بأعماق كُلٌ منا هناك الخوف من شيئا ما... فلا يوجد شخص يعيش دون مخاوف تزعزعه أو تأرق عيشه
وذلك لكون الخوف صفة وحالة طبيعية أودعها الله تعالى في أعماق الإنسان لكي يُحي بها ذاته ويحافظ على وجوده فلولا الخوف لما فكر الانسان في درء الاخطار عن نفسه وحمايتها من المصاعب والمشاكل الناجمة في الدنيا والآخرة
فالخوف عند الانسان أمر ايجابي ُيحتم وجوده العقل ...و قد يصبح سلبياً وله اضراره باعتباره كغيره من الغرائز الفطرية قابلة للتعاطى الاختياري..
لذلك تتجلى لنا حالات وصور متعددة للخوف نجدها عند الكثيرين
كخوفنا على الدين والنفس والعرض والاهل والمال والوطن
الخوف من المرض و من المستقبل أو الخوف من بعض الدواب او الخوف الاجتماعي او خوف العباد بعضهم من بعض فهي حالات وأمور تُخيفنا لكننا نتعاطاها بشكل مختلف فى فئتين اما بالسلب او الإيجاب
فخوف العباد من بعضهم البعض ..خوف يتجسد بالخوف من المخلوق وهي حالة لا تخلو لحظات حياتنا منها..
لكن حينما يدب هذا الخوف فى اوصالنا كخوفنا من الخالق بل لدرجة نسيانه وتعظيم الخشيه ممن دونه جل وعلا , على اساس مكاسب الدنيا وحطامها
هنا يكون الخوف سلبيا لا يمثل المخافة الحقيقية الايجابية التى يجب ان نرسخها فى نفوسنا
ان الخوف الحقيقى جوهره خوف الله لأنه مصدر كل شئ ولا يمكن حدوث أمر ما بمعزل عنه وكل الأسباب والأمور التى تقذف الخوف بالنفوس مرجعها إليه
فحين تخاف من الله وحده يكون الخلاص من هيمنةاي شعور بالخوف
فمن يخاف الله يشعر بانه متصل بقوة كبرى لا غالب لها وبالتالى يكون قادر على الخلاص من اي مخاوف من الطبيعى ان تعترضه فى هذه الحياة أو إخضاعها على أساس الخوف من الله والتحرك فى دائرة رضاه وبذلك لا تتنافى مخاوفه مع خوف الله وخشيته بل ان خوفه من الله تنعكس بإيجابية وصورة أكبر بانك تصبح مخلوق يُخاف منك..
فإذا خاف المرء ربه أخاف الله منه كل شيء، وإن لم يخف ربه أخافه من كل شيء.
فطوبى لمن شغله خوف الله عن خوف الناس
علامات ودلائل الخوف تتضح فى كمال الدين وحسن الاسلام وصفاء القلب وطهارة النفس إذا سكن الخوف في القلب أحرق مواضع الشهوات منه وطرد بهرج الدنيا عنه وهو سوط الله يقوم به الشاردين عن بابه ويردبه العائدين إلى رحابه الله تعالى يريد لعباده ان يعرفوه حق معرفته
ويخشوه ويخافوه, وقدوصف لهم الأدلة الساطعة, والبراهين القاطعة التي تدل على عظمته ,ليهابوه ويجلّوه, ووصف تعالى في كتابه العظيم ,شدة عذابه, وقوة بطشه, وسرعة أخذه، ودار عقابه, وما أعدّه لأعدائه من العذاب , وذكر النار وأهوالها, وما فيها من الزقوم , والحميم والسلاسل والأغلال, والفظائع والأهوال, ودعا عباده إلى خشيته وتقواه, والبعد عن سخطه والمسارعة إلى رضاه, وامتثال أمره, واجتناب نهيه.
وقال تعالى: ﴿فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ﴾ فالخائف يتذكر ويتعظ، ويخشع ويعتبر; ولذلك كان لسان حال الأنبياء - عليهم السلام -:﴿قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾ ...
المسلم الصادق، والمؤمن الخاشع؛ هو الذي عرف الله تعالى حق المعرفة، وعرف قوله جل وعلا: ﴿وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ﴾ ... ، فهو يخاف الله ويحذره، ويهابه ويتقيه
علامات الخوف من الله يتبين فى :
* يتبين في لسانه فيمتنع عن الكذب والغيبة وكلام الفضول ويشغله بذكر الله وتلاوة القران ومذاكرة العلم
* أن يخاف في أمر بطنه فلا يدخل بطنه إلاطيباً وحلالًا ويأكل من الحلال مقدار حاجته
* أن يخاف في أمر بصره فلا ينظر الى الحرام ولا إلى الدنيا بعين الرغبة وانما يكون نظره على وجه العبرة
*أن يخاف في أمر يده فلا يمدن يده إلى الحرام وإنما يمدها إلى ما فيه طاعة الله
* أن يخاف في أمر قدميه فلا يمشى في معصية الله
* أن يخاف في أمر قلبه فيخرج منه العداوة والبغضاء وحسد الأخوان ويدخل في النصيحة والشفقة للمسلمين
*أن يكون خائفا في أمر طاعته فيجعل طاعته خاصه لوجه الله ويخاف الرياء والنفاق
فاذا فعل ذلك فهو من الذين قال الله فيهم
((والاخرة عند ربك للمتقين ان للمتقين مفازا ان المتقين فى مقام امين...))
من أعظم ثمرات الخوف من الخالق عز وجل
إجلال الله و تعظيمه و معرفة حقارة النفس فمن خاف القيام بين يدي الله وخاف حكم الله فيه
ونهى نفسه عن هواها ،،وردها إلى طاعة مولاها
فمنقلبه ومصيره الى روضاتالجنان لقوله تعالى :
((وأَمَّا من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنةَ هي المأوى)))
وقوله تعالى :(( ولِمَن خَافَ مقام رَبهِ جنتان ))
فمن علِم مراقبة الله له وانهُ أقرب إليه من حبل الوريدوانهُ معه حيث كان حملهُ هذا العلم على الخوف منه وترك مايغضبه
إذَا ما خَلَوْتَ الدَّهْرَ يوماً فَلا تَقُل خَلَوْتُ ولكن قُل عليَّ رَقيبُ
وَلا تحسـبَنَّ اللهَ يغفـلُ ساعَـةً وَلا أنَّ ما تُخفِي عليهِ يَغيبُ
وكما قال الصادق عليه السلام:
( خف الله كأنك تراه فان لم تكن تراه فهو يراك)
**إن الخوف من الله يدعوا صاحبهُ على محاسبة النفس وإلجامها بلجام التقوى والبُعد عن الكبر والرياء والنميمة وجميع مايسخط الرب
بصورة عامة الخوف منه تعالى ثمار لا تحصى تجنى دنيا وآخرة فهو كسراج القلب به يبصر ما فيه من الخير و الشر, إن الخوف منه مانع للذنب، عاصم من الخطأ، حافظ من الزلل، مبعد عن الخلل، حافز للنفس، موقظ للضمير، حاث على الإجتهاد، وأنى لقلب لم يُزرع فيه خوف الله أن يرتدع عن الهوى، ويبتعد عن الجهل، وكيف لفؤادٍ لم تسكنه خشية الله والهيبة لجلاله، والوجل من بطشه، والإشفاق من وعيده؛ كيف له أن يعمر بالطاعة،ويتجافى عن المعصية، ويستوحش من الذنب
الخائف من الله تعالى عاقبته الأمن والسلام، وثوابه أن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله،
الخوف شجرةٌ طيبة إذا ثبُت أصلُها في القلب امتدت فروعهاإلى الجوارح، فآتت أُكلها الطيب بإذن ربها وأثمرت عملاً صالحًا، وقولاً رابحًا،وسلوكًا قويمًا، وفعلا كريمًا تخشع الجوارح، وينكسر القلب، ويرف الفؤاد، وتزكو النفس، وتجود العين.
إذن علينا أن نكون ممن يحرصون على ضرورة إستجلاب أسباب الخوف من عظمة الخالق اللامتناهية والتي من أبرزها التفكرفي الخشية من عذابه وسخطه لعل أرواحنا تدأب على قراءة آيات الوعيد والتحذير من الكتاب الحكيم وتلزم الفؤاد بالأحاديث النبوية الشريفة التي تحث فينا الخوف من سوء خاتمتنا وتشوقنا إلى جناته التي أعدها للمتقين الخائفين منه سبحانه وتعالى وأن نداوم على التفكر في عذاب الموت وشدته والقبر ووحشته والقيامة وأهوالها ليجعلنا كل هذا ننمي عندنا صفة الخوف منه تعالى التي سوف تحدد بالنتيجة مسار أنفسنا فتقويها وترشدها لتتحرك لبناء ذات متكاملة مترابطة تصحح سلوكياتها بإيقاظ ضميرها كلما توجهت بإتجاه العوامل التي تستجلب الخوف لنراها تندفع نحو فعل الخير بثقة عالية وتنجلي سلوكياتها من فعال الشر..
لهذا كان لزاما علينا أن نتحلى بصفة الخوف من بارئنا لأنها تثبت معايير وأخلاقياتنا الإنسانية مع بعضنا البعض ومن ثم مع خالقنا عز علاه
فيا أيها الإنسان تذكر دائما أن خوفك من الله تكون بمعرفتك بجلاله وقدرته فاخوف الناس لربه اعرفهم بنفسه وبربه ..
وكما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله)سيد العارفين :
(انا اخوفكم لله..)
وقال تعالى ((انما يخشى الله من عباده العلماء ))
وخوفك من الله كلما كان إرتباطا نفسيا وسلوكيا كلما صلحت أعمالك و نمى لديك إحساسا بالمسؤولية نحو تصورك للأهداف والغيات الكبرى التي ترضي خالقك لقول عز وجل
((أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا))
جعلنا الله واياكم ممن يخافون الله فى السر والعلن....