بسم الله الرحمن الرحيم
كشف الفتنة الصرخية
الحمد لله رب العالمين وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيد الخلق محمد وآله الطاهرين
المقدمة :
بين أولوية إهمال المبتدعين[1]وضرورة التصدي لأصحاب الفتن المتنامية كان القرار متأرجحاً في كتابة هذا الكتاب ، ولكن ما رجَّح كفة ضرورة التصدي هو أسلوب صاحب الفتنة الصرخية الشبيه لأساليب المعممين من ذوي الفتن عملاء أعداء الإسلام الذين يكيدون للنيل من الإسلام ومحاربته من داخل صفوفه.
الفتنة الصرخية هي فتنة المدعو محمود الصرخي الذي أدعى النسب الحسني وتسمى بأسم "محمود الحسني" بعد أن دسَّ نفسه في الحوزة العلمية في التسعينيات من القرن العشرين الميلادي ، وأخذ يلعب دوراً مشبوهاً في ضرب المرجعيات الدينية في النجف الأشرف.
لقد حاول صاحب هذه الفتنة أن ينسب نفسه لمرجعية السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدِّس سٍرّه) كما هو شأن المبتدعين الذين يحاولون أن يحصلوا على شرعية مزيفة لعملهم الضال من خلال إدعاء إلتزامهم بالإتجاه الثوري للسيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدِّس سٍرّه). وفي هذا الكتاب سوف نبين للمؤمنين إنَّ فكر ومنهج السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدِّس سٍرّه) بعيد جداً عن الفكر المريض والمنهج المشبوه لصاحب الفتنة الصرخية المدعو محمود الصرخي. سائلين المولى جلَّ شأنه أن يجنب المؤمنين والمؤمنات الوقوع في الفتنة الصرخية وغيرها من الفتن ، إنَّه على ما يشاء قدير.
يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) في بحثه الموسوم (خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء) مانصه : ( وضع الله سبحانه إلى جانب خط الخلافة ـ خلافة الإنسان على الأرض ـ خط الشهادة الذي يمثل التدخل الرباني من أجل صيانة الإنسان الخليفة من الإنحراف وتوجيهه نحو أهداف الخلافة الرشيدة ، فالله تعالى يعلم ما توسوس به نفس الإنسان ، وما تزخر به من إمكاناتٍ ومشاعر ، وما يتأثر به من مغرياتٍ وشهوات ، وما يصاب به من ألوان الضعف والإنحلال ، وإذا تركَ الإنسان ليمارس دوره في الخلافة بدون توجيه وهدى كان خلقه عبثاً ومجرد تكريس للنزوات والشهوات وألوان الإستغلال ، وما لم يحصل تدخل رباني لهداية الإنسان الخليفة في مسيره فإنه سوف يخسر كل الأهداف الكبيرة التي رُسمت له في بداية الطريق. وهذا التدخل الرباني هو خط الشهادة ، وقد صنّفَ القرآن الكريم الشهداء إلى ثلاثة أصناف فقال :
(( إنّا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ))[2].
والأصناف الثلاثة على ضوء هذه الآية هم النبيون والربانيون والأحبار. والأحبار هم علماء الشريعة ، والربانيون هم درجة وسطى بين النبي والعالم وهي درجة الإمام.
ومن هنا أمكن القول بأن خط الشهادة يتمثل :
أولاً: في الأنبياء.
ثانياً: في الأئمة الذين يُعتبرون إمتداداً ربانياً للنبي في هذا الخط.
ثالثاً: في المرجعية التي تعتبر أمتداداً رشيداً للنبي والإمام في خط الشهادة)[3].
هذه المرجعية المقدسة حاول المدعو محمود اللامي الصرخي إنتهاك حرمتها والإساءة إليها والتهجم عليها بمختلف التهم والتلفيقات بشكل سافر ، في محاربة منه متعمدة لخط الشهادة الذي أشار إليه السيد الشهيد ـ وكما ذكرناه آنفاً ـ بل إنَّ قبول الدعاوى والتهم الملفقة التي نسبها المدعو محمود الصرخي لخط الشهادة متمثلاً بالمرجعية الدينية يعني إنقطاع هذا الخط وعدم تواصله وبقاء خط الخلافة منفرداً بدون ضابط يضبطه ، وهذا الأمر غير ممكن إذ أنه مخالف للخطة الإلهية التي (وضعت خطين جنباً إلى جنب : أحدهما خط الخلافة والآخر خط الشهادة)[4].
فمن هذه النقطة الهامة يتبين لنا فساد الطعون التي وجهها المدعو محمود الصرخي للمرجعية الدينية لكونها تخالف الخطة الإلهية ببقاء خطي الخلافة والشهادة متوازيين أو متحدين في شخص المرجع كما فصّل ذلك السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) في كتابه (الإسلام يقود الحياة) ، بينما الطعون التي وجههـا المدعو محمود الصرخي تعني سقوط خط الشهادة ـ المرجعية الدينية ـ عن الإعتبار وبقاء خط الخلافة منفرداً.
(( وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون ))[5]
والحمد لله ربِّ العالمين.
التحذير من الإنحراف
[ إنَّ حالة الانحراف ليست بالأمر المستغـرب ، فلقد تحدث القرآن عن انحـراف إبليس وهو الذي كان يسمى بطاووس المتعبدين ، وكذا تحـدث عن حالة انحراف بلعم بن باعوراء حيـث قال : (( وأتل عليهم نبأ الذي أتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ))[6] وقوله تعالى : (( يا أيها الذين أمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله ))[7] ،
إن الانحراف حالة مرضية يمكن أن تصاب بها كل الكيانات غير المعصومة ، وخط الانحراف يبدأ ضيقا حتى إذا ما بلغ أشده بان على حقيقته ، وما أصدق كلام أمير المؤمنين عليه السلام حينما قال في صحيحة ثقة الإسلام الكليني موضحا حقيقة الانحراف وبدء دبيبه في كيان الأشخاص والأمم : ( أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن أهواء تتبع ، وأحكام تبتدع ، يخالف فيها كتاب الله ، يتولى فيها رجال رجالا ، فلو أن الباطل خلص لم يخف على ذي حجى ، ولو أن الحق خلص لم يكن اختلاف ، ولكن يأخذ من هذا ضغث ، ومن ذاك ضغث ، فيمزجان فيجيئان معا فهنالك استحوذ الشيطان على أوليائه ، ونجا الذين سبقت لهم من الله الحسنى )[8] .
أما كيف نتخلص من ذلك فلن يكون إلا من خلال الحذر الشديد والورع الكبير في التعامل مع مسائل الدين وعقائده ، ولن يتم ذلك إلا من خلال الرجوع لأهل البيت عليهم السلام فما جاءنا منهم بقول صحيح تعبدنا به ، وما جاء عن غيرهم مخالفا لهم رددناه وكفرنا به ، كائنا من كان قائله والملتزم به ، فالحق هو الذي يعرف الرجال ، ولا يعرف الحق بالرجال كائنا من كانوا ، فيما خلا أهل بيت العصمة والطهارة فهم مرجع الدين وهم الملاذ من الفتن والبدع ، وما أحسن قول الصادق من آل محمد عليه السلام حينما قال بشأن التنازع على أمر ما ، بأن يتم التحاكم الـى : ( من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه ، فإنما استخف بحكم الله وعلينا رد ، والراد علينـا الراد على الله وهو على حد الشرك بالله )[9] ][10].
وقال تعالى :
(( وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معـذرة إلى ربكم ولعلهـم يتقـون ))[11]
وقال عزَّ وجل :
(( ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين ))[12] .
عدم جواز مس مقام المرجعية العليا
في سنة 1396هـ = 1976م ذكر السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قدِّس سٍرّه) عدم جواز مس مقام المرجعية العليا ، ومما قالـه :
( وقد جرى ديدن العلماء على التمييز بين الأمرين :
ـ بين الإفتاء وإصدار ما يتضمن ذلك لمن يحتاج إليه.
ـ وبين الإلتزام بمتطلبات المرجعية العليا وصيانتها.
ونحن نرى لزوم التمييز بين هذين الأمرين ، فلا يجوز الخلط بينهما ، ولا يجوز مس مقام المرجعية العليا ، ولا يجوز أي عمل يقصد به تفتيت الشمل المجتمع للمؤمنين على مرجعيتهم العليا وتمزيق كلمتهم )[13].
وبالضد من ذلك فقد لجأ المدعو محمود الصرخي إلى تحريض المؤمنين ضد المرجعية العليا ومحاولة فصلهم عنها معنوياً وعملياً ، ففي العديد من الكتيبات التي صدرت بأسمه نجد هذا الأمر منها (المرجعية بين الوهم والحقيقة) و (إتباع الحق هو الوحدة) وغيرهما ، فيها كذب وتمويه وخداع بيِّن يستهدف إيجاد حاجز لمنع المؤمنين من إتباع قياداتهم المرجعية الحقيقية خدمة لأعداء الإسلام ، لتبقى الأمة الإسلامية بلا قيادة واعية فيسهل على أعدائها السيطرة عليها ، ونحن اليوم نعلم يقيناً أن تصدي المرجعية العليا لسماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني ( دام عزّه) للمخططات الأمريكية المشبوهة في العراق قد حفظ العراق والعراقيين من الإنجرار لتلـك المخططات ومنع المؤمنين من الخضوع والإنقياد للسيطرة الأمريكية ومؤمراتها ، فما يريده المدعو محمود الصرخي هو تحطيم المرجعية العليا ـ لا قدَّر الله سبحانه ـ لكي لا توجد قوة إسلامية يمكنها منع المخططات الأمريكية من التنفيذ سواء في داخل العراق أو خارجه.
الإسـاءة إلى العلمـاء
عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : ( علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل )[14] ، وفي رواية ( علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل )[15].
ويقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) : ( فخط الشهادة يتحمل مسؤوليته المرجع على أساس أنَّ المرجعية إمتداد للنبوّة والإمامة على هذا الخط )[16].
هؤلاء العلماء الذين يمثلون المرجعية التي هي إمتداد للنبوّة والإمامة ، قد أساء لهم المدعو محمود الصرخي أيَّما إساءة ، ووصفهم بأوصاف مقيتة ، في عناد منه متعمد لله عزَّ وجل ورسوله صلى الله عليه وآله ، فتارة يشكك بخبروية السيد الخوئي (قده) في تحديد المجتهد[17] ، وثانيةً يشكك بإجتهاد أو علمية السيد الخوئي (قده) نفسه[18] ، وثالثةً ينفي إجتهاد السيد السيستاني (أعزَّه الله)[19] ، ورابعةً يتهم السيد محمد محمد صادق الصدر بالكذب والنفاق والخداع[20]، وخامساً يدعي أستحقاق الشيخ أحمد الوائلي (رحمه الله) العذاب والسعير[21] ، والعياذ بالله.
المرجعية المؤسساتية
ولعنه خط الشهادة والعياذ بالله
قسَّم المدعو محمود الصرخي المرجعية الدينية إلى مؤسستين هما :
ـ مؤسسة الخوئي (قده) ومن يمثلها.
ـ مؤسسة الصدر (قده) ومن يدَّعي السير على نهجها[22].
وفي موضع آخر قام بالتجني والتطاول على هاتين المؤسستين حين سُئل عن رأيـه بالمرجعية المؤسساتية فقـال : ( من سلك هذا الطريق وحصل على هذا العنوان عن طريق المؤسسات ولم يكن واقعاً مستحقاً لذلك فعليه وعلى تلك المؤسسة لعنة الله وأنبيائه ورسله وملائكته والناس أجمعين وعليهم لعنة العلم والأخلاق والتاريخ إلى يوم الدين )[23] ، ولعله نسي أن يضيف لهم لعنة الفراعنة ! فهل ورد في الكتاب أو السّنة شيء أسمه لعنة العلم أو لعنة الأخلاق أو لعنة التاريخ ؟! ربما ورد ذلك في كلام الطاغية صدام المجرم أما في الشريعة الإسلامية فلم يحدث ذلك على الإطلاق ، وقد قيل : ( فكل إناء بالذي فيه ينضح ).
لقد تطاول المدعو محمود الصرخي ولعن خط المرجعية الدينية الذي هو إمتداد لخط الأئمة عليهم السلام ، فأي مسلم مؤمن يرتضي هذا القول الفاسد ؟!!
المرجعية الدينية التي يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) عنها أنها تجمع بين خطي الشهادة والخلافة حين تكون الأمة محكومة للطاغوت ، بل قال أن خط خلافة الإنسان وخط شهادة الأنبياء يندمجان في شخص المرجع في تلك الحالة[24] ، شخص المرجع والمرجعية يتطاول المدعو محمود الصرخي ِللَعنها ، ألا لعنة الله على الظالمين.
مع العلم أنه هو الذي أبتدع وصف المرجعيات الدينية بـ "المؤسسات" وإلا فإن مرجعية السيد الخوئي (قده) لم تصف نفسها ولم يصفها أحد بلفظ المؤسسة ، وكذلك مرجعية السيد محمد الصدر (قده) ، فهو يطلق التسميات ثم يؤاخذ الآخرين بسبب تلك التسميات نفسها التي أطلقها !!؟
الرسائل العملية وتوضيح
طرق الإجتهاد والأعلمية
قال المدعو محمود الصرخي : ( إنَّ التكلم بالإجتهاد وعدم الإجتهاد والتكلم بالأعلمية وعدم الأعلمية ، إذا كان يؤدي إلى التنافر بين أفراد المجتمع واختلافهم ، فعليك أن توجه أصابع الإتهام للآخرين لأن كل واحد منهم قد سبقني في إصدار رسالته العملية ، وقد ذكر فيها طرق تحديد المجتهد أو تحدي الأعلمية ، ومن تلك الطرق ، البينة ( من المجتهدين أو من أهل الخبرة ) ، أو الشياع أو ..... ومثل هذا الكلام الصادر في الرسالة العملية يرشد ويلزم المكلف بالذهاب إلى الشخص أو الأشخاص ممن يمثل احد أفراد البينة أو الشياع ، فسينفي هذا الشخص الإجتهاد عن فلان أو ينفي العلمية أو الأعلمية عن فلان وهذا يؤدي إلى التنافر بين أفراد المجتمع (حسب مبنى السائل) فكيف سجل كل منهم هذا الكلام في رسالته العملية)[25].
فبيان خطأ هذا الكلام البعيد عن الصحة يكمن في أنَّ أهل الخبرة يشهدون بأن فلان أعلم أو مجتهد أو ليس بأعلم فإن ذلك كله يكون ضمن أجواء البحث العلمي الذي يتصف بصفات أخلاقية عالية تمنع حدوث الإساءة والتشهير بأي شخص ، وما دام الضابط الأخلاقي والبحث العلمي متوفران فلا مشكلة ، بل المشكلة تكمن عندما يلجأ أشخاص ينسبون أنفسهم للحوزة وهم يفتقدون لأبسط الضوابط الأخلاقية ويفتقرون للرصيد المطلوب من العلوم الدينية التي تمكنهم من الخوض في هذه المسائل سواء كانت تلك العلوم في مجال الفقه أو الأصول أو علم الرجال أو حتى علوم اللغة العربية وقواعدها الأولية ، فحين يتدخل مثل هؤلاء في تقرير الأعلمية والإجتهاد فإن هناك خللاً سيحدث ، هذا الخلل يسيء إلى الإسلام بسبب الإنحراف الذي سيحدث في نظرة بعض المؤمنين إلى قياداتهم الدينية نتيجة الأفكار المشوهة التي تقبلوها بسذاجة.
من لا يؤيدني فهو فاسق
هذا هو لسان حال المدعو محمود الصرخي وهو يتحامل[26] على كل أهل الخبرة الذين يشهدون بأنه بعيد جداً عن حضور دروس البحث الخارج فضلاً عن الإجتهاد وفضلاً عن الأعلمية. فلو كان المدعو محمود الصرخي حسن النية ـ وانّى له هذا ـ لأهتم بدروسه الدينية بصورة جدية ولحاول أن يستوعبها بما يؤهله لإثبات جدارته العلمية بالطرق الشرعية المعهودة والمتعارف عليها في الحوزة العلمية وليس بالطرق البهلوانية أمثال طلب المناظرات وغيرها.
يدَّعي إجتماع الشيعة على الضلال
وهي من أقبح الدعاوى أن ينسب الضلال إلى الشيعة أتباع مذهب آل البيت عليهم السلام ، فكيف ينسب الضلال إلى الفرقة الناجية !! كيف ينسب لهم الضلال وهم الأمناء على فقه آل البيت عليهم الإسلام وهم ممثلوا الإسلام المحمدي ؟!!
يقول المدعو محمود الصرخي : ( وعلينا الإلتفات جميعاً إلى بعض الشعارات المخادعة والكلمات التي ظاهرها وواقعها حق ولكن يُعمَل على تأويلها وتحريفها لخدمة الباطل والإنتصار له ، فإتحاد الأمة ووحدة الكلمة ووحدة الدين أو وحدة المذهب لا تكون تامة دائماً ، لأن الأمة المجتمعة على ضلالة فإن التفرقة فيما بينها وتشتيتها هي حالة صحية وصحيحة حتى ولو كانت سبباً لهداية شخص واحد )[27].
فهل يرضى أي مؤمن ينسب نفسه لآل البيت عليهم السلام أن يصفه المدعو محمود الصرخي بهذا الوصف المقيت ، فكيف سمح لنفسه بأن يصف شيعة آل البيت عليهم السلام بالإجتماع على الضلال ؟ مع إنَّ الضلال يكون في المسائل الإعتقادية (أصول الدين) وليس في موضوع الإجتهاد والأعلمية وهي عناوين متعلقة بفروع الدين ، وهو هنا لايميز بين أصول الدين (العقائد) وبين فروع الدين (الإجتهاد والصلاة والصيام ...).
عدم تمييزه بين المسائل العقائدية والمسائل الفقهية
نموذج آخر نذكره للقاريء فيه دلالة على عدم تمييز المدعو محمود الصرخي بين أصول الدين وبين فروعه ، وكما ذكرنا آنفاً فإنَّ الإجتهاد ودعاوى الإجتهاد هي مسائل في فروع الدين لا يُكفَّر لأجلها أحد ، أما الإختلاف بين الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام وبين معاوية فهو إختلاف في أصول الدين ، فمعاوية باغي على إمامه وكافر بالولاية ، غير إنَّ المدعو محمود الصرخي لا يحسن التمييز بين هذه المسائل حيث يقول : وإن كنت على حق فيجب على الجميع الإنتصار لهذه القضية لأنها تمثل خط ومنهاج علي بن أبي طالب (عليه السلام) ومن وقف في وجه الحق فإنه يقف بوجه علي (عليه السلام) وبوجه الحسين (عليه السلام) فذلك الواقف كمعاوية ويزيد )[28].
يجيب على الأسئلة بدون أن يفهمها !
ففي الكثير من الأحيان يقوم المدعو محمود الصرخي بالجواب على سؤال بكلام خارج نطاق ما سُئِلَ عنه ، ثم يتعمد عدم الإجابة المباشرة على السؤال لأنه لا يعرف الجواب ، ومثال ذلك ما ورد في كتيبه سيء الصيت الموسوم (التقليد والسير في طريق التكامل) ص (50) حيث كان السؤال الآتي :
[ س/ ما معنى (اليد المبسوطة للفقيه) حسب رأيكم ؟ ]
فأجاب المدعو محمود الصرخي بالجواب الآتي :
[ بسمه تعالى :
في هذا المقام أقول ، أنه من المفروض تحقق بسط اليد للفقيه مرجع التقليد فعلى كل مكلف إطاعة الأمر وإمتثال الفتوى الصادرة من مرجع التقليد الذي شخّص المصلحة العامة فأصدر الفتوى المناسبة وبعبارة أخرى ، أن بسط اليد للفقيه في هذا المقام لا تحتاج إلى سلطة تنفيذية والتصدي لها فلا يعترض عليه بمثل هذا ولا يطلب منه التصدي لذلك ، فهو أعرف بالمصلحة العليا واعلم باتخاذ الموقف المناسب . ] إنتهى الجواب !
وهكذا لم يقم بالإجابة عن معنى (اليد المبسوطة للفقيه) ، لأنه يجهل معناه ، وهذا الجهل واضح من جوابه حيث أنَّ بسط يد الفقيه لا يتم إلا بوجود سلطة تنفيذية لا كما ذكر ، فضلاً عن أنه ربط بين فتوى الفقيه وبين بسط يده والأمران غير متلازمين ، فلاحظ.
إدعائه النسب الحسني !
يقول السيد الإمام الخميني (قده) : (لا يُصَدّق مدعي السيادة بمجرد دعواه ، نعم يكفي في ثبوتها كونه معروفا ومشتهرا بها في بلده من دون نكير من أحد)[29].
فكيف يثبت النسب الفاطمي الذي أدعاه المدعو محمود الصرخي مع إنَّ المعروف عنه في البلد الذي نشأ فيه ـ مدينة الحرية في بغداد ـ إنَّه ينتسب إلى عشيرة بني لام بطن آل نصيري ، وذلك قبل أن يتسلل إلى الحوزة في منتصف التسعينيات من القرن العشرين الميلادي.
فالنسب يثبت شرعاً بأحد طريقين وقد ذكرهما السيد محمد كاظم اليزدي في العروة الوثقى فقال : ( لا يصدق من ادعى النسب إلا بالبينة أو الشياع المفيد للعلم ، ويكفى الشياع والاشتهار في بلده )[30] ، أما البينة فإنها مستحيلة على المدعو الصرخي لأن جميع العدول يجهلون كونه فاطمي النسب ، وأما الشياع المفيد للعلم فهو إلى جانب كونه عامي النسب خفاجي العشيرة وليس فاطمياً ، وبذلك يبطل النسب الفاطمي المزعوم للمدعو محمود الصرخي.
واما ثبوت النسب على طريقة النسابين المتعارفة عندهم فنحن نتحداه ثم نتحداه ثم نتحداه أن يأتي بوثيقة نسب قديمة وموثقة وصحيحة بشهادة نسابين معروفين وموثوقين تثبت نسبه الحسني المزعوم. حيث إنَّ المدعو محمود الصرخي أدعى النسب الحسني وهو لا يملك دليلاً مقبولاً عند النسابين على هذا الإدعاء.
أما نسبه الحسني المزعوم الذي ذكره في أحد كتيباته[31] ففيـه قرائـن كثيـرة تـدل على تلفيقـه منها :
ـ إنه نسب نفسه إلى السيد صرخة بن أدريس مـع إنَّ ذريـة السيد المذكـور يحملون لقـب ( الشكرة )[32] وليس ( الصرخي ).
ـ كذب بأن جعل كتاب (عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب) للنسابة إبن عنبة الحسني ، أحد مصادر نسبه المزعوم[33] ، مع إنَّ هذا الكتاب لم يذكر أسم السيد (صرخة بن أدريس) أبداً وكذلك الحال بالنسبة لكتاب (الكامل في التاريخ) لأبن الأثير.
ـ إنَّ المعروف عن نسب المدعو محمود الصرخي أنه يعود إلى عشيرة بني لام ، وأقرانه الذين صحبوه في سني حياته المبكرة يعرفونه لامياً وهم في مدينة الحرية في بغداد حيث يسكن هو وأبوه قبل وفاته.
ـ لا يوجد أصلاً في العراق ولا خارجه أي عائلة حسنية تدعى (آل صرخة) أو يتلقب أفرادها بالـ (صرخي) ، ونحن نتحدى أي شخص نسابة كان أو غير نسابة أن يأتينا بخلاف هذا القول. وللمزيد يمكن مراجعة موقع جمعية تنزيه النسب العلوي للاطلاع على بطلان النسب الحسني المكذوب من قبل محمود اللامي الصرخي.
يستثني العدالة من شرط مرجع التقليد !
تم توجيه السؤال الآتي للمدعو محمود الصرخي :
[ س/ هناك مرجع لم تثبت أعلميته ، وهناك مرجعاً ثبتت أعلميته لكن مطعون في عدالته ، وكلاهما متوفرة الشروط الباقية فمن يقدم في التقليد ؟ ]
فكان جوابه هو :
[ عليك الرجوع إلى المجتهد الجامع للشرائط ، نعم لو فرضنا الأمر محصور بين الأثنين ، فعليك الرجوع إلى الأعلم في المسائل الشرعية ويستثنى من ذلك بعض المسائل التي يكون للعدالة دخل في تحققها. ][34]
أي لو كان الأمر محصور بين الأعلم الذي يفتقر للعدالة وبين غير الأعلم المتصف بالعدالة فإنه يرجح تقليد الأعلم غير العادل. وربما هو يمهد الطريق لتقليد المكلفين له بإعتباره فاقد للعدالة وعلى أساس خدعة أعلميته.
فيما نجد السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) يؤكد على عدالة مرجع التقليد فيقول : ( ويشترط فيمن يرجع إليه في التقليد : البلوغ والعقل والذكورة وطيب الولادة والإيمان والإجتهاد والعدالة والحياة )[35] ، ثم يشرح السيد الشهيد معنى العدالة فيقول : ( العدالة عبارة عن الإستقامة على شرع الإسلام وطريقته ، قال تعالى : (( فاستقم كما اُمِرتَ ومن تاب معك )) ـ112هود ـ وقال (( وأَن لو استقاموا على الطريقة )) ـ16الجن ـ شريطة أن تكون هذه الإستقامة طبيعة ثابتة للعادل تماماً كالعادة. ولا فرق من هذه الجهة بين ترك الذنب الكبير والذنب الصغير ولا بين فعل الواجب المتعب وغيره ما دام الإذعان والإستسلام ركناً من أركان السمع والطاعة لأمر الله ونهيه أياً كان لونهما ووزنهما.
أما من استثقل شرع الله واحكامه فهو من الذين أشارت إليهم الآية الكريمة (( وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين )) ـ45البقرة ـ ومن الجدير بالذكر الإشارة إلى أن العدالة شرط أساسي في مواقع شرعية متعددة فالمرجعية العليا والولاية العامة على المسلمين والقضاء وإمامة صلاة الجماعة وإقامة الشهادة التي يأخذ بها القاضي والشهادة على الطلاق ، كل هذه المسؤوليات يشترط فيها عدالة الإنسان الذي يتحملها ، والعدالة في الجميع بمعنى الإستقامة على الشرع كما تقدم ، وهذه الإستقامة تستند إلى طبيعة ثابتة في الإنسان المستقيم ، وكلما كانت المسؤولية أكبر وأوسع وأجلّ خطراً كانت العدالة في من يتحملها بحاجة إلى رسوخ أشد وأكمل في طبيعة الإستقامة لكي يعصم بها من المزالق ، ومن اجل ذلك صحَّ القـول بأن المرجعيـة تتوقـف على درجـة عاليـة من العدالـة ورسـوخ أكيـد في الإستقامـة والإخلاص لله سبحانه وتعالى )[36].
فشتان بين السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) الذي يوقف المرجعية على درجة عالية من العدالة ، وبين المدعو محمود الصرخي الذي لايعتبرها من شروط المرجع !
بل إنَّ السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) يحرم على الذي لا تتوفر فيه الشروط الشرعية للمرجع ـ ومنها العدالة ـ أن ينصب نفسه علماً ومرجعاً للإفتاء للآخرين[37] ، وعلى هذا قـول علمـاء مدرسة أهل البيت عليهم السلام ( راجع الكتب الإستدلالية في التقليد ). ففي مقبولة عمر بن حنظلة نقرأ قول الإمام الصادق عليه السلام : (ينظران إلى من كان منكم ممن قد روى حديثنا ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف احكامنا فلترضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما فإذا حكم بحكمنا فلم يقبله منه فانما بحكم الله استخف وعلينا رد والراد علينا الراد على الله فهو على حد الشرك بالله قلت فان كان كل واحد منهما اختار رجلا وكلاهما اختلفا في حديثنا قال الحكم ما حكم به اعدلهما وافقههما واصدقهما في الحديث واورعهما ولا يلتفت إلى ما يحكم به الاخر )[38].
بدعـة المناظرة لإثبات الأعلميـة
وهي من البدع التي إبتدعها المدعو محمود الصرخي حيث كان يدعوا لمناظرة العلماء من أجل إثبات أعلميته ، وقد تم توجيه السؤال الآتي إليه :
[ س/ هل طرحتم مسألة المناظرة على عدد من المجتهدين ؟ وما كان ردهم ؟ ]
فكان جوابه :
[ نعم ، كان الرفض كما هو الحال السابق مع دعوى السيد الصدر (قدس سره) ][39].
ولم يعرف فقهاء الشيعة طريق المناظرة لإثبات الأعلمية في يومٍ من الأيام ، فهذا السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) يشرح كيفية معرفة الأعلم ، فيقول :
( إنه يعرف بطرق منها :
أولاً. شهادة عدلين من المجتهدين الأكفاء أو الأفاضل القادرين على التقييم العلمي ...
ثانياً. الخبرة والممارسة الشخصية من المقلد إذا كان له من الفضل والعلم ما يتيح له ذلك وإنْ لم يكن مجتهداً.
وأخيراً بكل سبب يؤدي إلى يقين المقلد وإيمانه بأن فلان أعلم ـ مهما كان السبب ـ فإن ذلك يحتم عليه أن يقلده دون سواه ، ومن ذلك الشياع بين أهل العلم والفضل ، أو الشياع في صفوف الأمة إذا أدى إلى يقين المقلد بأن من شاع أنه أعلم هو الأعلم حقاً )[40].
ويقول السيد الخميني (قده) : ( يجب تقليد الاعلم مع الامكان على الاحوط ، ويجب الفحص عنه )[41].
وعن طريق ثبوت الأعلمية يقول السيد الخميني (قده) : ( يثبت الاجتهاد بالاختبار وبالشياع المفيد للعلم وبشهادة العدلين من أهل الخبرة ، وكذا الاعلمية )[42].
إذن فوظيفة معرفة الأعلم هي وظيفة المكلف بأن يبحث ويفحص عن شهادة عدلين أو تكون للمكلف خبرة وممارسة شخصية أو شياع مفيد للعلم أو أي سبب يؤدي إلى يقينه وإيمانه بأن فلان أعلم وليست وظيفة المجتهد بأن يبحث عن أي سبب لإثبات أعلميته وإنْ كان ذلك السبب إبتداع المناظرة ، وشتان بين الحالتين !
على أن السيد محمد الصدر (قده) لم يدعُ إلى المناظرة لأثبات أعلميته ويدل على هذا أنه في رسالته العملية (منهج الصالحين) لم يذكر المناظرة كطريق لأثبات الأعلمية ، مما يفضح بطلان دعوى المدعو محمود الصرخي حين نسب طريقة المناظرة إلى السيد محمد الصدر (قده) ، بل أقصى ما يمكن أن يتحمله الموضوع أن السيد محمد الصدر (قده) كان يفتقر للإختلاط بأهل الخبرة بسبب ظروفه الخاصة في فترة الثمانينيات من القرن العشرين الميلادي ، فكان السيد محمد الصدر (قده) يظن ان أهل الخبرة يجهلون مستواه العلمي ولذلك لا يشهدون له بالأعلمية ـ مع أنهم كانوا معاصرين له في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين الميلادي حيث انه تلقى تعليماً حوزوياً نظامياً على يد أساتذة معروفين ولمدة طويلة وليس حاله كحال المدعو محمود الصرخي مجهول الحال الذي تلقى تعليماً عشوائياً ناقصاً بجهود ذاتية مفتقرة للخبرة والمعرفة ـ فلذلك كان السيد محمد الصدر (قده) يدعو للمناظرة بمعنى إطلاع أهل الخبرة على مستواه العلمي ليقرروا بعد ذلك أعلميته من عدمها ، لا ان تكون المناظرة طريقاً لإنتصار أحد المتناظرين فقهياً على الآخر ، إذ إنَّ المناظرات تكون في العقائد ( أصول الدين ) لا في الإجتهاد ( وهو من فروع الدين ) ، فباب الإجتهاد واسع ولكل فقيه رأيه كما هو معلوم ، بخلاف العقائد التي تستند إلى ادلة ثابتة. يتبع