هنا أكمل الناصبي كلامه ويقول:
في العنعنة, يصعب معرفة إذا كان الشخص مدلساً أو ثقةً. لكن في البخاري هنالك الآلاف وأكثرية الأحاديث التي يحدد فيها صيغة السمع. مثلا في حديث (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ، يَقُولُ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ، يَقُولُ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ), ترى أن هنالك طرق وشيوخ مختلفين لكنهم كلهم يرجعون إلى يحيى بن سعيد, وأن البخاري كان دقيقاً, ليس صدفةً.
لكن في الكافي, هنالك شيء مختلف تماماً. الصيغة في تقريباً كل حديث هي نفسها: العنعنة. مثلاً, في البخاري هنالك 14,390 حدثنا من 7,593 رواية, لكن في الكافي هنالك 62 حدثنا فقط من 16,199 رواية.
رياضياً, البخاري هو إطلاقاً منبته و يهتم بالمعرفة.
ولكن هذا ليس الأسوء. الأسوء هو للكليني والشيعة كاملاً.
عواد الخلف يقول أن هنالك 68 راوي مدلس في البخاري. أبو الوليد الباجي يقول أن هنالك 1,745 راوي في البخاري كعدد. لكن من الآلاف الرواة في الكافي, ليس هنالك راوي واحد متهم بالتدليس ولا رواية واحدة ضعفت لأن راويها أو أحد رواتها كان مدلساً. هذا ليس عجباً لأن هنالك شيء مشابه في كتب الشيعة التي تتكلم عن الحديث. جعفر السبحاني يقول في كتابه أصول الحديث صفحة 115 عندما يتكلم عن التدليس, "وقد عرف سفيان بن عيينة بالتدليس, قال علي بن حثرم: كنّا عند سفيان بن عيينة فقال: قال الزهري كذا, فقيل له: أسمعت منه هذا؟ قال: حدّثني به عبد الرزاق عن معمّر عنه, فسفيان قد عاصر الزهري ولقيه, ولكنه لم يأخذ منه فيصحّ سماعه منه, وإنّما أخذ عن عبد الرزاق وعبد الرزاق أخذ عن معمّر ومعمّر أخذ عن الزهري, فالتدليس هنا إسقاط سفيان شيخيه بإيراده الحديث بصيفة تُوهم سماعه من الزهري مباشرة."
هنا نسأل العاقل: كيف هذا يفيد الشيعة؟ هذا المثال من السبحاني هو ليس عن راوي شيعي؛ إنما عن راوي سنّي. لماذا لم يفيد الشيعة ويعطي راوي مدلِّس شيعي؟ لأن الجواب سهل: الشيعة ليسوا لديهم أمثال لمدلسين ولم يجمعوا أساميهم, وهذا هو السبب إعطائهم أسماء وأمثلة لمدلسين سنة.
والحزين أنه ولو الشيعة لم ينجحوا في الدفاع عن كتبهم من التدليس, الشيعة لديهم علماء جاهلين وكذابين. في النهاية يقول السبحاني صفحة 117: "ومن حسن الحظّ ندرته وندرة القسم الاوّل في أخبارنا معاشر الإمامية."
لكن نحننا وكل من يعرف في علم الحديث يعلم أن السبحاني يجب أن يكون قلقاً, وقلقاً جداً, أن الإمامية تأخذ رواياتها كلها من ناس في قم في فارس, وهؤلاء في قم أخذوها من أهل الكوفة في العراق, فما علاقة ذلك بالتدليس؟ تعالوا نرى.
الإمام الخطيب البغدادي يقول في كتاب الجامع 286\2: "مَخَارِجُ السُّنَنِ أَصَحُّ طُرُقِ السُّنَنِ مَا يَرْوِيهِ أَهْلُ الْحَرَمَيْنِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَإِنَّ التَّدْلِيسَ فِيهِمْ قَلِيلٌ وَالِاشْتِهَارَ بِالْكَذِبِ وَوَضْعِ الْحَدِيثِ عِنْدَهُمْ عَزِيزٌ." نرى هنا أن الناس الذين عاشوا في مجتمع ذرية النبي و الصحابة رضوان الله عليهم يهتمون بالأحاديث ويتقون الله أكثر من العرب في غير مناطق.
الحاكم النيسابوري يقول في كتابه معرفة علوم الحديث صفحة 111: "وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثِينَ تَدْلِيسًا أَهْلُ الْكُوفَةِ، وَنَفَرٌ يَسِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ."
فهنا يجب أن يكون السبحاني قلقاً أن رواياته تأتي من مدينة معروفة للتدليس. بالحقيقة, أكبر علماء الحديث في الكوفة كانوا معروفين بالتدليس, كسليمان بن محران الأعمش وأبو إسحاق عمرو بن عبدالله السبيعي.
أمثال التدليس في الكافي:
هنا نأخذ رواية إبراهيم بن عمر اليماني من أبو جعفر الباقر. في الكافي جزء 2 صفحة 80, نقرأ في السلسلة:
عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ
هنا علي بن إبراهيم هو ثقة, أبوه هو ثقة أيضا, حمد بن عيسى هو ثقة, إبراهيم بن عمر هو ثقة للخوئي وينقل روايات للباقر. نستطيع القول أن هذه الرواية صحيحة من كل جهة, ولهذا المجلسي قال أن الرواية حسن كالصحيح في كتابه مرآت العقول جزء 8 صفحة 68.
لكن, هل الرواية متّصلة, أو أن هنالك ناس أسقطوا, كتدليس؟
لمعرفة ذلك, نذهب إلى رواية أخرى في الكافي جزء 2 صفحة 176:
عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ
هنا نجد أن إبراهيم بن عمر ليس يبدوا عليه أنه سمع من الباقر مباشرةً, كأنه هنالك إتصال مفقود. الإتصال المفقود هو جابر الجعفي, الذي هو ثقة. لكن كما قلنا, هذه الرواية نقبلها صحيحة وقال المجلسي حسن كالصحيح في مرآت العقول جزء 9 صفحة 54.
لكن نسأل مرة ثانية, هل الرواية متّصلة, أو أن هنالك ناس أسقطوا, كتدليس؟
لمعرفة ذلك صدقاً, نفتح الكافي جزء 4 صفحة 70 ونجد هذا التسلسل:
عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ حَمَّادِ بْنِ عِيسَى عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ الْيَمَانِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ
فجأةً راوي آخر يظهر, ويبدو أن إبراهيم بن عمر سمع من جابر الجعفي من خلال شخص يسمى عمرو بن شمر, وهنا تختلف المقاييس لأن عمرو بن شمر هو مجهول, وهنا قال المجلسي أن الرواية ضعيف على المشهور في المرآة جزء 16 صفحة 214.
هنا نسأل علماء الشيعة الذين كانوا فرحين لتصحيح أو تضعيف التقريرات السابقة: أليس من الممكن جداً ان هنالك تدليس, لأن ليس هنالك طريقة لمعرفة بلا شك أن إبراهيم بن عمر سمع مباشرة ما سمع مباشرة من أبو جعفر الباقر. أليست ممكنة أن في هذا الوقت كله عمرو بن شمر كان يروي الرواية, وغيرهم ممكناً ضعيفين ومجهولين؟ كيف تكونون متيقنين بأن الروايات صحيحة؟
لهذا كتب الشيعة لا تعرف كيف تصحح أو تضعف ولا يعرف الشخص إذا كان الراوي عاش في وقت راوي سابق أو بعده أو حتى إذا سمع من معلمه مباشرة أو أن هنالك كذاب هنا أو هناك. لهذا العلم السني هو أفضل بكثير ومحمي.
|