حرب الإعلانات عبر الجوال
المعلنون يبحثون عن طرق جديدة للوصول للعملاء عبر الإنترنت
سان فرانسيسكو: كلاير كاين ميلر* هل سبق لك أن وجدت في مدينة غريبة وكنت بحاجة إلى فندق لقضاء ليلتك، ثم أخرجت هاتفك الجوال وقمت بالبحث عن فنادق على موقع «غوغل» وعثرت على أحد الفنادق الفاخرة الموجودة بالقرب منك، وإلى جوار هذا الفندق كانت هناك أيقونة مكتوب عليها «اتصال»، ثم قمت بالنقر عليها ووصلت إلى الفندق وسألت عن غرفة فارغة. وبهذه الطريقة، تمكنت «غوغل» من جني بعض الأموال، نظرا لأن هذه الأيقونة تعد أحد أشكال الدعاية المسماة «انقر لتتصل»، حيث قام الفندق بدفع المال لشركة «غوغل» عندما قمت أنت بالاتصال.
وبينما يتزايد أعداد الأشخاص الذين يستطيعون الوصول إلى شبكة الإنترنت والتطبيقات المختلفة عبر الهواتف الجوالة وأجهزة الكومبيوتر اللوحي الخاصة بهم، يحاول المعلنون البحث عن طرق جديدة للوصول العملاء عبر الإنترنت. لا تزال بعض الإعلانات الخاصة بالهواتف الجوالة مجرد نسخ مصغرة من الإعلانات الموجودة على مواقع الإنترنت، أو بالأحرى مجرد صدى من الأيام الأولى لشبكة الإنترنت عندما كان المعلنون يقومون بالترويج للإعلانات المطبوعة على الإنترنت. وبشكل متزايد، يقوم المعلنون الآن بتكييف الإعلانات لتتناسب مع الأجهزة المحمولة، مستفيدين من قدرة هذه الأجهزة على تتبع المواقع وإجراء مكالمات هاتفية وإظهار خرائط بالاتجاهات وإضافة تنبيهات التقويم.
يعتبر هذا الموضوع أمرا شديد الأهمية بالنسبة لهذه الصناعة، التي لا تزال تتحسس طريقها في هذا العالم المتحرك. وفي العام الجاري، أكدت شركة الأبحاث «إي ماركتر» أن المعلنين سيقومون بإنفاق نحو 2.6 مليار دولار على الإعلانات على الهواتف المحمولة وأجهزة الكومبيوتر اللوحية، وهو ما يقل بنسبة 2 في المائة عن إجمالي الأموال التي سينفقونها على الإعلانات بصورة عامة،، ولكنه لا يزال يزيد عن ثلاثة أضعاف ما تم إنفاقه في عام 2010.
يقول كريس ماكان، مدير موقع «1 - 800 - Flowerscom»، والتي تقوم بعرض بعض الإعلانات على الهواتف المحمولة لحث الناس على الاتصال أو زيارة أحد المتاجر المجاورة: «هناك ارتفاع مستمر في نسبة شراء الإعلانات الخاصة بنا على الأجهزة المحمولة، وهو ما يرجع إلى أن هذه الأجهزة هي المكان الذي يوجد فيه العميل»، مضيفا: «إنها تمثل المستقبل بالنسبة لنا».
تتطلب القدرة على تصميم إعلانات تتناسب مع الشاشات الصغيرة للأجهزة المحمولة بعض الإبداع من جانب الكثير من الأطراف - كالمعلنين والناشرين الرقميين، مثل «غوغل» و«أبل» و«فيس بوك»، الذين يبيعون مساحات الإعلانات، وشبكات إعلانات الهواتف المحمولة، مثل شركة «ميلينيال ميديا».
يقول جيسون سبيرو، وهو رئيس استراتيجية ومبيعات الأجهزة المحمولة في العالم في شركة «غوغل»، التي تهيمن على صناعة الإعلان عبر الإنترنت وتعتبر الرائد في مجال الإعلان على الأجهزة المحمولة: «ما نحاول القيام به هو التفكير في المستخدم المتحرك. ماذا يريد المستخدم عندما يجلس على المقهى أو يمشي في الشارع؟».
يتمثل أحد التحديات الرئيسية التي تواجه شركات التقنية في قيام المعلنين بدفع مبالغ مالية قليلة لإعلانات الأجهزة المحمولة مقارنة بإعلانات الإنترنت التقليدية، وهو ما يرجع إلى عدم احتمال قيام العملاء بإجراء عمليات شراء عبر هواتفهم الجوالة. وعلى الرغم من أن الأشخاص يقومون بالنقر على إعلانات التليفونات المحمولة أكثر من إعلانات أجهزة الكومبيوتر المكتبية، يتساءل المعلنون عما إن كان ذلك يعود إلى ما يسمى «تأثير الإصبع الكبير»، وهو الضغط بصورة خاطئة على بعض الأيقونات نظرا لصغر حجم شاشات هذه الأجهزة. وفي الوقت الذي يمكن فيه تتبع الأعمال التي يقوم بها المستخدم على مواقع الإنترنت، من الصعوبة بمكان معرفة ما إن كان المستخدم يشاهد إعلانات الأجهزة المحمولة الخاصة بأحد الأنشطة التجارية ومن ثم يشارك فيها أم لا - لذا يصعب على المعلنين الحكم على مدى فعالية قيامهم بإنفاق المزيد من الأموال على هذه الإعلانات.
وبينما تتزايد مبيعات شركة «غوغل» من إعلانات الأجهزة المحمولة، انخفض متوسط الأموال التي تجنيها من كل إعلان، في الوقت الذي انخفضت فيه قيمة أسهم «فيس بوك» في البورصة إلى النصف وسط مخاوف من عدم قدرتها على جني المزيد من الأموال من مستخدمي الأجهزة المحمولة. وعلى الجانب الآخر، لم تتمكن شبكة إعلانات الأجهزة المحمولة في شركة «أبل» من اكتساب المزيد من القوة الدافعة. وعلى الرغم من هذه المشكلات، هناك الكثير من الأدلة على أن الإعلانات الخاصة بالأجهزة المتحركة تتحول إلى تجارة مربحة للغاية، وفي بعض الحالات تكون أكبر أيضا من الإعلانات على الإنترنت.
وفي الأسبوع الماضي، صرح المسؤولون التنفيذيين في «فيس بوك» بأن الشركة قد تمكنت في الربع الثالث من العام الحالي من جني 150 مليون دولار من إعلانات الأجهزة المحمولة، وهو ما يمثل 14 في المائة من عائداتها الإجمالية. أفادت شركة «باندورا» أن 58 في المائة، أو 59 مليون دولار، من الإيرادات التي حققتها خلال النصف الثاني من العام الجاري، الذي انتهي في شهر يوليو (تموز) الماضي، جاءت من إعلانات الأجهزة المحمولة، في الوقت الذي أكد فيه المسؤولون التنفيذيون في شبكة التواصل الاجتماعي «تويتر» أن إعلانات الأجهزة المحمولة مثلت غالبية الإيرادات اليومية التي حققتها الشركة في أيام معينة.
قامت شبكات الإعلانات الخاصة بالأجهزة المحمولة، والتي تقوم بعرض الإعلانات عبر تطبيقات المحمول ومواقع الإنترنت، بإنشاء شركات جديدة ومزدهرة، والتي يأتي على قمتها، «ميلينيال ميديا» وشبكة «أد موب» التابعة لـ«غوغل» وموقع «آي أد» التابع لـ«أبل». وحققت شركة «غوغل» نحو 56 في المائة من إجمالي إيرادات إعلانات الأجهزة المحمولة و96 في المائة من إجمالي الإيرادات الخاصة بإعلانات البحث عبر الأجهزة المحمولة، وذلك وفقا لشركة «إي ماركتر». وفي الوقت نفسه، أكدت الشركة أنها في طريقها لجني 8 مليارات دولار في العام المقبل من مبيعات الأجهزة المتحركة، بما في ذلك الإعلانات والتطبيقات والموسيقى والأفلام التي تقوم ببيعها من خلال متجر «غوغل بلاي»، ولكنها أكدت أن الغالبية العظمى من الأموال التي تجنيها الشركة تأتي من الإعلانات.
يقول كريس وينفيلد، المؤسس المشارك لمؤسسة «بلو غلاس إنتراكتف»، وهي وكالة إعلانات رقمية: «من سيستطيع عمل أفضل تطبيقات الأجهزة المحمولة سيكون هو (غوغل) المستقبل، لذا يتساءل الناس، هل ستتمتع (غوغل) بنفس المكانة في المستقبل؟ ولكنها لا تزال في نفس المكانة حتى الآن».
نجحت «غوغل» وغيرها من الشركات في الاستفادة من حقيقة أن الهواتف الجوالة تعرف الكثير من الأشياء عن الأشخاص مقارنة بأجهزة الكومبيوتر المكتبية - وأهم هذه الأشياء هي أماكن وجودهم. ومن خلال وجود هاتف جوال في يد الشخص، من المحتمل أن يكون العميل أكثر استعدادا لشراء شيء ما.
يقول جيسون سبيرو، من شركة «غوغل»، إن الأشخاص الذين يبحثون عن الملابس الجينز، على سبيل المثال، عبر أجهزة الكومبيوتر عادة ما يريدون مشاهدة الموديلات والألوان، بينما يرغب الأشخاص الذين يقومون بنفس العملية عبر هواتفهم الجوالة معرفة أقرب مكان لشراء مثل هذه المنتجات. وعلاوة على ذلك، استفادت «غوغل» كثيرا من حقيقة أن أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع الناس لاستخدام «غوغل» عبر هواتفهم الجوالة هو البحث عن أقرب مكان لبيع سلعة معينة، وهو ما يعد مصدرا رئيسيا للإعلانات، فطبقا لشركة «غوغل»، يتم إجراء 30 في المائة من عمليات البحث عن المطاعم و25 في المائة من عمليات البحث عن الأفلام عن طريق الأجهزة المحمولة. يعد تطبيق «انقر لتتصل» من بين أنجح أنماط الإعلانات عبر الأجهزة المحمولة التي دشنتنها شركة «غوغل»، حيث زادت الحجوزات في فندق «ستاروود» التي تتم من خلال الأجهزة المحمولة بنسبة 20 في المائة في غضون شهر واحد.
تقوم «غوغل» أيضا بعرض إعلانات على نسخة موقع «يوتيوب» المخصصة للأجهزة المحمولة، بما في ذلك بعض إعلانات الفيديو، مثل إعلانات الأفلام الجديدة، وفي كل مرة يقوم فيها الشخص بمشاهدة هذه الإعلانات، تجني «غوغل» المزيد من الأموال. وأشارت الشركة أيضا إلى قيامها بعرض الإعلانات من خلال الخدمات الأخرى، مثل «غوغل ناو»، والتي تقوم بإرسال تنبيهات عفوية إلى الهواتف المتحركة، حيث تقوم الشركة بتدريب المعلنين على كيفية القيام بأشياء، مثل إنشاء صفحات على الإنترنت خاصة بأجهزة التليفونات المحمولة. وفي الشهر الجاري، صرح لاري بيغ، المدير التنفيذي لشركة «غوغل»، للمحللين أن التفكير في إعلانات الأجهزة المحمولة مقارنة بأجهزة الكومبيوتر المكتبية يعد نهجا خاطئا. يضيف بيغ: «نحن نرغب في تجربة لا مثيل لها في مجال الأجهزة المتحركة والمكتبية والتلفزيونات، وهو ما نقوم به الآن».
وتحتل شركة «باندورا»، وهي مزود للخدمات الإذاعية عبر الإنترنت، المرتبة الثانية بعد «غوغل» فيما يتعلق بإيرادات إعلانات الأجهزة المتحركة، وذلك وفقا لشركة «إي ماركتر»، التي تتنبأ بقيام الشركة بتحقيق 229 مليون دولار في صورة إيرادات لإعلانات الأجهزة المتحركة في العام الجاري، سواء من خلال الإعلانات المسموعة أو المرئية. وعلى سبيل المثال، يحث أحد هذه الإعلانات مستمعي «باندورا» على أن يقوموا بالنقر على الشاشة لمعرفة مكان أقرب فرع من متاجر «هول فودز» أو المطاعم التي تقدم السوشي. قام موقع «ستاب هب»، وهو موقع لتسويق التذاكر عبر الإنترنت، بإذاعة إعلان عبر تطبيق «باندورا»، بحيث يتلقى الأشخاص الذين ينقرون على هذا الإعلان بعض التنبيهات على أجهزتهم المحمولة بخصوص مواعيد الحفلات الموسيقية.
وتعد مسألة اكتساب المزيد من الزخم في مجال إعلانات الأجهزة المحمولة أمرا شديد الأهمية بالنسبة لشركة «فيس بوك»، حيث يقوم 60 في المائة من مستخدمي موقع التواصل الاجتماعي بالدخول إلى الموقع عبر هواتفهم المحمولة. ولكن التحول نحو الشاشات الصغيرة مثل تحديا كبيرا لـ«فيس بوك»، حيث تظهر غالبية إعلانات «فيس بوك» على الناحية اليمني من صفحة الموقع، لذا تم إنشاء موضع جديد لإظهار هذه الإعلانات على شاشات الأجهزة المحمولة. يعد هذا أحد الأسباب التي دفعت «فيس بوك» لعرض الإعلانات على الرسائل الإخبارية، مثل بعض التنويهات التي تخبرك بأن أحد أصدقائك يحب ماركة تجارية معينة. بدأت الشركة أيضا في عمل شبكة خاصة بإعلانات الأجهزة المحمولة لعرض الإعلانات على التطبيقات الأخرى للتليفونات الجوالة، اعتمادا على المعلومات التي يعرفها الموقع عن المستخدمين، مثل الأشياء التي يحبونها وأين يعيشون.
قامت «تويتر» بإضافة زر خاص بالإعلانات يسمى «ترويج» على الرسائل الإخبارية الخاصة بها منذ البداية. ونيابة عن المعلنين، تستطيع «تويتر» عرض بعض الإعلانات فقط للأشخاص الذين يستخدمون أجهزتهم المحمولة في دخول الموقع، مثل الإعلانات الخاصة بتحميل بعض تطبيقات المحمول. وقامت شركة «سامسونغ» بعرض أحد الإعلانات فقط للأشخاص الذين يستخدمون أجهزة «غلاكسي نوت»، وذلك لتوجيههم للبحث عن تطبيقات «أندرويد» وتحميلها على هواتفهم.
وينبغي على هذه الشركات معرفة كيفية إقناع المعلنين بإنفاق ما يزيد عن 2 في المائة من ميزانياتهم على الأجهزة المحمولة، حيث يقول مايكل موريتز، وهو مستثمر في شركة «سيكويا كابيتال» والذي يقوم بتمويل شركات مثل «غوغل» و«ينكدين»: «هذا الأمر يذكرنا بانتشار الإنترنت في أعوام 1996 و1997، حيث لم يبد الناس اهتماما كبيرا بالإعلانات وكانت الأسعار منخفضة. ولكن المعلنون ليس لديهم أي خيار، حيث يتوجب عليهم الذهاب إلى أماكن وجود عملائهم». * خدمة «نيويورك تايمز»