::الحلقة الاولى .:. علم الاجتماع :: مقدمة وأصل واراء العلماء حول علم الاجتماع
بتاريخ : 18-08-2006 الساعة : 03:26 PM
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هذه مقدمات حول علم الاجتماع ارجو ان يستفيد فعلم الاجتماع جدا نافع يدخل في سلوكيات المجتمعات ويحدد ظواهرها وماتحدث من عادات وتقاليد اجتماعية ترتبط بها شعوب والقبائل ....
المقدمة
أ ـ الإنسان نفس وبدن وروح، وقد ذكر القرآن الحكيم النفس وجعلها محتملة الأمرين، مثل قوله سبحانه: (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد افلح من زكاها، وقد خاب من دساها)(1).
وقد ذكر البدن بطور حيادي كأنه لا شأن له، مثل قوله سبحانه: (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين)(2).
وذكر الروح بإعظام كالآية الآنفة وغيرها، فكأن البدن سفل، والروح علو، والنفس بينهما إن مالت إلى الأعلى كانت مع العليين، وإن مالت إلى الأسفل كانت في سجين.
والنفس يحيط بها البدن، والبدن في الاجتماع، ويحيط به المدينة ونحوها، وحولها المحيط الطبيعي، والنفس قادرة على إصلاح نفسها، ثم بدنها، ثم الاجتماع، ثم المحيط الاصطناعي، ثم المحيط الطبيعي، كما أن النفس قادرة على تخريب الكل، والمجتمع إنما يتولد من نقطة البدء، فاللازم في علم الاجتماع، أن نشرع من هنا، ونبني الهيكل الاجتماعي الصحيح من النفس النقية النظيفة، و[أفلح] و[خاب] في الآية الكريمة ليسا للآخرة فحسب، وإنما للدنيا أيضاً، فإنه وإن كان مطرح نظر القرآن الحكيم الآخرة فإن الدار الآخرة هي الحيوان، لكنه ينظر إلى الدنيا كقنطرة، ولذا ورد في القرآن الحكيم: (وابتغ فيما آتاك اله الدار الآخرة، ولا تنس نصيبك من الدنيا)(3).
كيفية إعادة المجتمع الإسلامي
ب ـ وحيث أن الاجتماع الإسلامي لألف مليون مسلم قد تحطم، بل قد تحطم الاجتماع البشري كله، حيث استبد بالعالم قيادات غير رشيدة، فــاللازم أن نــتحرى أفضل السبل لإعادة الاجتماع الصحيح، لا بالنسبة إلى المسلمين فقط، بل بالنسبة إلى البشرية جمعاء.
قال سبحانه: (وما أرسلناك إلا كافة للناس)(4).
وقال تعالى: (وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين)(5).
وهذه الإعادة تكون بالأسس الخمسة بإذن الله تعالى، وهي:
التنظيم الحديدي الذي يراعى فيه جانب التنظيم من ناحية، وجانب الحرية من جانب آخر، حتى يكون التنظيم هيكلاً استشارياً في العمل.
قال سبحانه: (من كل شيء موزون)(6).
وقال علي عليه السلام: (نظم أمركم)(7).
وقال سبحانه: (يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم)(8).
التوعية الكاملة المناسبة للعصر، والتي تبدأ [بعد الإيمان الرشيد] بالسياسة، والاقتصاد، والاجتماع، فقد ورد: (وساسة العباد) و: (من لا معاش له لا معاد له) وقال علي عليه السلام: (واجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن لا تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن إليك)(9).
السلم، فإن السلام نبتة لا تقلعها العواصف، قال سبحانه: (ادخلوا في السلم كافة)(10) وشعار الإسلام السلام، وحتى الدولة المرهوبة الجانب، خير لها أن تحل كل مشاكلها بسلام، لأنّه أحمد عاقبة، وأهنأ مذاقاً، والقوة وضعت لقصوى حالة الضرورة، ولذا نرى شعار الأنبياء عند دعوتهم السلام وقد روي عن المسيح عليه السلام: (أحبوا أعداءكم).
الجماهيرية: فلا يكون التنظيم صنماً دون المبدأ، وكل حركة اتخذت الصنمية انفصلت عن الجماهير، وبذلك تذوي وتذبل، وجزاؤها حينئذ أن لا تصل إلى الهدف المنشود، بينما ترى غيرها تقدمت في الميادين، وأخذت الساحات، التي كانت الحركة تأمل كسحها، فالناس إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.
ويأتي أخيراً، دور الاكتفاء الذاتي، فكل محتاج إلى غيره مقود له، وبذلك يفقد صفة القيادة.
قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: (احتج إلى من شئت تكن أسيره، واستغن عمن شئت تكن نظيره، وأحسن إلى من شئت تكن أميره)(11).
تجنب الأخطاء حين العمل
ج ـ ويلزم تجنب الأخطاء التي كثيراً ما تقع فيها الجماعات العاملة مما يسبب وقوفها في منتصف الطريق، أو ارتدادها القهقري.
مثل الانتهازية بالأعمال النفعية، التي لا تؤمن بها الجماعة، وإنما لكسب القوة الوقتية، إذ بعد عمل أو عملين كهذه، تنكشف سوئة الجماعة، ومثل هذه الجماعة غير جديرة بالاعتماد، فينفضّ الناس من حولها، وكثيراً ما ترى حزباً يعمل خمسين سنة أو أكثر ولا يكون إلا كجمعية خيرية كبيرة، لها شعب وفروع وبينه وبين هدفه مسافة شاسعة، وليس ذلك إلاّ لارتكابه مثل هذا الخطأ أو غيره.
أو عدم أطروحة جديدة لهم، بعد نقدهم الأطروحة الموجودة المطبقة في الساحة، فنظامهم الذي يأملون تطبيقه، فيه إبهام وإجمال، من حيث الحريات، أو السياسة والاجتماع والاقتصاد، أو معاملة الأقليات، أو نحو ذلك والناس لا يتركون ما جربوه إلى شيء مجهول، فعلى الجماعة التي تريد التقدم والاشتهار، والسيطرة، أن يكون لها برنامج معلوم مفهوم، ويكون أفضل من البرنامج الموجود، وإلا باء بالفشل.
أو توجس الناس منهم خيفة، حيث لا سلام لهم مع الجماعات والقوى التي في الساحة، وبذلك يأخذون في هدمهم، وتفريق الناس من حولهم، وقد ورد في الحديث: (لو وضع الرفق على شيء زانه، ولو وضع عنه قط إلا شانه)(12).
وفي الحديث: (إن جبرئيل عليه السلام، كلما نزل أمر الرسول صلى الله عليه وآله بمداراة الرجال…)(13) وهكذا يلزم على كل جماعة عاملة أن تدقق في الأخطاء التي وقعت فيها الجماعات الأُخر، فيتجنّبها وإلا كان مصيرها الفشل، كما كان مصير تلك الجماعات.
مراحل العمل
د ـ ثم إن الطريق إلى جمع كلمة المسلمين، وإنقاذهم من براثن التخلف والذل، بعيد المدى، حيث أن الأمراض قد استفحلت فيهم، وقد انطبق على جملة منهم، قوله سبحانه: «في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً»(14) هذا بالنسبة إلى إنقاذ المسلمين فحسب، فكيف بإنقاذ غيرهم، من الذين سقطوا في أنياب الطغاة؟ إذاً، فاللازم على الجماعة العاملة أن تخطط تخطيطاً سليماً، لأجل الوصول إلى الهدف، والتخطيط لابد وان يقسم إلى مراحل ثلاث:
1 ـ المرحلة القصيرة المدة، بالتكـويــن والتنظيم بكـــل هدوء وحـــزم وتعقل، كـــالنبتة تكوّن نفسها ـ بــإذن الله تعالى ـ تحـــت التراب، فتمتص من الماء والنور والأملاح وغيرها حتى تتأهل، لأن تكون نبتة تخـــرج برأسها إلى السطح «كزرع أخرج شطئه»(15).
2 ـ المرحلة المتوسطة المدة، وذلك بوضع الأسس الفكرية الصحيحة المتكاملة اللائقة المؤهلة، لأن تكون بديلة عن الأوضاع السائدة، وهذه المرحلة متوسطة بين الأولى والأخيرة، حيث تهضم في نفسها المرحلة السابقة، وتكون كالفرخ الذي يخرج من البيضة، وقد تقوى بالبيضة وجعلها قاعدة الانطلاق وهذه المرحلة تحمل أعباء المرحلة السابقة، من ناحية، وتؤهل نفسها للمرحلة اللاحقة.
3 ـ ثم يأتي دور المرحلة الأخيرة والنهائية بتجميع القوى والقدرات، وتكوين الأنصار والشمول والسعة، حتى تكون بالفعل بديلاً عن النظام القائم وبذلك تكون الجماعة قد وصلت إلى هدفها المنشود، وتمكّنت من إقامة حكم الله في الأرض، بما لا مثيل له، لا من حيث الحرية، ولا من حيث السلام، ولا من حيث الرفاه.
الميزانية الدقيقة
هو كما نشاهد في عالم الصناعات وجود الميزانية الدقيقة للأخذ والعطاء فإذا زادت الكهرباء مثلاً جعلت الميزانية الضغط منخفضاً، وإذا قلت جعلته عالياً، كل ذلك لحفظ التوازن المطلوب في المحل المجهز بالكهرباء، كذلك يلزم أن تكون الجماعات العاملة ذات ميزانيات دقيقة، تعرف كيف تأخذ الكر والفر مع الضغوط العالمية على البلاد الإسلامية، فإذا علا الضغط تخففه، وإذا انخفض تأخذ بالسير للأمام وهكذا، وهذا الأمر في الإنسان يحتاج إلى رؤية مســتقبــلية دقــيقة، بينما الماديات مثل الميزانية الكهربائية لا تحتاج إلى ذلك.
ثم لا يخفى أن ما ذكرناه في هذا الكتاب، كما أن ما ذكرناه في كتابي [الفقه: الاقتصاد] و [الفقه: السياسة] كان حسب ما وصل إلى الفكر مما يستنبط من الأدلة الأربعة مع أخذ الموضوعات من العرف، حسب (ما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه)(16) و(نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نكلم الناس على قدر عقولهم)(17) ولعل الله سبحانه يقيّض جماعة من علماء المسلمين ليستنبطوا هذه المواضيع الثلاثة بالإضافة إلى الكتب المعنية بهذه الشؤون من قبل، ليجد الطالب فيما يستخرجه من الأوفق بالحق منها بغيته، والله المسؤول أن يوفقنا لاتباع مراضيه، وهو الموفق المستعان.
مرحلة المطالعة لكلمات العرب، ومرحلة كشف القوانين للغة العربية، ومرحلة تنظيم تلك القوانين في الكتب تنظيماً عمودياً، بتقديم ما حقه التقديم وتأخير ما حقه التأخير، وافقيً بترتيب المسائل التي لا ترتيب بينها… وإذا لاحظنا سائر العلوم رأينا فيها المراحل الثلاث، مثلاً: علم الطب يمر بمرحلة ملاحظة الطبيب الأبدان وأمراضها وعلاجها وعلائمها، ثم مرحلة كشف القوانين العامة أو الغالبية، ثم تدوين تلك القوانين عموديا وأفقياً.
وكذلك علم الاجتماع له هذه المراحل الثلاث فالعالم الاجتماعي:
(أولاً): يلاحظ الاجتماع، ويدقق في سير الأمور المرتبطة به تدقيق ملاحظة وإحصاء وكشف، لا تدقيق تجربة وعمل، إذ الاجتماع لا ينفعل وإنما يفعل بخلاف من يجرب دواءً فإنه يجربه بالفعل، أي يزرعه، ويسقيه ماءاً زائداً أو ناقصاً، ويقطعه ويعطيه لحيوان ليرى أثره فيه، إلى غير ذلك، فعلم الاجتماع داخل في سلسلة العلوم [الانفعالية] أي: [أن العالم يلاحظ] لا العلوم [الفعلية] فـ[إن العالم الاجتماعي لا يفعل ولا يجرب].
(وثانياً): يدرك القوانين المطلقة، مثل: قانون [الحسن يحسنه الاجتماع] و [القبيح يقبحه الاجتماع] وأنه [كلما ارتفعت ثقافة الناس ارتفع اقتصادهم] و [كلما تحسن أخلاق الاجتماع تقدمت ســائر شؤونهم] أو المــقيدة ـ أي بزمان أو مكان خاصين ـ مثل: [الولادة في الأرياف أكثر من الولادة في المدن] و [الثقافة في المدن أكثر من الثقافة في الأرياف] حيث أنه لا تلازم بين الأمرين، وإنما الحكم كذلك غالباً، في جملة من المدن والأرياف، لأسباب خاصة سببت هذا الاختلاف.
(وثالثاً): يضع عالم الاجتماع القوانين المكتشفة في مدونات خاصة، مرتبة عمودياً وأفقياً، ويخرج علم الاجتماع إلى الظهور… وقد كان علم الاجتماع قليلاً أو كثيراً منذ القديم منتشراً في كتب، ثم في القرون الأخيرة وضعت له كتب وقواعد وما اشبه، شأنه شأن سائر العلوم، التي كانت منتشرة ثم جمعت في مدونات خاصة، وتكاملت بكثرة البحث والمطالعة.
علم الاجتماع: الموضوع والمسائل والغرض
وحيث أن لكل علم موضوعاً، هو جامع موضوعات مسائله، ومحمولاً هو جامع محمولات مسائله، ومسائل موضوعاتها صغريات كـــلي الموضوع، ومحــمولاتها صغريات كلي المحمول، وبهذه الوحدة الاعتبارية يؤثر ذلك العلم في غرض خاص، هو مورد توجه المدون لذلك العلم… كان لعلم الاجتماع أيضاً تلك الأمور الثلاثة:
أ ـ فموضوع علم الاجتماع هو [كيفية الحياة البشرية من حيث الاجتماع]… وكما إذا قلنا: إن موضوع علم النحو [الكلمة من حيث نطق آخرها] كانت [الكلمة] موضوعاً للعلم جامعاً لموضوعات مسائله و[من حيث نطق آخرها] محمولاً للعلم، جامعاً لمحمولات مسائله… كذلك موضوع علم الاجتماع [كيفية الحياة البشرية] ومحموله [من حيث الاجتماع].
ولا يخفى أن علم الاجتماع بمعناه الأعم، يشمل الاجتماع الحيواني أيضاً مثل حياة النملة والنحلة والأرضة، وما أشبهها، لكن المهم عندنا الآن علم الاجتماع بمعناه الخاص، أي الاجتماع الإنساني.
ب ـ وسائل علم الاجتماع، صغريات ذلك الموضوع والــمحمول العـــامين مثل البحث عن الاجتماع المتقدم والمتأخر، والصناعي والزراعي وغيرهما، والمثقف والجاهل، والغني والفقير، والمستعمر والمستَعمر، إلى غيرها من المسائل الكثيرة.
ج ـ والغرض من هذا العلم: كشف القوانين الاجتماعية العامة أو الخاصة، لأجل معرفة الخطأ والصواب في الاجتماع، حتى يمكن انتشال الاجتماع المتأخر بترشيده الفكري ليعرف مواقع خطئه فيتجنبها، ولحفظ الاجتماع المتقدم عن الانحطاط بممارسة المناهج الصحيحة دائماً، ولحث الاجتماع المتقدم للمزيد من التقدم.
وبذلك ظهر [تعريف علم الاجتماع] بأنه معرفة القوانين الحاكمة على الحياة البشرية من حيث الاجتماع(1).
مهمة علماء الاجتماع
ثم إن العالم الاجتماعي، لدى ملاحظته الاجتماع ووضعه حيث يكلف ببيان الروابط الاجتماعية يلزم عليه:
(أولاً): بيان:
1 ـ الروابط الأحيائية المبعثرة.
2 ـ الروابط التي يجري عليها الاجتماع عادة وتقليداً في شؤونه المتنوعة من ساعة ولادته إلى ما بعد موته، مما يشبه المؤسسات الدائمة، مثلاً: كل اجتماع له مراسيم خاصة للولادة، ومراسيم خاصة للزواج، ومراسيم خاصة للموت، ومراسيم خاصة للتهنئة والتعزية، مما يجري في الاجتماع نسلاً بعد نسل، وكأن تلك المراسيم مؤسسات تحقق خير الإنسان من ساعة ولادته إلى ساعة إهالة التراب مثلاً على قبره.
3 ـ الروابط الدائرة في مؤسساته المختلفة من رسمية أو اقتصادية أو سياسية أو غيرها.
و(ثانياً): بيان مواضع الخطأ والصواب، والحسن والأحسن، والسيء والأسوء، في تلك الأمور الثلاثة الآنفة الذكر، مثلاً: في مراسيم، الموت: من عادة بعض الوحوش أكل لحم ميتهم، ومن عادة بعض المبذرين دفنه بأشياء ثمينة، ومن عادة بعضهم حرق ميتهم، ومن عادة بعضهم دفنه في تابوت، كما أن من عادة المسلمين دفنه بعد تنظيفه [بالغسل] ولفه في ثوب نظيف [كالكفن] إلى غير ذلك، فاللازم على علم الاجتماع أن يبين فلسفة الفساد في الفاسد، والصلاح في الصالح، وبذلك يقرب الاجتماع إلى ما يصلحه ويقدمه، ويبعده عما يفسده ويؤخره.
ثم إن علم الاجتماع لما كان يأخذ سير الاجتماع وخصوصياته ومزاياه، فهو مجموعة علوم، ألغيت فيها جانب مزايا تلك العلوم، وأدرجت في علم الاجتماع، ولذا فاللازم ملاحظة أربعة أمور:
1 ـ علم الاجتماع من حيث الغرض.
2 ـ علم الاجتماع من حيث الموضوع.
3 ـ علم الاجتماع من حيث السند.
4 ـ علم الاجتماع من حيث الحدود.
علم الاجتماع النظري والعملي
أ ـ أما علم الاجتماع من حيث الغرض، فإنه ينقسم إلى:
1 ـ النظري.
2 ـ العملي.
فالأول: هو الذي يعتمد على الذهن أكثر مما يعتمد على الخارج بأن يأخذ من الخارج أشياء ليكشف بها القوانين العامة الحاكمة على الاجتماعات والمؤسسات الاجتماعية، من دون نظر إلى كيفية التطبيقات، بينما الثاني يهتم بالجانب العملي، أي كيف يمكن تطبيق تلك القوانين على الخارج، مثل: أنه كيف يمكن إصلاح الاجتماع؟ كيف يمكن التخطيط والهندسة للاجتماع؟ كيف يمكن القيام بالثورة الاجتماعية؟ وإلى آخره، مثلهما في ذلك، مثل من يتعلم قواعد علم الطب، ومن يتعلم كيف يطبق تلك القواعد على الخارج؟
علم الاجتماع سعة وضيقاً
ب ـ وأما علم الاجتماع من حيث الموضوع، فإن العالم الاجتماعي قد يتكلم، حول هذا العلم بمعناه العام من دون ملاحظة كل مسألة مسألة على حدة، وقد يخصص علمه بمسألة خاصة من هذا العلم، فإنه قد توسعت فروع علم الاجتماع، إلى علم الاجتماع السياسي، وعلم الاجتماع الاقتصادي، وعلم الاجتماع الـــصناعي، وعلم الاجـــتماع الزراعي، وعلم الاجتماع القضائي وعلم الاجتماع الحقوقي، وعلم الاجتماع الديني، والى غير ذلك.
(فالأول): وهو علم الاجتماع ـ بمعناه العام والمطلق ـ يأخذ من كل علم من هذه العلوم قدراً أساسياً، ويتكلم حوله باقتضاب، بينما (الثاني) يجعل أي فرع من تلك الفروع موضع هدفه، ويتكلم فيه بإسهاب، ويلحق بهذا القسم الثاني [فرع الفرع] كما إذا أخذ عالم الاجتماع [جانب الإنتاج الاجتماعي] أو [جانب التوزيع الاجتماعي] بالنسبة إلى الاقتصاد أو [جانب الأحزاب الاجتماعية] أو [جانب القدرة الاجتماعية] بالنسبة إلى السياسة.
علم الاجتماع من حيث السند
ج ـ وأما علم الاجتماع من حيث السند، فإن العالم الاجتماعي قد يسند في استخراجه القوانين إلى الوثائق والمدارك التاريخية، وذلك فيما إذا أراد التحقيق حول [الاجتماع التاريخي] وقد يسند في استخراجه القوانين إلى الاجتماع الحاضر المشاهد، وذلك فيما إذا أراد التحقيق حول [الاجتماع الحاضر] وإذا أراد عالم الاجتماع التحقيق حول ما سيكون عليه الاجتماع في المستقبل كان لابد وأن يسند إلى كلا السندين، لأجل التكهن بالمستقبل، في حدود الإمكان.
علم الاجتماع وسائر العلوم
د ـ وأما الأمر الرابع، وهو علم الاجتماع من حيث الحدود مع سائر العلوم، وبين علم الاجتماع المطلق، وعلم الاجتماع الخاص، فهو على ثلاثة أمور:
1 ـ بين العلم العام والخاص، أي علم الاجتماع بصورة مطلقة، وعلم الاجتماع السياسي مثلاً، والنسبة بينهما نسبة [العموم المطلق] حيث الثاني أخص من الأول، نعم، هناك أمور تذكر في الخاص من حيث الاستيعاب لا يذكر في العام إلاّ بالإجمال والإيجاز.
2 ـ بين علم الاجتماع العام، وعلم الزراعة مثلاً، والنسبة بينهما [عموم من وجه] حيث أن علم الاجتماع يشمل الزراعة الاجتماعية والصناعة والسياسة وغيرها، بينما علم الزراعة يشمل هذا العلم سواء من جهته الاجتماعية أو سائر جهاته.
3 ـ بين علم الاجتماع الخاص، مثل علم الاجتماع الاقتصادي، وبين علم الاقتصاد، والنسبة بينهما عموماً من وجه، حيث أن [علم الاجتماع الاقتصادي] يلون علم الاقتصاد بلون الاجتماع، بينما ليس هذا موجوداً في علم الاقتصاد ومن ناحية أخرى، علم الاقتصاد يتعرض لما لا يتعرض له علم الاجتماع الاقتصادي مثل تاريخ الاقتصاد، وكيفية تحصيل الدولة لما تحتاجه من المال وكيفية صرفه، وأمور البنك وغير ذلك.
ما يجب ملاحظته في التحقيق الاجتماعي
بقي شيء، وهو أن من أهم ما يلزم على العالم الاجتماعي في تحقيقاته ملاحظة أمور:
أ ـ الدقة في التحقيق [فإنه بالإضافة إلى أن العلم أمانة، والخيانة من أشد المحرمات الشرعية العقلية].
قال سبحانه: (إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوماً جهولاً)(2).
إن عدم استقامة القوانين والنظريات الاجتماعية ينتهي إلى ظلم الناس، وذلك محرم عقلاً وشرعاً أيضاً، مثلاً: لو لم يحقق العالم الاجتماعي في الفوائد الاجتماعية لتعدد الأحزاب، مما حبّذ وحدة الحزب اجتماعياً انتهى إلى الديكتاتورية الموجبة لهدر الأموال والأعراض والدماء، فإن العلم يأخذ طريقه إلى العمل غالباً.
قال سبحانه: (وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم)(3).
وقال سبحانه: (ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم)(4).
وقال سبحانه: (ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً) (5).
ب ـ عدم التعصب، فإن المحقق كثيراً ما يقع تحت نير التعصب، وذلك يحرف تحقيقه مما له آثار سيئة، ولا فرق في ذلك بين التعصب لبلده، أو قومه أو دينه، أو جماعته، أو غير ذلك.
ج ـ عدم تأثير القدرة عليه، سواء في الحكومات الديكتاتورية بسبب المال والسلاح، أو في الحكومات الاستشارية بسبب المال والجاه، ولذا نرى سقوط كثير من المؤرخين لأجل تزلفهم للسلطات خوفاً أو طمــعاً، فلا عبرة بتواريخهـــم، وهكذا حال غير المؤرخ من العلماء الذين يتأثرون بالقدرة، ويصبحون فقهاء البلاط، أو وعاظ الملوك، أو شعراء وكتاب الأمراء.
د ـ عدم تأثره بالدعاية والأجواء، فإن عدم الاحتياط والحزم والدقة، يسقط العالم في الأجواء المصطنعة، بدعاية أو غيرها، فإن ذلك أيضاً يوجب الانحراف المسقط للعالم الاجتماعي، وغيره عن درجة الاعتبار ديناً ودنياً.
وقد ورد في الحديث: (رحم الله إمرءا عمل عملاً فأتقنه)(6).
وورد أيضاً: (من أبدى صفحته للحق هلك)(7).
وقال سبحانه: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل له مما يكسبون)(8).
بسم الله الرحمن الرحيم
الصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي الحبيب صدى الاسلام
بارك الله فيك على هذا البحث والمجهود العظيم
اخي العزيز ان علم الاجتماع من العلوم المهمه
في حياة الانسان بوركت يمينك ومشكور اخي