الحكم الإقطاعي لمتاولة جبل عامل في العهد العثماني
1219 – 1282هـ / 1804-1865م
بقلم : د. أسامة محمد أبو نحل
أستاذ التاريخ الحديث المساعد
بكلية الآداب والعلوم الإنسانية
جامعة الأزهر – غزة
ملخص
تتحدث هذه الدراسة عن "الحكم الإقطاعي لمتاولة جبل عامل في العهد العثماني من 1219 – 1282هـ/ 1804 – 1865م". والمتاولة هم أتباع المذهب الشيعي في منطقة جنوب لبنان.
وعلى الرغم من المراجع الكثيرة التي تناولت التاريخ السياسي والإقطاعي لبلاد الشام خلال الحقبة العثمانية، إلاَّ أن هناك العديد من القضايا المهمة التي لم يتوقف عندها المؤرخون خاصة تاريخ الشيعة أو من
أُطلق عليهم اسم "المتاولة" في منطقة جبل عامل، سواء أكان هؤلاء المؤرخون لبنانيين أم غير لبنانيين، ويكاد يكون هذا الإهمال متعمداً حيث تجاهلوا وما زالوا يتجاهلون الاقتراب من التأريخ لتلك المنطقة المهمة
والحيوية من العالم الإسلامي.
وقد حاولت بهذا العمل المتواضع إعادة الاعتبار لهؤلاء القوم متجرداً من الانتماءات المذهبية أو السياسية لتعمّ الفائدة، وتزداد اللُحمة الإسلامية، وتقريب الفجوة بين مذهبي الإسلام الرئيسيين: السُنّة
والشيعة.
مقدمـة
على الرغم من الكتب الكثيرة التي تناولت التاريخ السياسي والإقطاعي لبلاد الشام خلال الحقبة العثمانية، إلاَّ أن هناك العديد من القضايا المهمة التي لم يتوقف عندها المؤرخون خاصة تاريخ الشيعة أو ما أُطلق
عليهم اسم "المتاولة" في منطقة جبل عامل، سواء أكان هؤلاء المؤرخون لبنانيين أم غير لبنانيين. ويكاد يكون هذا الإهمال متعمداً – كما سيرد بيان ذلك في ثنايا البحث.
ويبدو أن مؤرخي الشيعة في لبنان خاصة في القرن الماضي قد بدأوا يعون افتقار المكتبة التاريخية للمراجع الخاصة بتاريخ جبل عامل، وشرعوا في إعادة كتابة تاريخهم من جديد برؤية تاريخية جديدة لا تخلوا
أحياناً من التعصب الموضوعي، وصب نقمتهم على المؤرخين اللبنانيين المغايرين لهم في المذهب أو الدين لتجاهلهم تأريخ أحداث منطقتهم.
أهمية البحث:
إن الكتابة في تاريخ الشيعة أو متاولة جبل عامل صعبة جداً، نظراً لقلة المراجع التاريخية التي يمكن للباحث الاعتماد عليها، لذا فإن المهمة تزداد صعوبة عندما يلملم الباحث معلوماته من الشذرات القليلة
الموجودة في المراجع الأساسية التي تناولت تاريخ لبنان الحديث بوجه عام، وأهمها مؤلفات الأمير حيدر أحمد الشهابي المهمة الذي لم تخلُ مؤلفاته من التعصب لأسرته الحاكمة في جبل لبنان (الأسرة الشهابية)، وما
وجّهته تلك الأسرة من اضطهاد للطائفة الشيعية في منطقة جبل عامل.
وتنبع أهمية الكتابة في تاريخ المتاولة في جبل عامل من القصور المتعمد كثيراً أو غير المتعمد أحياناً قليلة من المؤرخين السُنّة المعاصرين الذين تجاهلوا وما زالوا يتجاهلون الاقتراب من التأريخ لتلك المنطقة
المهمة والحيوية من العالم الإسلامي، والتي كان لها دور بارز في تاريخنا المعاصر في ضرب فنون المقاومة المستميتة والتي أدت إلى نجاح أهلها الفائق في دحر الاحتلال الإسرائيلي عن جنوب لبنان في 25 آيار (
مايو) 2000م، لذلك تشجعت في محاولةٍ متواضعة لكشف تاريخ تلك المنطقة خلال العهد العثماني، ومما شجعني ودفعني لهذه الخطوة أيضاً، أنه خلال إعدادي لدرجتي الماجستير والدكتوراه، وجدت أن هؤلاء القوم قد
نالهم الكثير من الظلم والجور والضيم من جانب ولاة الدولة العثمانية. فهذه إذن محاولة متواضعة أرجو أن تتكرر من بقية الباحثين لإعادة الاعتبار لهؤلاء القوم بصرف النظر عن الانتماء المذهبي أو السياسي،
فكتابة التاريخ يشترط فيها التجرد من الانتماءات.
كما أن الباحث تواجهه عدة صعوبات في كتابة تاريخ جبل عامل منها: قلة الكتابات عن هذه المنطقة – كما أسلفنا القول – إلاَّ ما ندر من بضع وريقات مفككة الأجزاء، وخطها سيء، وترتيبها مشوّه،
قرضت الأرضة بعض أوراقها.ويعزو بعض الباحثين السبب في إتلاف هذه المؤلفات لسياسة الضغط التي اتبعها العثمانيون وولاتهم تجاه العلماء والكتبة والمؤلفين من أبناء الشيعة، لاختلاف المذهب الديني، فاضطر
بعضهم لإخفاء كتبه وأوراقه في زوايا البيوت وبين ألواح الصناديق، وربما اضطروا إلى تمزيقها أو حرقها، عندما تدهم بلادهم الحروب والفتن. كما جرى في عهد أحمد باشا الجزار([i]). ناهيك عن
إحجام العامليين عن التأليف كثيراً في مجال التاريخ لعدم رضاهم عن واقع الحكم الذي يعيشون في ظلاله، فاكتفوا في التأليف التاريخي ناحية السير والرجال([ii]).
منهج البحث:
اعتمد هذا البحث أساساً على المنهج الوصفي التحليلي، مع عدم إهمال المنهج التاريخي وسرد أحداثه لبيان أهم الأحداث في تاريخ جبل عامل، إذ لا قيمة فعلية أو عملية لتحليل أحداث تاريخية لا يعلم عنها
القارىء شيئاً دون سردها، وإن حاولت – قدر الإمكان – أن يكون مجملاً.
وفيما يخص مراجع البحث، فقد كان جلّ الاعتماد على مؤلفات الأمير حيدر أحمد الشهابي إضافة إلى مؤلفات المؤرخين العامليين مثل تاريخ جبل عامل لمحمد جابر آل الصفا، وفصول من تاريخ الشيعة في لبنان
للشيخ على الزين، وما كتبه بعض المؤرخين العامليين في مجلة العرفان مثل جبل عامل في قرن لحسن حيدر الركيني، وجبل عامل في قرنين للشيخ على سبيتي، وقد بذل الباحث جهداً مضنياً في الحصول على الكثير من
هذه المراجع.
إن ما ورد في هذا البحث ما هو إلا محاولة متواضعة للكشف عن تاريخ جبل عامل في العهد العثماني، وأرجو من بقية الباحثين كشف المزيد عن تاريخ تلك المنطقة لتعمّ الفائدة وتزداد اللُحمة الإسلامية وتقريب
الفجوة بين مذهبي الإسلام الرئيسيين: السنّة والشيعة.
ــــــــــــــــــــــ
i)) آل الصفا، محمد جابر: تاريخ جبل عامل، ط 2، ص 99 – 100.
) مكي، محمد كاظم: الحركات الفكرية والأدبية في جبل عامل، ص 80. ii)
لمحة جغرافية تاريخية عن جبل عامل قبل عام 1219هـ/1804م:
جبل عامل، تلك البقعة الصغيرة من أرض لبنان، وتسمى في يومنا هذا بجنوب لبنان. ويُنسب بعض المؤرخين جبل عامل أو عاملة إلى قبيلة عاملة القحطانية التي استقرت في الشام بعد سيل العرم، ونزلت
بالقرب من دمشق الذي دُعى باسم جبل عامل، نسبة إلى قبيلتهم(1).
وتكاد تتفق جميع الآراء على أن أصل سكان جبل عامل يمانية(2). ويؤكد لامنس Lammens(3) أن المتاولة في بلاد الشام وإن انتموا للمذهب الشيعي الإمامي الأثنى عشري، لكنهم في الأصل
من عناصر سورية بحتة. أو بمعنى آخر أنهم لم يختلطوا بعناصر أخرى أجنبية.
وعُرفت منطقة جبل عامل خلال العهد العثماني باسم "بلاد بشارة"(4)، ثم "بلاد المتاولة"(5) بعد أن أطلق هذا اللقب على أصحاب المذهب الشيعي فيها.
وينقسم جبل عامل كله إلى ثمان نواحٍ، أو مقاطعات، كل منها تلحق بها قرى يحكمها حاكم واحد. وتقع أربع نواحٍ منها في القسم الجنوبي، وهي جبل هونين أو ناحية هونين ومركزها بنت جبيل، وجبل تبنين أو
ناحية تبنين ومركزها تبنين، وساحل قانا ومركزه قانا، وساحل معركه ومركزها صور، والأخيرتان في ساحل صور. وأربع منها في القسم الشمالي منه، وهي ناحية الشقيف ومركزها النبطية، وناحية الشومر
ومركزها قاعدة أنصار، وناحية التفاح ومركزها جبع، ومقاطعة جزين ومركزها جزين(6).
وإجمالي مساحة جبل عامل ثلاثة آلاف كيلومتر، ويدين سكانه بالإسلام على مذهب الشيعة الإمامية (الاثناعشرية)، بينهم عدد قليل من المسلمين السُنّة في الثغور، وعدد من المسيحيين في الداخل(7).
انقسم المتاولة أو العامليون في جبل عامل إلى ثلاث مجموعات كبيرة، فهناك بنو صعب في مقاطعة الشقيف، وبنو منكر في مقاطعة الشومر والتفاح، وبنو على الصغير في بلاد بشارة، وقد تمتعوا بحكم ذاتي
تحت قيادة شيوخهم، وخضوعهم للباب العالي لا يعدو أكثر من تخفيف الضريبة السنوية المفروضة عليهم من المال الأميري(8).
بعد أن أخضع العثمانيون سوريا لنفوذهم عام 922هـ/1516م، قسمّوها إلى إيالات (ولايات)، يحكم كل منها وزير (والٍ) لا تتجاوز سلطته مدن الساحل وبعض المدن الداخلية، بينما بقي الحكم داخل
البلاد إقطاعياً(9).
وقد تم تقسيم الاقطاعات(10) في الولايات السورية إلى خطط صغيرة يديرها أمير أو مقدم أو شيخ من أبناء الأسر العريقة أو المتنفّذة(11)، يلتزم بدفع الضرائب المترتبة عليها لخزانة الدولة
العثمانية، التي لا تتدخل في شؤون الإقطاعات ولا يهمها إلاَّ قبض الضريبة المفروضة عليها وفقاً لنظام التلزيم المعمول به يومذاك(12)، أو ما يسمى بنظام الالتزام أو الضمان. فهذه الأسر كانت تتحكم في
مساحات شاسعة من الأرض يعمل فيها الفلاحون نظير جزء من المحصول، بينما الجزء الآخر لم يكن خراجاً ولا مالاً أميرياً، وإنما هو مال الإقطاعي الذي أصبح حقاً له بناء على الالتزام الذي دفعه(13).
وكانت العصبيات الإقطاعية في بلاد الشام وخاصة في لبنان موجودة قبل استيلاء العثمانيين عليها، وكانت في الغالب ذات طابع طائفي(14). وهذا الصنف من الإقطاع كان في لبنان أرسخ جذوراً
وأقوى من الإقطاع الحكومي(15).
عرف الشيعة في لبنان هذا النوع من الالتزام سواء في جبل عامل في الجنوب أو في القسم الشمالي من وادى البقاع وكذلك كسروان حول مدينتي بعلبك والهرمل في الشمال، مع اختلاف جذري بين المنطقتين،
فجبل عامل كان قادراً على تقديم أنموذج مستقر للزراعة المطيرة، فمجتمعه كان مستقراً وتسيطر عليه فئة من ملاّك الأراضي البارزين الذين مارسوا سلطتهم الإقطاعية بقوة على جميع المزارعين. على العكس من
البقاع الشمالي الذي اتسم بندرة الاستقرار والزراعة على اعتبار أنه أكثر مناطق لبنان جفافاً(16).
على أية حال، خضع جبل عامل، كغيره من الولايات السورية لنظام التلزيم، وتناوبت على حكمه أُسر إقطاعية عاملية عديدة، كانت تخضع مباشرة وبشكل هرمي إلى أمير مقاطعة جبل لبنان سواء كان من
الأسرة المعنية أم الشهابية، أو كانوا يخضعون لوالي دمشق أو لسنجق القدس أو عكا(17). وقد استمر الحكم الإقطاعي في جبل عامل من عام 922هـ - 1516م/1282هـ - 1865م، مع وجود فترة انقطاع
على أثر مجيء حملة إبراهيم باشا إلى سوريا عام 1247هـ/1831م(18).
وثمة اختلاف ميّز جبل عامل عن غيره من المقاطعات، فالحكم الإقطاعي فيه كان وقتذاك حكماً وطنياً محضاً، نمت في عهده الروح الوطنية، واشتدت روابط التضامن القوي، وساد الوفاق بين زعمائه وحال دون
تدخل رجال الدولة العثمانية في شؤونهم الداخلية(19). كما كان جبي الضرائب في جبل عامل مغايراً تماماً لما كان يحدث في المقاطعات والبلدان الأخرى، فحاكم الجبل لم يكن يجبي الضرائب مرتين أو ثلاثاً في
العام الواحد(20)، إنما مرة واحدة أو إن جاز لنا القول فجباية الضرائب من الأهالي كانت في جبل عامل تتم بنوعٍ من الرحمة وعدم الإثقال عليهم.
ويبدو أن العامليين عاشوا في عهد حكمهم الإقطاعي حتى في أوقات الحروب في عز ومنعة، فلم تفرض عليهم ضرائب ترهق كاهلهم، ولم يكن هناك حكام منهم تظلمهم وتنهب أموالهم، بل كان هؤلاء الحكام رفقاء
بهم وبعد هدوء الأحوال واستقرارها ينصرفون إلى زراعة أرضهم واستغلالها دون أن تفرض عليهم أعشار ورسوم أو احتكار. ويضاف إلى ما سبق أن الوفاق بين زعماء جبل عامل كان عاماً، والاتحاد بينهم
محكماً. وكان كل زعيم حر في مقاطعته يتصرف في شؤونها، ويحمي حدودها، ويحفظ كيانها، ولا توجد سلطة فوق سلطته، ولا رقيب على أعماله سوى سلطة العلماء، أما سلطة الدولة العثمانية عليهم، اسمية تتقاضي
منهم رسوم مقطوعة لا يحق لها التدخل في أمور بلادهم الداخلية(21) .
إن العلاقة بين الإقطاعية العاملية ارتبطت بالولاة العثمانيين في فلسطين ودمشق وصيدا بالودّ –أحياناً–، وفي أحايين أخرى بالخصام والنزاع والقتال، مما جعل النواحي السياسية والحربية والعلمية
هادئة مزدهرة في فترات الود، مضطربة متأزّمة في فترات النزاع والخصام(22).
وعندما أقرّ العثمانيون بنفوذ "الأسرة المعنية" في لبنان، لم يتجاوز حكم هذه الأسرة حدود إقليم الشوف، إلاَّ في أزمنة محدودة. وعلى هذا يمكننا القول أن أقدام المعنيين لم تطأ منطقة جبل عامل، لأن
سكانها تمكنوا من الاستقلال في حكم مقاطعاتهم، كما تدل الحوادث التي وقعت في قرى أنصار والنبطية ووادي الكفور(23).
وتعود قوة سكان جبل عامل لمناعة حصونهم وكثرة عددهم خاصة إذا أضفنا إلى قوتهم قوة حلفائهم الشيعة في مناطق البقاع وبعلبك والهرمل(24). وكان للصراع اليمني – القيسي دور مهم في
سياسة جبل عامل بعد أن تمكن "آل علي الصغير" الوائليين من حكم بلاد بشارة على حساب "آل شكر"(25). وكان المتاولة العامليون وآل علم الدين الدروز يمثلون الحزب اليمني بينما ترأس المعنيون ومن
بعدهم الشهابيون الحزب القيسي(26).
ورثت الأسرة الشهابية سنة 1109هـ/1697م، الحكم عن الأسرة المعنية، فانتزعوا مقاطعات جبل عامل من "آل علي الصغير" وجعلوا عليها محمود أبي هرموش الذي بقي ملتزماً لها حتى عزله عنها والى صيدا
وأعادها إلى آل علي الصغير سنة 1119هـ/1707م، غير أنه في العام التالي تمكن الأمير حيدر الشهابي من غزو جبل عامل والانتصار على التحالف المكوّن من جميع زعماء المنطقة في معركة النبطية(27).
وتوالت الحملات الشهابية على جبل عامل لإخضاعه في عهد الأمير ملحم حيدر الشهابي، وتمكن من تحقيق عددٍ من الانتصارات على العامليين في العامين 1144هـ/1731م، و1156هـ/1743م(28).
إن هجمات الشهابيين على جبل عامل لم يكن الهدف منها مجرد التوسع، بل التزاماً منهم بالعهود التي قطعوها لولاة دمشق وصيدا والتي توجب عليهم القتال لصالح هؤلاء الولاة دون منّة(29). غير أن
العامليين لم يقفوا إزاء تلك الهجمات مكتوفي الأيدي، بل استعدوا للأمر، واتحدوا فيما بينهم وعقدوا المعاهدات مع جيرانهم، كالتي أجروها مع الشيخ ظاهر العمر الزيداني حاكم عكا والجليل، فبعد أن قامت عدة معارك
بينه وبين المتاولة، اقتنع باستحالة ضمهم إليه بالقوة، كما شعروا هم بضرورة تحالفهم معه لعدة أسباب منها: قوته الذاتية وتحالفه مع علي بك الكبير شيخ البلد المملوكي في مصر واعتماده على القيصرية الروسية
في مناهضة ولاة الدولة العثمانية(30).
وكانت النتيجة المنطقية للتحالف العاملي – الفلسطيني، نجاح قوى هذا التحالف في إيقاع هزيمة مروعة بجيش الأمير يوسف الشهابي عام 1185هـ/1771م، عند النبطية، عندما شنّ الأمير المذكور حملة
على جبل عامل، وما ترتب عليها من سقوط مدينة صيدا عاصمة الولاية في يد ظاهر العمر(31).
على الرغم من هذا الانتصار المذهل الذي حققه التحالف المذكور، فإن العامليين تخلوا عن نجدة ظاهر العمر مرتين في عام 1189هـ/1775م(32)، بعد أن شعروا بعجزهم على مواجهة المستجدات السياسية
والعسكرية التي تتلخص في مقتل حليفهم علي بك الكبير سنة 1187هـ/1773م، وبوادر الصلح بين تركيا وروسيا وتوقيع معاهدة كوتشك قينارجه عام 1188هـ/1774م(33).
إن تخلي المتاولة عن حليفهم ظاهر العمر لم يكن تحدياً له أو نكثاً لعهدهم معه، بل كان حفاظاً على جبلهم من الخراب والضياع بعدما تغيّرت موازين القوى في المنطقة وشعروا أن إمارة ظاهر العمر قد أصبحت
على شفا هاوية من الانهيار والسقوط بعد تعرضها لعدة ضربات موجعة سواء من داخلها بسبب الصراع بين ظاهر وأولاده، أم بسبب الضغط العثماني المتزايد عليها لإعادة فلسطين خاصة والشام عامة إلى الحكم
المباشر للدولة العثمانية.
ومما يعزز هذا الرأي أن أبناء ظاهر العمر لجأوا بعد مقتله إلى العامليين في ضيافة الشيخ ناصيف النصار هرباً من وجه العثمانيين(34).
عيَّن العثمانيون، أحمد باشا الجزار، والياً على عكا وصيدا بعد مقتل ظاهر العمر مباشرة. وقد دار في خلد الوالي الجديد ذكرى تحالف المتاولة مع سلفه ظاهر العمر في صراعه ضد السلطان العثماني، مما
دعاه للانتقام منهم، غير أنه أجّل هذه المهمة لفترة من الزمن نظراً لانشغاله بالتعامل مع البدو والدروز، الأمر الذي اعتبره أكثر إلحاحاً في ذلك الوقت(35).
ويبدو أن المتاولة كانوا قد تغلّبوا على الرهبة والخوف من الجزار أواخر عام 1194هـ/1780م، وشرعوا في شن بعض الهجمات على الطرق الرئيسية في منطقة صيدا، مما جعل الجزار يصل إلى مرحلة
نفاذ صبره في أواخر عام 1195هـ/1781م(36). فقرر إرسال قائده سليم باشا إلى بلاد المتاولة بجيش قُدرَّ بثلاثة آلاف مقاتل، والتحم معهم في معركة شرسة بالقرب من "يارون" جنوب بلاد بشارة في
نفس العام، انتهت بمقتل الشيخ ناصيف النصار زعيم المتاولة مع عددٍ من أتباعه. كما تمكنت قوات الجزار من الاستيلاء على عدد كبير من القلاع الحصينة مثل هونين وتبنين إضافة إلى مدينة صور(37).
وشهد جبل عامل خلال حقبة الجزار عدداً من الانتفاضات، وشكل قادتها فرقة من الثوار تسمى الطياح (الطواح)، عملت على مهاجمة المراكز الخاصة بالجزار، إلاَّ أن رده عليهم كان قاسياً وعنيفاً، فشتت
شملهم(38).
ويعود السبب في عدم نجاح هذه الانتفاضات من جانب المتاولة لعدم تنظيمها من جهة، ولعدم وجود زعيم مثل مزايا الشيخ ناصيف النصار من جهة أخرى. فقد كانت هذه الانتفاضات تخلو تماماً من توجهٍ
ثوري أو أية غاية سياسية محددة، إضافة إلى أنها لم تتورع عن إيقاع الضرر بالأهالي أو برجال الجزار دون تفرقة بينهما(39).
يتضح مما سبق، أن علاقة المتاولة العامليين بالجزار مرّت في بعض الفترات بالهدوء والتعاون المشترك، غير أن تصادم المصالح بين الطرفين أدى إلى النفور ووقوع معركة يارون. كما أن انتفاضات
المتاولة المتكررة ضد حكم الجزار كلها فشلت لافتقارها للتنظيم وعدم وجود القائد الذي يتولاها(40).
الصلح بين سليمان باشا والمتاولة وبداية الحكومة الإقطاعية الثانية:
أدت هزيمة المتاولة في معركة يارون إلى سقوط الحكومة الإقطاعية الأولى في جبل عامل، وإلى إضعاف الاتحاد العاملي(41). وخضع إقليم جبل عامل لحكم الجزار المباشر، في الوقت الذي شكّل فيه
الشيخ فارس بن الشيخ ناصيف النصار الفرق الانتحارية، أو العصابات المسماة "الطياح" لاعتراض سبيل جند الجزار وعماله، واستمر الحال هكذا حتى بعد وفاة الجزار سنة 1219هـ/1804م(42).
وبوفاة الجزار، استرد لبنان عافيته ونفوذه وسيطرته على مقدرات بر الشام السياسية التي افتقدها زمني حكم الشيخ ظاهر العمر وأحمد باشا الجزار. ويرجع هذا النفوذ إلى عاملين أساسيين هما قوة لبنان
العسكرية، وشخصية أميره بشير الثاني الشهابي(43).
وبوفاة الجزار أيضاً، تمكن الشيخ طه اليزيدي كيخيته من إخراج إسماعيل باشا من السجن الذي وضعه فيه الجزار نفسه، وأقنع رجال الدولة بأن الجزار قبيل وفاته أوصى بتعيين إسماعيل المذكور والياً من
بعده. وعمد الأخير فيما بعد إلى إرسال كتب ترضية إلى جميع المقاطعات والمتسلمين عليها، فسُرَّ الجميع بموت الجزار وبدأ الهاربون بالعودة إلى ديارهم(44).
وعندما تأكد مشايخ المتاولة من خبر وفاة الجزار، حضروا من بلاد عكار إلى الأمير بشير الشهابي لطلب المساعدة في استعادة بلادهم وممتلكاتهم، كما استنجدوا أيضاً بالشيخ بشير جنبلاط لنفس الغرض مقابل
أن يدفعوا للأخير نصف حكم إقليم الشومر في جباع الحلاوة. وبعد الاتفاق، خرج أهالي الشوف وآل أبو نكد معهم، كما كتب الأمير بشير إلى أمراء حاصبيا وراشيا للتوجه معهم برجالهم واحتشد الجميع في مرجعيون،
وفور علم عسكر الدولة العثمانية المتواجدين في بلاد المتاولة بقدوم تلك الجموع، فروا إلى صور، فانتقل الأمراء والمتاولة من مرجعيون إلى قلعة هونين واصطدموا بعسكر الدولة فانهزموا وخرجوا من القلعة
المذكورة بعدما تكبدوا خسائر فادحة. وتم إلقاء القبض على الأمير حسن أحد أمراء وادي التيم. غير أن الشيخ طه أرسل كتاباً للأمير بشير يعتذر فيه عما حدث، مبرراً ذلك بأن إسماعيل باشا لم يكن على علم بما
حدث(45).
غير أن بعض الباحثين يشككون في صحة هذه الرواية التي أوردها حيدر الشهابي على أساس أن الشيخ طه اليزيدي أصبح بعد وفاة الجزار أضعف من أن يحرك ساكناً بدون علم قادة العسكر في عكا
وموافقتهم(46)، ولو أن الشيخ طه هو الذي عين إسماعيل باشا بالفعل لما أمر الأخير بقتله فيما بعد حسب ما أكده حيدر الشهابي نفسه(47).
وإذا كان جميع الأهالي قد فرحوا وسُرّوا بموت الجزار بما فيهم مشايخ المتاولة، فكيف يعمد هؤلاء المشايخ – الذين لاقوا الأمرين من عنف الجزار – للثورة على الحكم الجديد الذي أمّن الجميع. كما أن
مشايخ المتاولة لم يكونوا في بلاد عكار عندما علموا بوفاة الجزار، وإنما كانوا داخل بلادهم قسمان: الأول مع الطواح، والآخر موالٍ للدولة كالشيخ مرعي الصعبي(48).
وحيدر الشهابي لم يسم مشايخ المتاولة الذين استنجدوا بالأمير بشير الثاني والشيخ بشير جنبلاط بأسمائهم كما سمى أمير حاصبيا الشهابي باسمه. ويهمز علي الزين إلى وجود مؤامرة قد يكون الأمير بشير نفسه
ضالعاً فيها بالاتفاق مع سليمان باشا – مملوك الجزار – الذي كان يطمع في الحصول على حكم عكا، فموه الأمير المذكور الثورة باسم المتاولة – ربما – استخفافاً بشعورهم وبمصالحهم السياسية واعتقاداً منه
بأنه ليس فيهم من يجرؤ على مخالفته، أو خوفاً على أبنائه المرهونين في عكا منذ زمن الجزار. وإذا كان مشايخ المتاولة هم بالفعل السبب المباشر للمعركة وأبطالها، فلماذا إذن اعتذر الشيخ طه للأمير بشير عنها
على أساس أنها كانت بغير علم إسماعيل باشا، والأجدر أن يعتذر الأمير نفسه للباشا(49).
ومما يضعف بنيان رواية حيدر الشهابي أيضاً، أن مشايخ المتاولة لم يكن بيدهم شيء من إقليم الشومر أو غيره من أقاليم جبل عامل الثمانية قبل تولية سليمان باشا الحكم في عكا وصيدا ويتصالح مع المشايخ
ويمنحهم إقليم الشومر معاشاً موزعاً على كل فرد منهم – كما سيأتي بيانه -. فكيف إذن منح مشايخ المتاولة ما لا يملكونه أو يحكمونه (نصف حكم إقليم الشومر الذي في جباع) للشيخ بشير جنبلاط. مع
الأخذ بعين الاعتبار أن لا علاقة لإقليم الشومر بجباع الحلاوة، ولا علاقة لجباع الحلاوة بإقليم الشومر من الناحيتين الجغرافية والإدارية(50).
ولم يلبث أن عُزل إسماعيل باشا عن منصبه، ووُلي سليمان باشا حكم عكا وولاية صيدا في أواخر سنة 1219 وأوائل سنة 1220هـ/ الأول من نيسان سنة 1805م(51). ولم تكن الأحوال قد هدأت في
جبل عامل عندما تسلم سليمان باشا الحكم، بل اتسعت حرب العصابات وامتدت سلطة الثوار (الطياحة) فشملت بلاد عكا وصفد وفرضوا الضرائب والرسوم على البلاد وفتكوا بمن خالفهم الرأي(52).
اتسم حكم سليمان باشا بالعدل والإنصاف، لذا أُطلق عليه لقب العادل. ويؤكد ذلك راوي سيرته المعلم إبراهيم العورة بقوله: "وإذ توطد في منصبه وزال قلق باله أمر بإطلاق المناداة بالأمان والأمن
والعدل، وأمر بإصدار أوامر التبشير لسائر محلات الإيالة (صيدا) ونشر بيارق العدل على جميع العباد وأطلق المحبوسين وسدَّ أبواب المظالم التي كان فاتحها (فتحها) الجزار.... وكذلك وطدّ الأمير
بشير الشهابي في حكومة جبل لبنان كله وفتح له سبيل الأمان والتركين لكي يستريح فكره ويقدر بواسطته أن يؤمن غيره ويستجلب الهاربين ويرد النازحين من بلادهم إلى أوطانهم بالأمن والراحة"(53).
ويبدو من هذا النص صحة ما ذهب إليه الشيخ على الزين من وجود علاقةٍ ما بين سليمان باشا قبيل توليه السلطة وبين الأمير بشير، وأن الأخير قد ساعده وأيده في هذه التولية، فردَّ له سليمان باشا الجميل بأن
منحه عموم حكومة جبل لبنان، كما منحه المقدرة على التوسط بينه وبين بقية العشائر المتمردة على حكم الدولة.
إن سليمان باشا قد عقد معاهدة مع متاولة جبل عامل، الذين لاقوا اضطهاداً شديداً زمن حكم الجزار، بعد أن أمّن مشايخهم، خاصة الشيخ فارس الناصيف وإخوته وسائر مشايخ بيت على الصغير، ومشايخ بني
منكر، وبني صعب، لرفع الضيم الذي لحق بهم من قبل(54).
اختلفت الروايات التاريخية حول كيفية عقد معاهدة الصلح بين الوالي الجديد ومشايخ المتاولة والتي تعدّ بداية عهد للحكومة الإقطاعية الثانية في جبل عامل والتي دامت حتى سنة 1247هـ/1831م، السنة
التي استولى فيها إبراهيم باشا على بلاد الشام.
يقول إبراهيم العورة المقرب لدى سليمان باشا، أن الأخير لاحظ ما ألمّ بجبل عامل وسكانه من البؤس والشقاء وانهيار الوضع الاقتصادي للبلاد، حتى أن المشايخ لم تعد لهم مهنة يعتاشون منها، فأيقن أن
الأمور إذا ما استمرت على هذا المنوال، فإن المنطقة ستصل حتماً إلى الخراب التام، لا في جبل عامل فحسب بل وفي بلاد صفد أيضاً، مما دعاه للميل إلى اللين وتهدئة الأمور(55).
ووفقاً للنتيجة التي توصل لها سليمان باشا، فقد أرسل ضابطاً ألبانياً يسمى "بكر أغا الأرناؤوطي" لمفاوضة الثوار المتاولة والاتفاق معهم على شروط الصلح والتسليم، فرفضوا التفاوض معه خشية الغدر
والخديعة. علماً بأنهم كانوا يتشوقون للحصول على الأمان من الوالي، ولكن الظروف القاسية والمرعبة التي عاصروها في عهد الجزار هي التي دعتهم لرفض التفاوض مع بكر أغا، فاضطر سليمان باشا أن يكتب
للأمير بشير الشهابي أمير جبل لبنان، طالباً وساطته لإقناع مشايخ المتاولة بالموافقة على الصلح مقابل أن يستجيب لمطالبهم. وبما أن الأمير المذكور يعتبر زعيماً لكافة العشائر اللبنانية بما فيها المتاولة، فقد وافق
على التوسط في هذه القضية.
واستحسن المتاولة بدورهم فكرة وساطة الأمير بشير بينهم وبين الوالي لأنهم -حسب ما أورده إبراهيم العورة – لا يستطيعون الركون إلى أحدٍ سواه، كما وأن لغيرته الواضحة على أبناء العشائر.
وبالفعل تدخل الأمير بشير في أمر الصلح بين الطرفين، وحاول جاهداً عدة مرات تحسين شروط الصلح لصالح المتاولة مما أثار حفيظة الوالي عليه. ومهما يكن من أمر، فإن كافة الأطراف توصلت إلى صياغة
شروط اتفاقية الصلح التي أقرها سليمان باشا نفسه وراغب أفندي مأمور الباب العالي.
وتتمثل شروط الصلح فيما يلي:
أولاً: العفو العام عن الثوار كافة.
ثانياً: أن يشارك المتاولة لاحقاً في حروب الوزير متى لزم ذلك والحضور دون تردد.
ثالثاً: يُعطي مشايخ المتاولة إقليم الشومر ملكاً لهم ولذريتهم مقسوماً بالتساوي بدلاً عن أملاكهم التي ضبطتها الدولة، ويستثنى منها قرى الصرفند، وأنصار، وميس، مفروزة القلم مرفوعة القدم (أي معفاة
من الضرائب والأموال الأميرية). وأن يوقّع الجميع في دفتر خاص بذلك للتأكيد على أن عملية التوزيع قد تمت برضاهم واتفاقهم حتى لا يحدث في المستقبل أي خلاف.
رابعاً: ألا يكون لموظفي الدولة أي تدخل في حكم البلاد ولا سلطة على مشايخها. وإنما يرجع المشايخ في أمورهم وفصل الخلاف الذي يقع بينهم إلى شيخ المشايخ فارس الناصيف، الذي يمثلهم أمام الحكومة،
وعليه تعود المسئولية.
ومهما يكن الأمر، فإن الشيخ فارس الناصيف وصل إلى عكا مترأساً وفد العشائر العاملية ولاقى من الوالي سليمان باشا كل إكرام ورعاية وحفاوة بالغة، وتم توقيع الاتفاق في مجلس حافل، حضره قاضي عكا ومفتيها
وراغب أفندي وكبار رجال الحكم في عكا والشيخ جرجس باز وكيلاً عن الأمير بشير. ولكي يُظهر سليمان باشا رضاه عن الشيخ فارس الناصيف أهداه خلعة فاخرة من فرو السمور إضافة إلى خمسة آلاف قرش
وعشرة غراير* من الحنطة وعشرين من الشعير(56).
يلاحظ من سياق ما أورده إبراهيم العورة عدة أمور جديرة بالملاحظة منها: أن مشايخ المتاولة لم يكونوا البادئين أو السباقين بطلب الصلح مع سليمان باشا، وإنما الأخير هو الذي حرص كل الحرص على استجلاب
المشايخ وتأمينهم بأي وسيلة ليريح العباد من شرهم وضررهم، ولتعمر البلاد باتفاق الدولة معهم، وإذا كانت هذه هي غاية الباشا، فمن المحقق أن لا يفكر بإبعادهم عن حكم بلادهم أو أن يفرض عليهم شروطاً مجحفة.
"تلك الشروط التي افترضها المغرضون من رُسل الأمير بشير، ثم لفق لها المؤرخون خلفياتها وعللها بحيث تصبح بنظر القارئ العادي ضرورية وطبيعية" (57).
ويؤكد علي سبيتي صحة ما استنتجه على الزين بقوله: "إلى سنة تسعة عشر(ة) (1219هـ) فهلك الجزار وخلفه سليم باشا. (يقصد إسماعيل باشا) أحد أهل مماليكه فالتاث (فانقلب) عليه الجند
وقتلوه ونصبوا سليمان باشا... واستوزر حسن أغا البلارسان واستكتب حايين اليهودي (حاييم فارحي) وغلب على أمره علي باشا فاستبد الثلاثة بتدبير البلاد. فكان أول أمرهم أن صانعوا أولاد العشاير
وأرضوهم وعوضوهم عن أملاكهم المغصوبة التي اغتصبها (أي الجزار) وردوهم إلى أوطانهم بعد التشريد، فبذلك استراحت البلاد من فسادهم أيام تشريدهم ومن فساد عساكر الجزار..."(58). أي أن
سليمان باشا هو الذي سعى أولاً لاسترضاء مشايخ المتاولة وتعويضهم عن أملاكهم التي كان الجزار قد صادرها منهم.
ثم إن مشايخ المتاولة لو كانوا قد استمعوا من قبل لاقتراحات "بكر أغا" لحققوا نتائج أفضل من التي حققوها فيما بعد، بعدما فُرضت عليهم واستغلها الأمير بشير للقضاء على نفوذهم وتطويقهم سياسياً
واقتصادياً وعسكرياً بقيود ثقيلة، كما استغلها للتقرب من الباشا وكسب رضاه وتقديره. ويرى على الزين أن التماسات الأمير بشير بشأن مشايخ المتاولة لم تكن خالصة من المكر والخداع، وأن غضب الباشا منه لم
يكن حقيقياً، وإنما نوع من التصنع والتمثيل كان ضحيته المشايخ أنفسهم الذين كان يجب عليهم التصلب في مطالبهم وعدم الاستجابة لأيٍ من الشروط أو الاشتراك في حرب من الحروب مع الباشا أو الأمير بشير، إلاَّ
بعد الإجابة لمطالبهم الأصلية، ولكانت حجتهم بأنهم لا يستطيعون فرض إرادتهم على المتاولة ما دامت بلادهم محكومة لغيرهم وليس لهم سلطة رسمية على أهاليها، وليس لديهم إيرادات تساعدهم على تحمل نفقات بعض
الشروط المفترضة كالالتزام بنفقات ألفي راجل وفارس سنوياً تكون مهيأة عندهم للحرب مع الدولة متى دُعوا لذلك(59).
ويدلل علي الزين على تآمر الأمير بشير وسليمان باشا على مشايخ المتاولة، بأن الضابط "بكر أغا الأرناؤوطي" حينما عرض على المشايخ المذكورين فكرة العفو والأمان من الباشا لم يكن يفكر بشيء من
هذه الشروط المجحفة التي فُرضت فيما بعد على هؤلاء المشايخ. وإنما كان فقط يفكر بما كان يفكر به الباشا نفسه من استجلاب المشايخ وتطمينهم بأية وسيلة يطمئنون لها ويرضون عنها. ولم تكن فكرة كف يد
المشايخ عن حكم بلادهم واردة لا في ذهن الباشا ولا في ذهن بكر أغا قبل أن يتدخل الأمير بشير وحاشيته لتخطيط المؤامرة والتلبيس على المشايخ(60).
وربما كان للخلاف الذي دار بين مشايخ المتاولة - خاصة بين أبناء ناصيف النصار – والذين حاول كل منهم إرضاء سليمان باشا على حساب أخيه – دور ساعد الأمير بشير ومدبريه من أن يلعبوا
لعبتهم في السعي لكف أيدي المشايخ عن حكم بلادهم وتقييدهم بتلك الشروط المجحفة، ثم حصرهم ضمن قرى إقليم الشومر، كما أتضح من شروط الصلح وملحقاته(61).
ويبدو، أن "بكر أغا الأرناؤوطي" حاول بعد إبرام الصلح الإيقاع بين مشايخ المتاولة وسليمان باشا، وبدأ يُحسّن للمشايخ فكرة منحهم متسلمية البلاد كلها لا إقليم الشومر فحسب، ومع أن بعضهم مال لقوله،
فإن محاولته باءت بالفشل وتم طرده من الخدمة العسكرية(62).
تحسنت الأحوال المعيشية في جبل عامل في عهد سليمان باشا كما أكد ذلك المؤرخون، يقول الشيخ علي سبيتي: "... وهدأت الحال أيام سليمان باشا وعمرت البلاد عمراناً زائداً ونمت نمواً فائقاً،
فعمرت الأبنية وغرست الأشجار وسار سيرة حسنة إلى أن هلك..."(63).
وبالفعل قام سليمان باشا بتعمير جسر نهر الزهراني على شاطئ البحر ما بين صور وصيدا عام 1226هـ/1811م. كما جدد تعمير قلعة البحر في صيدا سنة 1228هـ/1813م، وأصلح طريق النواقير في
أواخر سنة 1227هـ وأوائل سنة 1228هـ/ 1812-1813م، وهو الطريق الذي يربط بين صور وعكا عند الناقورة، وغير ذلك من الإصلاحات(64).
في تلك الأثناء كان الوهابيون في الجزيرة العربية قد تملكوا الحجاز، وبدأوا يتأهبون لمهاجمة حدود الشام والاستيلاء عليها(65)، بعدما منعوا وصول قافلة الحج الشامي عام 1222هـ/1807-1808م، إلى الديار
المقدسة وكان يترأسها عبد الله باشا العظم آخر باشوات آل العظم(66). وكان وقع الصدمة قوياً على الآستانة، بعد الإحراج الشديد الذي تعرضت له الدولة العثمانية وشعورها بالإهانة لمنع قافلة الحجاج من
الوصول إلى الحجاز لأداء فريضة الحج، فقرر الباب العالي عزل عبد الله باشا وتعيين يوسف كنج باشا محله(67).
كلف السلطان محمود الوالي الجديد للشام يوسف كنج باشا بالتوجه لمقاتلة الوهابيين في الحجاز نفسها، ولكنه عجز عن إنفاذ الحملة، مما أحرج موقفه أمام الباب العالي(68). ولكي يدافع يوسف باشا عن الأقاليم
الجنوبية لولايته ضد المد الوهابي، ابتنى عدة مواقع مراقبة عسكرية في حوران وركّز قواته فيها، كما عزز القلاع الموجودة في منطقة المزيريب. ولم يتطلع يوسف باشا للقيام بعمل هجوم مضاد للوهابيين بل اكتفى
فقط بمحاولة الدفاع عن دمشق. ويبدو أن الوالي الجديد كان واقعياً إلى حدٍ ما، لأن مشكلة الوهابيين كانت مستعصية وأكبر من إمكانياته، ولم يكن بإمكانه حلها بمفرده نظراً للتحديات التي واجهت سلطته داخل
الولاية(69). ومن أهمها خلافه مع والي عكا وصيدا سليمان باشا وتوتر علاقته بالأمير بشير الشهابي أمير جبل لبنان(70). فوجد يوسف باشا أن الأجدى أن ينسق ولاة مصر والشام وبغداد خططهم
العسكرية بأن يرسلوا في وقت واحد ثلاث حملات من جهات مختلفة تفتح على الوهابيين جبهات متعددة متباعدة(71).
ومهما يكن من أمر، فإن نجم يوسف باشا بدأ في الأفول لعجزه عن تجريد الحملة ضد الوهابيين، بينما نجم سليمان باشا كان في صعود متواصل بعدما أرسل إلى الآستانة مساعدات غذائية وغلال بسبب القحط الذي نزل
بها، فكسب إلى صفه رجال الحكم في الدولة العثمانية(72).
قدم الوهابيون إلى حوران سنة 1225هـ/1810م، وأكلوا الأخضر واليابس وحرقوا القرى وسبوا النساء والأطفال(73). فاضطر يوسف باشا للاستنجاد بسليمان باشا تحت مبررات خدمة الدين والدولة(74)،
فلبى طلبه وسار إليه بجنده. كما أوعز سليمان باشا إلى الأمير بشير بجمع ما يمكنه من الرجال وملاقاته في طبرية للزحف معاً إلى المزيريب، حيث تمكن الأمير بالفعل من حشد خمسة عشر ألف مقاتل(75).
وينبغي الإشارة إلى اشتراك مشايخ المتاولة في هذه الحملة، بعدما حرر سليمان باشا مرسوماً إلى الشيخ فارس الناصيف شيخ مشايخ المتاولة أمره به بجمع رجال العشائر الخاضعة لنفوذه والحضور بهم إلى
طبرية(76)، التي وصلها فعلاً رفقة الأمير بشير الشهابي(77).
وقبيل مغادرة سليمان باشا لعكا في طريقه إلى طبرية، وصله مأمور عثماني وسلمه فرماناً بتعيينه والياً على دمشق وطرابلس وعزل يوسف باشا. واستشهد الفرمان بالقول أن يوسف باشا تم عزله لعدم تمكنه من
قيادة قافلة الحجاج وتأجيله قيادة الحملة ضد الوهابيين(78).
ويبدو أن سليمان باشا – الذي كان معنياً برد الخطر الوهابي عن الشام- لا يختلف كثيراً عن ولاة صيدا السابقين له الذين كانوا يتطلعون إلى حكم ولاية دمشق بأية وسيلة ممكنة، ولهذا لم تكن استعداداته جدية
لمساندة ومساعدة جهود يوسف باشا كنج المتواضعة ضد الوهابيين(79).
في تلك الأثناء كان يوسف باشا – الذي لم يكن على علم بالفرمان السابق- قد وصل إلى حوران لنجدة شمدين أغا متسلم أربد وعجلون المُحاصر في قلعة المزيريب (80)، ووصلها في الوقت المناسب بعدما
أوشكت على السقوط في أيدي الوهابيين، وبدأ بإطلاق مدفعيته لإرهابهم، فاضطروا للفرار والتراجع(81).
بعدما علم سليمان باشا والأمير بشير بفرار الوهابيين قررا تنفيذ ما ورد في الفرمان السلطاني، وعزموا على مهاجمة دمشق بالقوة مستغلين فرصة وجود يوسف باشا خارجها، الذي علم لاحقاً بنية سليمان باشا، فترك
المزيريب وعاد إلى دمشق لتدبير أمره في كيفية مواجهة عدوه الجديد(82).
قام سليمان باشا والأمير بشير بعساكرهما ورفقتهما جموع المتاولة إلى دمشق بطريق القنيطرة – داريا، ولدى وصولهما إلى قطنا علما بعودة يوسف باشا إلى دمشق، فأرسلا إلى أعيان دمشق يخبرانهم بالفرمان
السلطاني الذي يقضي بعزل يوسف كنج باشا ومنحوهم مهلة ثلاثة أيام للرد، وبعد انقضاء تلك المهلة قاما بعساكرهما إلى الجديدة وداريا واشتبكا مع الجيش الدمشقي وفشل يوسف باشا في صدهما، فاضطر للفرار إلى
مصر طالباً اللجوء من واليها محمد علي باشا. ودخل المنتصرون دمشق، وعُين سليمان باشا والياً عليها إضافة إلى طرابلس وصيدا(83).
ومما يدلل على مساعدة مشايخ المتاولة لسليمان باشا والأمير بشير في حربهما مع يوسف باشا ما ذكره أحد المؤرخين العامليين بقوله: "وفي آخر الشهر إجى (حضر) سليمان باشة إلى الشام ومعه الدروز (
أعوان الأمير بشير) والمتاولة، وصار بينه وبين يوسف باشة وقعة كان الوجه (النصر) إلى سليمان باشا وقتل أحمد بن عباس المحمد من المتاولة ومعه اثنين أخوة أولاد متيرك، وانهزم يوسف باشا وعاد سليمان
باشا إلى الشام"(84).
اعتقد مشايخ المتاولة أن ما أسدوه لسليمان باشا من خدمات ووقوفهم إلى جانبه في حربه مع يوسف باشا سوف يؤهلهم للطلب منه منحهم كامل حكومة جبل عامل لا إقليم الشومر فحسب، فأكثر هؤلاء المشايخ من التردد
على الأمير بشير الشهابي والشيخ بشير جنبلاط كتخدا الأمير ومدبر أموره والطلب منهما إقناع الباشا برد كل ممتلكاتهم إليهم. وحاول الأمير بشير إقناع الباشا بمطلب المشايخ المذكورين عدة مرات دون طائل،
لدرجة تأزمت معها العلاقة بين الطرفين(85).
ووصل التأزم بين الطرفين حداً وصلت إلى درجة التهديد، وقد ردّ الباشا على الأمير بشير قائلاً: "حيث ما أفاد معك جميع ما استعملته نحوك فافعل ما تريد وأنت مأذون أن تتفق مع مشايخ المتاولة وتفعل معهم ما
تريد وأنا مستعد لكل أمر يأتي. ومن حنث فإنما يحنث على نفسه"(86).
ويبدو أن الأمير بشيراً ندم على تدخله في هذه القضية وخشي على نفسه وعلى مشايخ المتاولة من غضب الباشا، فأرسل يطلب العفو والصفح من الباشا عما بدا منه، ونجح في تحقيق ذلك. أما مشايخ المتاولة فلم يعد
بمقدورهم الجسور على إعادة طلبهم هذا طيلة حياة سليمان باشا(87)، وحتى وفاته في ذي القعدة 1234هـ(88)/1818م.
يتضح مما سبق بيانه شيئاً من المبالغة فلا يعقل أن يعرّض الأمير بشير مستقبله السياسي للخطر من أجل إرضاء مشايخ المتاولة، فقد كان يكفي أن يلتمس الأمير من سليمان باشا منح هؤلاء المشايخ كامل ممتلكاتهم مرة
واحدة فقط. غير أن الكاتب كرر مراجعة الأمير للباشا في هذا الشأن عدة مرات، كما لو كان الأمير بشير متلهفاً على المصلحة العليا للمتاولة، أو أن مستقبله السياسي مرهون بهم.
وما يحسب لسليمان باشا – قبل وفاته بعامين (1232هـ) – أنه أمر بعزل إبراهيم أغا الكردي عن متسلمية بلاد بشارة بسبب ما فرضه هو وجنده الأكراد على الفلاحين من غرامات زائدة حتى أنهم جعلوا
الفلاحين عبيداً لهم(89).
تطور علاقة المتاولة بعبد الله باشا:
خلف سليمان باشا على ولاية عكا عبد الله باشا بن علي باشا عام 1234هـ/1819م، وهو أحد مماليك الجزار أيضاً(90) وربيب سليمان باشا وزوج ابنته. وقد ترحم الناس على الجزار ونسوا جوره
بسبب ما لاقوه من جور وعسف عبد الله باشا(91)، الذي كان غُرّاً سافلاً يحيط به أرباب الهزء والهزل(92).
ورغم العنف الذي سلكه عبد الله باشا بسكان ولايته، لكن علاقته بالمتاولة العامليين يبدو أنها كانت في أحسن صورها. ففي سنة 1237هـ/1821م، كتب عبد الله باشا إلى الشيخ فارس الناصيف وبقية مشايخ
المتاولة، برغبته في إعادة حكم بلاد جبل عامل لهم، أي بلاد الشومر وبلاد الشقيف، كما كتب لهم في رغبته برفع المتسلمين منها وأنه ينوي أن يشكل فيها رابطة مهمتها توريد الأموال الأميرية كما كان الحال زمن
المتسلمين الذين كانوا يعينون من جانب الباشا. ووضح لهم أنه سوف يترك لهم خمسين ألف قرش كل عام، ومائة غرارة شعير، شريطة أن يكون عندهم ألفي خيال ومقاتل يكونون تحت إمرته وقتما احتاج لهم(93)
كما يؤكد حيدر الشهابي.
رفض مشايخ المتاولة هذا العرض بادىء الأمر لخشيتهم من الغدر. وبعد عدة مشاورات، أرسل هؤلاء في استشارة الأمير بشير الشهابي، الذي أشار عليهم بأن الوالي عبد الله باشا في حاجة ماسة لمجهوداتهم
نظراً لتوتر علاقته بوالي دمشق درويش باشا، وبيّن لهم أن ذلك في مصلحتهم لاستعادة حكم بلادهم كما كانت في السابق. ومهما يكن من أمر فإن عبد الله باشا كتب للشيخ فارس الناصيف ومشايخ المتاولة صكاً بإعادة
حكم جبل عامل لهم، وأرسل لهم الخلع كما كانت عادة آبائهم من قبل. وبدأ هؤلاء المشايخ يهتمون بتدبير الخيل والسلاح والمقاتلين من بلادهم حسب ما أمرهم به الباشا. ناهيك عن أن الباشا منحهم أيضاً منطقة
مرجعيون، وفرض عليه مالاً معلوماً كما كان الوضع زمن المتسلمين من قبلهم(94).
ويقول حسن حيدر الركيني المؤرخ العاملي: "وفيها (أي سنة 1237هـ) في شهر جماد الأول طاب خاطر عبد الله باشا على المتاولى (المتاولة) وردهم إلى مطارحهم" (95).
ولو قارنا بين روايتي حسن حيدر الركيني وحيدر الشهابي، فسوف نلاحظ أن الركيني إنما قصد إلى رد المتاولة إلى أماكنهم في حكم بلادهم التي حرموا منها طيلة عهد الجزار وسليمان باشا من بعده.
ورغم اختصار عبارة الركيني، لكنها أصدق دلالة مما أورده الأمير حيدر الشهابي مع إسهابه وذكره لأمور لا مبرر لها. فلم يكن هناك أساساً أي خلاف بين مشايخ المتاولة وعبد الله باشا، ولم يكن هنالك أي مبرر
لدواعي الحذر والخوف منه كما كان حالهم مع الجزار وسليمان باشا. وبالتالي فلا داعي للجوء هؤلاء المشايخ إلى مشورة الأمير بشير كما ذكر حيدر الشهابي.
ومما يزيد الأمور وضوحاً أن الباشا نفسه هو الذي عرض عليهم العودة إلى ما كانوا عليه دون الحاجة إلى وساطة طرف ثالث. فحيدر الشهابي لم يقصد من وراء ذلك إلاَّ الإيهام بأن المتاولة ما كانوا سوى
أتباع للأمير بشير، لا يخطون خطوة بغير مشورته. أو إن جاز التعبير – قُصّاراً (قصيري النظر في الشؤون السياسية).
وفيما يخص الشرط الذي اشترطه عبد الله باشا بتدبير ألفي مقاتل يكونون على أهبة الاستعداد لمعاونته في أي حرب يشترك فيها كلما دعاهم إليها، فليس بالشيء الجديد ولا بالبدعة التي ابتكرها عبد الله باشا،
فسليمان باشا من قبل اشترط عليهم نفس الأمر مع فارق جوهري وأساسي أن سليمان لم يعيدهم إلى حكم كامل بلادهم، ولم يعوضهم شيئاً من النفقات الإضافية بعكس ما فعله معهم عبد الله باشا. ناهيك عن أن عبد الله
باشا كان وقتذاك في أمس الحاجة لخدمات المتاولة، خاصة وأن الأجواء السياسية بينه وبين درويش باشا والي دمشق يُشتم منها رائحة البارود.
خلاصة القول إن اتفاقية الصلح التي كانت قد أُبرمت فيما مضى بين مشايخ المتاولة وسليمان باشا أُعيد تعديلها في عهد عبد الله باشا لصالح هؤلاء المشايخ، مما أدى إلى ازدياد رسوخ الاستقلال السياسي
لمتاولة جبل عامل في عهد عبد الله باشا.
على أية حال، أتت سياسة عبد الله باشا تجاه المتاولة أُكلها، ففي نفس السنة أي في رجب 1237هـ/1821م، اشتد الصراع بينه وبين درويش باشا والي دمشق، وتمكن عبد الله باشا من استمالة بعضاً من
مشايخ بلاد نابلس، مما أدى إلى حدوث انقسام بين أهالي تلك البلاد، فانقسموا إلى فريقين تقاتلا فيما بينهما، فاضطر درويش باشا إلى إرسال نائبه فيزو باشا بالعسكر إلى بلاد نابلس(96).
فما علم عبد الله باشا بوصول فيزو باشا إلى صحراء المزيريب، حتى أرسل قواته ومن ضمنها عساكر المتاولة بزعامة الشيخ فارس الناصيف وعسكر الأمير بشير الشهابي إلى جسر بنات يعقوب وجسر
المجامع لمنع قوات درويش باشا من العبور. ودارت عند جسر بنات يعقوب معركة انتهت بهزيمة قوات دمشق واستيلاء عسكر عبد الله باشا على أسلاب ومدافع وذخيرة المهزومين، إضافة إلى الكثير من الأسرى،
ووقوع عدد من القتلى بينهم(97).
ويؤكد حسن حيدر الركيني صحة اشتراك المتاولة في هذه الوقعة بقوله: "وفي شهر رجب (1237هـ) صارت بين عبد الله باشا وبين باشت (باشا) الشام درويش باشا وقعة على جسر بنات يعقوب
وكانت الغلبى (الغلبة) على عسكر باشت (باشا) الشام وأخذوا منه الهاون والمدافع وكانوا المتاولى (المتاولة) مع عبد الله باشا"(98).
كما أكد الشيخ على سبيتي اشتراك المتاولة في معركة جسر بنات يعقوب غير أنه جعل المعركة عام 1236هـ(99).
تفاقمت الأمور بين الوزيرين وازدادت سوءاً، بعدما أرسل درويش باشا كتاباً للأمير بشير الشهابي يعلمه فيه بأن الدولة العثمانية أنعمت عليه بولاية صيدا ويافا وطرابلس وبقية الأقاليم التي بيد عبد الله باشا،
إضافة إلى منصبه الحالي كوالي لدمشق، ولكن الأمير بشير لم يرد جواباً لدرويش باشا، ولتوه أرسل الكتاب المذكور إلى عبد الله باشا الذي أمره بجمع المزيد من أهالي لبنان والسير إلى جسر بنات يعقوب. وفي
تحدٍ صارخ من عبد الله باشا لوزير دمشق أمهر إمضاءه بالتالي: "السيد عبد الله باشا أمير الحج ووالي دمشق وصيداء ويافا وطرابلس الشام حالاً"(100).
وهذا يعني في التحليل الأخير، أن عبد الله باشا عقد العزم لوضع نهاية لمستقبل درويش باشا السياسي وعزله عن حكم دمشق بالقوة.
حاول الأمير بشير إثناء عزم عبد الله باشا عن مهاجمة دمشق لأنها حسب تعبيره "باب الكعبة"، أي المكان الذي يتجمع فيه الحج الشامي في طريقه إلى الحجاز, ووصل إلى عكا لمقابلته في 26 شعبان 1237
هـ/15 آيار (مايو) 1821م، في محاولة لإقناعه بالعدول عن مخططه، ولكن حُسن الضيافة التي لقيها الأمير والهدايا الثمينة التي قُدِِمّت له جعلته يعدل عن رأيه والخروج بنفسه إلى جسر بنات
يعقوب(101).
تابعت قوات عبد الله باشا وحلفائه مسيرهم باتجاه دمشق، ما دعا درويش باشا للخروج إلى "المزة" – نسبة إلى البلدة التي جرى فيها القتال – للتحصن بها استعداداً للحصار الذي فرضه بعد قليل
أهالي عكا واللبنانيون دروزاً وشيعة (متاولة). ودارت رحى معركة شرسة انتهت بهزيمة عساكر الشام وإحراق المزة ومقتل الكثير منهم إضافة إلى وقوع الكثير من الأسرى والغنائم(102).
اضطر درويش باشا للالتجاء إلى قلعة دمشق، كما لجأ أهالي دمشق وقراها بالمدينة وابتنوا المتاريس(103)، ولكن سرعان ما سلّم الأهالي وأصبحت دمشق خاضعة لنفوذ عبد الله باشا بعد خروج درويش
باشا منها(104).
ولما وجدت الدولة العثمانية أن عبد الله باشا صار أقوى رجل في الشام ولا يمكن التغلب عليه، اضطرت للاعتراف به، وضمت إليه ولاية دمشق واتسع ملكه(105).
كانت الدولة العثمانية تعيّن قضاة من الشيعة في مقاطعات جبل عامل الثمان باسم نائب وذلك أيام حكم العشائر. وفي عهد عبد الله باشا تم تعيين الشيخ سعيد الجر الجبعي نائباً على جبع بمرسومٍ مؤرخ في عام
1240هـ/1824م، كما كان ولده الشيخ حسن سعيد نائباً عن قاضي صيدا في ناحية جبع(106).
وخلال الفترة من عام 1240هـ/1824م، وحتى استيلاء المصريين على الشام عام 47 -1248هـ/ 31-1832م، لم تورد المصادر التاريخية أية أخبار عن جبل عامل، ويبدو أن الإهمال في ذكر تلك
الأخبار لم يكن متعمداً لعدم وجود أحداث مهمة مرت بجبل عامل في تلك الفترة.
الحكم المصري للشام وسقوط الحكومة الإقطاعية الثانية:
كان لمحمد علي باشا والي مصر فضل على عبد الله باشا والى عكا، لأنه توّسط له لدى السلطان العثماني عام 1237هـ/1821م، ليعفو عنه وعن الأمير بشير الشهابي لمحاربتهما درويش باشا والي دمشق –
كما سبق الإشارة-. كما كان عليه أموال متأخرة للدولة فدفع عنه نصفها أيضاً، ولهذه المناسبة نزل الأمير بشير إلى مصر، فأكرم محمد علي باشا وفادته(107).
ويبدو أن محمد على فاتح الأمير بشيراً منذ ذلك الوقت في مسألة غزو سوريا، وعقد معه معاهدة سرية تقتضي تعاونهما إذا حدث هذا الغزو، وهذا يدل على أن فكرة ضم سوريا إلى مصر كانت تجول بخاطر
محمد علي منذ وقت طويل(108).
ومهما يكن من أمر، فقد أخذت العلاقات بين القاهرة وعكا بالتوتر، ويبدو أن محمد علي باشا أعدّ للأمر عدته وقرر تنفيذ مشروعه التوسعي بضم الشام إلى ممتلكاته لتكون خط الدفاع الأول عن حكومته في
مصر. وفي سنة 1247هـ/1831م، أرسل ابنه إبراهيم باشا بجيشٍ جرار لفرض الحصار على عكا، فاستولى في طريقه إليها على غزة ويافا وحيفا ثم أحاطت قواته بعكا بحراً وبراً(109).
ومع أن بعض الروايات التاريخية تؤكد أن الأمير بشيراً ظل من يوم ذهابه إلى مصر واتصاله بواليها محمد علي باشا حتى حصار عكا وما بعده، على اتفاق تام معه في كل شيء حتى في محاربة الدولة وتغيير
نظام الحكم في سوريا(110)، وأن الأمير المذكور قال في بعض رسائله التي أرسلها لوالي مصر قبل أن يعدَّ الأخير العدة لغزو سوريا واحتلالها "... وكلما تصدر به أوامر دولتكم فهذا العبد واقف لها على
قدم الانقياد لأنني عاهدت نفسي على دوام امتثال أوامر عطوفتكم الكريمة. وقيدت ذاتي بالإطاعة (بالطاعة) والانقياد لما به إرادة عنايتكم الوسيمة"(111).
غير أن روايات أخرى تقرر أن إبراهيم باشا أرسل في استدعاء الأمير بشير لمساعدته في الاستيلاء على عكا. ويبدو أن الأمير وافق على الحضور مضطراً، لأن محمد علي باشا أرسل إليه تهديداً صريحاً
– بعد شكوى إبراهيم باشا لأبيه من تلكوء الأمير بالرد- بتخريب ممتلكاته(112).
على أية حال، لم يعطل إبراهيم باشا نشاطه العسكري في حصار عكا، بل احتل وهو يحاصرها، المناطق المجاورة حتى صيدا(113)، ويبدو أن إبراهيم باشا ونظراً لحساسية الموقف أبقى على الوضع في
صور وصيدا وغيرهما من المدن اللبنانية كما كان زمن عبد الله باشا، ووجه أوامره إلى القضاة والمتسلمين بهذا الخصوص على أن ينادوا باسمه بالأمان(114).
يتضح مما سبق بيانه، أن إبراهيم باشا أراد بإبقاء الوضع على ما كان عليه إلى كسب المشايخ والأهالي إلى صفه ومنهم بالطبع مشايخ المتاولة، حتى لا يعملون على تعطيل تنفيذ بقية مشروعه الطموح، خاصة
وأنه يحاول جاهداً اقتحام عكا المحصنة تحصيناً قوياً عجز أمامها من قبل قائد فذ مثل نابليون بونابرت عام 1214هـ/1799م.
قرر مشايخ المتاولة مساعدة إبراهيم باشا في محاصرته لعكا، فجمعوا جيشاً اتجهوا به نواحي عكا واشتركوا مع القوات المصرية في اقتحام المدينة، وقتل منهم في الموقعة المعروفة "بواقعة البهجة"(115)
خارج عكا مائتان وأربعون ما بين فارس وراجل. وكان يقود المتاولة في هذه الموقعة الشيخ حمد البك المحمد(116).
لكن الشيخ علي الزين يشكك في صحة هذه الرواية، وبنى شكوكه على أن الظواهر التاريخية في تلك الفترة التي مات فيها الشيخ فارس الناصيف زعيم المتاولة تدل على أن المتاولة لم يكن لديهم زعامة قوية
أو قائد نافذ الكلمة يوحّد رأيهم ويدفعهم بقوة شخصيته إلى حيث يريد من حرب أو سلم(117).
وفيما يخص حمد البك كما يؤكد علي الزين، فإنه عُرف بزعامته ونفوذه السياسي بعد انهيار الحكم المصري في سوريا ولبنان. لذا، فإنه لم يكن له كيان سياسي في الفترة الواقعة ما بين سنة 1247 و 1256
هـ/1831 – 1840م، لا بين الموالين لسلطة المصريين ولا بين المعارضين لها، فالنصوص التاريخية توضح أن الشيخ حسين السلمان كان على رأس الموالين للأمير بشير والحكم المصري، وأن الشيخ حسين
شبيب بن الشيخ فارس الناصيف كان على رأس المعارضين لسلطة الأمير والحكم المصري(118).
ويبدو أن شك الشيخ على الزين كان في محله، لعدم وجود أي مصدر تاريخي يؤكد اشتراك المتاولة في معركة البهجة، حتى المصادر التي كتبها المؤرخون العامليون خلت تماماً من ذكر هذه الرواية عدا الشيخ
محمد تقي الفقيه. وما يؤكد صحة هذا الشك أن إبراهيم باشا بعد استيلائه على عكا منح الأمير بشير الشهابي بيروت وصيدا وصور، مكافأة له على ما قدمه من مساعدات له. كما منحه أيضاً الحق في أن يعيين
جميع المتسلمين وأصحاب المقاطعات وذلك في الأول من جمادى الأولى 1248هـ/1832م(119).
عيّن الأمير بشير متسلمين من أقاربه في المدن المذكورة، منهم الأمير ملحم حيدر في بيروت والأمير بشير ملحم في صيدا والأمير حسن أسعد في صور(120). وبذلك أُلحق جبل عامل بحكومة جبل لبنان
التي يتزعهما الأمير بشير الشهابي الكبير، وتم إلغاء النظام الإقطاعي وسقطت الحكومة الإقطاعية الثانية في جبل عامل(121).
ويبدو مما سبق، أن المتاولة بالفعل لم يساهموا في وقعة البهجة، ولم يساعدوا الجيش المصري في اقتحام عكا، وإلاَّ لكان إبراهيم باشا قد وطدّ نفوذهم في بلادهم كعرفان بالجميل، ولكن منحه بلادهم للأمير بشير
وإلغاءه لدورهم السياسي في المنطقة لم يكن له سوى مدلول واحد، هو عدم إسهامهم في حروبه عند عكا.
ويعود السبب إلى ضم جبل عامل إلى إمارة جبل لبنان والخلاف المستحكم بين أهالي لبنان وأهل جبل عامل، إلى الأحقاد بين أصحاب الإقطاعات من زعماء البلدين المتغلغلة في النفوس والسارية سريان الدم في
العروق(122). وقد عامل الأمير بشير سكان جبل عامل المتاولة في ظل الحكم المصري معاملة تتسم بالشدة والعنف، ونكلّ بزعمائه وعلمائه مما اضطر معظمهم إلى الاختفاء في دمشق والهرب إلى العراق وإيران
والهند، فأسهموا في نهضة تلك البلاد العلمية(123)، كما كان شأنهم زمن حكم أحمد باشا الجزار. وهذا ما يؤكد ما سبق الإشارة إليه من أن المتاولة لم يكونوا منقادين للأمير بشير.
رفضت صيدا أن تخضع لحكم الأمير بشير ملحم. وتزعم هذه المعارضة فيها القاضي الشيخ "يونس البزري" وأخوه المفتي، لأن الأمير المذكور كان يناقض أحكامه بغير علم فقه. فهيّج بعضاَ من
أهالي المدينة وأتى بهم بالسلاح إلى السرايا لطرد الأمير منها، فاضطر الأمير إلى رفع شكواه إلى الأمير بشير الشهابي الكبير، الذي بدوره رفع الأمر إلى إبراهيم باشا فأمر بإلقاء القبض على القاضي والمفتي ومن
ساعدهم على الثورة وإرسالهم إلى عكا. ثم أمر بقطع رأس كل من شهر سلاحه في وجه المتسلم الأمير بشير ملحم، وتم تنفيذ الحكم على باب البلدة(124).
وما لبث أن عُزل الأمير بشير ملحم عن متسلمية صيدا في 15 شعبان 1248هـ، وتولى مكانه الأمير سلمان ابن الأمير السيد أحمد، ولكن سرعان ما تم عزل الأخير بأمرٍ من إبراهيم باشا في العام التالي دون
إبداء سبب لذلك، وتولى صيدا بعده متسلم من أصل تركي يسمى عريف أغا(125).
كان الجيش، في الواقع، عماد الإدارة المصرية في بلاد الشام ولهذا فإن توطيد الحكم المصري فيها كان يقتضي بالضرورة تدعيم الجيش والقضاء على العناصر المناهضة له، فطبق إبراهيم باشا سياسة التجنيد
الإجباري في عام 1250هـ/1834م(126)، مما أثار الأهلين، بعد ما تضرر اقتصاد الريف تبعاً لذلك، حيث كانت تلك الخدمة الإلزامية مدى الحياة. وهذا يعني أن الفلاح المُجند كان مضطراً إما أن يستأجر غيره
لزراعة الأرض أو بيعها(127). ونظراً لتفشي هذه الظاهرة انتشرت عادة الاحتماء بالقنصليات الأجنبية، أو الهجرة إلى خارج البلاد، أو تشويه الأعضاء لتحاشي الخدمة العسكرية(128).
وازداد الأمر سوءاً عندما أمر إبراهيم باشا بنزع السلاح من الأهلين بحجة توطيد الأمن في البلاد، وهو ما لم يعتدوه من قبل، وكان له وقع سئ على نفوسهم بما فيه الكفاية(129). وصدرت الأوامر بنزع
سلاح جميع الطوائف دون استثناء من دروز ومسلمين ومسيحيين، مما أدى إلى نشوب ثورة عارمة ضد الحكم المصري(130).
ويؤكد المؤرخ العاملي الشيخ علي سبيتي أن نظام التجنيد الإجباري قد طُبق في بلاد بشارة عام 1251هـ، من دون نظام أو قرعة، مما دعا إبراهيم باشا إلى تسليط الأمير بشير الشهابي الكبير على تلك البلاد،
وعمل على تخريبها(131).
كما يؤكد الأمير حيدر الشهابي في تاريخه أن الأمير بشير، قام بجمع السلاح من أهالي صور والمتاولة وبقية المناطق المجاورة لهم(132).
أضرمت نيران الثورة في جميع أنحاء سوريا سنة 1250هـ/1834م، ضد الحكم المصري، ومنها ثورة النصيرية في جبال اللاذقية، فقصد الأمير بشير بلادهم لنجدة المصريين في قتالهم، وتمت هزيمة النصيرية
وإحراق الكثير من قراهم(133). كما ساهم بعضٍ من مشايخ المتاولة في مساعدة المصريين في القضاء على ثورة النصيرية، منهم الشيخ حسين السلمان(134) الذي كان يرافقه سبعون خيالاً من
المتاولة(135)، وتمكن اللبنانيون من التنكيل بالثوار النصيرية وإرغامهم على التسليم والقضاء على ثورتهم(136).
واندلعت أيضاً الثورة في جبل عامل سنة 1252هـ/1836، بزعامة حسين شبيب بن الشيخ فارس الناصيف وأخيه محمد علي بك، واستمرت ثلاث سنوات هاجموا فيها مراكز الحكومة وطردوا عمالها ونكلّوا
بجنودها، فطلب إبراهيم باشا من الأمير بشير سرعة القضاء على هذه الثورة، فأرسل الأخير ابنه الأمير مجيداً وكان شاباً نزقاً متغطرساً إلى جبل عامل، واشتبك مع الثوار في عدة وقائع ولم يظفر بهم، وعندما عجز
عن إخضاعهم ضيق الخناق على أهلهم وأقاربهم(137).
حاول وجهاء البلاد إقناع زعيمي الثورة بالتسليم مقابل حفظ حياتهما، فرفضا وغادرا البلاد مع أنصارهما إلى حوران والمناطق القريبة من دمشق، ولما علم شريف باشا حكمدار الشام بمكانهم بوشاية من أحد
مشايخ الدروز، أرسل عليهم فرقة من عسكره أحاطت بهم، فألقى القبض على حسين شبيب، بينما تمكن أخوه محمد علي بك من الفرار(138).
وتابع الأمير مجيد التنكيل ببقية زعماء الشيعة وتضييق الخناق عليهم، وألقى القبض على الشيخ فضل حفيد الشيخ حيدر الفارس حاكم بلاد الشقيف وزعيم الصعبيين وألقاه في السجن عدة أشهر وأمر
بتعذيبه(139).
ولم يعدم جبل عامل الثوار، ففي سنة 1256هـ/1840م، خرج ثائر آخر من المتاولة يدعى "أحمد داغر" قاد الثوار ضد الحكم المصري في ضواحي بيروت وجبل عامل، حتى تمكن الشيخ حسين السلمان
الموالي لعهد الأمير بشير والمصريين من إلقاء القبض عليه وقتله وإرسال رأسه إلى مدينة بيت الدين مقر حكومة الأمير بشير(140).
ولم يرحم الحكم المصري زعماء الثورات التي قامت ضده، واستعمل شتى الطرق القاسية لتكون إرهاباً وعبرة أمام الشهود إن اتبعوا نفس الطريق. وتكررت مسألة إعدام الثوار جزاء لما قاموا به من تمرد
ضد الوجود المصري(141)، كما في حالة حسين شبيب وأحمد داغر. وتعددت الوسائل وأهمها الذبح على باب المدينة(142)، كما حدث أثناء ثورة أهالي صيدا وإعدام قاضي المدينة أمام أبوابها – كما سبق
الإشارة -.
أما أهم الثورات التي انفجرت في جبل عامل ضد الوجود المصري عام 1256هـ/1840م، فقد قادها "حمد البك"(143) في الوقت الذي كانت فيه أرجاء بلاد الشام تعج بالثورات لطرد المصريين.
وانضم أو إن صح التعبير تحالف المسلمون والدروز والمسيحيون في حركة شعبية لتحقيق هذا الهدف. وتألبت وتكاتفت الدولة العثمانية والدول الأوروبية معاً لتصعيد التمرد في سوريا من ناحية، ولوضع حدٍ للوجود
المصري في تلك البلاد من ناحية أخرى(144).
كان حمد البك، يرقب الحوادث ويتحيّن الفرص للانقضاض على المصريين، وبعد اتفاق الدولة العثمانية والأوروبيين على انتزاع سوريا من محمد علي باشا وإعادتها للحكم العثماني، ووصول الجيش العثماني
إلى حلب ترافقه الأساطيل الإنكليزية بحراً، رفع حمد البك علم الثورة، واصطدم بالأمير مجيد الشهابي عند جسر القاقعية عندما كان الأمير المذكور ينوي مهاجمة جبل عامل، فردّه على أعقابه. ثم انضم للجيش
العثماني بعدما وصل إلى حمص، ولفتت بسالته وحُسن تدبيره نظر عزت باشا القائد العام للجيش العثماني، فعينه حاكماً عاماً على جبل عامل مع لقب شيخ مشايخ بلاد بشارة وعهد إليه بمطاردة الجيش المصري في
الجنوب(145).
وصل الأسطول البريطاني ترافقه سفن حربية نمساوية وعثمانية قبالة بيروت في آب (أغسطس)1840م، وبدأوا بقذفها بالقنابل لإرغام المصريين والأمير بشير على تركها، وأعقبها نزول القوات العثمانية
بالقرب منها. وتحت هذا الضغط القوي سواء الداخلي المتمثل في الثورات المحلية أم الخارجي، فإن نظام الحكم لإبراهيم باشا والأمير بشير بدأ سريعاً بالتفتت(146).
ازداد الضغط الدولي ضد المصريين، ففي 24 أيلول (سبتمبر)، انتقلت السفن الحربية إلى صور وأطلقت نيرانها على الحامية وتمكنت من تشتيت شملها ونزل الجنود إلى البر واستولوا عليها(147)، وألحقوها
بالاستيلاء على صيدا(148). وهذا يبدو من تقرير السيد "أنطون كتافاكو Antonio Catafago" قنصل النمسا في صيدا سنة 1840م، إلى السيد "لوران Laurin" القنصل العام
النمساوي في معسكر جونيه(149).
ومهما يكن من أمر، فالحكم المصري وحكم الأمير بشير في لبنان بلغا دور الاحتضار السياسي والعسكري، بعدما غادر الأمير بشير قاسم ملحم معسكر المصريين القريب من بيروت وانضم إلى معسكر الحلفاء
في جونيه، ويبدو أن الأمير بشيراً الكبير نفسه قد أبلغ الحلفاء سراً رغبته بالانضمام إلى صفوفهم وطلب منهم منحه مهلة لاستدعاء أولاده وأحفاده من معسكر إبراهيم باشا، فمنحوه ثمانية أيام. ولما انتهت المهلة في
9 تشرين الأول (أكتوبر) دون أن ينضم لهم، صدر فرمان بعزله وتولية الأمير بشير قاسم ملحم الشهابي المعروف (بأبي طحين) مكانه(150).
أدت تداعيت الموقف وتضعضع نفوذ إبراهيم باشا وعزل الأمير بشير الكبير إلى تطوع متاولة جبل عامل في صفوف العثمانيين وتسلمهم السلاح، كما أكد ذلك السيد أنطون كتافاكو قنصل النمسا في صيدا في
تقريره المؤرخ في 10 تشرين الأول (أكتوبر) 1840م(151).
ونظراً لقلة عدد جيش الحلفاء المنوط به مطاردة فلول جيش إبراهيم باشا، لذلك كانت الدولة العثمانية وحلفاؤها بحاجة ماسة إلى قوى شعبية تعزز بها قوى جيشها لمطاردة المصريين وصيانة البلاد من أي
ثورة مضادة وخاصة عندما تسلم الجنرال "جقموس باشا" قيادة جيش الحلفاء المكوّن من تركيا وبريطانيا والنمسا ونقل مركز قيادته إلى صفد استعداداً لمطاردة الجيش المصري، ومضايقته عندما يجتاز فلسطين في
طريقه إلى مصر(152)، ومن حكام المقاطعات الذين دُعوا للانضمام إلى تلك القوات في صفد، حمد البك شيخ مشايخ المتاولة، كما يتضح من نص الخطاب الذي أرسله جقموس باشا إليه في 6 ذي القعدة سنة 1256
هـ(153).
بعد سقوط المدينة تلو المدينة خاصة عكا ويافا في تشرين ثاني (نوفمبر) 1840م، انسحب إبراهيم باشا تماماً من الأراضي الشامية(154).
حكومة حمد البك في جبل عامل وبداية الحكومة الإقطاعية الثالثة:
ثمة سببٌ دعا المتاولة إلى تبديل خطتهم القديمة وتقاليدهم التاريخية التي درجوا عليها من مناوأة الولاة العثمانيين وعدم الاعتراف بسلطتهم، واشتباكهم بحروب دامية مع ولاة عكا وصيدا ودمشق. إن هذا
الانقلاب في المواقف يعود في المقام الأول إلى الأخطاء التي اقترفها الحكام الشهابيون بحقهم وما تركوه من أثرٍ غير محمود في جبل عامل، لذلك اضطر المتاولة إلى تعضيد الدولة وإجابة طلبها في الانضمام إلى
صفوفها، ووقعوا العرائض ورفعوها للباب العالي ضد الشهابيين(155).
وثمة سببٌ آخر، دعا المتاولة للانضمام إلى الصف العثماني، متمثلاً في عدم تحسن أوضاعهم السياسية والمعيشية تحت الحكم المصري – كما سبق الإشارة -، وتعمد إبراهيم باشا إلى إلغاء دورهم السياسي
في إقليم جبل عامل تماماً وتهميشهم، وتعيين متسلمين شهابيين عليهم، كانوا شديدي الوطأة في التعامل معهم.
على أية حال، انتهى الحكم المصري لبلاد الشام، وعادت تلك البلاد إلى حكم العثمانيين المباشر، وتم تعيين "حمد البك" حاكماً عاماً في جبل عامل، وأغدقت الدولة عليه بالعطايا الثمينة، وفوضت إليه حكومة جبل
عامل كما كان حال أسلافه من قبل(156). وانتدبه العثمانيون لتأديب عرب اللجا في حوران بعدما نبذوا طاعتهم، فجهز حملة من جنده وأنصاره سنة 1269هـ/1852م، وخرج بها إلى جسر بنات
يعقوب(157). ولكن انشغال العثمانيون بحربهم مع الروس حملهم على التصالح مع عرب اللجا والعدول عن خطتهم، وأوعزوا لحمد البك بالرجوع إلى تبنين مقر حكمه بعد أن نال ثقة رجال الدولة
وثناءهم(158).
ويبدو أن العثمانيين حاولوا استغلال الثورة التي حدثت أواخر عهد الحكم المصري سياسياً، فعندما تم تعيين عمر باشا النمساوي حاكماً على جبل لبنان سنة 1258هـ/1842م، بدلاً من الأمراء الشهابيين، رفض
جل نصارى لبنان الاعتراف به، وأصروا على إعادة هؤلاء الأمراء للحكم تساندهم فرنسا. بينما بقي الموقف العثماني على حاله من رفض عودة هؤلاء الأمراء تعاضدها بريطانيا(159).
وسعى العثمانيون بشتى السبل للفوز بتأييد الأهالي لهذا الرفض، فوسعوا صلاحية حمد البك وعززوا نفوذه وطلبوا منه أن يجمع التواقيع على العرائض المحررة في مدح الحكم العثماني المباشر واسترحام الدولة في
صون البلاد من الحكم الشهابي الجائر(160).
لم يعط المؤرخون أية معلومات تاريخية عن الفترة التي أعقبت توسيع صلاحية حمد البك وتعزيز نفوذه وحتى وفاته – كما سيأتي بيانه.
حكومة علي بك الأسعد:
بعد وفاة حمد البك سنة 1269هـ/1852م، خلفه علي بك الأسعد بمعاونة أخيه محمد بك الأسعد(161)، واستمر في حكمه ثلاثة عشر عاماً حتى سنة 1282هـ/1865م، وكان لقبه الرسمي في المراسلات
الحكومية رئيس العشائر وشيخ مشايخ بلاد بشارة كما كان أسلافه من قبل، ويعد عصره بحق عصر الشيعة الذهبي في العهد الأخير في جبل عامل، حيث ساد الأمن، وانصرف الأهالي للزراعة، وارتفع شأن الشيعة.
كما ازدهر الأدب العاملي وانتعشت اقتصاديات البلاد وكان للقطن والتبغ العاملي سوق رائجة في مصر وغيرها من البلدان(162).
وتجدر الإشارة إلى أن عهد على بك الأسعد في السياسة والرياسة والأدب كان استمراراً لعهد عمه حمد البك رغم الاختلاف في الظروف بين العهدين. عهد الانتقال من حكم المصريين والشهابيين إلى حكم
العثمانيين المباشر وما رافق ذلك من تطورات وملابسات في أيام حمد البك وعهد الاستقرار في مقاطعات جبل عامل وتغيير الأنظمة الإدارية والمالية في أيام علي بك تغييراً جعل حكام المقاطعات موظفين مسئولين عن
واجباتهم القانونية والإدارية تجاه المراجع العليا في الدولة وتجاه النابهين من أهالي البلاد(163).
غير أن جهل الحكام بالأنظمة الجديدة أو تهاونهم بها، واسترسالهم مع التقاليد العائلية والإقطاعية بذخاً واستهتاراً واعتسافاً قلل من شأنهم لدى المراجع العليا في الدولة وأدى بعلي بك وأخيه محمد بك في
النهاية إلى الاعتقال كما أدى بغيرهم إلى الإقالة(164).
ومهما يكن من أمر، فإن أهالي جبل عامل استفحل أمرهم في عهد علي بك الأسعد وأخيه، فأصبحت قصور تبنين محط الرحال ومقصد الوفود، فبسطوا نفوذهم على الأقاليم المجاورة وأنشأوا علاقات ودية مع
أمراء البادية ومشايخ القبائل كآل المزيد رؤساء عشيرة بني حسن من غزة، وآل الدوخي رؤساء قبيلة ولد علي من غزة، وآل الحاسي رؤساء الهوارة والهنادي(165).
واستعانت حكومة الإيالة في بيروت بعلي بك لقمع الثورات وإخماد الفتن التي حصلت في أرجاء البلاد، ومنها ثورة جبال النصيرية التي تزعمها إسماعيل خير بك والد هواش بك الزعيم العلوي الكبير ورئيس
عشيرة المتاورة المعروفة بشدة البأس ووفرة العدد، وقد تمكن علي بك من إخماد هذه الثورة بحنكته دون إهراق دماء، واستمال الزعيم العلوي إلى مركز الإيالة ليقدم خضوعه لرجال الدولة(166)، كما تمكن من نجدة
الأكراد الذين كان يقودهم محمد سعيد باشا شمدين أمير الحج الشامي بعد أن هاجمتهم عشائر الهوارة والهنادي، فهزمهم وأجبرهم على مصالحته. وكان له دور بارز في تنقية الأجواء بين آل المزيد وآل الدوخي،
وحسم ما بينهم من خلاف(167).
يتضح مما سبق ذكره، أن علياً بك الأسعد كانت له مكانة بارزة يحترمها الجميع، وقوة عسكرية حققت له الاستقرار على حدود مقاطعته والحد من نفوذ القبائل البدوية التي حاولت مهاجمة قافلة الحج الشامي.
وكان لعلي بك الأسعد وعشائر جبل عامل موقفٌ مشرفاً في الحرب الأهلية التي اشتعلت أوارها بين الدروز والمسيحيين سنة 1277هـ/1860م، عندما لجأ الكثيرون من المسيحيين المنكوبين إلى جبل عامل
وحلوا فيه ضيوفاً على الرحب والسعة بعدما حماهم الشيعة وآووهم، وحالوا دون وقوع الأذى على نصارى مقاطعتهم(168).
وحاول محمد بك الأسعد الوقوف في صف المسيحيين وكبح جماح الدروز عندما هاجموا جبع، آخر بلاد المتاولة الشمالية، ونهبوا الأموال والأمانات التي كان المسيحيون النازحون قد أودعوها في دار العلامة
الشيعي الشيخ عبد الله نعمة، فأسرع محمد بك على رأس ألف فارس إلى جبع لمهاجمة الدروز، غير أن سياسة الدولة يومئذ قضت بإيقاف الهجوم الذي حال دونه خورشيد باشا والي إيالة صيدا، فسوّى القضية وأعاد
المنهوبات(169).
وكان قد قدم إلى سوريا في ذات الوقت وزير الخارجية العثماني فؤاد باشا، مندوباً فوق العادة لإصلاح شؤون سوريا اثر الحرب الأهلية التي نشبت بين الطوائف في لبنان ودمشق ووادي التيم. وقام وفد من
زعماء جبل عامل برئاسة على بك الأسعد بزيارته، فأكرم الوزير وفادتهم وأثنى على طاعتهم للدولة. واحتفى بعلي بك وعينه مستشاراً في المجلس الأعلى الذي ألفه للنظر في شؤون سوريا والتحقيق في الفتن التي
ثارت فيها. كما أوكل إليه حفظ الأمن في ضواحي دمشق وحوران ووادي التيم، وحماية منكوبي المسيحيين وتأمين نقلهم إلى السواحل ومطاردة الثوار الفارين(170).
لم يدم الوفاق بين فؤاد باشا وعلي بك الأسعد طويلاً، لقلق الباشا من ازدياد نفوذ علي بك وكثرة جنده، ولما كانت الدولة العثمانية قد بدأت بإصلاح نظام الإدارة وإلغاء الحكم الإقطاعي، أخذ فؤاد باشا في كيل
المديح لعلي بك في العلن، ويسعى للقضاء عليه في السر. واستغل الخلاف الناشب بينه وبين نسيبه تامر بك الحسين(171) الذي كان ينافس على بك في حكومة جبل عامل ورئاسة العشائر كلها(172).
ويبدو أن الخلاف بين علي بك وتامر بك الحسين تفاقم سنة 1282هـ/1865م، بعدما أمر علي بك بعزله من حكومة هونين ومرجعيون بصفته حاكم المقاطعة ورئيس العشائر وشيخ مشايخ بلاد بشارة، وعيّن محمد بك
الأسعد مكانه، ولكن والي صيدا خورشيد باشا لم يوافق على هذا الإجراء لأنه يخالف الخطة السياسية التي درج عليها لإضعاف سلطة علي بك، وسرعان ما أصدر أمراً باعتقال علي بك ومحمد بك الأسعد لوشاية
خصومهما، ونقلهما إلى بيروت وظلا بها بضعة أشهر(173).
وفي تلك الأثناء ألغى الباب العالي إيالة صيدا وضمها إلى إيالة دمشق تحت مسمى "ولاية سوريا"، وأصبحت بيروت متصرفية تابعة للشام، وعُيّن "شرواني محمد رشدي باشا" والياً لسوريا، وكان على
علاقة جيدة بعلي بك الأسعد، فدعاه مع محمد بك إلى دمشق وأكرم وفادتهما، وحصل على بك على وعدٍ بإعادته إلى مقاطعته. ويبدو أن شرواني محمد رشدي باشا كان أكثر حنكةً ودهاءً من خورشيد باشا ومخالفاً له
في أسلوب إدارته، ورأى أن الوقت غير ملائم لتنفيذ برنامج فؤاد باشا، ولكن تفشي وباء الهواء الأصفر (الكوليرا) في دمشق قضى على آمال الجميع، فمات علي بك متأثراً به في ربيع الأول 1282هـ/1865م،
وتبعه محمد بك بعد أربعة أيام(174).
ويبدو أن الآراء اختلفت حول الأسباب التي أدت إلى اعتقال علي بك ومحمد بك الأسعد وإقصائهما عن الحكم، فشبيب باشا بن علي بك الأسعد يؤكد أن الاعتقال تم بوشاية تامر بك الحسين لدى خورشيد باشا
والي إيالة صيدا بعد خلاف بينه وبين علي بك واشتهاره بالحقد وعدم التروي بأموره مما دعا على بك لعزله وتبديله بمحمد بك الأسعد(175).
ولكن بعض الباحثين يشكك بهذه الرواية، على أساس أن رتبة رئيس العشائر كانت شرفية لا رتبة رسمية تمنح صاحبها الحق في عزل من يشاء وتوظيف من يشاء من الحكام، أو تفرض على بقية رؤساء
العشائر أن يأتمروا بأمره طوعاً أو كرهاً(176).
وبناء عليه، فإن عزل تامر بك الحسين وتعيين محمد بك الأسعد لم يكن من صلاحية علي بك. ولو كان خورشيد باشا ينوي فقط عزل علي بك ومحمد بك لا أن يعتقلهما، لأرسل أوامره بالعزل مع قوة
عسكرية، لا أن يطلبهما إلى مركز الولاية في صيدا ويعتقلهما. كما أن خورشيد باشا لو كان يحسب الحساب لأنصار علي بك ورجاله وقواده يومئذ لما صمم وعزم على المرور في قلب بلاد بشارة لإجراء التحقيق
الصارم مع أعوان البكوات (علي ومحمد) في نفس الوقت الذي اعتقلهما فيه. ولو كان تامر بك الحسين له ضلع في هذه القضية لتم إعادته إلى مكانه في الحكم، وإنما تم تعيين حكاماً من خارج البلاد بدلاً
منه(177).
وثمة سببٌ مغاير أدى إلى اعتقال البكوات، يتمثل في جمعهما الأموال الأميرية من أهالي البلاد وعدم تسديدها لخزينة الدولة على مدى سنة أو أكثر(178). غير أن هذا السبب لا يوجد دليل يؤيده، إذ لا
يوجد في المراجع العاملية أو غيرها ما يثبت ذلك.
كما أنه من السابق لأوانه إلقاء التهم جزافاً بحق تامر بك الحسين فيما يخص وشايته بأبناء عمومته، فقد أكد محمد جابر آل الصفا أن تامر بك بعدما أدرك ووعى نية رجال الدولة من تصفية النفوذ السياسي
للزعماء المتاولة، عرض على علي بك ومحمد بك الأسعد مساعدتهم والقيام بثورة ضد السلطة، فرفضا حتى لا تتدهور الأمور أكثر من ذلك(179)، وقطعاً فإن تامر بك لم يعرض مساعدته على البكوات بعد إلقاء
القبض عليهما.
وبوفاة علي بك الأسعد سقطت الحكومة الإقطاعية الثالثة، وزال الحكم الوطني الإقطاعي تماماً من البلاد وحكمها العثمانيون حكماً مباشراً، كما فقدت طائفة المتاولة العزة والمنعة والاستقلال الذاتي الذي تمتعت
به زمناً وكثر بعدها أدعياء الزعامة ومدّعو الرئاسة(180).
أن الفجوة بين الشيعة المتاولة وجيرانهم من الطوائف الأخرى ازدادت اتساعاً في القرن التاسع عشر، بعدما خضع لبنان لتحولات سياسية واجتماعية وفكرية عميقة، وقُدّر عدد الشيعة في متصرفية جبل لبنان التي
أسست سنة 1861م، بـ6% فقط من إجمالي عدد السكان(181).
كما تجدر الإشارة إلى أن الشيعة في مناطقهم لم يثيروا اهتمام أي جهة أجنبية تدعم مصالحهم الاقتصادية والسياسية اللهم في بعض الأحيان عندما كانت الأسرة القاجارية في إيران تعبر من وقت لآخر عن
اهتمامها بشؤونهم خاصة بعدما بدأ بعض الإيرانيين الشيعة بالاستيطان في جبل عامل والبقاع مكونين مجتمعاً تجارياً، ولكن حالة العداء المتواصلة بين العثمانيين والقاجاريين كانت تضعف من الاهتمام الإيراني بشيعة
لبنان(182).
ومما تجدر الإشارة إليه أن الاهتمام الإيراني بلبنان وبشيعته قد عادت إلى الظهور مرة أخرى بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران عام 1400هـ/1979م، واندلاع الحرب العراقية – الإيرانية في العام التالي، وذلك
لسببين رئيسيين هما: أولاً- دعم الأقلية الشيعية في العالم العربي. وثانياً – استغلال التعاطف الشعبي الإسلامي لقيام جمهورية إسلامية عالمية تشمل كافة أنحاء العالم الإسلامي.
وبعد زوال حكم العشائر في جبل عامل عام 1282هـ، عينت الدولة قاضياً حنفياً في مركز كل قضاء في صيدا وصور ومرجعيون ليكون مرجعاً لجميع الفرق والمذاهب في الحكم والقضاء، ومُنِع الناس من الترافع
إلى غيره والحكم بغير المذهب الحنفي(183).
نتائج الدراسة
بالإمكان تدوين عددٍ من النتائج تمخض عنها البحث، منها:
أن العلاقات العثمانية العاملية توترت نتيجة انتساب العامليين للمذهب الشيعي الذي ينتمي إليه أيضاً حكام إيران الصفويين. ويبدو أنه وكرد فعل مباشر للخلافات العثمانية الصفوية، فإن آثاره قد ارتدت على شيعة
جبل عامل طوال فترة الحكم العثماني لبلاد الشام.
وقد اضطر والي عكا وصيدا الجديد سليمان باشا إلى إبرام معاهدة صلح مع المتاولة العامليين نتيجة لازدياد هجمات ثوارهم ضد عساكر الدولة العثمانية، بصرف النظر عن دور الأمير بشير الثاني الشهابي في إتمام
هذا الصلح، حيث حاول بعض المؤرخين أن يجعلوا من العامليين أتباعاً منقادين للأمير بشير يهتدون بمشورته. وتلك صورة مغايرة تماماً لما دأب عليه مشايخ المتاولة من الانفراد بقرارهم السياسي إلى حد ما، حتى
أنهم عندما تحالفوا مع الشيخ ظاهر العمر من قبل كان لهم قرارهم السياسي المستقل عنه.
وساهم مشايخ المتاولة في حروب الدولة العثمانية في بعض الفترات لصد المد الوهابي الذي هدد حدود الشام، ومساعدتهم لسليمان باشا في حربه ضد والي دمشق يوسف كنج باشا للحصول على ولاية دمشق نفسها.
كما تطورت علاقة المتاولة بعبد الله باشا خلف سليمان باشا وتحسنت بعدما وافق على منحهم المزيد من أملاكهم التي كان الجزار قد صادرها من قبل، مما أدى إلى ازدياد رسوخ الاستقلال السياسي لهم في جبل عامل.
ثم عمد الحكم المصري لبلاد الشام بزعامة إبراهيم باشا إلى إسقاط الحكومة الإقطاعية الثانية لجبل عامل، بعدما منح إبراهيم باشا حكم صيدا وصور للأمير بشير الثاني الشهابي مكافأة له على مساعدته للمصريين في
حروبهم الشامية. وقد عامل الأمير المذكور سكان جبل عامل المتاولة في ظل الحكم المصري معاملة تتسم بالقسوة، مما أدى إلى انضمام المتاولة العامليين إلى التحالف العثماني الأوروبي لطرد المصريين من الشام،
بعدما بالغ إبراهيم باشا في سياسة التجنيد الإجباري ونزع السلاح من الأهلين مساهم الشيخ "حمد البك المحمد" مساهمة فعالة في مساندته للعثمانيين، وعينوه حاكماً عاماً لجبل عامل وشيخاً لمشايخ المتاولة عرفاناً
بالجميل له، وبداية الحكومة الإقطاعية الثالثة.
ثم تولي علي بك الأسعد الحكم بعد وفاة عمه حمد البك. ويعد عصره، عصر الشيعة الذهبي في العهد الأخير في جبل عامل، لانتشار الأمن وازدهار الزراعة، وسمو مكانة علي بك نفسه، ففرض احترامه على الجميع،
وكانت لديه قوة عسكرية حققت له الاستقرار على حدود مقاطعته والحد من نفوذ القبائل البدوية التي حاولت مهاجمة قافلة الحج الشامي. وكان له ولعشائر جبل عامل موقف مشرف من الحرب الأهلية التي اشتعلت
أوارها بين الدروز والمسيحيين، وساندوا المنكوبين المسيحيين الذين لجأوا إلى جبل عامل.
وأخيراً تم إلغاء ولاية صيدا وضمها إلى ولاية دمشق تحت اسم "ولاية سوريا"، وغدت بيروت متصرفية تابعة للشام، وبذلك خضع لبنان كله للحكم العثماني المباشر، وبالتالي أُلغي الحكم الإقطاعي تماماً في
جبل عامل عام 1282هـ/1865م.
حواشي البحث
--------------------------------------------------------------------------------
· الغِرَارة: (جمع غرائر) أي الجواليق بمعنى العِدْل من صوف أو شعر وهو الخُرْج الذي يُحمل على جنب البعير ويُعدل بآخر.
أنظر: المنجد في اللغة والأعلام، ط33، دار المشرق، بيروت 1992، ص547، 98، 491.
(1) الأمين، محسن: خطط جبل عامل، ط1، ص51.
(2) لمزيد من التفاصيل عن أصول جبل عامل وسكانه، أنظر:
آل الصفا: ص33-49.
(3) Lammens (S.J.), La Syrie Précis Historique, Vol. II, p.182.
(4) بلاد بشارة: يحدها شمالاً نهر الليطاني الذي يفصل بين بلاد بشارة وبين الشقيف، وجنوباً نهر القرن الجاري شمال طرشيحا وجنوبي قرية الزيب، وغرباً شاطئ البحر المتوسط، وشرقاً
الحولة وحاصبيا في وادي التيم وطرف بلاد البقاع، وبشارة هذا المنسوب إليه تلك المنطقة غير معلوم، وكان يحكم بلاد بشارة آل علي الصغير.
الأمين: ص132-133.
(5) المتاولة: جمع متوالي (متوالٍ)، وهو مصطلح مأخوذ من الموالاة وهي الحب، لموالاة الشيعة أهل البيت النبوي الشريف. ويبدو أن تلقيب الشيعة بهذا اللقب في جبل عامل لم يتقدم عن
القرن الثاني عشر للهجرة حيث بدأ في الظهور عام 1100هـ. وكان اللبنانيون في الشمال يقولون "متاولة" والفلسطينيون في الجنوب يقولون "بني متوال".
علي، محمد كرد: خطط الشام، ج6، ص352-353. والزين، علي: للبحث عن تاريخنا في لبنان، ط1، ص166.
(6) لمزيد من التفاصيل عن أقسام جبل عامل، أنظر: الأمين: ص131-135.
(7) آل الصفا: ص2
(8) أنظر: الصباغ، ميخائيل: تاريخ الشيخ ظاهر العمر، ص11. والعورة، إبراهيم: تاريخ ولاية سليمان باشا العادل، ص111. و
Charles-Roux (F.), Les Echelles des Syrie et de Palestine, p.207.
(9) آل الصفا: ص74.
(10) مصطلح إقطاع مشتق من أقطع ومعناه منح الحق بتمليك نتاج الأرض فقط. وفي العهد العثماني كان الإقطاعيون يدعون مقاطعجية (جمع مقاطعجي). وكان الحكم الإقطاعي وراثياً للأنسب والأرشد أو
الأفندي في الأسرة . نفس المرجع السابق، ص88.
(11) مؤلف مجهول: حسر اللثام عن نكبات الشام، ط1، ص 28.
(12) فرحات، هاني: الثلاثي العاملي في عصر النهضة، ص 25 – 26.
(13) معمر، توفيق: ظاهر العمر، ص 9.
- الصباغ، ميخائيل: ص 10- 11.
(14) عبد الكريم، أحمد عزت: التقسيم الإداري لسورية في العهد العثماني ص134، 173-175.
(15) بولياك: الإقطاعية في مصر وسورية وفلسطين ولبنان، ص 137 – 146.
(16) Cobban (Helena), The Growth of Shi’i Power in Lebanon, pp.138-139.
(17) فرحات: المرجع السابق، ص 26.
(18) نفسه.
(19) آل الصفا: المرجع السابق، ص 89.
(20) نفس المرجع، ص 89-90.
(21) نفس المرجع، ص 104 – 105.
(22) ترحيني، فايز: الشيخ أحمد رضا والفكر العاملي، ط1، ص 18.
(23) الحُر، عبد المجيد: معالم الأدب العاملي، ط1، ص 36-37.
(24) ترحيني: ص 19.
(25) آل شكر: أسرة عاملية يتصل نسبها بالإمام الحسن بن علي رضي الله عنهما. نشأت في قرية عيناثا جنوبي جبل عامل. وهي إحدى الأسر التي حكمت بلاد بشارة الجنوبية ردحاً من
الزمن، ونازعت آل نصار الوائليين الحكم إلى أن تمكن علي الصغير من الفتك بهم والقضاء على دولتهم.
أنظر: آل الصفا: ص 42- 43.
(26) الزين، علي: المرجع السابق، ص 264.
(27) مؤلف مجهول:هذا تاريخ جبل الدروز والقطرين الشامية والمصرية، مخـ، ورقة 4أ. ومؤلف مجهول: نزهة الزمان في حوادث جبل لبنان، مخـ، ورقة 32ب.
(28) لمزيد من التفاصيل عن حملات الأمير ملحم حيدر الشهابي على جبل عامل. أنظر:
مؤلف مجهول: نزهة الزمان، ورقة 35ب – 36 أ. و مؤلف مجهول: هذا تاريخ جبل الدروز، ورقة 6 ب – 7 أ. و بازيلي، قسطنطين: سوريا وفلسطين تحت الحكم العثماني، ص 43.
(29) العورة، إبراهيم: المرجع السابق، ص 141.
(30) أبو نحل، أسامة: ظاهر العمر في فلسطين وعلي بك الكبير في مصر: دراسة تاريخية مقارنة. رسالة ماجستير غير منشورة، ص 152 – 158.
(31) بازيلي: ص 57 – 58.
(32) المرة الأولى التي تخلى فيها العامليون عن نجدة حليفهم ظاهر العمر كانت أثناء حملة محمد بك أبي الذهب على فلسطين وهدفها القضاء على حكم الشيخ ظاهر، مما اضطرهم لتقديم الولاء
لأبي الذهب. أما المرة الثانية فكانت بعد فشل حملة أبي الذهب ومجيء حملة حسن باشا قبطان أمير الأسطول العثماني، الذي تمكن من القضاء على إمارة الشيخ ظاهر العمر وقتله.
أبو نحل: ص 290 – 292، 300- 302.
(33) نفس المرجع، ص 270، 311.
(34) الترك، نقولا: حوادث الزمان في جبل لبنان، مخـ، ورقة 52 ب – 53أ. ومؤلف مجهول: قصة أحمد باشا الجزار، مخـ، ورقة 15 ب – 16 أ.
(35) رسالة نائب القنصل الفرنسي في صيدا بتاريخ 20/8/1776م (ACCM, J-802)
(36) رسالة القنصل الفرنسي في صيدا بتاريخ 18/10/1780، 2/10/1781م.
(Aff. Et. B1 1038, 1039).
(37) لمزيد من التفاصيل عن موقعة يارون، أنظر:
الترك، نقولا: ص ورقة 63 ب. ورسالتا القنصل الفرنسي في صيدا بتاريخ 2/10/1781، 22/6/1782م.
)Aff. Et. B1 1039) .
(38) أنظر: بيضون، إبراهيم وآخرون: صفحات من تاريخ جبل عامل، ص 70-71. و سبيتي، علي: جبل عامل في قرنين. العرفان، مجـ 5، جـ1، ص 23. والركيني، حسن
حيدر: جبل عامل في قرن، العرفان، مجـ 29، جـ1، ص 75. ومؤلف مجهول: تاريخ أسرة بشير الشهابي. مخـ، ورقة 40 أ.
(39) بيضون: ص 71.
(40) أبو نحل، أسامة: أحمد باشا الجزار: إدارته وعلاقاته السياسية والاقتصادية بالقوى الإقليمية والدولية من 1775-1804م. رسالة دكتوراه غير منشورة، ص 118.
(41) آل الصفا: المرجع السابق، ص 98.
(42) نفس المرجع، ص 98 – 99.
(43) رستم، أسد: بشير بين السلطان والعزيز، القسم الأول، ص 1.
(44) الشهابي، حيدر: لبنان في عهد الأمراء الشهابيين، ص 408 – 409.
(45) نفس المرجع، ص 412- 413.
(46) الزين، علي: فصول من تاريخ الشيعة في لبنان، ط1، ص 104.
(47) الشهابي، حيدر: المرجع السابق، ص 415.
(48) الزين، علي: المرجع السابق ونفس الصفحة.
(49) نفسه.
(50) نفسه.
(51) العورة: المرجع السابق، ص 34.
(52) نفسه. و آل الصفا: ص 140.
(53) العورة: ص 33 – 34.
(54) نفس المرجع، ص 34 – 36.
(55) نفس المرجع، ص 36- 37.
(56) نفس المرجع، ص 37 – 48.
(57) الزين، علي: فصول من تاريخ الشيعة، ص 120.
(58) سبيتي، علي: جبل عامل في قرنين، ص 24.
(59) الزين، علي: المرجع السابق، ص 120 – 121.
(60) نفس المرجع، ص 121 – 125.
(61) للإطلاع عن الخلاف الذي دار بين أبناء ناصيف النصار، أنظر: المرجع السابق، ص 125 – 129.
(62) العورة: ص 48 – 52.
(63) سبيتي، علي: ص 24.
(64) أنظر العورة: ص 180، 200 – 204.
(65) نفس المرجع، ص 98 – 99.
(66) أنظر: الشهابي، حيدر: لبنان في عهد الأمراء، ص 512. والريس، محمد ضياء الدين: الشرق العربي والخلافة العثمانية، ج1، ص217. و:
Koury (George John), the Province of Damascus, 1783-1832, PhD Dissertation, P.131.
(67) رستم: بشير بين السلطان والعزيز، ص 27.
-Holt (P.M.), Egypt and the Fertile Crescent, P.233.
(68) الريس: نفس الصفحة.
(69) Koury, op. Cit, P.P. 131
(70) لمزيد من التفاصيل أنظر:
العورة: ص 98. و رستم: ص 29.
(71) قاسم، جمال زكريا وآخرون: الأزمة اللبنانية، ص 54.
(72) العورة: نفس الصفحة.
(73) الركيني، حسن حيدر: جبل عامل في قرن، مج 29، ج4، ص681. والشهابي، حيدر: تاريخ الأمير بشير الكبير، القسم الأول، ص 21.
(74) العورة: ص 101.
(75) نفس المرجع، ص 101 – 102.
(76) نفس المرجع، ص 102.
(77) أنظر: نفس المرجع، ص 104 – 107.
الدمشقي، ميخائيل: تاريخ حوادث الشام ولبنان (1782 – 1841)، ص 25-27. والشدياق، طنوس: أخبار الأعيان في جبل لبنان، ص 483 – 486.
-Koury, op. cit, PP. 134-135.
(78) العورة: ص 128.
(79) قاسم، جمال زكريا: ص 54 -55.
(80) الشهابي، حيدر: لبنان في عهد الأمراء الشهابيين، ص 556.
(81) نفس المرجع، ص 556 – 557.
- Holt, op. Cit, P.233.
(82) العورة: نفس الصفحة. و رستم: ص 29.
(83) العورة: ص 128 – 131. والشهابي، حيدر: تاريخ الأمير بشير، ق 1، ص 22.
(84) الركيني، حسن حيدر: ص 681.
(85) العورة: ص 139 – 142.
(86) نفس المرجع، ص 142.
(87) نفس المرجع، ص 142 – 143.
(88) نفس المرجع، ص 464. والركيني، حسن حيدر: ص 682.
(89) العورة: ص 301 – 302.
(90) الريس: الشرق العربي، ص 218.
(91) منصور، أسعد: تاريخ الناصرة، ص 59. و سبيتي، علي: جبل عامل في قرنين، مج 5، ج1، ص 24.
(92) منصور: نفس الصفحة.
(93) الشهابي، حيدر: تاريخ الأمير حيدر، ج 4، ص 1247.
(94) نفس المرجع، ص 1247 – 1248.
(95) الركيني، حسن حيدر: ص 682.
(96) الشهابي، حيدر: ص 1251.
(97) نفس المرجع، ص 1251 – 1252.
(98) الركيني، حسن حيدر: ص 683.
(99) سبيتي، علي: ص 24.
(100) الشهابي، حيدر: ص 1252 – 1253.
(101) نفس المرجع، ص 1253 – 1254.
(102) نفس المرجع، ص 1254.
(103) الركيني، حسن حيدر: نفس الصفحة.
(104) سبيتي، علي: نفس الصفحة.
(105) الريس: الشرق العربي، ص218.
(106) الأمين، محسن: المرجع السابق، ص 135 – 136.
(107) الريس: ص 219.
(108) أنظر: نفس المرجع، ص 219 -220. وقرآلي، بولس: فتوحات إبراهيم باشا المصري في فلسطين ولبنان وسوريا، ص 4. والشدياق: أخبار الأعيان، ص 539.
(109) الشهابي، حيدر: تاريخ الأمير بشير، القسم الثاني، ص 10 -12. ومؤلف مجهول: حروب إبراهيم باشا المصري في سوريا والأناضول، ج1، ص14.
(110) لمزيد من التفاصيل، أنظر:
الشدياق: ص 529، 540 – 541.
(111) رستم، أسد: بشير بين السلطان والعزيز، ص 17.
(112) الشهابي، حيدر: تاريخ الأمير حيدر، ج4، ص 1289. وقرآلي، بولس: فتوحات إبراهيم باشا، ص 9-10، اعتماداً على ورقة سرية مرفوقة بكتاب إلى البطريرك يوسف حبيش
الماروني في ديسمبر 1831م، عن أوراق بكركي.
(113) رافق، عبد الكريم: العرب والعثمانيون (1516 – 1916)، ص 405.
(114) الشهابي، حيدر: تاريخ الأمير بشير، ق 2، ص 13. ومؤلف مجهول: حروب إبراهيم باشا، ص14.
(115) البهجة عبارة عن بستان ومنتزه قام عبدالله باشا ببنائه على نمط العمران الموجود في الآستانة.
سبيتي، علي: جبل عامل في قرنين، مج5، ج1، ص 24.
(116) الزين، علي: فصول من تاريخ الشيعة، ص 145 – 146. نقلاً عن الشيخ محمد تقي الفقيه: جبل عامل في التاريخ، ص 180- 181.
(117) الزين، علي: ص 148.
(118) نفس المرجع، ص 149 – 150.
(119) أنظر الشهابي، حيدر: تاريخ الأمير حيدر، ص1290. ومؤلف مجهول: حروب إبراهيم باشا، ص 23 – 24. ورستم، أسد: الأصول العربية لتاريخ سورية في عهد محمد
علي باشا،مج2، ص45- 46.
(120) الشهابي، حيدر: ص 1295. ومؤلف مجهول: حروب إبراهيم باشا، ص24 (الذي جعل الأمير بشير ابن الأمير قاسم متسلماً على صيدا لا الأمير بشير ملحم كما ذكر الأمير حيدر
الشهابي في تاريخه).
(121) آل الصفا: المرجع السابق، ص 147، 143.
(122) نفس المرجع، ص 147.
(123) ترحيني: الشيخ أحمد رضا، ص 24 – 25.
(124) الشهابي، حيدر: تاريخ الأمير حيدر، ج4، ص 1296. ومؤلف مجهول: حروب إبراهيم باشا، ص 27 – 28.
(125) مؤلف مجهول: المرجع السابق، ص 29 -33.
(126) أنظر: رافق: المرجع السابق، ص 407. والريس: المرجع السابق، ص 244. ومؤلف مجهول: حسر اللثام، ص 69.
- Holt, op. cit, P. 236.
(127) رافق: ص 407 – 408.
(128) سالم، لطيفة محمد: الحكم المصري في الشام (1831 – 1841م)، ص 287 – 293.
(129) أنظر: رافق، ص 407. ورستم، أسد: بشير بين السلطان والعزيز، ص 98. وقرآلي، بولس: فتوحات إبراهيم باشا، ص 53.
Holt, op. cit, pp. 235-236.
–
(130) قرآلي: نفس المرجع ونفس الصفحة. ورافق: ص 408.
(131) سبيتي، علي: جبل عامل في قرنين، ص 25.
(132) الشهابي، حيدر: تاريخ حيدر، ص 1298 – 1299.
(133) الشهابي، حيدر: تاريخ الأمير بشير، ص 86.
(134) الشيخ حسين السلمان حفيد الشيخ عباس المحمد. وكان جده أول من سكن مدينة صور من آل الصغير ورمم سورها وجدد بعض أبنيتها وجعلها مركزاً للمقاطعة التي كان يحكمها سنة
1165هـ. وحسين السلمان هو والد تامر بك الحسين الذي نافس محمد بك الأسعد على مديرية مرجعيون وجبل هونين.
الزين، علي : فصول من تاريخ الشيعة، ص 149.
(135) مؤلف مجهول: حروب إبراهيم باشا، ص 48.
(136) الشهابي، حيدر: تاريخ الأمير بشير، ص 86.
(137) سبيتي، علي: ص 25. وآل الصفا: المرجع السابق، ص 147 – 148.
(138) آل الصفا، ص 148.
(139) نفس المرجع، ص 149.
(140) الزين، علي: ص 152، 156.
(141) مشاقة، ميخائيل: المرجع السابق، ص 113.
(142) رستم، أسد: الأصول العربية لتاريخ سورية، مج2، ص 121 – 122.
(143) حمد البك ابن الشيخ محمد المحمود الذي كان تابعاً لابن عمه الشيخ فارس الناصيف شيخ مشايخ جبل عامل، وتوفي الأخير في حياته سنة 1237هـ. وحمد البك كان عصامياً في رياسته،
إذ لم يرثها عن أبيه أو جده، وإنما استغلها من الظروف التي واتته سنة 1256هـ/1840م، وثورته ضد الحكم المصري كانت شعبية لا ثورة حاكم متسلط.
الزين، علي: ص 158 – 159.
وكان حمد البك يُكنى بأبي فدغم، ولم يكن له ولد.
آل الصفا: ص 57.
(144) Holt, op. cit, P. 236.
(145) آل الصفا: ص 150 -151.
(146) Ibid.
(147) أبو عز الدين، سليمان: إبراهيم باشا في سورية، ص 284.
(148) نفس المرجع، ص 285.
(149) قرآلي، بولس: فتوحات إبراهيم باشا، ص 89 – 91.
(150) أبو عز الدين: ص 287 – 290.
(151) قرآلي: ص 91.
(152) أبو عز الدين: ص 298 – 304.
(153) أنظر نص الخطاب في المرجع السابق، ص 302 – 304.
(154) Holt, op. cit, P.236.
(155) آل الصفا: ص 153.
(156) نفس المرجع، ص 156.
(157) الزين، علي: فصول من تاريخ الشعية، ص171. نقلاً عن: مخطوطة سوق المعادن للعلامة محمد علي عز الدين، ص 61.
(158) آل الصفا: ص 156 – 157.
(159) الزين، علي: ص 172.
(160) لمزيد من التفاصيل عما ورد في نص الكتب التي أرسلتها الدولة العثمانية إلى حمد البك، أنظر:
مؤلف مجهول: حسر اللثام عن نكبات الشام، ص 103 – 106. ومشاقة، ميخائيل: مشهد العيان بحوادث سورية ولبنان، ص 139.
(161) آل الصفا، ص 158.
(162) نفس المرجع، ص 55 – 56.
(163) الزين، علي: ص195.
(164) نفسه.
(165) آل الصفا: ص 158 – 159.
(166) الزين، علي: ص 190 – 191. نقلاً عن: الشيخ محمد تقي الفقيه: جبل عامل في التاريخ، ص 209.
(167) آل الصفا: ص 159.
(168) لمزيد من التفاصيل عن الحرب الأهلية بين الدروز والمسيحيين في صيدا ومساعدة المتاولة للمسيحيين، أنظر:
مؤلف مجهول: حسر اللثام، ص 199 – 209. والزين، أحمد عارف: تاريخ صيدا، ص 81 – 82.
(169) آل الصفا: ص 160. والزين، أحمد عارف: ص 81 – 82.
(170) آل الصفا: نفس الصفحة.
(171) نفس المرجع، ص 161.
وتامر بك الحسين هو ابن حسين بن سلمان بن عباس بن محمد بن نصار الأحمد. وكان يحكم مقاطعتي جبل هونين ومرجعيون كما كانت بنت جبيل مقر حكومته. علماً بأن والده حسين السلمان هو الزعيم الوحيد من
زعماء المتاولة الذي سالم المصريين وكان من أنصارهم بالاتفاق مع الأمير بشير الثاني الشهابي.
نفس المرجع، ص 58.
(172) لمزيد من التفاصيل عن الخلاف بين علي بك الأسعد وتامر بك الحسين، أنظر: نفس المرجع، ص 58 – 60.
(173) نفس المرجع، ص 60.
(174) نفس المرجع، ص 60 – 61.
(175) الزين، علي: فصول من تاريخ الشيعة، ص 201 – 202. نقلاً عن: مقدمة ديوان شبيب باشا الأسعد، ص 111- 113.
(176) الزين، علي: ص 208.
(177) نفس المرجع، ص 209.
(178) نفس المرجع، ص 202.
(179) آل الصفا: ص 161.
(180) نفس المرجع، ص 161 – 162. ومكي، محمد كاظم: الحركة الفكرية في جبل عامل، ص 139.
(181) Olmert (Joseph), The Shi’is and the Lebanese State, P. 190.
(182) Ibid.
(183) الأمين، محسن: المرجع السابق، ص 136.
مراجع البحث
أولاً - المخطوطات:
أ - مراسلات القناصل الفرنسيين المعتمدين في صيدا.
مراسلات هؤلاء القناصل من الأهمية بمكان، بسبب معاصرة كاتبيها للأحداث التاريخية وهي وثائق ذات قيمة تاريخية، وهي موجودة لدى وزارة الثقافة الفرنسية (المركز التاريخي للسجلات المحفوظة الوطنية
Ministre Culture, Centre Historique, de Archieves Nationales, CARAN, Paris).
والوثائق أو المراسلات التي تحمل الرموز (ACCM)، تعني أرشيف الغرفة التجارية بمرسيليا((Archieve de Chambre de Commerce et d’
industrie de Marseille).
أما الوثائق أو المراسلات التي تحمل الرموز (AFF. ET)، فتعني مراسلات الشؤون الأجنبية الموجودة في الأرشيف الوطني بباريس (Les Archieves Nationales,
Paris)
وبيانها كالتالي:
1- (ACCM, J- 802 = Seyde).
2- ) AFF. ET. B1 1038 = Seyde).
3- )AFF. ET. B1 1039 = Seyde).
ب – المخطوطات العربية:
1- الترك، نقولا: حوادث الزمان في جبل لبنان. مخطوط موجود في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق، رقم 4724.
2- مؤلف مجهول: هذا تاريخ جبل الدروز والقطرين الشامية والمصرية. مخطوط موجود في مكتبة برلين الوطنية، رقم 377 (II) 979 we.
3- مؤلف مجهول: نزهة الزمان في حوادث جبل لبنان. مخطوط موجود في المكتبة الوطنية بباريس، رقم Arabe 1684.
4- مؤلف مجهول: تاريخ اسرة بشير الشهابي. مخطوط موجود في المكتبة الوطنية بباريس، رقم Arabe 2111.
5- مؤلف مجهول: قصة أحمد باشا الجزار. مخطوط مصور، موجود في المكتبة المركزية لجامعة القاهرة، رقم 22970.
ثانياً: رسائل علمية غير منشورة:
1- أبو نحل، أسامة: ظاهر العمر في فلسطين وعلي بك الكبير في مصر: دراسة تاريخية مقارنة. رسالة ماجستير غير منشورة، كلية دار العلوم، جامعة
القاهرة 1991م.
2- أبو نحل، أسامة: أحمد باشا الجزار: إدارته وعلاقاته السياسية والاقتصادية بالقوى الإقليمية والدولية من 1775-1804م. رسالة دكتوراه غير منشورة،
جامعة النيلين 2000م.
3- Koury (George John) , The Province of Damascus, 1783 –, 1832, hD Dissertation, the
University of Michigan 1970.
ثالثاً: المراجع:
أ - مراجع باللغة العربية:
1- الأمين، محسن (الإمام): خطط جبل عامل. ط1، تحقيق: حسن الأمين، الدار العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1403هـ (1983م).
2- بيضون، إبراهيم (الدكتور) وآخرون: صفحات من تاريخ جبل عامل، دار الفارابي، بيروت1979.
3- ترحيني، فايز (الدكتور): الشيخ أحمد رضا والفكر العاملي. قدّم له: د. فيكتور الكيك، ط1، منشورات دار الأفاق، بيروت 1403هـ (1983م).
4- الحُر، عبد المجيد (الدكتور): معالم الأدب العاملي، ط1، منشورات دار الأفاق الجديدة، بيروت 1402هـ (1982م).
5- الدمشقي، ميخائيل (الخوري): تاريخ حوادث الشام ولبنان (1782 – 1841)، تحقيق: لويس معلوف، المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1912.
6- رافق، عبد الكريم (الدكتور): العرب والعثمانيون (1516 – 1916)، ط1، دمشق 1974.
7- رستم، أسد (الدكتور): بشير بين السلطان والعزيز، قسمان، القسم الأول، منشورات الجامعة اللبنانية، بيروت 1956.
8- رستم، أسد (الدكتور): الأصول العربية لتاريخ سورية في عهد محمد علي باشا، 5 مجلدات، مج 2، بيروت 1930 – 1934.
9- الريس، محمد ضياء الدين (الدكتور): الشرق العربي والخلافة العثمانية أثناء الدور الأخير للخلافة (1774 – 1924)، ج 1، مكتبة نهضة مصر، القاهرة 1950.
10- الزين، أحمد عارف: تاريخ صيدا، مطبعة العرفان، صيدا، 1331هـ (1913م).
11- الزين،علي (الشيخ): فصول من تاريخ الشيعة في لبنان، ط1،دار الكلمة للنشر، بيروت 1979.
12- الزين، علي (الشيخ): للبحث عن تاريخنا في لبنان، ط1، بيروت 1393هـ (1973م).
13- الشدياق، طنوس: أخبار الأعيان في جبل لبنان، بيروت 1859.
14- الشهابي، حيدر (الأمير): تاريخ الأمير حيدر أحمد الشهابي (لبنان في ظل الإمارة الشهابية)،4 أجزاء، ج4، علق على حواشيه: د. مارون رعد، دار نظير عبود، بيروت 1993.
15- الشهابي، حيدر (الأمير): تاريخ الأمير بشير الكبير، قسمان، جمعه: القس بطرس بدر حبيش، علق على حواشيه: الخوري بولس قرآلي، بيت شباب، لبنان 1933.
16- الشهابي، حيدر (الأمير): لبنان في عهد الأمراء الشهابيين. تعليق: د. أسد رستم وفؤاد افرام البستاني، المطبعة الكاثوليكية، بيروت 1933.
17- الصباغ، ميخائيل: تاريخ الشيخ ظاهر العمر الزيداني. نشر وتعليق: قسطنطين الباشا المخلصي، حريصا 1935.
18- آل الصفا، محمد جابر: تاريخ جبل عامل، ط2، دار النهار للنشر، بيروت 1981.
19- أبو عز الدين، سليمان: إبراهيم باشا في سورية، بيروت 1929.
20- علي، محمد كرد: خطط الشام، ج6، دمشق 1343هـ (1925م).
21- العورة، إبراهيم (المعلم): تاريخ ولاية سليمان باشا العادل. نشره وعلق عليه: قسطنطين الباشا المخلصي، صيدا 1936.
22- فرحات، هاني: الثلاثي العاملي في عصر النهضة، الدار العالمية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت 1401هـ (1981م).
23- قاسم، جمال زكريا (الدكتور) وآخرون: الأزمة اللبنانية: أصولها، تطورها،وأبعادها المختلفة. اصدار المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، القاهرة 1978.
24- قرآلي، بولس (الخوري): فتوحات إبراهيم باشا المصري في فلسطين ولبنان وسوريا، بيت شباب، لبنان 1937.
25- مشاقة، ميخائيل: مشهد العيان بحوادث سوريا ولبنان، القاهرة 1908.
26- معمر، توفيق: ظاهر العمر، الناصرة 1979.
27- مكي، محمد كاظم: الحركة الفكرية في جبل عامل. دار الأندلس للطباعة والنشر والتوزيع، ط2، بيروت، 1402هـ، (1982م).
28- منصور، أسعد (القس): تاريخ الناصرة من أقدم أزمانها إلى أيامنا الحاضرة. القاهرة 1924.
29- مؤلف مجهول: حسر اللثام عن نكبات الشام، ط1، القاهرة 1895.
30- مؤلف مجهول: فتوحات إبراهيم باشا المصري في سوريا والأناضول، ج1، علق حواشيها ووضع فهارسها: د. أسد رستم، المطبعة السورية، القاهرة 1927.
ب- المراجع المترجمة:
1- بازيلي، قسطنطين: سوريا وفلسطين تحت الحكم العثماني. ترجمة: طارق معصراني، دار التقدم، موسكو 1989.
2- بولياك: الإقطاعية في مصر وسورية وفلسطين ولبنان. ترجمة: عاطف كرم، بيروت 1948.
رابعاً – المراجع الأجنبية:
1- Charles – Roux (F.), Les Echelles des Syrie et de Palestine au XV
III Siecle, Paris 1928.
2- Cobban (Helena), The Growth of Shi’i Power in Lebanon an its
implication for the future. In Juan R.I. Cole and Nikki R. Keddie (ed.), Shi’ism and
Social Protest. Yale University Press, New Haven and London 1986.
3- Holt (P.M.), Egypt and the Fertile Crescent, 1516-1922, Cornell
University Press, New York 1966.
4- Lammens (S.J.) , La Syrie Precis Historique, 2 vols. Vol. 11,
Beyrouth 1921.
5- Olmert (Joseph), The Shi’is and the Lebanese State. In Mrtin Kramer
(ed.), Shi’ism Resistance and Revolution, Boulder, Colorado 1987.
خامساً: الدوريات والمعاجم :
1- الركيني، حسن حيدر: جبل عامل في قرن. مجلة العرفان، مج 29، ج1، آذار 1939م (محرم 1358هـ).
2- سبيتي، علي (الشيخ): جبل عامل في قرنين. مجلة العرفان، مج5، ج1، غرة المحرم 1332هـ (29 تشرين ثاني 1913م).
3- عبد الكريم، أحمد عزت (الدكتور): التقسيم الإداري لسورية في العهد العثماني. حوليات كلية الآداب، جامعة عين شمس، مج 1، مايو 1951.
4- المنجد في اللغة والاعلام، ط33، دار المشرق، بيروت 1992 .