|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77449
|
الإنتساب : Feb 2013
|
المشاركات : 320
|
بمعدل : 0.07 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
الرحيق المختوم
المنتدى :
المنتدى العقائدي
وقفة عند أسرار الولاية 5
بتاريخ : 04-03-2013 الساعة : 11:23 AM
الفصل الأول: تبلور القوة في المجتمع تلقائيا وضرورة السيطرة عليها
في سبيل دراسة موضوع الولاية، لا بأس أن ننطلق من أبده المسائل الاجتماعية وهي «تبلور مفهوم القوة بين الناس». والخوض في هذا الموضوع بحاجة إلى معرفتنا بالمقتضيات السياسية في المجتمع التي تؤدي إلى نشوء القوة. فإذا أقررنا بتبلور القوّة كأمر بديهي، نأتي إلى دراسة آليات السيطرة عليها ومراقبتها، ونظرا إلى مختلف التجارب التي مارسها الإنسان وأشكال الطرق التي سلكها في هذا المسار، نصل إلى الولاية ودورها الفريد في السيطرة على القوة وضمان سعادة الناس في مسار تعاملهم معها.
لابد أن نعرف المعادلات السياسية
مضافا إلى كون البحث في مفهوم الولاية بحثا سياسيا كاملا، لابدّ أن نعتبره أحد أكثر الأبحاث السياسية تعقيدا وحساسية في العالم، لا في مجتمعنا فحسب. وإن هذه الحساسية لم تختص باليوم، بل كانت قضية الولاية قد أخذت مأخذا من اهتمام الحكام والولاة منذ آلاف السنين. كان الطغاة يقتلون أئمتنا بالرغم من أنهم لم يكونوا يتدخلون في المسائل السياسية والحكومية، ولم تتح لهم الفرصة بعد استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) أن يجسدوا هذا المفهوم على مستوى إدارة المجتمع، ولكن كان الطغاة يقتلونهم بسبب قضية الولاية. حيث إنهم كانوا يعرفون معنى الولاية إجمالا وكانوا يعلمون أن لو سنحت لأئمتنا الفرصة لتطبيق الولاية على مستوى إدارة المجتمع والقضايا الحكومية، لما أمكن لهم الوقوف أمامهم بأي قوة، فلم يجدوا بدا من تجريع السمّ لأئمتنا (عليهم السلام).
إن هذا الموضوع على مستوى عال من الخطورة والحساسية. إذ حتى أولئك الذين يرفضون الولاية ويعادونها قد شعروا بحساسيتها. إنها قد أثارت حفيظة جميع السياسيين ورجال السياسة في العالم ولم يمرّ أحد منها مرور الكرام. فنحن نشهد عداء فادحا تجاه الولاية في الأوساط الدولية، إذن لا نستطيع أن نهمل هذا الموضوع ونغض الطرف عنه.
إن الخوض في موضوع الولاية بالرؤية العقلانية يستلزم اطلاعنا على الساحة السياسية ومعادلاتها. أكثر الأشخاص الذين تناولوا هذا الموضوع قد دخلوا فيه من مدخل فقهي أو كلامي، أما نحن فنريد أن ندرسه برؤية سياسية. إذ حتى لو أثبتنا الولاية عن طريق الأدلة الكلامية أو الفقهية، فهي لا تتجسد في سجادة الصلاة أو أثناء الدعاء وتلاوة القرآن، بل تتجسد في المجتمع؛ أي الساحة السياسية.
لابد أن يرتقي مستوى الرأي العام في بلداننا، بحيث لو أعرض أحد عن المسائل السياسية عن عدم اكتراث أو نظر إليها نظرة تحقير واستهزاء، تنكشف حماقته. لابد أن تصل أمتنا إلى هذه القناعة ويؤمنوا بأن من أعرض عن السياسة برمتها إنسان أحمق. كيف لا وفي هذا الزمن أصبحت جميع المسائل من الطعام والشراب إلى الدين والإيمان متعلقة بالسياسة؟ كما لا يمكن لأمة أن تنال السعادة وتعيش الحياة الطيبة في ظل أحكام الدين إلا عن طريق سلوك درب السياسة. لا يمكن لشعب أن يوفّر أسباب طلب العلم والتعقل ويعيش حياة هادئة مستقرة ويتمتع بما ينسجم مع أهوائه ونزعاته ويعيش حياة سعيدة من دون أن يخوض في عالم السياسة.
إن السياسة مقدسة لنا. إنها أحد الأبواب الواسعة جدا التي تنفتح على عالم معنوي عظيم. إن النور الذي نستطيع أن نكسبه بالسياسة لا يمكن تحصيله بالعبادة. لا ينبغي أن نسمح لبعض المتظاهرين بالقداسة أن يشوّهوا سمعة العمل السياسي بذرائع تافهة، إذ أن إنسانيتنا تتبلور من خلال الوعي والعمل السياسيين. الإنسان الذي لا يبالي بمصير الناس أي لم يكن سياسيا فهو خارج عن الإنسانية.
نحن لا نرضى بالتلاعب السياسي بلا ريب. نحن لا نتحمّل التلاعب بالقدرة بمعناها القبيح. وإذا ارتفع مستوى الوعي السياسي في المجتمع لا يبقى مجال بعد للتلاعب السياسي. إذا أقبلنا على السياسة جميعا ولم نشمئز منها، وتعاطينا معها كأمر معنوي، وصعّدنا من وعينا السياسي، وضاعفنا همّتنا السياسية، وبعبارة واحدة إن كنا غير مهملين للمسائل السياسية، لن يجد متلاعب حينئذ أيّة ساحة وأيّ مجال لمناوراته السياسية.
نشوء مفهوم «القدرة» في المجتمع
ليس الناس سواء وهم مختلفون. وإن هذه الفوارق لأوضح من أن تحتاج إلى شرح وتبيين. لقد اقتضت سنة الله في خلقه أن يختلف الناس في ما بينهم، فهذه الفوارق هي نتيجة إرادة الله سبحانه. ومن جانب آخر، لا مناص للإنسان من الحياة الاجتماعية حفاظا على حياته. فإذا اختلف الناس في ما بينهم سوف يُضطرّون إلى إنشاء "المجتمع" في سبيل سدّ احتياجاتهم. و بعبارة أخرى، بما أن الناس غير مستغنين بعضهم إلى بعض، فلا بدّ لهم من إنشاء المجتمع والتعامل في ما بينهم ليحفظوا بذلك حياتهم.
وفي ظل هذه التعاملات الاجتماعية ينشأ «النظام التسخيري»، ويُضطرّ الناس إلى التعامل مع بعض في ظل نظام تسخيري. فيصبح النجار في هذا المجتمع مورد حاجة كل من أراد بابا أو شباكا لبيته. ولكن لابد لهذا النجار وغيره من الناس، أن يراجعوا الطبيب لعلاج مرضهم. وكذلك لابدّ لهذا الطبيب والنجار أن يراجعا المهندس المعماري لبناء بيتهم، وقس على هذا. فإذا نظرنا إلى حياة الناس الاجتماعية، نجد أن كلّهم قد أقرّوا بهذا النظام ولم يعترض أحد عليه.
لقد أشار الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم إلى هذا النظام التسخيري واعتبره مقتضى إرادته التكوينية، حيث قال: «أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» [الزخرف/32] إن الله في هذه الآية قد نسب الفوارق بين الناس إلى نفسه، مشيرا إلى أن المراد من هذه الاختلافات وترفيع البعض على بعض هو تبلور هذا النظام التسخيري.
وفي ظل هذا النظام التسخيري يتبلور مفهوم «القدرة». فالأقوى أو الأغنى أو من كانت له معلومات أكثر يترأس على باقي الناس بطبيعة الحال. ولا يمكن الوقوف حيال تبلور القوّة، بل لا بدّ منها في عملية إدارة المجتمع.
يتبعإن شاء الله...
|
|
|
|
|