هكذا فإنّ الحياة البشرية ألفة ومحبّة وتعاون .. ولا خير في مَن لا يألف الناس ، ولا يألفونه ، فمثل هذا السلوك الانطوائي والعزلة والابتعاد عن الناس يكشف في بعض جوانبه عن إحساس هذا الشخص بالنقص ، وعدم الثقة بالنفس .. والمعاناة من عقد نفسية ، تحول دون تكوين علاقات انسانية ناجحة مع الآخرين المؤهّلين لهذه العلاقات الطيِّبة ..
فالإنسان الاجتماعي المنفتح الذي يكوِّن علاقات انسانية مع الآخرين .. علاقات صداقة وروابط ، ومشاركات اجتماعية ، هو إنسان يملك الثقة بنفسه .. وذو سلوك صحِّي .. إنّه يشعر بالسعادة والارتياح في علاقات الصّداقة السّليمة ، عندما يمنح الآخرين حبّه وثقته وإخلاصه ، ويُبادله الآخرون مثل هذه المشاعر والأحاسيس الانسانية .. فيما تُولِّد العزلة والحالة الانطوائية في كثير من الأحيان ، الكآبة ، والتوتّر النفسي والقلق ..
إنّ الصّديق يدخل في علاقات وُدٍّ مع أصدقائه .. من الأحاديث المسرّة والمرح والمشاركة الرياضية ، أو تبادل المعلومات ، أو العون المادِّي ، أو العمل الانتاجي المشترك ، أو المساهمة في خدمات إنسانية أو اصلاحية مشتركة .. فيشعر بالرِّضا أمام نفسه ، وأمام ربّه سبحانه ، وأمام الآخرين .. ويستطيع عن طريق العلاقة بالأصدقاء الطيِّبي الخُلق والسلوك أن يُعبِّر عن طاقاته
ومشاعره الأخوية ، ويكوِّن جوّاً نفسياً مريحاً وسعيداً ..
والصّديق كما يكسب من أصدقائه بعض صفاتهم الطيِّبة ، وكفاءاتهم الإبداعية ، ولباقاتهم الحسنة ، ومعلوماتهم الثقافية ، فإنّهم يستفيدون منه أيضاً ، فيستطيع عن طريق الصّداقة أن ينفع الآخرين ، وينقل اليهم خبراته ومعارفه وحُسن خُلقه وأفكاره النافعة .. فيشعر بقيمة شخصيّته ، وبالثقة بنفسه ، فإنّه يكتشف ذاته وشخصيته من خلال العلاقة بالآخرين ، وقدرته على التعامل معهم ، والتأثير الحسن بهم .. فتتجسّد أمامه قدرته التي يحتاجها الآخرون .. وكلّ ذلك يبعث في نفسه الرِّضا والإرتياح والثقة ..
إنّ الشخصية المسلمة تنطلق في تقييم العمل والسلوك من مقياس الخير والنّفع الّذي أوضحه الهادي محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله :