|
عضو برونزي
|
رقم العضوية : 77639
|
الإنتساب : Mar 2013
|
المشاركات : 741
|
بمعدل : 0.17 يوميا
|
|
|
|
كاتب الموضوع :
alyatem
المنتدى :
المنتدى الفقهي
بتاريخ : 31-03-2013 الساعة : 10:58 AM
الأمر الخامس
لا شكّ في أنّ العلماء ليسوا معصومين وليسوا منزّهين عن الهفوات. يقول الشيخ مرتضى المطهّري (ره) تحت عنوان (فكرة العوام حول الكريّة واعتصام العلماء) متحدّثاً عن وضع العلماء ونظرة الناس إليهم، ما ترجمته:
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 47
«إنّ بعض الناس يتصوّر أنّ تأثير الذنب على الإنسان يتفاوت بين فردٍ وآخر، بحيث تؤثّر المعصية في الإنسان العادي وتخرجه من حالة التقوى والعدالة، ولكنّها لا تؤثّر في طبقة العلماء، لأنّهم يتمتّعون بحالة من الكريّة والاعتصام، نظير ما في الماء القليل والكثير؛ فإنّ الماء الكثير إذا بلغ قدر كرٍّ لم ينجّسه شيء؛ مع أنّ الإسلام لا يقول بكريّة أحد ولا باعتصامه ...» «1». وحول عدم ارتفاع طبقة العلماء الكبار عن النقد يقول (ره) في أجوبته عن النقود الموجّهة إلى كتابه (مسألة الحجاب) ما ترجمته:
«أنا كانت لديّ مجموعة من الانتقادات، وقد صرّحت في بعض كتاباتي بأنّ المراجع ليسوا فوق النقد بحسب المفهوم الصحيح لهذه الكلمة، وكنتُ ولا زال أعتقد بأنّ كلّ من ليس معصوماً ويترفّع بنفسه عن الانتقاد ففي ذلك خطرٌ عليه وعلى الإسلام. وأنا بطبيعة الحال لا أزكّي نفسي وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ «2»، ولكن ما أعرفه هو أنّي حفظت لساني عن التعرّض لأحد بسوء، خصوصاً إلى طبقة المراجع، حتّى عن الذين وصلني منهم سوء، هذا مع عدم التقائي مع العوام في اعتقادهم بأنّ كلّ من وصل إلى مقام المرجعيّة فهو مورد عناية إمام الزمان (ع) الخاصّة، وأنّه مصون عن الخطأ والذنب والفسق. وإلّا، إن كان الأمر كذلك، فَقَدَ شرط العدالة موضوعه» «3».
إلّا أنّنا مأمورون بالتريّث في إصدار الأحكام، وأن نراعي في مقام بلورة ردّات الفعل دوائر الأحكام الشرعيّة واللياقات، فلا يجوز الطعن في دين أحد في حال من الأحوال .. ولتكن الحريّة التي نتحلّى بها في النقاش مقيّدة بما تفرضه القيود الشرعيّة، ويتطلّبه البحث العلمي والأخلاقي.
الأمر السادس
لم يعد خافياً على أحد أنّ الحوزة العلميّة تشتمل على تيّارين مختلفين في طريقة تعاملهما وتفاعلهما مع فكرة العمل الإسلامي وإقامة الحكومة الإسلاميّة، إضافةً إلى الموقف من وظيفة المرجع ودوره في عصر الغيبة. ومن هنا، فما قد لا يستحسنه القارئ من أعمال معروضة في الكتاب قد يكون ناتجاً عن الاختلاف في كبريات العمل مع الشخص الوارد ذكره في الكتاب. ومهما كان رأي القارئ في ما يقرأ، ومهما كانت الدرجة التي وصل إليها في قناعاته إزاء حدثٍ أو شخص، فليترك حيّزاً من (المعذريّة) للطرف الآخر في ما اعتقده أو قام به. وعلى هذا الأساس لا أجدني مجبراً في كلّ موردٍ مبرّرٍ عند أصحابه أن أشير إلى هذه المسألة، وليعتبرها القارئ من الكبريات التي يستطيع تطبيقها في كثيرٍ من الموارد التي جاءت في الكتاب.
وإلى جانب ذلك، أطلب من القارئ الكريم أن يأخذ بعين الاعتبار أنّ هناك تفاوتاً بين العلماء في مستوى الوعي والاهتمامات، وهذا ليس افتراءً، وإنّما هو تقريرٌ لواقع ملموس، ولا أحسبني مطالباً أمام أبناء جلدتنا بالبرهنة على ذلك.
ولكن يحلو لي ذكر حادثتين: إحداهما ذكرها لي أحد السادة أثناء تشرّفه بزيارة النجف الأشرف
__________________________________________________
(1) اصل اجتهاد در اسلام (فارسي)، مجموعه آثار20 : 176؛ وانظر: محاضرات في الدين والاجتماع: 529. وفي تتمّة الكلام ما يرتبط ببحث العصمة
(2) يوسف: 53
(3) پاسخهاى استاد به نقدهايى بر كتاب مسأله حجاب (فارسي)، مجموعه آثار19: 623؛ أجوبة الأستاذ: 148- 149.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 48
بعد سقوط نظام البعث، حيث التقى بأحد المراجع المعاصرين المقلَّدين هناك، وبعد أن أكّد لي على تقوى الرجل العالي وورعه وطيبته و ... ذكر لي أنّه بينما كان يبدي لوعته من الوضع الجديد الذي خيّم على العراق، كان ذاك العالم يشكر الله تعالى لأنّ بيته موجود، ودرسه قائم.
كما سمعتُ من أحد معارفي أنّه اعترض على أحد كبار المراجع المعاصرين في قم بأنّ أهالي المنطقة الفلانيّة يشكونه إلى الله تعالى لعدم إرساله العدد الذي يفي بحاجاتهم من المبلّغين، فيجيبه متعجّباً بأنّه سبق وأن أرسل إليهم نسخاً من رسالته العمليّة!!
فهذان نموذجان من اتّجاه نسلّم له بالتقوى والعدالة على المستوى الشخصي، ومتى ما أمّوا الصلاة اقتدينا بهم، ولكنّ كلامنا في ما يصطلح عليه السيّد الصدر (ره) بـ «العدالة الوظيفيّة» التي لا ملازمة- عنده (ره)- بينها وبين «العدالة الذاتيّة».
وعلى الضفة المباينة يقف عددٌ من العلماء ذوي رؤى وآفاق مختلفة تماماً. وتعقيباً على المثال الأخير الذي سقناه، نجد السيّد الصدر (ره) يكتب في إحدى رسائله الخطيّة:
«إنّ المسألة- كما أظنّكم تعرفون بفهمكم الاجتماعي المعهود للأمور- [ليست] مسألة منشور يكتبه الإنسان في السرداب فيقرأه الآخر في السطح فيهتدي، بل هي مسألة تفاعل وعلاقات وتأثير»«1»؛ فبينما يعتبر الفهم الاجتماعي إحدى بديهيّات العمل وحاجاته عند السيّد الصدر (ره)، قد لا يكون لهذه المقولة تعريفٌ واضحٌ في قاموس ذاك.
يقول السيّد محمّد حسين الطباطبائي (ره) ما ترجمته:
«ألا يجب علينا في عالمٍ مثل عالمنا الذي نعيش فيه، حيث تركّزت قدرات الاستقلال المادي المعنوي بيد خصومنا الألدّاء، أن نبادر لنصرة حقائق هذا الدين ونسعى لإحياء كلمته؟ أم يجب علينا أن نترك هذه الأمانة الإلهيّة الثمينة لعبةً تتقاذفها أفكار الخصوم وتلوكها ألسنتهم وتعبث بها أقلامهم، لنجلس نحن في بيوتنا ونمضي الأيّام بحياتنا المعيشيّة بحجّة أنّ للدين صاحباً! فالله عزّ اسمه هو حافظ هذا الدين، والإمام صاحب الزمان (عجّل الله فرجه) صاحبه! لذلك ليس علينا سوى أن نَكِلَ الأمانة (الدين) إلى الله وإلى الإمام صاحب الزمان (عجّل الله فرجه)، ثمّ نتوجّه بالخطاب إلى ساحة الإمام المقدّسة ونقول: [فَاذْهَبْ] أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ «2»، ترى ما هو دخل حفظ الله للدين وحراسة الإمام له بوظيفتنا العبوديّة؟ ...» «3».
إنّ هذا التفاوت في مستوى الوعي ونوعيّة الهموم المعاشة، سينعكس- لا محالة- على سيرة هؤلاء العلماء، وسيؤدّي إلى بروز أنحاء من الاختلافات في ما بينهم. ومن هنا وجدتُ مناسباً الإشارة إلى أنّ قسماً من الاختلاف يرجع إلى هذا النقطة.
وتتميماً لهذه المسألة، لا بأس بالإشارة إلى القطيعة الموجودة بين هذين الاتّجاهين في ما يتعلّق
__________________________________________________
(1) تجدها بإذن الله تعالى في إحدى رسائله سنة 1396 هـ
(2) المائدة: 24
(3) الشيعة .. نص الحوار مع المستشرق كوربان: 231؛ وانظر الأصل الفارسي في: شيعه .. مجموعه مذاكرات با پروفسور هانرى كربن (فارسي) : 207.
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 49
باطّلاع كلٍّ منهما على فكر الآخر. ونحن لا نريد تبرئة أتباع التيّار الإصلاحي المتّهمين بعدم اطّلاعهم الكافي على التراث. ولكن إذا اقتصرنا في عرضنا على الرموز، فإنّ رموز التيّار الإصلاحي- في دائرته الضيّقة- معترفٌ لهم بتمكّنهم من التراث، إلّا أنّني- وبحسب ما أجد- لا أرى مزيد اهتمام من الطرف الآخر بالاطلاع على نتاجاتهم وآرائهم. ولهذا أجد- في معايشاتي اليوميّة- الكثير من المعجبين بفكر السيّد الصدر (ره) الأصولي وفكر الشهيد مطهّري (ره) الفلسفي، ولكنّهم ليسوا على استعداد للاطلاع على نتاجاتهم وآرائهم في ما يتعلّق بما خرجوا به عن الوضع الرتيب. وقد عزّز هذا الواقعَ المزاوجةُ الحاصلة بين التغيير في المجال الإداري والفقهي والحكومتي والدراسي وبين الانقلاب في المجال العقائدي، ما يساهم في انكفاء الطالب عن ذلك، مع أنّه لا ملازمة بين المجالين على الإطلاق.
وفي ما يتعلّق بالسيّد الصدر (ره)- موضوع دراستنا- نقل لي أنّ أحد المراجع ردّ في درسه إشكال أحد طلبته الذي لجأ فيه إلى حساب الاحتمال- الذي يستخدمه السيّد الصدر (ره) بكثرة- معلّلًا بأنّ «ما جاءنا من الغرب نردّه إليه». وعبّر أحد مدرّسي الفلسفة عن هذه النظرة في تعبيره بأنّ نظريّة الاستقراء قد أتى بها السيّد الصدر (ره) من «ألعاب القمار»!!
ونحن نسأل: هل هذا تشويه عفوي، أم أنّه لجوءٌ عمدي إلى نفور المتشرّعة من الغرب ومن القمار لقلب الطاولة على أطروحة الصدر الذي لا ذنب له سوى أنّه استخدم مصطلحاً خلت منه كتب القوم، ولم يذكره الشهيد الثاني في فقهه أو الوحيد البهبهباني في أصوله؟! وعلى ماذا يعتمد الفقهاء- ومنهم فقيهنا- في حياتهم اليوميّة وفي تجميعهم للقرائن في بحوثهم الفقهيّة والرجاليّة؟ وهل أنّ تكوّن البذور الأوليّة لنظريّة الاحتمال الرياضيّة في مناخ ألعاب الحظ والقمار، بدءاً من لوسا باسيولي وجيرولاموا كاردانو ونيكولو فونتانا تارتاجليا، مروراً بجاليليو جاليلي في أجوبته الرياضيّة عن أسئلة صديقه المقامر، وصولًا إلى بليز باسكال في جوابه عن سؤالي شيفلييه دي ميريه المتعلّقين بالقمار كذلك .. هل هذا التكوّن التاريخي يجوّز لنا تسطيح المسألة التي تغيّرت ماهيّة البحث فيها بشكل شبه كامل في مطلع القرن العشرين مع هنري بوانكاريه وألفرد نورث وايتهد وبرتراند رسل وريتشارد فون مايسز وهانز رايشنباخ وجون ماينار كينز وأندريه كولموغوروف وكارل بوبر وشارلي دنبر برود وردولف كارناب وغيرهم الكثير .. لتصبح من أعقد وأعوص المشكلات التي يواجهها البحث الفلسفي للفكر البشري عموماً .. هل هذا التكوّن يجوّز تسطيح المسألة إلى هذا الحد؟!
إنّ القطيعة إلى هذا الحد غير قابلة للتحمّل، وإذا قدّر لها البقاء، فالحلُّ الناجع هو أن يلتزم كلُّ طرف الصمت تجاه أطروحات الطرف الآخر ..
الأمر السابع
رجوعاً إلى أصل الموضوع، نجد أنّ الناس قد انتهجوا أحد منهجين، كلاهما لا يخلو من عيب:
السيرة والمسيرة في حقائق ووثائق ج1، ق1، ص: 50
أ- فهم إمّا يغمضون أعينهم عن الواقع وينظرون إلى كائناته بنظّارات ميتافيزيقيّة، ليقنعوا أنفسهم بأنّه واقع مثالي .. وهذا ممّا ينعكس سلباً على وعيهم بدرجة كبيرة، لينعكس ذلك بدوره سلباً ولمرّة أخرى على الواقع نفسه. وهو الحال عند كثيرٍ من الناس وطلبة العلوم الدينيّة.
ب- وإمّا يتسرّعون ويتساهلون في الطعن بدين الناس، لتخرج مسألة التبصّر والنقد عن إطارها الرسالي والتربوي- الذي هو غايتها الأصيلة- إلى إطار التشهير المحض.
وهنا بالذات كلامٌ للسيّد الصدر (ره) يحاكي المسألة من بعيد، حيث يقول:
«وأنا أرى من فضول القول أن أتحدّث عن صحّة التنظيم وضروراته بالنسبة إلى الحوزة لعلاقتها بمستقبلها، فإنّ هذا أعتبره أمراً ضروريّاً لا ينبغي تركه، كما أنّي أعتبر أنّ المستوى الفكري الذي أعيشه معكم قد تعدّى مرحلة النزاع حول صحّة ذلك، وإنّما أتيت بموضوع النظام لكي أنبّه على نقطة مهمّة، وهذه النقطة هي أنّ دعاة التنظيم في الحوزة وأنصار هذه الفكرة لا ينبغي لهم الغلوّ في التحمّس لهذه الفكرة حتّى تصبح هذه الفكرة عندهم غاية ووسيلة تخرج الفكرة التنظيميّة عن حدودها الصالحة، وتعتبرها الحدّ النهائي، وهذا هو موضع الخطر» «1».
ج- وأكاد أرى تغييباً كبيراً لمنهجٍ ثالثٍ أحقّ بالتبنّي، وتتلخّص معالمه في ضرورة وعي الواقع على ما هو عليه، والإقرار قولًا وعملًا بأنّ العصمة لأهلها، والاعتراف بأنّ علماءنا ليسوا معصومين، وبأنّهم ليسوا طينةً واحدة، وبأنّ مسيرتهم حافلة بالاختلاف هنا وهناك، لكن دون أن يستلزم ذلك الطعن بدين أحد منهم، ومحاولة إيجاد العذر الشرعي حتى مع عدم المصادقة على صحّة العمل بنظر أحدنا، ثمّ تمييز حسنات هذا الواقع عن قبيحه، وتبنّي الحق وتولّيه، ورفض الباطل والتبرّئ منه، والعمل قدر المستطاع على رفع ما يُمكن الوقوف عليه من عيوب.
وكما ألمحنا إليه سابقاً، فإنّ غياب الإمامة المعصومة القائمة بالفعل يجعل لافتراض اجتماع الخطأ مع براءة الذمّة حيّزاً واسعاً، إضافةً إلى ما أمرنا به في الأصل من التريّث والحمل على الأحسن قدر المستطاع .. الأمر الذي يستوجب الأناة في إصدار الأحكام، وهو- أي إصدار الأحكام- أمرٌ لشدّ ما ابتعدت عنه.
ولا بأس هنا بالإحالة إلى نصٍّ يسجّل فيه الإمام الخميني (ره) شيئاً ممّا يتعلّق بما نحن فيه؛ فهذا الرجل الذي شدّد على عدم التشاغل بالتناحرات الداخليّة وتشهير بعضنا البعض «2»، حمل في الوقت نفسه وبشكلٍ واضحٍ وعنيف على تيّار سائدٍ في الحوزة العلميّة «3»، وشدّد على ضرورة كتابة التاريخ كما وقع ودون كتمان الحقائق، ولو أدّى ذلك إلى تضرّر بعض الناس «4»، وهو ما يُفهم من كلام الإمام الخامنئي المتقدّم في دعوته إلى إفهامهم بأنّ هذا المريض مريضٌ حقّاً.
__________________________________________________
(1) من محاضرة للسيّد الصدر (رحمه الله) سنة 1385 هـ تنشر قريباً ضمن كتاب (ومضات) عن المؤتمر العالمي للإمام الشهيد الصدر (قدس سره)
(2) الجهاد الأكبر: 30- 40
(3) وسيأتيك في هذه المقدّمة بعض كلماته حول ذلك
(4) نهضت امام خمينى (فارسي)، ط 15، 1: 11 - 12. وقد تقدّم النصّ في مطلع الكتاب، ولعلّه يتكرّر لاحقاً.
|
|
|
|
|