أما أقوال أبي طالب سلام الله عليه فإليك عقودا عسجدية من شعره الرائق مثبتة في السير والتواريخ وكتب الحديث.
أخرج الحاكم في المستدرك (1) (2 / 623) بإسناده عن ابن إسحاق قال: قال أبو طالب أبياتا للنجاشي يحضه على حسن جوارهم والدفع عنهم ـ يعني عن المهاجرين إلى الحبشة من المسلمين:
ليعلم خيار الناس أن محمدا * وزير لموسى والمسيح ابن مريمأتانا بهدي مثل ما أتيا به * فكل بأمر الله يهدي ويعصم (2)
وإنكم تتلونه في كتابكم * بصدق حديث لا حديث المبرجموإنك ما تأتيك منها عصابة * بفضلك إلا أرجعوا بالتكرم
وقال سلام الله عليه من قصيدة:
فبلغ عن الشحناء أفناء غالب * لويا وتيما عند نصر الكرائملانا سيوف الله والمجد كله * إذا كان صوت القوم وجي الغمائمألم تعلموا أن القطيعة مأثم * وأمر بلاء قاتم غير حازموأن سبيل الرشد يعلم في غد * وأن نعيم الدهر ليس بدائم
____________
(1) المستدرك على الصحيحن: 2 / 680 ح 4247.
(2) في البيت إقواء.
فلا تسفهن أحلامكم في محمد * ولا تتبعوا أمر الغواة الأشائمتمنيتم أن تقتلوه وإنما * أمانيكم هذي كأحلام نائموإنكم والله لا تقتلونه * ولما تروا قطف اللحى والغلاصم (1)
ولم تبصروا والأحياء منكم ملاحما * تحوم عليها الطير بعد ملاحموتدعو بأرحام أواصر بيننا * فقد قطع الأرحام وقع الصوارمزعمتم بأنا مسلمون محمدا * ولما نقاذف دونه ونزاحممن القوم مفضال أبي على العدى * تمكن في الفرعين من آل هاشمأمين حبيب في العباد مسوم * بخاتم رب قاهر في الخواتميرى الناس برهانا عليه وهيبة * وما جاهل في قومه مثل عالمنبي أتاه الوحي من عند ربه * ومن قال لا يقرع بها سن نادمتطيف به جرثومة هاشمية * تذبب عنه كل عات وظالم
ديوان أبي طالب (ص 32)، شرح ابن أبي الحديد (3 / 313) (2).
ومن شعره في أمر الصحيفة التي سنوقفك على قصتها قوله:
ألا أبلغا عني على ذات بينها * لويا وخصا من لوي بني كعبألم تعلموا أنا وجدنا محمدا * رسولا كموسى خط في أول الكتبوأن عليه في العباد محبة * ولا حيف فيمن خصه الله بالحبوأن الذي رقشتم في كتابكم * يكون لكم يوما كراغية السقب (3)
____________
(1) في رواية: والجماجم. الغلاصم جمع الغلصمة: اللحم بين الرأس والعنق. (المؤلف).
(2) ديوان أبي طالب: 84 ـ 85، شرح نهج البلاغة: 14 / 73 كتاب 9.
(3) في رواية ابن هشام:
وإن الذي ألصقتم من كتابكم * لكم كائن نحسا كراغية السقب
رقش: كتب وسطر. الراغية من الرغاء: أصواب الإبل. السقب: ولد الناقة. (المؤلف).
أفيقوا أفيقوا قبل أن تحفر الزبى (1) * ويصبح من لم يجن ذنبا كذي ذنب
ولا تتبعوا أمر الغواة وتقطعوا * أواصرنا بعد المودة والقربوتسجلبوا حربا عوانا (2) وربما * أمر على من ذاقه حلب الحربفلسنا وبيت الله نسلم أحمدا * لعزاء من عض الزمان ولا كرب (3)
ولما تبن منا ومنكم سوالف * وأيد أترت (4) بالمهندة الشهببمعترك ضنك ترى كسر القنا * به والضباع العرج تعكف كالشرب (5)
كأن مجال الخيل في حجراته * ومعمعة الأبطال معركة الحربأليس أبونا هاشم شد أزره * وأوصى بنيه بالطعان وبالضربولسنا نمل الحرب حتى تملنا * ولا نشتكي مما ينوب من النكبولكننا أهل الحفائظ والنهى * إذا طار أرواح الكماة من الرعب
سيرة ابن هشام (1 / 373)، شرح ابن أبي الحدبد (3 / 313)، بلوغ الأرب (1 / 325)، خزانة الأدب للبغدادي (1 / 261)، الروض الأنف (1 / 220)، تاريخ ابن كثير (3 / 87)، أسنى المطالب (ص 6، 13)، طلبة الطالب (ص 10) (6). ومن شعره قوله:
ألا ما لهم آخر الليل معتم * طواني وأخرى النجم لما تقحم
____________
(1) في سيرة ابن هشام [ 1 / 377 ]: الترى، بدل الزبى. (المؤلف).
(2) الحرب العوان: التي قوتل فيها مرة بعد أخرى. أشد الحروب. (المؤلف).
(3) العزاء: السنة الشديدة. عض الزمان: شدته وكلبه. (المؤلف).
(4) تبن: تنفصل. السوالف: صفحات الأعناق. أترت: قطعت. (المؤلف).
(5) ضنك: ضيق. الضياع العرج مر ص 58. الشرب: الجماعة من القوم يشربون. والشطر الثاني في سيرة ابن هشام [ 1 / 379 ]: به والنسور الطخم يعكفن كالشرب. (المؤلف).
(6) السيرة النبوية: 1 / 377 ـ 379، شرح نهج البلاغة: 14 / 72 كتاب 9، خزانة الأدب: 2 / 76، الروض الأنف: 3 / 283، البداية والنهاية: 3 / 108.
طواني وقد نامت عيون كثيرة * وسامر أخرى قاعد لم ينوملأحلام أقوام أرادوا محمدا * بظلم ومن لا يتقي البغي يظلمسعوا سفها واقتادهم سوء أمرهم * على خائل من أمرهم غير محكمرجاة أمور لم ينالوا نظامها * وإن نشدوا في كل بدو وموسميرجون منا خطة دون نيلها * ضراب وطعن بالوشيج المقوم (1)
يرجون أن نسخي بقتل محمد * ولم يختضب سمر العوالي من الدمكذبتم وبيت الله حتى تفلقوا * جماجم تلقى بالحميم وزموم (2)
وتقطع أرحام وتنسى حليلة * حليلا ويغشى محرم بعد محرموينهض قوم بالحديد إليكم * يذبون عن أحسابهم كل مجرمهم الأسد أسد الزارتين إذا غدت * على حنق لم تخش إعلام معلمفيا لبني فهر أفيقوا ولم تقم * نوائح قتلى تدعي بالتسدم (3)
على ما مضى من بغيكم وعقوقكم * وغشيانكم في أمرنا كل مأتموظلم نبي جاء يدعو الى الهدى * وأمر أتى من عند ذي العرش قيم (4)
فلا تحسبونا مسلميه ومثله * إذا كان في قوم فليس بمسلمفهذي معاذير وتقدمة لكم * لكيلا تكون الحرب قبل التقدم
ديوان أبي طالب (5) (ص 29)، شرح ابن أبي الحديد (3 / 312) (6).
وله قوله مخاطبا للنبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم:
____________
(1) الوشيج: الرماح.
(2) في الديوان: تفرقوا. بدلا من: تفلقوا. و: بالحطيم. بدلا من: بالحميم.
(3) التسدم من السدم: الهم مع الندم، الغيظ مع الحزن. (المؤلف).
(4) في رواية شيخ الطائفة: مبرم. (المؤلف).
(5) ديوان أبي طالب: ص 82 ـ 83.
(6) شرح نهج البلاغة: 14 / 71 كتاب 9.
خير دليل على إيمان ابو طالب هو:
عندما نزلت الآيه التي تأمر الرسول بفصل الرجال المسلمون عن النساء المشركات والعكس كذلك رسول الله لم يأمر فاطمه بنت أسد على الإنفصال من عمه ابو طالب فهل رسول الله يطبق الدين على المسلمين ولا يطبقه على اهله والعياذ بالله !!!!