط الأوراق، وكيف نوفق في اختيار الصادق الأمين الذي إذا حدث صدق وإذا أؤتمن أدى الأمانة، والذي يكون حقاً (الشخص المناسب في المكان المناسب).؟
يقول نبينا الأعظم (ص) : ((لا تنظروا إلا كثرة صلاة المرء، وكثرة صيامه، وحجه وزكاته، ذلك لأنها أشياء أعتاد عليها، وإذا تركها أستوحش، ولكن أنظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة)) وعن أبي عبد الله الصادق(ع): ((لا تغتروا بصلاتهم ولا بصيامهم فإن الرجل ربما لهج بالصلاة والصوم حتى لو تركه استوحش ولكن عند صدق الحديث وأداء الأمانة))و((لا تنظروا إلا طول ركوع الرجل وسجوده فإن ذلك شيء اعتاده فلو تركه استوحش لذلك، ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته))(4)
أجل أنها أروع المعايير التي يزان بها الأشخاص وتقاس من خلالها نزاهتهم وإيمانهم وحرصهم على وطنهم وشعبهم، فمن خلال هاتين الخصلتين تتأتى وتتشعب بقية الفضائل وحسن الخصال، كالعدالة والإنسانية والشجاعة والعقلانية والإخلاص والأخلاق والوفاء وحب الخير للناس ونكران الذات ومقت الفئوية بكافة أشكالها إذا ما تداخلت مع المصالح العامة.
ونحن أحوج ما نكون اليوم إلى من يتحلى بهذه الخصال، وإن كان هذا المطلب (الصدق والأمانة) مطلب ضروري وملح في كل زمان ومكان إلا أننا اليوم بحاجة ماسة لاختلاط الأوراق التي تميز المتطبع من المتصنع، فنسأله تعالى أن يوفقنا إلى حسن الاختيار والنجاح في الاختبار حتى نكون أهلاً للإجابة كلما دعوناه تبارك وتعالى: (اللهم إننا نرغب إليك في دولة كريمة تعز بها الإسلام وأهله وتذل بها النفاق وأهله).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) (سورة الرعد/ 11)
(2) (شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد ج19 ص60)
(3) (راجع خطاب سماحة المرجع الديني آية الله العظمى الشيخ اليعقوبي (دام ظله الشريف): (الشعب غير معذور إذا لم يختر الكفوئين المخلصين))
(4) (الكافي للكليني ج2ص104 باب الصدق وأداء الأمانة- بحار الأنوار للمجلسي ج68 ص2- وسائل الشيعة للحر العاملي ج19 ص67 باب وجوب أداء الأمانة).
|
|
|
|
|