حواري ضيقة ، وبيوت صغيرة بنيت ممزوجة بعرف بانيها ، وأحجار تحكي تعب رجال وسهر نساء . جو من الإيمان والعمل دنيك الخليطين الذين مااجتمعا إلا وخلقا مجتمعاً متميز.
تلك هي رأس رمان إحدى ضواحي مدينة المنامة العاصمة وفي إحدى حواريها وأزقتها هناك بيت تجمعت فيه خصالٌ ، فبين عالم رباني وأب مكافح وأم فهومة خطيبة بين النساء ولد فيه ولد. هو السيد جواد بن السيد فضل بن السيد محمد بن السيد يوسف بن السيد علي بن السيد يوسف الوداعي. أخذه جده السيد علي بن السيد يوسف الوداعي أذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى وأجرى عليه باقي السنن.
وبما أن ذلك البيت أبتلي بما أبتليت به معظم البيوت في ذلك الزمان من موت للأطفال ، أحيط ذلك الطفل بعناية خاصة خصوصاً وأنه كان الوحيد لوالديه السيد فضل والسيدة هاشمية. فكانت طفولته كما يحكي طفولة مليئة بالدلال والعناية وقد ساهمت تلكم التربية في نشأته وهو معافاً من أمراض نفسية وجسدية ، فهو لم يشعر بالنقص في شيىء .
والمعروف أن تكوين العائلات في ذلك الزمان يتميز بشكل التجمعات حيث يكون البيت يضم أكثر من عائلة وهذا بدوره ساهم في زيادة العناية به نتيجة التواجد خلاته في نفس البيت والاتي بدورهن حرمن من نعمة الولد أو أنهن أنجبن ولم يقدر الله لأولادهن الحياة ، فكن جميعاً يفرغن حنانهم وعطفهن على (الولد السيد).
وحيث أن وظيفة السيد فضل كانت في البداية قص الحجارة من البحر وبيعها على البنائين ثم أشتغل بالتجارة في المواد الغذائية فقد كان عمله يحتم عليه الغياب طويلاًً عن المنزل ، فأخذ الجد العالم سماحة السيد علي على عاتقه أن لا يترك سبطه وحيداً فكان لصيقاً له في حله وترحاله.
ويحكي السيد عن تلك المرحلة بأنه هي التي بلورت شخصيته فكان يرى كيف كان جده شديداً في ذات الله شديد الهمة في تطبيق شرعه، نزيهاً، تقياً،هذه هي الصفات التي أكسبته إحتراماً في أوساط الناس فكانو يتبركون بباب منزله ويشربون فضله وضوئه.
والجد بدوره لم يكن يبخل على سبطه بأي شيىء فكان المعلم وكان المرشد والمربي . وتلك هي بداية السيد جواد مع دراسة العلوم الدينية ، وقد سئلته مرة مادفعك نحو هذا الطريق فقال جدي ووالدي فقد كانت والدته العالمة الفاضلة دافعاً أخر له نحو تعلم العلوم الدينية .
بلغ السيد سن الرشد وكانت أمنية تلك العائلة الشفوقة أن ترى أبنها عريساً فتزوج وهو في السادسة عشرة من أبنة خاله السيد يوسف بن السيد علي وأنجب فيها السيد علوي والسيد محمد ثم بعد بعد عامين أو ثلاثة من ذلك التاريخ تزوج بزوجته الثانية سليلة العلماء بنت الشيخ خلف بن الشيخ أحمد العصفور وأنجبت منه السيد سعيد والسيد أحمد والسيد عبدالإله وبعد سنوات قليلة من تاريخ ولادة السيد عبد الإله كان لذلك البيت أن يفقد وفي سنة واحدة أن عمدين من أعمدته ألاوهما السيدة هاشمية والسيد علي أبوها ، وقد هزا دينك الحدثين السيد من أعماقه .
وكانت هذه نقطة تحول هامة في حياة السيد حيث عزم على الهجرة إلى الله مجاهداً في طلب العلم وكانت النجف منارة العلم والعلماء مقصده الأول.
حيث هاجر هو وعائلته إلى هناك وبدء على الفور في مباشرة الدرس في أرقى الحوزات العلمية وهناك تتلمذ على يد اساتذة أفاضل أمثال السيد محسن الحكيم المرجع الاعلى أنذاك والسيد أبو القاسم الخوئي والسيد علي التيريزي والسيد محمد باقر الصدر، كما حضر دروساً للشيخ محمد أمين زين الدين وغيرهم من فطاحل الزمان . والجدير بالذكر أن علاقته بالشيخ المرجع الديني محمد امين زين الدين كانت علاقة عميقة فكان رحمه الله ملهماً للسيد ومعلماً شديد للصوق به. كما أن له علاقة قوية بالخطيب المفوهه المرحوم الشيخ أحمد الوائلي .
وزامل في تلك الفترة من علماء البحرين كثير أذكر منهم على سبيل الإجمال لا الحصر السيد علوي الغريفي والذي يعتبر كما يصرح بذلك السيد ( أخاٌ لم تلده أمي ) والشيخ أحمد العصفور والشيخ عبدالأمير الجمري والشيخ سليمان المدني والشيخ سعيد العريبي وأخوه الشيخ محمد صالح والشيخ محمد الجفيري والشيخ عبد الحسين الستري ، كما كانت له علاقة وثيقة بالشيخ عبدالله المصلي والشيخ عبدالحسن الجدحفصي والشيخ منصور الستري .
وقد تميز سماحته طوال فترة الدراسته في النجف ببراعته في تدريس مواد المقدمات والسطوح فقد كان كبار من العلماء أمثال السيد حسين كاشف الغطاء والسيد بحر العلوم ينتذبون أبنائهم للتتلمذ على يد سماحته في كتاب الشرائع واللمعة الدمشقية .
كما أشتهر بيته ومجلسه بالكرم حيث لا يخلو اسبوع دون أن تكون لديه ضيافة رغم ضعف حاله المادي وعوزه .
وبعد مرور عشرون عاماً قضاها في طلب العلم في مدينة النجف وبعد أن أثقلت الأمراض والده السيد فضل الذي كان سنده المادي أضطر السيد إلى ترك المدينة المقدسة والعودة إلى البحرين بعد أن أنجب معظم أولاده هناك وحيث أن ثقل العائلة وكثرة مصاريفها قد ألقت بضلالها على السيد قام بممارسة خدمة الحجاج والمعتمرين فقد كان متعهداًَ لأربعين سنة أو أكثر بخدمة الحجاج والمعتمرين وكان أشهر المقاولين من حيث نزاهته وتحرزه في تلك الخدمة .
ومازال سيدنا إلى يومنا هذا أمد الله في عمره ورغم مايعانيه من أمراض وضعف مجاهداً مثابراً علىخدمة الدين حيث أنشىء حفظه الله حوزة الإمام الباقر (ع) في قرية بابار والتي تغطي مختلف شرائع المجتمع من طلبة للعلوم الدينية وطلبة المراحل الدراسية المختلفة من الجنسين .
كما ان له نشاطاً بارزاً في وكالة عدد كبير من المؤمنين وهو في ذلك النشاط الورع التقي الزاهد وقد شهد بذلك كبار المراجع امثال المراجع الشيخ محمد أمين زين الدين والسيد علي السيستاني حفظه الله والسيد محمد سعيد الطباطبائي وغيرهم من السابقين واللاحقين .
ودوره الإجتماعي والسياسي غير خاف على أحد من أهل البحرين فهو كالأسد لا يغتر عن حماية شريعة جده (ص) ورعاة الدين والمتدينين في مختلف مجالات الحياة .
ختاماً نبتهل إلى الله أن يديم نعمة بقائه وأن يسبغ عليه نعمة الصحة والعافية وأن يكثر من أمثاله ولا أحرمنا الله نعمة وجوده المقدس .