منظر بديع يتزين به المسجد الحرام كل عام ويضرب به المثل العظيم علي علو مكانة ورفعة هذه الأمة،يحدث ذلك كنتيجة طبيعية لمراقبة كل حاج لنفسه وشعورة بعبادة الله وأنه وبكامل كيانه مِلكُ لمن فطر السماوات والأرض، بينما في بقية أيام العام تري الحاج وقد تنافس علي زهو الدنيا، ومن الجائز لديه محاسبة الناس قبل محاسبة نفسه، والأصل في الإيمان أن تحاسب نفسك قبل أن تحاسب غيرك وألا تنظر إلي الآخر أكثر من منظورك لنفسك ولعيوبك، وأنت أيها الحاج من استسلمت لله وانقدت لشرعه تقف الآن بين يدي رحمته ورحاب دعائه، تقف بكل تسليم وخضوع تبتغي وجه الله وتنزه نفسك عن كل ما بدر منك تجاه نفسك والآخرين..فتسأل الله كل خير وتستعيذ بالله من كل شر فهنيئا لمن حضر الحضرة الشريفة خالصا مخلصا وجهه لله باغيا رضا الله وجنته..
في الحج تري صاحب كل لون ولسان يطوفون بالبيت العتيق باغين وجه الحق، فتري الأبيض والأسود والأصفر وتري العربي والأعجمي في طواف داعين الله بالرحمة، لا فرق يومئذ بين سني و شيعي ولافرق بين صوفي وسلفي ولا فرق بين إخواني وعلماني..فالجميع أمام الله سواء" إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، فهذه دعوة أبينا إبراهيم الخليل عليه السلام تتجلي كل عام"ربناواجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم"...لم يقل الخليل عليه السلام ربِ اجعلني فئة أو تيار ولم يقل ربِ اجعلني فرقة أو مذهب، بل دعا لنفسه ولذريته بالإسلام وأن يريه الله مناسك هذا الركن العظيم ويتوب الله عليه فهنيئا لمن عفا الله عنه..
-وحدة الأمة هي هدف كل باغي للحق مريدا وجه الله ومرضاته، فما أكثر ألاعيب السياسة التي غرت الناس هذا الزمان فتجد البعض وقد انساق وراء دعاوي الشيطان بالفُرقة وبالإنقياد وراء من تسبب في نكبات المسلمين، وتراهم قد غلبت عليهم النعرات الجاهلية في ضرب للولاء وللحب لهذا الدين ونُصرته، فهاهم المسلمون يجتمعون في مكان واحد وفي زي واحد ويؤدون مناسك واحدة الجميع أمام الله سواء، فيامن تريد ضرب هذه الأمة أنظر إلي هذا المنظر البديع واعلم أن تكراره كل عام هو تأكيد علي نُصرة هذا الدين وغلبته لقوي الشر والفساد، وأن تقهقر المسلمين الآن ما هو إلا دافع للانطلاق والذي نسأل الله أن يكون قريبا.....