بِسِمِ اللهِ الْرّحَمِن الْرّحَيْمِ
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على البشير النذير، محمد سيد الخلائق أجمعين، وعلى آله الطيبين الطاهرين، الهداة المعصومين.
أما بعد:
فهذه ثمرات يانعة وبحوث قيمة استفدتها من دروس الاستاذ الأعظم فقيه عصره ووحيد دهره جامع المعقول والنقول الحاوي للفروع والأصول العلم الذي يرنو إليه الأعلام والجهبذ الذي يرتوي من فيض علمه الجهابذة سماحة آية الله العظمى السيد ميرزا حسن الموسوي البجنوردي ـ أدام الله أيام إفاضاته.
وكان المدار في المحاضرات التي ألقاها سماحته هو كتاب (العروة الوثقى) لسيدنا المحقق والفقيه الأعظم السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي ـ قدس سره الشريف ـ فلا جرم الّزمنا بتقييد ما استفدناه من محضر الاستاذ كشرح للعروة ليكون سهل التناول.
ويؤسفني جداً أن لم أوفق للحضور لدى سيدنا الاستاذ من أول الدورة الفقهية (أحكام التقليد) لهذا جاءت هذه الاشارات من أول بحث (المطهرات) وأجدني فخورا أن تمكنت من تسجيل كل أبحاثه الفقهية والأصولية طيلة حضوري في مجالس بحثه، لكي أوفق لتقديمها الى طلاب العلم و رواد الفضل في فرص قريبة انشاء الله تعالى.شمس الدين الواعظي
المقدمة ►
«أحدها» ـ الماء، هو عمدتها([1])، لان سائر المطهرات مخصوصة بأشياء خاصة، بخلافه فانه مطهر لكل متنجس حتى الماء المضاف بالاستهاك، بل يطهر بعض الاعيان للنجسة كميت الانسان، فانه يطهر بتمام غسله.
ويشترط في للتطهير به أمور بعضها شرط في كل من للقليل وللكثير، وبعضها مختص بالتطهير بالقليل. أما الاول: (فمنها) زوال للعين والاثر، بمعنى الاجزاء للصغار منها لا بمعنى اللون واللطعم ونحو هما([2])
(ومنها) عدم تغير الماء في أثناء الاستعمال([3]).
(ومنها) طهارة الماء ولو في ظاهر للشرع([4]).
(ومنها) إطلاقه، بمعنى عدم خروجه عن الاطلاق في أثناء الاستعمال([5])
(وأما للثاني) في بعض المتجسات، كالمتنجس بالبول وكالظروف وللتعفير كما في المتنجس بولوغ للكلب والعصر في مثل الثياب والفرش ونحوها مما يقبله والورود ـ أي ورود الماء على المتنجس دون العكس على الاحوط([6])
[1]. الدليل على أنه مطهر أمور:
اولاً: الاجماع من جميع المسلمين بل ادعى بعض أنه من ضرورات الدين.
الثاني: الآيات، كقوله تعالى: «وأنزلنا من السماء ماءاً طهوراً» (سورة الفرقان: 48.) بناءاً على أن يكون الطهور هو الطاهر في نفسه والمطهر لغيره، ويكون عبارة عما يتطهر به كالوضوء الذي هو عبارة عما بتوضأبه. والظاهر أن المراد منه ـ بقرينة عدم ذكر المتعلق ـ أن مطهريته عام لكل متنجس، كما هو مذكور إشكالاً وجواباً في مبحث المياه.
وكقوله تعالى «وينزل عليكم من السماء ماءاً ليطهركم به» (سوره الأنفال: 11.) والظاهر من هذ الآية الشريفة هو أنه مطهر من الحدث والخبث، كما هو مذكور بتفاصيله في محله.
الثالث: الاخبار.
(منها) النبوي المشهور: «خلق الله الماء طهوراً» (الوسائل كتاب الطهارة، باب ـ 1ـ من ابواب الماء المطلق، الحديث 9). وتقريب الاستدلال به هو مثل ما ذكرنا في الآية الشريفة الاولى، لأن سياقه عين ذلك السياق، فاطلاق مطهريته كالآية يدل على مطهريته لكل متنجس.
(ومنها) صحيحة داود بن فرقد، قال عليه السلام «كان بنو إسرائيل إذا أصاب أحدهم قطرة منيول قرضوا لحومهم بالمقاريض، وقد وسع عليكم بأوسع ما بين السماء والارض، وجعل لكم الماء طهوراً، فانظروا كيف تكونون» (الوسائل كتاب الطهارة، باب ـ 1ـ من ابواب الماء المطلق، الحديث 4). وسياق هذه الصحيحة سياق الآية الأولى، ودلالتها مع إطلاقها على عموم مطهرية الماء لكل متنجس واضحة لاتحتاج الى الشرح والايضاح.
(ومنها) ما رواه السكوني عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله «الماء يطهِّر ولا يطهَّر» (الوسائل كتاب الطهارة، باب ـ 1 ـ من ابواب الماء المطلق، الحديث 3 و 6). والاشكال على الاستدلال بهذه الرواية ـ بأن حذف المتعلق في الجملة الأولى لا يدل على عموم مطهرية الماء لكل متنجس، لقرب احتمال وروده مورد الايجاب الجزئي في قبال السلب الكلي المستفاد من قوله «لا يطهر» ـ ليس بشيء، لأن كون الايجاب الجزئي في مقابل السلب الكلي هو فيما إذا كانت القضيتان الموجبة والسالبة متحدتان محمولا وموضوعاً، فيرتفع السلب الكلي بالايجاب الجزئي فيكون نقيض السلب الكلي هو الايجاب الجزئي. وفي المقام المحمولان في القضيتين مختلفان، فانه في إحداهما يكون بالبناء للفاعل وفي الأخرى بالبناء للمفول، فأي محذور في أن يكون الماء مطهراً لكل شيء متنجس ولا يطهره وظني أن هذا التوهم نشأ مما قبل في قوله عليه السلام «إذا بلغ الماء قدر كر لا ينجسه شيء» إن مفهومه موجبة جزئية، لأن السلب الكلي يرتفع بالايجاب الجزئي. ولكن أنت خبير بالفرق بين المقامين. وذلك لأن مفهوم القضية الشرطية نقيض منطوقه، فاذا كان المنطوق قضية سالبة كلية فيكون المفهوم موجبة جزئية. وفي المقام القضيتان حكمان مستقلان كل واحدة منهما قضية كلية لا ربط لا حداهما بالأخرى.
وأما الاشكال عليها بأن الماء يطهر إذا صار نجساً بملاقاته للكر أو الجاري أو المطر، فيكون ظاهر الرواية الذي هو عبارة عن نفي المطهرية من الماء مطلقاً متافياً للواقع، وهذا طعن على الرواية موجب لعدم اعتبارها. ففيه (أولاً) أنه عام قابل للتخصيص كسائر العمومات والمطلقات. (وثانياً) أن المراد من الجملة الأولى أنه يطهر كل شيء غيره، فمقابله الجملة الثانية أنه لا يطهر بواسطة كل شيء يكون غيره، فطهارته من ناحية نفسه ويسببه خارجة عن العموم موضوعاً وبالتخصص ولا تخصيص في البين.
وأما ما أشكل الشيخ الأعظم الأنصاري «قده» بقوله: إنها قضية مهملة لا عموم فيها من حيث المتعلق، ويكون من قبيل زيد بعطي ولايعطي ويحكم ولا يحكم عليه. ففيه: أن القضايا الشرعية حيث أن الشارع في مقام بيان الأحكام وماهو وظيفة المكلفين، فلا يناسبها الاهمال والاجمال ويكونان خلاف الأصل، بل يكون حذف المتعلق وعدم ذكره موجباً لظهوره في العموم، إذ أي فائدة في كون الماء مطهراً بنحو الاهمال والاجمال، بل الظاهر منها أن الماء يطهر كل شيء قابل للتطهير ولا يطهره شيء آخر غيره، فلا ينافي مطهريته لنفسه.
(ومنها) موثق عمار في رجل يجد في رجل يجد في إنائه فأرة وقد توضأ من ذلك الإناء مراراً أو اغتسل منه أو غسل ثيابه وقد كانت الفأرة متسلخة؟
قال عليه السلام: «إن كان رآها في الاناء قبل أن يغتسل أو يتوضأ أو يغسل ثيابه ثم يفعل ذلك بعدما رآها في الاناء فعليه أن يغسل ثيابه ويغسل كلما أصابه ذلك الماء» (الوسائل كتاب الطهارة، باب ـ4ـ من أبواب الماء المطلق، الحديث 1). ولا شك في أن المراد يغسل كلما أصابه ذلك الماء غسل جميع ما أصابه ومن أي جنس كان، فيكون الماء مطهراً لك شيء لا قى ذلك الماء المتنجس بسبب موت الفأرة فيه. نعم لابد من إحراز قابلية المحل للتطهير، فان شك في ذلك فلا يمكن الرجوع الى الاطلاقات، بل يكون مجرى استصحاب النجاسة في المغسول به.
(ومنها) ما أرسله في المختلف عن بعض العلماء عن أبي جعفر عليه السلام قال مشيراً بيده الى غدير من الماء: «إن هذا لا يصيب شيئاً إلا طهره».
(ومنها) الأخبار الكثيرة الواردة في الموارد الخاصة من المتنجسات التي أمروا عليهم السلام بغسل ذلك المتنجس، بعد الفراغ عن أن المراد بالغسل هو الغسل بالماء حسب المتفاهم العرفي الذي هو المناط في باب تشخيص الظواهر وبناء العقلاء على حجيتها، مثل قوله عليه السلام «اغسل ثوبك من أبوال مالا يؤكل لحمه» (الوسائل كتاب الطهارة، باب ـ 8 ـ من أبواب النجاسات، الحديث 3). وغيره مما لايحصى من الموارد الكثيرة في أبواب الطهارات. وعلى كل حال لا ينبغي أن يشك أحد في دلالة الأخبار على عمومية مطهرية الماء لكل متنجس كالآيات.
[2]. أمازوال العين عرفاً بالدقة العقلية فهو مما لابد منه في التطهير، لأنه مع بقاء العين عرفاً لا وجه للحكم بطهارة المحل وتحقق التطهير، لأن العين الباقية بنفسها نجسة وموجبة لنجاسة المحل أيضاً، فكيف مع وجودها يمكن الحكم بحصول التطهير. وهذا واضح لا ينبغي التكلم فيه.
وأما الأثر فقد فسر بتفاسير كثيرة، أحسنها مافي المتن من أنه بمعنى الاجزاء الصغار من العين الباقية بعد إزالتها التي لا ترى بالنظر إلا بالدقة. فالفرق بينه وبين اللون والرائحة أنه يمكن رؤيته إن دقق النظر، وفي اللون والرائحة لا يمكن وان دقق النظر، العقلي، وهو أن انتقال العرض من محل الى محل آخر محال. وان شئت قلت في الأثر: ان العرف بعد التدقيق يحكم ببقاء العين وعدم زوالها، وأما في صرف اللون والرائحة لا يحكم ببقائها أصلا ولو بمرتبة خفيفة منها بل يحكم بزوالها بالمرة. وكذلك الأمر في بقاء الطعم، ولا يصدق على بقائه بقاء العين وإن كان فيه نوع خفاء، والحكم بزوال العين عند العرف أيضاً مع بقاء طعمها لا يخلو من نظر وتأمل.
وعلى كل حال المناط في صدق الغسل بالماء والتطهير هو زوال العين عرفاً وإن لم يكن زائلاً بالدقة والبرهان العقلي، كالصفرة الباقية في المحل بعد الاستنجاء بالأحجار، والحمرة الخفيفة أو الكدرة التي ترى في لباس الحائض بعد الغسل الصحيح بالماء. لما قلنا من أن انتقال العرض من محل الى محل آخر محال، فلابد وأن تكون أجزاء صغار من العذرة في الأول لا ترى بالعين، وكذلك أجزاء صغار من الدم في الثاني أيضاً لا ترى بالعين، وتكون تلك الأجزاء الصغار منهما حاملة للونيهما. وعلى كل حال لابد من إرجاع زوال الأثر إلى إرجاع زوال العين بنظر العرف، والا فلا دليل على وجوب إزالته في مقام الغسل والتطهير.
[3]. عدم تغير الماء بمعني عدم تغير أحد أوصافه الثلاثة ـ أي اللون والطعم والرائحة ـ بأوصاف النجس أثناء الاستعمال، إذ ينجس بذلك التغير والماء النجس منجس للمحل الطاهر، فكيف يمكن أن يكون مطهراً للمحل النجس. وبعبارة أخرى: لا يمكن أن يكون مطهراً للمحل النجس. وبعبارة أخرى: لا يمكن أن يكون فاقد الشيء معطياً له في الارتكاز العرفي. وهذه القضية عند العقل والعرف أيضاً تعد من البديهيات.
وإن شئت قلت: الماء النجس سبب لنجاسة ما يلاقيه، وهي ضد الطهارة، فاذا كان سبباً للطهارة أيضاً يلزم أن يكون علة للضدين، فيلزم اجتماعهما، وهو محال.
ولكن يمكن أن يقال: ان التغير ان كان قبل الاستعمال أو كان بسبب آخر غير الاستعمال يأتي ما ذكرنا من لزوم المحال، وأما لو كان من ناحية نفس الاستعمال فلا يلزم المحال المذكور، لأن الماء غير المتنجس ورد على المحل وسحب النجاسة معه الى الخارج، فتغيره إنما يكون بواسطة سحبه النجاسة معه الى الخارج، والطهارة والنجاسة ـ وإن كانا على ما هو التحقيق عندنا من الاعتبارات الشرعية وليستا من الأعراض الخارجية ـ إلا أن منشأ اعتبار هما أمر خارجي بالماء يزول منشأ اعتبار النجاسة ويأتي منشأ اعتبار الطهارة، بناهاً على أن منشأ اعتبار الطهارة الخبثية أمر عدمي، وهو إزالة الأخباث من الجسم المتنجس. وبعبارة أخرى: حال منشأ اعتبار هاتين عند الشارع حال القذارة والوسخ الخارجي وزوالهما الذي يسمى عند العرف بالنظافة، فكما أن الماء يسحب الوسخ الخارجي معه الى الخارج فيكون نظيفاً فكذلك الامر يمكن ان يكون في التطهير الشرعي.
وبهذا البيان صححنا نجاسة الغسالة حتى في الغسلة الأخيرة مع طهارة المحل المغسول بها، فلابد لاعتبار هذا الشرط من التمسك بالاجماع أو استصحاب النجاسة عند تغير الماء أثناء الاستعمال، إذ لا اقل من احتمال شرطية عدم التغير المذكور.
[4]. أي وإن كانت طهارة ظاهرية، لجريان قاعدة الطهارة أو استصحابها. وأما لو كانت مؤدى البينة أو من ناحية إخبار ذي اليد بناءاً على كونه من الأمارات فهما مثل العلم، ففي صورة المصادفة تكون طهارة واقعية، وفي صورة الخطأ ليس شيء في البين لا ظاهراً ولا واقعاً، فمؤداهما هي الطهارة الواقعية لكن اثباتاً لا ثبوتاً.
والدليل على هذا الشرط هو ما ذكرنا في الشرط الثاني من تلك القضية الارتكازية عند العرف، وهي أن فاقد الشيء لا يمكن أن يكون معطياً له. وتطبيق هذه القاعدة على المورد باعتبار منشأ اعتبار هذا الحكم ـ أي الطهارة الشرعية ـ وإلا فباعتبار نفسه لا تنطبق، لأن الحكم مجعول من قبل الله تبارك وتعالى لا أنه معلول للغسل بالماء.
والجواب الذي أجبنا به في الشرط لا يأتي هاهنا، لأن المفروض في المقام هو أن لا يكون الماء طاهراً قبل الاستعمال، فالنجاسة في المقام لم يأت من قبل الاستعمال كي نقول سحبه الماء معه الى الخارج، ولا شك في أن أدلة التطهير بالماء والمطلقات منصرفة حسب الارتكاز العرفي الى الماء الطاهر ولا يشمل الماء النجس. ولعل منشأ هذا الارتكاز أن الشيء الذي يكون سبباً ـ أي موضوعاً لنجاسة ملاقية ـ كيف يمكن أن يكون سبباً ـ أي موضوعاً ـ لطهارة ما يصب عليه ويغسل به.
ثم إنه على تقدير تسليم إطلاق الأدلة وأن مفادها زوال نجاسة المغسول بالماء سواءأ كان ذلك الماء نجساً أم طاهراً، فمقتضى تلك الا طلاقات وإن كان زوال النجاسة السابقة على الغسل ولكن مقتضى أدلة تنجيس ملاقي النجس وجود نجاسة جديدة، ولا يقع تعارض بين الطائفتين لتعدد موضوع مؤداهما، لأن الموضوع في احداهما زوال النجاسة السابقة على الغسل، وفي الأخرى وجود نجاسة أخرى جديدة غير النجاسة القديمة، فلو غسل ألف مرة في كل مرة يزول القديمة ويأتي الجديدة فلا يمكن حصول التطهير أبداً. وحيث حكم الشارع بحصول التطهير بالغسل مرة أو أكثر حسب اختلاف النجاسات في الشدة والضعف باعتبار منشأ اعتبارها، فلابد من القول باشتراط طهارة الماء الذي يغسل به.
ثم لا يخفى أن هذا الشرط الثالث لا يغني عن الشرط الثاني، لأن كون الماء طاهراً قبل استعمال لا ينافي مع تغيره ونجاسة به في أثناء الاستعمال. هذا إذا قلنا إن مفاد الاطلاقات زوال النجاسة السابقة، وأما إن قلنا إن مفادها طهارة المغسول كما هو ظاهر الأدلة ومفاد الطائفة الأخرى ـ أي أدلة تنجس ملاقي النجس أو المتنجس ـ هي المحل المغسول بذلك الماء النجس، فيقع التعارض بين الطائفتين، وبعد تساقطهما المرجع استصحاب النجاسة، فلابد أيضاً من اشتراط طهارة الماء قبل الاستعمال لحصول الطهارة بالغسل بالماء.
[5]. الدليل على هذا الشرط أنه إذا خرج من الاطلاق وصار مضافاً فليس بماء، وذلك المضاف ـ كما عرفناه ـ هو ما يصح سلب الماء عنه، مقابل المطلق الذي لا يصح سلب المائية عنه. وهذا أحد علائم الحقيقة والمجاز، وإذا لم يكن فلا دليل على أنه مطهر وليس من المطهرات، فوجوده كعدمه.
نعم، لو صار مضافاً بعد الاحاطة على الجسم المتنجسونفوذه فيه بوصف الاطلاق وحصول الاضافة له كان بواسطة بقائه في المحل ولم يكن العصر ولا انفصال الغسالة بوصف الاطلاق معتبراً في تطهيره، يمكن فرض كونه مطهراً مع صيرورته مضافاً بالبقاء في المحل، وذلك كالقند والملح المتنجس اللذين سرت النجاسة الى باطنهما وصارا يابسين فوصل الماء المطلق الى أعماقهما وأحاط بباطنهما، ولكن بعد مدة قليلة صار مضافاً فصار يابساً، خصوصاً إذا كان غسل بماء معتصم. لكن وقوع مثل هذا الفرض في الخارج لا يخلو من اشكال في غير الماء المعتصم، وأما في الماء المعتصم حيث لا يحتاج الى العصر فلا اشكال فيه ويقع كثيراً.
[6]. ذكر المصنف في هذا القسم ماهو مختص بالتطهير بالماء القليل أيضاً، وهو أربعة أمور:
«الأول» ـ تعدد الغسل في بعض المتنجسات، كالمتنجس باليول وكالظروف والأواني وموت الجرذ وولوغ الخنزير، وسيأتي تفصيل هذه الأمور كل في محله انشاء الله تعالى.
«الثاني» ـ التعفير في المتنجس بولوغ الكلب، بناءاً على اختصاصه بالتطهير بالماء القليل.
«الثالث» ـ العصر أيضاً بناءاً على اختصاصه بالماء قليل، وسيأتى البحث عن هذه الشروط الثلاثة مفصلاً كل في محله انشاء الله تعالى.
«الرابع» ـ ورود الماء على المتنجس دون العكس عندالمشهور، والوجه فيه:
أولاً: انصراف أدلة التطهير بالماء القليل الى ما هو المتعارف في كيفية التطهير عندهم بالغسل بالماء القليل. ولا شك في أن المتعارف عندهم في الغسل بالماء القليل صب الماء على المتنجس لاغمس المتنجس في الماء، بل يرى العرف أن غمس المتنجس فيه تنجيس له لاأنه تطهير للمتنجس. وهذا المعنى مرتكز في أذهانهم بعد التفاتهم الى أن الماء القليل ينفعل ويتنجس بملاقاة النجس أو المتنجس.
وثانياً: الأمر بالصب في طائفة من الأخبار، فيقيد بها الغسل لو كان فيه إطلاق يشمل كون الماء موروداً.
وثالثاً: قيام السيرة عند المتشرعة من العصور القديمة على اجراء الماء وصبه على المتنجس في التطهير بالماء القليل. وأما الاستدلال برواية المركن (وهي صحيح ابن مسلم قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام من الثوب يصيبه البول؟ قال: اغسله في المركن مرتين، فان غسلته في ماء جار فمرة واحدة.
الوسائل كتاب الطهارة، باب ـ 2 ـ من أبواب النجاسات، الحديث 1.) على الاطلاق، بأن يقال فيه: إن الغسل الثوب المتنجس فيه، ولا أقل من إطلاقها بالنسبة الى كون الماء وارداً أو موروداً، فيشمل كلا الموردين صب الماء فيه وغمس الثوب فيه، أو وضع الثوب فيه أولا ثم صب الماء عليه ففيه: أولا أنه لا ظهور له في الاطلاق، لقوة احتمال أن يكون غسل الثوب في المركن بواسطة ما ذكرنا من الارتكاز العرفي، بأن يضع الثوب أولاً في المركن ثم يصب الماء عليه. وثانياً على فرض ظهوره في الاطلاق يقيد بروايات الصب. وهاهنا ذكروا احتمالات أخر في الرواية لنفي الاطلاق لا ينبغي أن تذكر لركا كتها وبعدها عن مفاد الصحيحة حسب المتفاهم العرفي الذي هو المناط في تشخيص المراد واستكشافه عن الألفاظ.
فصل (في المطهرات) ►
(مسألة ـ 1) المدار في للتطهير زوال عين للنجاسة دون أوصافها، فلو بقيت الريح أو اللون مع للعلم بزوال للعين كفى، الا أن يستكشف من بقائها بقاء الاجزاء للصغار أو يشك في بقائها، فلا يحكم حينئذ بالطهارة([1]).
(مسألة ـ 2) انما يشترط في التطهير طهارة الماء قبل الاستعمال، فلا يضر تنجسه بالوصول الى المحل للنجس([2]) واما الاطلاق فاعتباره انما هو قبل الاستعمال وحينه، فلو صار بعد للوصول الى المحل مضافاً لم يكف، كما في الثوب المصبوغ فانه يشترط في طهارته بالماء للقليل بقاؤه على الاطلاق حتى حال للعصر، فما دام يخرج منه الماء الملون لا يطهر الا اذا كان اللون قليلاً لم يصر الى حد الاضافة. وأما اذا غسل في للكثير فيكفي فيه نفوذ الماء في جميع اجزائه بوصف الاطلاق وان صار بالعصر مضافا: بل الماء المعصور المضاف ايضا محكوم بالطهارة. وأما اذا كان بحيث يوجب اضافة الماء بمجرد ووصوله لليه ولا ينفذ فيه الا مضافاً فلا يطهر ما دام كذلك([3]) وللظاهر ان اشتراط عدم للتغير ايضا كذلك، فلو تغير بالاستعمال لم يكف ما دام كذلك، ولا يحسب غسلة من للغسلات فيما يعتبر فيه للتعدد([4]).
[1]. تقدم الكلام في هذا الفرع، وعرفت أن من شرائط وقوع التطهير زوال العين عرفاً وإن كان باقياً بالدقة والبرهان العقلي، فبقاء الاوصاف ـ كاللون والرائحة بل الطعم ـ حيث أنها عند العرف من أعراض العين لا اعتبار به، والعرف يرى العين زائلة حتى مع وجودها، وذلك كالصفرة الباقية في المخرج بعد الاستنجاء بالاحجار، أو الكدرة الباقية في ثوب الحائض بعد غسل الحيض.
نعم لو كان بقاء هذه الاوصاف بمقدار لا يحكم العرف بزوال بعد النظر الدقيق بل يرى بقاء مرتبة من العين ولو باعتبار بقاء أجزائها الصغار، فلا يمكن الحكم بحصول الطهارة، بل لوشك في بقائها يجري استصحاب النجاسة.
هذا بحسب كبرى المسألة، وأما الصغرى فالانصاف أن بقاء الأوصاف تختلف في نظر العرف: فتارة يكون الوصف الباقي بمرتبة من القوة والشدة بحيث لا ينفك عند العرف عن بقاء العين، وأخرى ضعيفة لا يتلفت العرف الى أنها من بقاء أجزاء الصغار لتلك العين وإن كان بالبرهان العقلي هو كذلك، لعدم إمكان انتقال العرض من محله إلى محل آخر:
وأما ما يقال من إمكان اكتساب الجسم لوناً أو رائحة من جسم آخر بالمجاورة من دون انتقال ذرات جسم ذي اللون أو ذي الرائحة، فاللحية مثلا تكتسب اللون من مجاورة الجناء من دون انتقال ذرات الحناء اليها، وكذلك الماء المجاور للجيفة يكتسب رائحة الجيفة من دون انتقال ذرات جسم الجيفة اليه، وهكذا فى سائر المقامات. فكلام شعري وإن صدر عن بعض أعاظم المحققين من أهل الفن.
ورواية إبن المغيرة قال: ينقي ما ثمة ويبقى الريح، قال عليه السلام: الريح لا ينظر اليها (الوسائل، كتاب الطهارة، ابواب الخلوة ـ باب 13 ـ حديث 1.) الظاهر أن المراد منها أن العرف لا يرون بقاء الريح بقاء العين.
نعم في خصوص اللون كلام، وهو أنه ليس من الأعراض الخارجية المحمول بالضمائم، فربما يحصل في الجسم الآخر بدون تفرق أجزاء ذي اللون في ذلك، بل قد يكون بواسطة تفرق أجزاء ذي اللون في ذلك الجسم الآخر.
[2]. قد عرفت الوجه في ذلك، وأن النجاسة الحاصلة للماء من ناحية الاستعمال مرجعه إلى أن الماء يسحب نجاسة المتنجس المغسول به معه إلى الخارج وينظف المحل المتنجس. وأيضاً عرفت الوجه في أن النجاسة التي قبل الاستعمال تكون للماء تمنع من كونه مطهراً، لأن فاقد الشيء لا يمكن أن يكون معطياً.
ولا يخفي أن ما قلنا من عدم مضرية نجاسته بعد الاستعمال وفي حاله هذا فيما إذا كان بواسطة ملاقاته للمحل المتنجس الذي يغسله به، وأما لو كان بسبب آخر و آتية من ناحية أخرى يجري ما قلنا من أن الماء يسحبه معه الى الخارج وينظف المحل المتنجس.
[3]. عرفت أنه لايد من وصول الماء المطلق إلى أعماق الجسم المتنجس وإحاطته بكل موضع وصلت النجاسة اليه، فلو صار مضافاً قبل ذلك فوصوله إلى محل المتنجس لا أثر له، لأن الماء المضاف ليس من المطهرات.
وأما اعتبار إطلاقه حال العصر فهو مبني على اعتبار العصر في التطهير، كما هو المشهور في الأجسام القابلة للعصر إذا غسل بالماء القليل من جهة دخوله في مفهوم الغسل، بمعنى أن الغسل لا يتحقق في الأجسام القابلة للعصر الا به، وإلا بصرف نفوذ الماء في أعماقه من دون عصر لا يصدق عليه الغسل.
ولا شك في أن الغسل لابد وأن يكون بالماء المطلق، فلابد وأن يكون الاطلاق باقياً إلى آخر أزمنة تحقق الغسل الذي هو زمان تحقق العصر.
وأما أن قلنا بعدم دخوله في مفهوم الغسل، بل الغسل يتحقق وإن كان الماء النافذ في الجسم باقياً أو خرج منه بوجه آخر كالتبخير أو بالتقاطر من جهة تعليقه، من مكان عال ـ كما هو المتعاد في غسل الفراش والبسط ـ فيحنئذ: تارة يكون الغسل بالماء القليل، وأخرى بالماء المعتصم، فان كان بالماء القليل فبقاعدة تنجس الماء القليل بملاقاة النجاسة يكون الماء النافذ في الجسم المتنجس نجساً، وعلى هذا الأساس قلنا ينجاسة الغسالة، فلو بفي ذلك الماء على اطلاقه حال العصر يكون انفصال المعصور عنه سبباً لطهارة ذلك الجسم المغسول وطهارة الماء المتخلف بالماء القليل. وهذا الاجماع يكون في صورة انفصال المطلق عن الجسم المتنجس، وأما في صورة انفصال الماء المضاف لا وجود له، لاختلاف الأقوال في هذه الصورة، فيبقى الجسم المتنجس والماء المتخلف فيه على نجاستهما، خصوصاً إذا كان الماء المتخلف صار أيضاً مضافاً بواسطة العصر، كما أنه هو كذلك ظاهراً، لأن العصر يوجب الضغط لى الذرات الملونة المنتشرة في الجسم المتنجس الذي تنجس بواسطة الصبغ المتنجس، فجميع الماء النافذ في أعماقه يتلون بذلك الصبغ، فيخرج منه مقدار مع الاضافة ويبقى مقدار منه في المحل مع الاضافة أيضا. فالماء المضاف الباقي في المحل المسمى بالمتخلف تنجس، ولا دليل على طهارته.
هذا فيما إذا كان الغسل بالماء القليل، وأما إذا كان بالماء المعتصم فالماء الذي يدخل في الجسم المتنجس وينفذ في أعماقه بصفة الاطلاق يطهر المحل ولا ينجس، لا عتصامه بالاتصال بالمعتصم. فبعد أن خرج مقدار منه وإن كان بصفة الاضافة لا ينجس لأنه قبل الاضافة كان طاهراً وطهر المحل وبعد الاضافة حال العصر لم يوججد موجب لتنجسه، والباقي في المحل أيضاً في المحل أيضاً كذلك قبل الاضافة كان طاهراً لا تصاله بالمعتصم وصار مضافاً في المحل الطاهر، فلا موجب لتنجسه.
فبناءاً على ما ذكرنا لابد وأن يفرق بين ما إذا كان التطهير بالماء القليل وصار مضافاً حين العصر وبين ما إذا كان بالماء المعتصم. فيقال في الأول ببقاء نجاسة الجسم المتنجس والماء المتخلف فيه وما خرج بالعصر، وفي الثاني بطهارة الجميع.
ثم إنه على تقدير الشك في بقاء نجاسة الجسم المتنجس بانفصال الماء المضاف عنه فالمرجع استصحاب النجاسة فيكون أيضاً نجساً.
[4]. فكما أنه لو صار مضافاً حال الاستعمال ـ بل حال العصر أيضاً ان كان التطهير بالماء القليل لا يكون مطهراً وقد تقدم تفصيل ذلك فكذلك الحال او لو تغير حال الاستعمال بل حال العصر ايضاً. وذلك لعين ما ذكرنا في اشتراط عدم الاضافة وان الماء المضاف لا يكون مطهراً، فكذلك نقول: إن الماء المتغير لا يكون مطهراً حسب الارتكاز العرفي، فقول عليه السلام «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (الوسائل كتاب الطهارة، باب ـ 8 ـ من أبواب النجاسات، الحديث 3.) يفهم العرف منه حسب ارتكازه الغسل بالماء الغير المتغير أحد أوصافه الثلاثة بالنجس.
نعم المتغير بأوصاف المتنجس لا يضر بمطهريته ان لم يصر مضافاً، وأما إن صار مضافاً لا من جهة تغيره بوصف المتنجس فالاشكال في مطهريته من ناحية صيرورته مضافاً لا من جهة تغيره بوصف المتنجس، ولذلك لو تغير ولم يصر مضافاً ـ كما إذا ألقي العطر المتنجس في ايريق من الماء وصار رائحة الماء رائحة ذلك العطر المتنجس ولكن لم يبلغ إلى مرتبة الاضافة ولم يخرج عن الاطلاق ـ فلا يكون مثل هذا التغير مانعاً عن مطهريته، ولذلك لو كان متصلاً بالكر يكون مطهراً مع تغيره. نعم لو لم يكن معتصماً وصار نجساً بواسطة ملاقاته مع ذلك المتنجس الذي تغير بوصفه يكون الاشكال في مطهريته من ناحية تغيره.
وأما إذا كان التغير بأوصاف النجس فلا يكون مطهراً وان كان بعضاً من الكر أو من الجاري، وذلك إما لانصراف أدلة الغسل بالماء عن الماء المتغير بأوصاف النجس وعدم إطلاقه، وإما من جهة ما قلنا ان انفصال الغسالة يوجب طهارة الماء المتخلف في المحل المغسول إجماعاً، وذلك الا جماع لا يشمل المقام، لأن معقده الماء غير المتغير، فالغسل بهذا الماء لا يوجب طهاره المغسول ما دام متغيراً. نعم لو كان بعض الماء المعتصم أو كان متصلاً بالمعتصم وزال عنه التغير يكون مطهراً. فقول الماتن «فلو تغير بالاستعمال لم يكف ما دام كذلك» لابد وأن يكون المراد التغير بأوصاف النجس دون المتنجس.